array(1) { [0]=> object(stdClass)#13019 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

التنافس التركي- الإيراني على النفوذ في المنطقة العربية

الأربعاء، 01 نيسان/أبريل 2009

يتناول هذا المقال محددات التنافس التركي- الإيراني في المنطقة العربية، والعوامل التي تحول دون تحول هذا التنافس في الوقت الحاضر إلى صراع بينهما، ومنها التوازن الموجود على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية. كما يتناول المقال أهمية المنطقة العربية في الأجندة الإيرانية والتركية وآليات ووسائل تحرك كل منهما في هذا المجال ومستقبل التنافس بينهما على النفوذ الجيو-سياسي لهذا الحيز.

قد لا يبدو جلياً للمراقبين وجود تنافس إيراني- تركي على النفوذ في المنطقة العربية، وذلك بسبب العلاقة الجيدة بينهما في السنوات الأخيرة. لكن الحقيقة أن التنافس موجود بين الطرفين وعلى مختلف الصعد، وهو غير محصور في الفضاء العربي وإنما يتخطاه إلى مناطق متعددة أيضاً سواءً في آسيا الوسطى أو القوقاز أو الشرق الأوسط. وتحول العديد من العوامل دون صعود مستوى التنافس إلى الصراع في الوقت الحاضر بين الطرفين، وأهمها وجود توازن في ميزان القوى بين الطرفين إن صح التعبير في مختلف المجالات.

 مؤشرات عامة

 

تركيا

إيران

تاريخ الاستقلال/التحول

29/10/1923

1/4/1979

مساحة البلاد

 780,580 كم2

1.6 مليون كم2

عدد السكان

71,892,808

65,875,224

نسبة النمو في السكان

1  %

0.79 %

قوة العمل

23.21 مليون

24.35 مليون

نسبة البطالة

7.9%

12.5 %

أشهر الصناعات

النسيج، الأغذية، المناجم، السيارات، الكهربائيات، البناء

النفط، البتروكيماويات، الأسمدة، البناء

عدد مستخدمي الهاتف الخلوي 2007

62 مليوناً

29.77 مليون

عدد مستخدمي الإنترنت 2007

36 مليوناً

23 مليوناً

Source: CIA, FACT BOOK, 2008

* على الصعيد الاقتصادي:

تمتلك تركيا واحداً من أهم الاقتصادات النامية في العالم، وعلى الرغم من أن هذا الاقتصاد كان على شفير الهاوية قبل استلام حزب العدالة والتنمية الحكم بسنوات قليلة، فإنه أصبح الآن أكبر اقتصاد إسلامي، ويحتل المرتبة الـ 15 عالمياً وهو مرشح لأن يدخل ضمن دائرة العشر الأوائل خلال السنوات القليلة المقبلة، علماً أن تركيا دولة غير منتجة للنفط، بل يشكل الأخير عبئاً كبيراً عليها لا سيما في ظل الارتفاع الهائل لأسعاره في الفترة الماضية، حيث بلغ حجم وارداتها النفطية حوالي 20 مليار دولار وهو ما يوازي حجم عائداتها السياحية لعام 2006.

وبلغ الناتج المحلي الإجمالي وفقاً للأرقام الرسمية التركية في عام 2007 حوالي 663 مليار دولار أو ما يوازي 887 مليار دولار إذا ما قيس بالنسبة للقوة الشرائية، علماً أن الصادرات التركية التي يغلب عليها الطابع الصناعي بلغت وحدها حوالي 107 مليارات دولار.

أما إيران فيقوم اقتصادها الريعي على النفط بشكل أساسي، إذ شكلت عائدات النفط نحو 85 % من جملة الصادرات الإيرانية عام 2006، كما أسهمت الصادرات النفطية بحوالي 70 في المائة من إيرادات الموازنة العامة للعام 2007. وعلى الرغم من أن إيران تمتلك ما يقرب من 10 في المائةمن احتياطي النفط العالمي المؤكد، ومع أن أسعار النفط درّت الأموال على الاقتصاد الإيراني، إلا أن الأرقام تشير إلى أن الناتج المحلي الإجمالي للبلاد يساوي أقل من نصف الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد التركي من دون أن نذكر معدلات التضخم التي تعتبر نسبتها من الأعلى في العالم بالإضافة إلى نسبة البطالة العالية جداً.

