array(1) { [0]=> object(stdClass)#13018 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

السعودية وتركيا وتوازنات الشرق الأوسط الجديد

الأربعاء، 01 نيسان/أبريل 2009

السعودية وتركيا بلدان يقفان متقاربين إزاء العديد من القضايا في اتباع الطرق الدبلوماسية للحفاظ على الأمن الإقليمي، كما تبدى ذلك في العراق قبل احتلاله ورفض تقسيمه والموقف من الملف النووي ومعارضة استخدام القوة.

إن لقاء الزعامتين السعودية والتركية أتى في منعطف حاسم لمشكلات المنطقة تتخطى آثارها الحدود الإقليمية والوطنية، لأن البلدين يمثلان طرفين مؤثرين في مجرى العلاقات الدولية، فالمملكة العربية السعودية تعتبر زعيمة العالم الإسلامي بحكم الموقع والمعتقد والدور، بينما تمثل تركيا نسيجاًأورو آسيوياً ولاعباًإقليمياً تتمتع بجوار إسلامي وعضوية في الحلف الأطلسي.

ولكن استهداف تركيا بمحاولة إبعادها عن موقع صدارتها في العالم الإسلامي عندما انحازت فرنسا إلى جانب الأرمن في مشكلتهم مع تركيا واتهامها بارتكاب مجازر بحقهم في المرحلة العثمانية، إلى جانب الموقف الفرنسي الرافض لانضمام أنقرة إلى الاتحاد الأوروبي وتشجيعها الدول الأوروبية الأخرى على أن تحذو حذوها، كل ذلكأضعف من أمل الحكومة التركية في تحقيق الهدف الذي تسعى إليه منذ حوالي نصف قرن، وهي التي انضمت في عام 1959 إلى المجمع الاقتصادي الأوروبي وتقدمت بطلب العضوية عندما كان عدد الدول التي أسسته لا يتجاوز ست دول فقط، ولا يزال طلبها منظوراً بعدما أصبحت منظومته تضم 27 دولة.

التعاون الاستراتيجي المشترك بين السعودية وتركيا ومصر يمكنه أن يعيد توازن الشرق الأوسط الجديد

ورفضت تركيا الغوص في المستنقع العراقي بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 رغم الإغراءات والتهديدات الأمريكية، وكان رجب طيب أردوغان حجر عثرة أمام التقدم الأمريكي في العراق ومحاولات تقسيم العراق الذي تبناه مجلس النواب الأمريكي، الذي بعث برسالة تحذيرية مكشوفة لأنقرة نفسها على أنه قادر على اتخاذ قرارات أكثر خطورة تعني الداخل التركي في مسائل بالغة الحساسية والخطورة نتيجة للتساهل التركي حيال العودة الروسية والصعود الإيراني ومقاضاة أردوغان مباشرة بسبب وقوفه إلى جانب (حزب الله) في معركة جنوب لبنان ورفضه التخلي عن (حماس) في أحلك الظروف.

ورغم أولويات تركيا الأمنية والسياسية الداخلية فإنها لم تقع في الفخ الإسرائيلي الذي يريدها أن تتخلى عن الاعتدال والتوازن في سياساتها الإقليمية التي تبنتها كي تفرط في نسف جسور وقواعد تنسيق العلاقات والاتصال مع العالمين العربي والإسلامي، وعلى الأخص مع السعودية لأن إسرائيل تدرك أن الدولتين تكملان بعضهما بعضاً، فحاولت إسرائيل الدخول على الخط المباشر ومساعدة تركيا في مواجهة حزب العمال الكردستاني، وقدمت إلى تركيا كافة الخدمات والدعم الأمني واللوجستي عبر عرض خدمات القمر الصناعي الإسرائيلي (أفق) وبيع طائرات (حيرون) للتجسس من دون طيار وأجهزة رصد وتنصت بتكنولوجيا متقدمة وصواريخ (آرو- 2) ومروحيات عالية الجودة وتنسيق استخباراتي مباشر، وعرضت إسرائيل على تركيا استعدادها للمشاركة في مشروع خط مائي تركي إقليمي أو غازي أو نفطي يمر عبر تركيا باتجاه الهند وهو ما بحثه وزير الخارجية التركي خلال زيارته إلى نيودلهي مقابل التراجع عن الدعم العلني للسياسات الإيرانية والسورية الإقليمية سواء في موضوع التسلح النووي الإيراني أو التحرك من أجل الضغط على سوريا لدفعها إلى التراجع عن سياسة دعم (حزب الله) و(حماس).

