array(1) { [0]=> object(stdClass)#13018 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العلاقات العراقية – التركية ومداراتها المحلية والدولية

الأربعاء، 01 نيسان/أبريل 2009

درج بعض المجددين على القول إن وراء تحديث العراق وتركيا وإيران بعد الحرب العالمية الأولى ثلاث شخصيات مميزة، هي الملك فيصل الأول في العراق و مصطفى كمال أتاتورك في تركيا والشاه في إيران.

 إذا كانت عملية التحديث تلك قد جاءت وفق مفاهيم جديدة منقولة إلى المنطقة، أولاً بعد صراع سياسي وفكري بين المحدثين والمحافظين في الدولة العثمانية خلال وبعد القرن الثامن عشر، وثانياً مع وصول طلائع الاستعمار الغربي إلى المنطقة مع بداية القرن العشرين فإن ثمة تطورات سياسية وفكرية حدثت في هذه المنطقة، أولها ما ظهر من اتجاهات ناقدة لطبيعة الحكم الأتاتوركي في حقبة ثلاثينات القرن الماضي وما تلاها. وثانيها ما حصل من تغير في مسار الاتجاه التحديثي الغربي في العراق بعد ثورة 14 يوليو عام 1958 واصطفاف العراق مع الاتجاه التحديثي الاشتراكي. وثالثها ما حصل في إيران بعد ثورتها على الشاه لتبدأ حقبة جديدة مناوئة للمد الحداثوي الغربي العلماني، ليشكل المتغير الدولي المتمثل في انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1989 مدخلاً حيوياً وحاسماً في رسم خريطة جديدة للعلاقات الإقليمية والدولية، ولا سيما في تحالفاتها المختلفة، فضلاً عن وصول التيار الإسلامي في تركيا إلى الحكم ومحاولة تقديمه نموذج الإسلام المعتدل، كل هذه المتغيرات ألقت بتأثيراتها على مسار العلاقات العراقية – التركية وعلاقات المنطقة عموماً لتشكل في سياق ذلك المتغيرات المحلية في العراق وتركيا وغيرها عوامل مهمة في مدارات تلك العلاقة ولا سيما بعد عام 2003.

 أولاً: العلاقات العراقية – التركية في مدار القضية الكردية

لا يمكن أن ينكر أحد إشكالية القضية الكردية جغرافياً وتاريخياً وتأثيراتها السياسية في العراق وتركيا وإيران وسوريا ومناطق أخرى لا سيما أن الثقافة الكردية تعبر عن ضمير قوم بشري تواجد على هذه الأرض منذ قرون عديدة، وأضحى يعيش وسط التقسيمات السياسية الدولية بعد سقوط الدولة العثمانية والحرب العالمية الأولى ظروفاً صعبة بعد تنامي المد القومي وظهور كيانات سياسية معترف بها دولياً أسهمت في إهمال القضية الكردية وجعلها إشكالية مستديمة في هذه المنطقة، وبهذا ارتبطت العلاقة بين الحكومات العراقية والتركية المتعاقبة بهذه المسألة، وكانت تدور في مدارها باستمرار، كما أن هذه القضية وظفت لصالح سياسات دولية كانت تبحث عن مصالحها ومواقع توازنها الإقليمي والدولي حتى إن الاتحاد السوفييتي آنذاك رافع شعار دعم حركات التحرر في العالم، كان في أكثر الأحيان يعيش حالة من الازدواج في مواقفه بين دلالات ذلك الشعار من جهة وبناء علاقات مهمة مع دول يعتبرها جزءاً من استراتيجية التوازن مع القطب الرأسمالي من جهة أخرى.