 مؤشرات اقتصادية للعام 2007

 

تركيا

إيران

الناتج المحلي الإجمالي

316 مليار يورو

165 مليار يورو

حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي

4292 يورو

2323 يورو

النمو في الناتج المحلي الإجمالي

5 %

5 %

نسبة التضخم

8 %

17.8 %

الحساب الجاري إلى الناتج المحلي الإجمالي

7.3 %-

6 %

الصادرات إلى الناتج المحلي الإجمالي

24.8 %

33.5 %

الصادرات

78 مليار يورو

55 مليار يورو

الواردات

122 مليار يورو

40 مليار يورو

                              Source: DG Trade Statistics, EU..Sep. 2008 + IMF

                  أبرز الشركاء التجاريين من العرب لإيران - 2007

 

المرتبة

الحجم

الإمارات

6

4318 مليون يورو

السعودية

15

1043 مليون يورو

عُمان

16

810 ملايين يورو

سوريا

19

716 مليون يورو

 Source: DG Trade Statistics, EU..Sep. 2008

 أبرز الشركاء التجاريين من العرب لتركيا - 2007

 

المرتبة

الحجم

السعودية

12

2866 مليون يورو

الإمارات

13

2708 مليون يورو

العراق

14

2523 مليون يورو

الجزائر

15

2438 مليون يورو

مصر

20

1155 مليون يورو

 Source: DG Trade Statistics, EU..Sep. 2008

 * على الصعيد العسكري:

تقع تركيا في منطقة هشة من الناحية الجيو-سياسية في مثلث الأزمات البلقاني-القوقازي-الشرق أوسطي. وقد فرض عليها هذا الموقع بالإضافة إلى معطيات أخرى مثل وجود الاتحاد السوفييتي سابقاً على أبوابها، واندلاع الحروب بين جيرانها سواء في الشرق أو الجنوب تحديث وتطوير قواتها المسلحة لتكون قادرة على تحمل مسؤولية الدفاع عن وحدة وتماسك أراضيها ومواجهة الأخطار والتهديدات الخارجية التي قد تلحق بها. ويلاحظ هنا أنه وباستثناء المسألة القبرصية، فإن الجيش التركي لطالما اعتمد استراتيجية دفاعية مركزاً على حماية الحدود من دون المغامرات الخارجية، ولعبت العقيدة العلمانية للدولة دوراً في هذا التوجه.

في إيران أعطى النهج الثوري للدولة بعداً خارجياً للجيش والميليشيات المسلحة 

أما في الجانب الإيراني، فقد أعطى النهج الثوري للدولة والنظام بعداً خارجياً للجيش والميليشيات المسلحة، وانخرطت قواه النظامية وغير النظامية بالعديد من الجبهات، فاحتلت الجزر الإماراتية الثلاث وخاضت حرباً مع العراق، كما أن الميليشيات التابعة للنظام وصلت إلى أراضي دول مثل لبنان. وعلى الرغم من ذلك فإن تركيا وإيران كانا ينظران إلى بعضهما من باب التكافؤ في القوة، علماً أن القوات المسلحة التركية لطالما كانت متقدمة على نظيرتها الإيرانية في العدد والعديد وفي نوعية الأسلحة وإن بشكل طفيف طوال السنوات الماضية.