وأدركت المملكة العربية السعودية حقيقة النوايا الإسرائيلية،فبادر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز إلى القيام بزيارتين إلى تركيا في عامين جاءت الأولى بعد آخر زيارة للملك فيصل، رحمه الله، مر عليها أربعون عاماً، وتوجت الزيارة الأخيرة التوقيع على ست اتفاقيات ثنائية بين البلدين تركزت على الاهتمام بالعلاقات الاقتصادية وتنسيق المواقف من القضايا السياسية.

وتعد تركيا الآن منأهم 15 دولة صناعية في العالم إلى جانب أنها تحتل المرتبة السادسة بين أفضل الدول المنتجة والمصدرة للمنسوجات،بالإضافة إلى كونها قوة عسكرية يحسب لها حساب، وأوروبا تريد أن تظل علاقاتها بتركيا في مرحلة(خطوبة) دائمة لا تنتهي بزواج، فالشراكة الاستراتيجية بين الشركات السعودية والتركية تمكنهما من التوجه نحو الأسواق الأوروبية والآسيوية، باعتبار أن القطاعين الخاص في البلدين يملكان قوة فاعلة في تطوير العلاقات التجارية والاقتصادية، لأن السعودية وتركيا هما من الاقتصادات العشرين الكبرى في العالم، وأن حجم التجارة الخارجية لتركيا ارتفع من 14 مليار دولار عام 1982 إلى نحو 200 مليار دولار، وتشكل الصادرات الصناعية 90 في المائة من مجمل الصادرات التركية بعدما كانت الصادرات الزراعية تحتل المرتبة الأولى بنسبة 80 في المائة من مجمل الصادرات.

فهذه الشراكة هي التي استطاعت أن تسحب البساط من الإغراءات الإسرائيلية لتركيا، وستصبح نقطة تحول تاريخية لمحاصرة المخططات الخارجية وتدخلاتها في أمن منطقة الشرق الأوسط وإعادة ترتيب أوراق المنطقة بما يتناسب مع حقوق دولها بشكل متوازن.

ودائماً ما يلعب اللوبي الصهيوني على وتر إيجاد صراع قومي بين الأمم المسلمة الثلاث في منطقة الشرق الأوسط (العربية والتركية والفارسية) في الجانبين الجيوسياسي والجيواستراتيجي تضيف إليهما إمكانية اصطدام البعد المذهبي (سني / شيعي).

 ويدرك اللوبي الصهيوني فضل الأتراك على الأمة الإسلامية ومدى خطرهم في الماضي على الأوروبيين الذين استطاعوا أن يقضوا على بقايا الدولة البيزنطية التي عجز العرب من قبل عن إسقاطها ثم اندفعت في البلقان وشرق أوروبا ثم استدارت نحو الصفويين ومن بعدهم القاجاريين على مدى مائة وخمسين عاماً عندما انتزعت من الإمبراطورية العثمانية الشام ومصر زمن سليم الأول وابنه سليمان القانوني  (1520- 1566) واقتحمت تركيا عواصمها عدة مرات (تبريز وهمدان وأصفهان) من دون أن تستقر فيها.

وحاول اللوبي الصهيوني أن يجعل الأمة العربية مبتذلة من قبل التجاذب الإيراني-التركي، لكن الفرق بين تركيا وإيران أن الأولى استطاعت في العقدين الأخيرين أن تجري مصالحة بين القومي والثقافي (الإسلامي) في تكوينها بعدما كانت هي وإيران في التحالف الغربي زمن الحرب الباردة عندما كان العرب منقسمين بين الفلكين، وخرجت إيران من الفلك الغربي عبر الثورة الإسلامية باشتباك دائم مع سائر الأطراف الغربية والإسلامية، أما العرب فلم يستطيعوا توحيد أنفسهم بعدما كانوا منقسمين بين فلكي الحرب الباردة.