العراق يشكل بوابة استراتيجية في التصورات التركية إزاء خريطة المنطقة بأسرها

وعلى أساس هذه الحقائق يبقى الحديث عن تأثير مدار القضية الكردية في مسار العلاقات العراقية – التركية ضمن دائرة المدار السياسي المتغير المحكوم بالمصالح المتبادلة بين الدول، وليس في مدار الثقافة الكردية وتعايشها مع ثقافات شعوب أخرى في المنطقة منذ قرون، فلا مشكلة بين هذه الشعوب تاريخياً، بل على العكس تماماً كان الأكراد خلال التاريخ في طلائع هذه الشعوب في الدفاع عن قضايا الأمة الإسلامية ومصالح المنطقة الحيوية ومساهمين في بناء الدولة الحديثة فيها، لكن الحديث يبقى في مسار سياسي وفق مصالح تمليها الظروف المحلية والإقليمية ولا سيما المخاوف التركية ودول أخرى من تمدد التجربة الكردية في العراق إلى مناطق إقليمية مجاورة. ويظهر ذلك رغم إعلان القيادات الكردية باستمرار أن وجودهم السياسي والجغرافي سيبقى ضمن جمهورية العراق، إلا أن الأتراك لهم رأي آخر مخالف تماماً لما يعلن، الأمر الذي يدفعهم إلى تأكيد حضور الدولة التركية القومية ذات العلاقات المميزة مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل في المحيط الإقليمي كقوة يحسب لها حساب لا سيما بعد التغير الذي حصل في العراق وما يمكن أن ينتج عنه من متغيرات على الساحتين الإقليمية والدولية بعد ما أصبح الأكراد في العراق من القوى الفاعلة في السياسة العراقية الجديدة وما يمكن أن يؤثر ذلك في الوضع الداخلي لتركيا.

وبالمقابل تحاول تركيا أن تضع إصبعها بين آونة وأخرى تصريحاً أو إرسال إشارة بشأن ما يسمى المناطق المتنازع عليها في كركوك والموصل وديالى وغيرها، فضلاً عن العامل الاقتصادي باعتباره محركاً فاعلاً لديناميكية العلاقات العراقية – التركية وما يمثله المنفذ الشمالي في هذا المجال من أهمية اقتصادية للبلدين ولا سيما لحكومة إقليم كردستان ومدى تأثره بالأجواء السياسية السائدة وانعكاس تداعياته على العلاقة بين البلدين أو ما يمكن أن يؤدي إليه هذا العامل في رسم مسار مهم في مجرى العلاقات الثنائية بين البلدين ولا سيما بعد تحسن الأوضاع الأمنية في العراق وما يشكله ذلك من أهمية في فتح المجال أمام الشركات التركية في إعمار العراق وهو ما تراه تركيا مهماً بالنسبة لها.

  فضلاً عن ذلك ما يظهر في المواقف التركية إزاء الوضع في العراق وإعلانها الأخير أن أجواءها وأراضيها ستكون مفتوحة أمام القوات الأمريكية ومساعدتها في حال انسحابها من العراق وهو ما يشكل اهتماماً آخر بهذا البلد وما يجري فيه من تغيرات.

 ثانياً: العلاقات العراقية – التركية في مداريها العربي والإقليمي

لا شك في أن مداري هذه العلاقة لا ينفصلان عن المتغيرات الدولية المتفاعلة والمتصارعة في آن واحد ضمن حسابات سياسية ومصالح متشابكة بعيدة المدى اقتصادياً وجغرافياً وثقافياً على اعتبار أن المنطقة العربية ومحيطها الإقليمي تشكل بؤرة اهتمام عالمي بفعل وجود النفط وكمحطة التقاء الشرق بالغرب ومركز للأديان السماوية ومهد لحضارات إنسانية تليدة. ويظهر ذلك جلياً في تلك العلاقة ولا سيما ما يشكله العراق من بوابة استراتيجية في التصورات التركية إزاء خريطة المنطقة بأسرها، وهو يساوي موقع تركيا الاستراتيجي في الحسابات الغربية باعتباره بوابة النموذج الغربي إلى روسيا وبحر قزوين وتأثيراتها في الشيشان وغيرها على صعيد الحاضر والمستقبل، وتشابك ذلك في حسابات دولية عدة تدور حول هذه المنطقة والمنطقه العربية ومستقبلها المرتبط بوجود إسرائيل وحركة العولمة والشرق الأوسط الجديد.