 مؤشرات عسكرية (نوفمبر/2007)

 

تركيا

إيران

عديد القوات المسلحة

510600

545000

الجيش

402000

475000*

البحرية

48600

18000

الجوية

60000

52000

التجهيزات

 

 

دبابات القتال الرئيسية

4205

1613

ناقلات جند مصفحة

3643

640

الطائرات المقاتلة

435

319

المروحيات

405

257

الغواصات

13

3

قاذفات صواريخ أرض-أرض

غير متوافر

42

قاذفات صواريخ أرض- جو

1113

279

مدافع مضادة للطائرات

1664

1700

Source: IISS, military balance 2008

* من ضمنهم قوات الحرس الثوري حوالي 125 ألفاً

 ميزانية الدفاع (مليار دولار أمريكي)

 

2006

2007

تركيا

8.30

10.88

إيران

6.48

7.16

 Source: IISS ,military balance 2008

 الإنفاق العسكري لتركيا وإيران

 

الإنفاق العسكري (مليون دولار)*

نسبة الإنفاق إلى الناتج المحلي الإجمالي

 

2005

2006

2005

2006

تركيا

10301

11291

2.8 %

2.7 %

إيران**

9057

9849

5.8 %

4.4 %

Source: IISS ,military balance 2008

* بالأسعار الثابتة

** لا تشمل على الأرجح نفقات الحرس الثوري

 * على الصعيدين الثقافي والاجتماعي:

تمتلك تركيا والشعب التركي هوية تركية راسخة يحرص على إظهارها في كافة جوانب الحياة، وقد ترسخت هذه الهوية بمعناها الحديث منذ استقلال الدولة التركية، وجاءت لتعزز القومية التركية للدولة والاتجاه العلماني للنظام، علماً أن التاريخ التركي يرتكز على الطور العثماني السني المذهب. وفي هذا الإطار فإن لعوامل الدين والأدب والثقافة واللغة والفن تأثيراً كبيراً في تكوين الهوية التركية التي يعتز بها الشعب التركي ويمجدها، وقد ساعدت هذه العوامل على تكوين فضاء تركي يمتد من منغوليا في آسيا شرقاً وحتى البلقان في أوروبا غرباً.

الإيرانيون ينظرون إلى أنفسهم على أنهم متفوقون عرقياً وثقافياً على الشعوب المجاورة

أما على الجانب الآخر، فلطالما عرفت إيران نفسها في محيطها ارتكازاً على عامل اللغة الفارسية والثقافة الفارسية، أضيف إلى هذا العنصر فيما بعد البعد المذهبي الشيعي والذي أصبح عاملاً آخر من عوامل التمايز الذي تسعى إليه إيران دائماً لتكون مختلفة عن محيطها. فالإيرانيون ينظرون إلى أنفسهم على أنهم متفوقون عرقياً وثقافياً على الشعوب المجاورة، كما أنهم يعتقدون أنهم يمثلون الخط القويم في الإسلام، علماً أن المذهب الشيعي لم تعرفه إيران رسمياً إلا منذ زمن الشاه إسماعيل الصفوي.

ولذلك وكما نرى، فقد شكل العامل السني والثقافة التركية عنصراً موازياً للعامل الشيعي والثقافة الإيرانية فيما مضى، أما حديثاً فقد شكلت علمانية الدول التركية مع الهوية الإسلامية للشعب التركي عاملاً موازناً لمذهبية الدولة الإيرانية مع قومية الشعب الإيراني.

 * المنطقة العربية في المجال التركي-الإيراني:

ركزت تركيا منذ استقلالها خلال العقود الماضية على الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ولذلك فهي لم تكن تبدي حتى وقت قريب أي اهتمام بموقعها في الشرق الأوسط إلا من زاوية أنها الجسر الذي يستطيع ربطه بأوروبا. بمعنى آخر لم تكن تركيا تبدي اهتماماً بالانضمام إلى حيز إقليمي أو إنشاء أو تزعم تكتلات في الشرق الأوسط، لأنها كانت تسعى وفق رأيها إلى ما هو أهم من ذلك (عضوية الاتحاد الأوروبي)، من دون أن ننفي وجود بعض الجهات –كفكر حزب السعادة- التي كانت تسعى إلى إحياء الفضاء التركي الذي يضم شعوباً تتحدث اللغة التركية، وتدين في معظمها للمذهب السني خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي السابق، لا سيما في البلدان الممتدة من منغوليا في آسيا شرقاً إلى البلقان في أوروبا غرباً.