ودخل التعاون الاستراتيجي السعودي-التركي مرحلة حاسمة لتحييد الاختراق الإيراني للهيمنة الأمريكية عن طريق ضرب التوازنات في المنطقة العربية تسببت في تغول جهات عدة على مصالح العرب المشتركة.

ورأت السعودية في تركيا التي عادت واستطاعت أن تمتد في آسيا الوسطى والقوقاز أن لديها وظيفة مهمة وعنصر توازن لا صراع على خريطة (الشرق الأوسط الجديد) خصوصاً أن تركيا استطاعت أن تجري تجربة تقارب بين الدين والدولة وأقامت تجربة تنموية كبيرة جداً.

وهذه الرؤية هي عكس رؤية إسرائيل التي ترى أن توازنات الشرق الأوسط الجديد (باعتبار أنها أكثر الدول انفتاحاً وديمقراطية في المنطقة)، وأن عصر القوميات المتشددة أفل مع انتهاء زمن الحرب الباردة،وأن المنطقة أصبحت مفتوحة بعضها على بعض، وتريد إسرائيل أن تكون هي مركز هذه المنطقة المفتوحة، وأن تحقق هذه النظرية من خلال الحرب لا من خلال السلام والتنمية.

فإذا كان من حق إيران أن تشارك في توازنات الشرق الأوسط الجديد وفي أمن المنطقة، فإنها في الواقع تمارس أساليب تساهم في زعزعة الاستقرار خصوصاً عند العرب أكثر مما هو عند إسرائيل لأنها عادت بعد عام 2002 إلى ممارسة تصدير الثورة أو نشر النفوذ في العالمين العربي والإسلامي.

ومن أبرز مؤشرات التغير النسبي في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه المنطقة الانفتاح المتبادل بينها وبين إيران وهي أغلبها لقاءات وتفاهمات مقتضبة وفي السر تتعلق بملفات أساسية بين الطرفين فيما يتعلق بالدور الإقليمي لإيران في ظل ترتيبات أمنية واستراتيجية جديدة وهو سيكون من أهم الملفات، لكنه على حساب دول الخليج وبقية الدول العربية، وتسمي أمريكا هذه الرسائل بمنظومة الحوافز التي تقدمت بها الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن إلى إيران، وقضية الحوافز ليست جديدة، وإنما الجديد يكمن في المكاسب الاستراتيجية الدولية التاريخية لإيران من أجل أن تتنازل عن (النووي) وتستبدله باستخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية.

وقد تنبهت المملكة العربية السعودية لهذه الوثيقة وأدركت أن تركيا تمتلك رؤية استراتيجية بعيدة المدى وبإمكانهما أن يتوصلا بقدراتهما المشتركة إلى طرح مواقف وسياسات منفصلة عن الغرب عندما تتضارب المصالح أو تتعارض مع تطلعات ورغبات شعوب العالم الإسلامي والقدرة على ترجمة كل ذلك عملياً وتحويله إلى مشاريع وبرامج التقاء وتعاون في أكثر من مكان.