 وبهذا المعنى فإن العلاقات العراقية – التركية، على الصعيدين العربي والإقليمي كمدارين يتفاعلان بسرعة مع بعضهما لا سيما أن العلاقات التركية – الإسرائيلية باتت عامل قلق للجنوب العربي وما تشكله قضية المياه في هذا الجانب من تهديد اقتصادي بالنسبة لسوريا والعراق زاد تأثيره عند دخول إسرائيل على الخط وبرنامجها المعروف في تحويل مجرى مياه عذبة لصالحها على حساب العرب، فضلاً عن أهداف سياسية أخرى. وإذا كان المد الإسلامي - إن صح التعبير- قد وصل إلى تركيا وهو يعيش صراعه المرير مع الاتجاه العلماني التركي التقليدي فإن ثمة تأثيراً تركياً بدأ يظهر في المدار العربي بعد أحداث غزة الأخيرة على شكل إيماءات إلى أطراف عدة في محيطها الإقليمي على اعتبارها قوة إقليمية لا يستهان بها، وهي معنية بما يجري في فلسطين وغيرها حفاظاً على مصالحها الاستراتيجية في المنطقة بما فيها ما يدور في العراق وما يشكله حزب العمل الكردستاني من تهديد داخلي على أمنها الوطني وتزايد مخاوفها من تنامي التجربة الكردية في العراق وشكوكها اتجاه علاقتها مع حزب العمل الكردستاني التركي، وظهر ذلك من خلال تصريحات متبادلة بين ساسة إقليم كردستان العراق والساسة الأتراك، وما انطوى عليه ذلك من تهديد تركي لإقليم كردستان مما بلا شك يمثل تهديداً لدولة العراق كعضو في جامعة الدول العربية وعضو مؤسس لهيئة الأمم المتحدة.

 ثالثاً: العلاقات العراقية – التركية في مدارها الدولي

لا شك في أن العلاقات العراقية – التركية في الوقت الحاضر تجري وفق المصالح المتبادلة، إلا أنها لا تقع خارج الحسابات الدولية في المنطقة ومنها حسابات الولايات المتحدة الأمريكية، القوة المؤثرة فيها وذات العلاقات المميزة مع تركيا واللاعب القوي في العراق، فعلاقاتها مع تركيا تتعدى الحسابات المحلية، فهي بالنسبة لها عنصر أساسي في التوازنات الإقليمية، فضلاً عن أدوارها في المحيط الإقليمي لروسيا وكذلك إزاء التطورات في الشرق الأوسط وعلى الخصوص عملية السلام فيه، كما يظهر ذلك من توسطها بين سوريا وإسرائيل وما لعبته من أدوار تجاه ما حدث في غزة وربما لها أدوار أخرى إزاء التمدد الصيني في إفريقيا ومناطق حيوية في آسيا وغيرها مما يجعل وزن تركيا الإقليمي بل الدولي يزداد أهمية.

وبهذا المعنى فإن العلاقات العراقية - التركية لا تخرج عن هذا الإطار على الرغم من الإشكاليات المعقدة التي تحيط بالمنطقة وما يتسم به الوضع في العراق من تطورات ولا سيما ما يتصل بمصالحها الحيوية وعلاقة ذلك بالمدار السياسي الدولي، ولا شك أيضاً في أن العلاقات العراقية – التركية أيضاً تجري وفق ما يتم فهمه في مدار السياسة الأوروبية إزاء الشرق الأوسط وإيران، مما يجعل عملية بلورة مثل تلك العلاقة مع العراق لا تتم إلا وفق التصورات التركية عن مستقبل العلاقات العراقية – الأوروبية وبما يتيح لها الفرص المناسبة لبناء علاقات اقتصادية ثقافية مع أوروبا تخدم اتجاهها نحو الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وتأثيرات ذلك في مستقبل العلاقات العراقية - التركية في مدارها الدولي الجديد، وهو أيضاً لا يخرج عن إطار تشابك الأزمات الإقليمية بما فيها الأزمة الأمريكية-الإيرانية وموقف تركيا إزاءها وما يمكن أن يمثله الوضع في العراق من تأثيرات في مسار تلك الأزمة، لا سيما أن العراق يحاول بناء علاقات مع جيرانه وفق مصالحه في الاستقرار والإعمار والبناء، خاصة أن الاتفاقية الأمنية بين الولايات المتحدة الأمريكية والعراق توصي في أحد بنودها بعدم استخدام الأراضي العراقية ضد الغير. 

مجلة آراء حول الخليج