وفي الجانب الآخر من الصورة، كانت إيران تاريخياً منذ القدم ولا تزال تعتبر منطقة الخليج العربي، منطقة حيوية ذات أهمية استراتيجية وأبعاد إقليمية تسعى إلى السيطرة عليها سواءً بطريقة عسكرية مباشرة أو عبر نفوذها بطريقة غير مباشرة. ويعود السبب في ذلك أولاً إلى نزعة الهيمنة والتوسع الإيرانية، وثانياً إلى ضعف هذه المنطقة التي تعتبر خاصرة رخوة إذا صح التعبير. فالكتل المحيطة بإيران تحد من طموحاتها نظراً لموازاتها في القوة أو تفوقها عليها في كثير من الأحيان، كالكتلة التركية غرباً والكتلة الباكستانية والأفغانية شرقاً والكتلة الروسية شمالاً، وعليه فالممر الوحيد لممارسة النفوذ الإيراني والنزعة التوسعية العدوانية الفارسية يقع دائماً باتجاه العراق ومنطقة الخليج العربي التي تعتبر المجال الحيوي لها.

 * تحول المسار التركي-الإيراني:

في عالم متحول، وفي إطار تغير الواقع الجيو-سياسي في منطقة الشرق الأوسط، وإثر سقوط دول وقوى ونهوض أخرى، وخوفاً من أن يتم شل مسيرة تركيا من خلال إبقائها معلقة على أمل الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، سارع حزب (العدالة والتنمية) منذ توليه الحكم وضمن رؤية استراتيجية واسعة إلى إعادة نسج العلاقات الحسنة مع الجوار العربي، فحلّت تركيا مشكلاتها العالقة مع سوريا ثم قامت بتوثيق علاقاتها بكل من السعودية ومصر والأردن وبقية الدول العربية، وقد كان ذلك مؤشراً جديداً إلى أنها تتحضر لإعادة تموضع (reposition) وفق رؤية مستحدثة تتفق مع خيار الإمكانات المتعددة والدور المحوري الذي تريد تركيا أن تقوم به على الصعيد الإقليمي.

وترافقت هذه الفترة مع رفض تركيا السماح للأمريكيين باستخدام أراضيها منطلقاً للاعتداء على العراق في عام 2003، وترافق أيضاً مع عدد من المواقف المماثلة في الدفاع عن الفلسطينيين، والتي رسخت من صورة (تركيا المستقلة) في الذهن العربي، في وقت كان التحرك الإيراني يهدف إلى استرضاء أمريكا والعمل على الخوض في صفقات معها مقابل خدمات قدمت لها في العراق وأفغانستان، الأمر الذي رسخ فكرة (إيران الانتهازية) في الوعي العربي لدى شريحة واسعة تحسست مخاطر هذا التوجه الانتهازي والاستغلالي، ثم ما لبث أن تطور الوضع بعض إسقاط الولايات المتحدة لنظام طالبان في أفغانستان ونظام صدام في العراق متيحة المجال لإيران للتحرك شرقاً وغرباً ولا سيما باتجاه الخليج والمنطقة العربية، وقد وصل التمدد الإيراني مداه بعدما تعدى هذا الحيز إلى الإطار العربي الأوسع في لبنان وسوريا وفلسطين واليمن والبحرين والسودان وفي كثير من الدول العربية.

 * آليات التحرك الإيراني والتركي في المنطقة

* إيران:

في تحركها لتحقيق (الهلال الشيعي) وهو الطموح الذي عبّر عنه الإمام الخميني وفق ما نقله عنه الرئيس الإيراني السابق أبو الحسن بني صدر الذي قال (كان يريد إقامة حزام شيعي للسيطرة على ضفتي العالم الإسلامي، كان هذا الحزام يتألف من إيران والعراق وسوريا ولبنان، وعندما يصبح سيداً لهذا الحزام يستخدم النفط وموقع (الخليج الفارسي) للسيطرة على بقية العالم الإسلامي، ونظراً لحساسية المشروع الذي يعتبر الركيزة الأساسية لارتقاء إيران كقوة عظمى في منطقة الشرق الأوسط، اعتمدت إيران طريقتين مختلفتين، الأولى تتعلق بمصاعب الاختراق العربي-السني. والثانية تتعلق بمشكلة النفوذ الأمريكي في المنطقة.