قامت تركيا بأكثر من عشرين زيارة لمسؤولين أتراك كبار إلى العاصمة السعودية

وبالفعل قامت تركيا بأكثر من عشرين زيارة لمسؤولين أتراك كبار إلى العاصمة السعودية أفشلت كل حسابات المعارضين في وجه هذا التقارب خصوصاً بعدما أعلن الرئيس التركي عبد الله غول أمام مجلس الشورى السعودي دعم تركيا لمبادرة السلام السعودية الأخيرة من أجل حل الصراع العربي – الإسرائيلي منتقداً القيادات الفلسطينية التي لم تلتزم باتفاقية مكة، وكرر رفضه لسياسات تقود إلى دولتين فلسطينيتين على الأرض العربية المحتلة، وأعلن عن تطابق الرؤى في التعامل مع أكثر من ملف وقضية مشتركة وفي مقدمتها الملف النووي الإيراني والوضع في الخليج والموضوع العراقي والقضية اللبنانية، وكل هذه الأمور قطعت الطريق على أحلام المراهنين بإعطاء زيارة غول إلى السعودية طابع التعاون التجاري الاقتصادي بل كانت الأولوية هي للصراحة والواقعية العملية في التعامل مع أزمات المنطقة ومشكلاتها رغم اختلاف البنى السياسية بين الطرفين، حيث قال الرئيس التركي غول (إن إيران هي دولة جارة وصديقة ومهمة بالنسبة إلينا). وأضاف(إن السلم الإقليمي هو مركز الثقل في تحركاتنا واتصالاتنا وجهودنا التي نبذلها، وعلى البعض أن يكون واضحاً معنا عند ترتيبه لأولوياته وحساباته)، فالملفات لن تظل مفتوحة كما كانت في السابق، ولا يمكن لأي شخص أن يراهن على جني الأرباح على حساب تضميد الجراح.

كما أن التعاون الاستراتيجي السعودي-التركي أزعج إسرائيل التي اتجهت فجأة إلى شن حملات تهديد لأنقرة اقتصادياً وقالت إن الطائرات الإسرائيلية التي تحمل السياح إلى تركيا ستذهب فارغة، إلى جانب صدور تصريحات متكررة من الجانب الإيراني بخصوص تبعية مملكة البحرين للجمهورية الإسلامية رداً على التعاون الاستراتيجي السعودي-التركي ونجاح السعودية في إقناع روسيا بضرورة التعامل مع الملف النووي الإيراني بواقعية ما جعل روسيا تنفي اعتزامها بيع أنظمة حديثة لإيران، وأنها تتحفظ حالياً على تسليم إيران أنظمة الدفاع الجوي (إس 300) بحجة أنها لا تريد عرقلة الحوار مع الإدارة الأمريكية الجديدة (جريدة الشرق الأوسط في 18 /2/2009) مع العلم أن روسيا لا تزال تزود طهران بصواريخ (تور –إم1) التي يبلغ مداها 12 كيلو متراً، بينما يبلغ مدى (إس 300) ما يقرب من 300 كيلو متر.

ولم يتوقف الأمر عند تصريحات إيران عن البحرين، بل قدمت تحذيرات لسوريا من نائب الرئيس الإيراني برو بزداودي في مؤتمر صحافي مشترك في طهران مع رئيس الوزراء السوري محمد ناجي عطري بقوله على سوريا (المزيد من الحذر من حيل الأعداء).

تركيا استطاعت في العقدين الأخيرين أن تجري مصالحة بين القومي والثقافي (الإسلامي) في تكوينها 

إن انزعاج إيران أتى من التقارب السعودي-التركي، والتقارب التركي-المصري، والتقارب السعودي-السوري خصوصاً بعد الدعوة التي تلقاها الرئيس بشار الأسد من سعود الفيصل لزيارة السعودية (التي قام بها في مارس الماضي) لتدعيم موقف المصالحة العربية،مما يهدد أولويات أوراق الدور الإيراني في المنطقة.

إن التعاون الاستراتيجي المشترك بين السعودية وتركيا إلى جانب مصر باعتبارها دولاً وكيانات مؤثرة في المنطقة يمكن أن يعيد توازنات الشرق الأوسط الجديد وليس إسرائيل أو أمريكا أو الدور الإيراني بمفردها على حساب الأدوار الأخرى في المنطقة، لكن السؤال المهم كيف يمكن للدورين السعودي والتركي أن يحتويا غضب الإيرانيين من هذه التحركات المشتركة الجديدة التي تحد من توسع النفوذ الحيوي لإيران في المنطقة خصوصاً أن إيران لديها أوراق يمكن أن تلجأ إلى استخدامها كورقة ولاء الشيعة في المنطقة لعصمة ولاية الفقيه مما يساهم في زعزعة أمن المنطقة؟

إن الحل يكمن في إقناع إيران بأن العرب وإيران وتركيا أمم تنتمي إلى حضارة إسلامية مشتركة قادرة على أن تكون أساساً متيناً لبناء قوة إقليمية فاعلة على مستوى العالم.

 

 

مجلة آراء حول الخليج