وبالنسبة للشق الأول، فقد عمدت إلى اختراق القاعدة الشعبية في الوطن العربي سواء من الناحية المذهبية أو السياسية أو الاجتماعية، ومن الطبيعي أن الورقة الأولى والأساسية في هذا الاختراق للأسف هي الورقة الشيعية العربية (المبايعة للولي الفقيه بالدرجة الأولى)، لكن بما أن هذه الورقة لا تستطيع التأثير في مجمل القرار في الوطن العربي فإنه لا بد من الاستفادة من مكونات المجتمع الأخرى الأكثر عدداً وتأثيراً، ويتم ذلك باللعب على أوتار المقدسات التي تلتغي عند حدودها بالنسبة للمواطن العربي القومية أو السني المذهب التقسيمات والتساؤلات والتشكيكات والتناقضات بل حتى طعنات الأمس وخدع اليوم.

 ويرتكز التحرك الإيراني في هذا الإطار على ثلاث آليات هي:

1- الخطاب الإيديولوجي- الديماغوجي: وهو خطاب شعبوي يتمحور حول مهاجمة إسرائيل وتعظيم شأن فلسطين من دون أن يعكس ذلك حقيقة الأمر، ذلك أن الغاية من هذا الخطاب تحريك الشارع العربي واستقطابه لإيجاد بيئة مهيأة لتقبل النفوذ الإيراني في العالم العربي تحت شعار مقاومة إسرائيل من جهة، ولزعزعة الأنظمة القائمة عبر ضرب العلاقة بينها وبين شعوبها من جهة أخرى.

2- إيجاد أذرع وحركات موالية لها: ويأتي ذلك في إطار تثبيت الزعزعة التي يحدثها الخطاب الإيراني وترجمته واقعاً عملياً. ولذلك نلاحظ أنه في البلدان والأماكن التي يتواجد فيها نفوذ إيراني، هناك حركات وأحزاب تمثل هذا النفوذ بشكل رسمي وعلني وبتبعية عضوية وخاصة عندما تكون شيعية. أما في البلدان التي لا يتواجد فيها الشيعة فيتم التعويل على حركات إسلامية ذات توجه قريب أو حتى امتطاء موجتها تحت شعار المقاومة لاستخدامها كوكيل (Proxy) فيما الهدف الحقيقي استغلالها للأجندة الإيرانية القومية الخاصة. ولم يعد ذلك بخاف على أحد خلال السنوات القليلة الماضية.

3- زيادة القوة العسكرية: وهدفها فرض إيران كقوة إقليمية ذات ردع استراتيجي، ولهذا نرى أن النظام الإيراني يعتمد تطوير قدراته الصاروخية وهي قدرات ذات طابع هجومي، بالإضافة إلى نيته تطوير قدرات نووية كضامن رادع لبقاء النظام ودعم الارتقاء الإقليمي الذي يقوم به في المنطقة. وتكمن خطورة العامل النووي في أنه يلغي القدرات العربية في الضغط على إيران لوقف أو صد نفوذها المتزايد في المنطقة العربية.

 * تركيا:

أما التحرك التركي في المنطقة، فيلاحظ أنه مميز وفريد ليس على مستوى الشرق الأوسط فحسب وإنما على مستوى العالم، إذ تحاول تركيا أن تلعب دور الوسيط بين كافة الدول المتخاصمة وفي كل الملفات الحساسة، يأتي ذلك انطلاقاً من إدراكها أن هذا الدور غير محجوز من قبل أية دولة كبرى، كما أنه يحمل الكثير من الإيجابيات والمنافع لتركيا التي لن يكون عليها أن تنحاز إلى طرف ما في أي صراع، فالانحياز هو إلى الحق المشروع، والتفاهم على ذلك يتم عن طريق الحوار، والمكاسب التي تجنيها تركيا على هكذا صعيد تتمثل في ثلاثة محاور رئيسية هي:

1- على المحور الأوروبي: تثبت أنها فعلاً الجسر الذي يربط الشرق بالغرب، وأنه لا مناص من قبول تركيا في الاتحاد الأوروبي خاصة أنها قادرة على لعب الدور الذي لطالما طالبت به الدول الكبرى، لكنها افتقدت مرجعاً ذا مصداقية لتطبيقه، وها هي تركيا اليوم تعمل وتؤديه بنجاح وبقدرة كبيرة، وليس أقل من ذلك أن تتم مكافأتها لما فيه مصلحة أوروبا المتعلقة في كثير من جوانبها الاقتصادية أو الأمنية أو السياسية في المنطقة.

2- على المحور الأمريكي: يؤدي نجاح تركيا في مسعاها ودورها إلى الترويج للنموذج الديمقراطي العلماني في المنطقة، وهو انتصار لما كانت أمريكا وأوروبا تحاول نشره وتعميمه وترويجه وفشلت فيه إثر الحملات العسكرية التي قامت بها. كما أن نجاح تركيا في دورها في المنطقة يرسخ أهمية المنهج الإسلامي المعتدل الذي يمثله حزب العدالة والتنمية ويسحب البساط من تحت المتشددين في المفهوم الآخر.

3- على المحور العربي: تقدم تركيا نفسها على أنها الوسيط الذي لا بد منه لتجاوز العقبات والصعوبات التي تحيق بالمنطقة سواء تجاه عملية التسوية مع إسرائيل أو تجاه التحدي الذي يفرضه الصعود الإيراني، ويساهم هذا الدور في تطمين الأنظمة والشعوب العربية إلى عدم وجود مساومة على حقوقهم وعلى موقعهم، وأن المصلحة التركية تقتضي توحيد الصفوف وليس تفرقتها.

 ويرتكز التحرك التركي في هذا الإطار على ثلاث آليات أساسية:

1- الخطاب المعتدل: وهو خطاب مغاير ومعاكس للخطاب الإيراني الذي يسبب تشنجات وصدامات، يحترم الآخر ويهدف إلى مخاطبة العقل ويحافظ على التوازن المطلوب بين الحقوق المشروعة والموقف المبدئي من القضايا المحقة. ويعزز هذا النوع من الخطاب عامل الثقة المطلوب توافره في الدور الذي تقوم به تركيا على مساحة المنطقة بأكملها.

2- التركيز على دور (الوسيط): فالدور التركي في المنطقة لا يسعى إلى زعامة على الطريقة الإيرانية، وإنما لإيجاد فضاء متماسك يؤمن مصالحه، وهو في هذا الإطار لا يسعى إلى نزعة هيمنة بالقوة أو التدخل رغماً عن رغبة الطرف الآخر، فالدور يأتي منسجماً مع طبيعة المشكلة وبموافقة طرفي النزاع. بمعنى آخر، يكتسب الدور التركي شرعيته من الأطراف المتنازعة مباشرة وبمباركة منها، وهذا يمنحه حرية حركة أكبر على صعيد الأنظمة والشعوب، فلا يضطر إلى تعكير العلاقة مع أحدهما على حساب الآخر وعلى على حساب دولة دون أخرى ولا بدلاً من دولة دون أخرى بخلاف الدور الإيراني التدخلي الإقصائي الإلغائي والانتهازي.

3- زيادة القوة المخملية (Soft Power): الهدف من ذلك جعل تركيا نواة للدول الساعية للارتقاء إقليمياً من دون انتهاج المنهج الصدامي، وتؤدي هذه الطريقة إلى أن يأتي الارتقاء الإقليمي الجيو-سياسي لتركيا منسجماً مع طبيعة المنطقة وإرثها، ويستمد قوته من النهج الإصلاحي الداخلي على الصعيدين السياسي والاجتماعي مع التركيز على الإنجازات الاقتصادية للبلاد والقوة التي وصلت إليها في هذا المجال، وأيضاً من المنهج الانفتاحي الخارجي على الصعد نفسها، والابتعاد عما من شأنه أن يثير الحزازيات، كأن تقدم نفسها ممثلاً مذهبياً أو عنصراً متفوقاً تاريخياً أو قومياً أو عبر فرض نفسها بالقوة على الآخرين.

 * مستقبل التنافس الإيراني- التركي على النفوذ المنطقة:

لقد كان باستطاعة تركيا سلوك النهج الإيراني نفسهلو كانت أهدافها متماثلة مع تلك الموجودة عند إيران، ولاستطاعت حينها أن تحقق نتائج أفضل من تلك الإيرانية نظراً لتمتعها بأفضليات إقليمية (إرث تاريخي مشترك مع العرب، مذهب سني، حام لتخوم المسلمين تاريخياً). لكن وعي تركيا لخطورة وحساسية النهج الإيراني في المنطقة مستقبلاً، بالإضافة إلى اختلاف الأهداف والرؤى، دفعاها إلى سلوك نهج مختلف يكتسب مصداقيته من خلال تقديم نفسه كعنصر مصالحة واتحاد وليس عنصر تفرقة وتناحر واقتتال. ويمكننا أن نرى الفرق بشكل واضع في النموذج الإيراني المتناقض تمام مع التركي سواء على صعيد تحصين الساحة العربية الداخلية بين مكونات الشعب الواحد أو عبر مساندة القضية الفلسطينية بمواقف عملية بعيداً عن (الشعاراتية) التي تهدف إلى المتاجرة بالقضية.

وليس من المصادفة أن تكون العلاقات الإيرانية-التركية جيدة إلى حد ما، ولعل ذلك يعود بالأساس إلى وجود نوع من التوازن في ميزان القوى الثنائي على الصعيد الإقليمي، لكن المتتبع لمسار النموذجين التركي والإيراني سيلاحظ أنهما سيصطدمان في مكان ما لاحقاً، ليس على رقعة الانتشار ومناطق الهيمنة والنفوذ، وإنما على المحصلة.

 إذ لطالما ذكرنا أن النموذج التركي يسحب البساط من تحت القضايا التي تتخذها إيران ذريعة، وتستخدمها للارتقاء إقليمياً. فالحل الدبلوماسي الذي تطرحه تركيا على سبيل المثال في القضية الفلسطينية وفي العلاقة بين سوريا وإسرائيل يتناقض مع طروحات إيران الثورية التي من مصلحتها الإبقاء على هذه المشكلات للمتاجرة بها. فأي صلح إسرائيلي-سوري سيبعد سوريا عن إيران استراتيجياً. وفي المقابل، فإن بقاء المشكلة على ما هي عليه يكبل تركيا ويحد من تحركها إقليمياً. وكذلك الأمر بالنسبة إلى وحدة الصف الداخلي عربياً، فتركيا تسعى إلى أن يكون هذا الوضع متيناً، بينما نرى أن التحرك الإيراني في المنطقة ساهم في إيجاد شروخ عميقة مذهبية وطائفية وسياسية لم تكن كذلك قبل أن تضع إيران استراتيجيتها للارتقاء الإقليمي موضع التنفيذ.

وفي نظرة شاملة على المعطيات التي تناولها المقال، نستطيع أن نلاحظ أن المستقبل لتركيا في المنطقة إذا بقي الوضع الراهن (Status quo) على حاله، ولم تحصل إيران مثلاًعلى سلاح نووي. فالنهج الإيراني نهج صدامي وتوسعي ويعبر عن أطماع إقليمية ودور انتهازي، أما النهج التركي فهو تفاعلي، طبيعي، معتدل وعقلاني. وعليه تبدو الدول العربية لمعطيات واقعية تعبر عن نقص في القوة الإقليمية في هذه المرحلة التاريخية العصيبة، أكثر تقبلاً الآن لفكرة الاستعانة بالدور التركي في مواجهة النفوذ الإيراني، وإن كانت تركيا لا تسعى إلى تقديم نفسها على هذا النحو منعاً من الاصطدام مع إيران.

 

مجلة آراء حول الخليج