array(1) { [0]=> object(stdClass)#13020 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

دور القطاع الخاص في تطوير العمل الإعلامي الخليجي

الأحد، 01 آذار/مارس 2009

لقد ساهم القطاع الخاص الخليجي في السنوات الأخيرة بنصيب وافر في تطوير الإعلام، ولم يقتصر هذا الأمر على دول الخليج وحدها، وإنما امتد الى دول عربية أخرى عن طريق إنشاء شركات خليجية إعلامية خارج دول مجلس التعاون، أو عن طريق إنشاء محطات ووسائل إعلامية لدول غير خليجية مستفيدة من الانفتاح الخليجي النسبي خاصة داخل المناطق الإعلامية الحرة في دبي. وبالطبع فإن لهذا الامتداد الإعلامي شروطه ومسبباته.

لقد أدت العولمة وما صاحبها من تطور في وسائل الإعلام، وانفتاح الناس على الإنترنت والأقمار الصناعية وغيرها أن اطلع الناس على ما يجري في بقية دول العالم، وتبين أن الفرد العربي يبحث عن الممنوعات في وسائل الإعلام مما يعطي مساحة أقل لوسائل الإعلام وخاصة الرسمية منها للتأثير في اهتمامات المواطنين وتوجهاتهم. ولذلك بدأنا نرى طغيان العولمة وكذلك سهولة الوصول من قبل المشاهد العربي والخليجي إلى وسائل إعلام العالم الأخرى، وأوجد هذا التطور انفراجاً في قبضة الجهات الرسمية وولعها بالسيطرة على وسائل الإعلام المحلية.

ونتيجة لهذا برزت ظاهرتان جديدتان: الأولى هي السماح للإعلام الخاص بأن يظهر وينمو لكن ضمن ضوابط وسقوف محدودة، وبدأت هذه الظاهرة تبرز في كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة. وفي أوائل التسعينات ظهرت إلى المسرح أول قناة فضائية عربية هي (MBC) وتبعتها (ART) و(Orbit). وقد واجهت هذه الشركات الثلاث، وخصوصاً (ART) عَنتاً شديداً في فرض نفسها على مسرح الإعلام. لكن بروز قناة (الجزيرة) بعد ذلك في منتصف التسعينات، وانتهاجها الأسلوب الإعلامي ذا المنهج التهييجي الساخن، وفتحها الباب لكل أصحاب الآراء غير المرغوب فيها في بلدانها لكي تعبر عن آرائها، جعلتها تستحوذ على الاهتمام، مما دفع بالآخرين إلى السعي لاقتناص بعض من مشاهديها.

ومما يتوجب ذكره هنا، أن ظاهرة الإعلام الخليجي الخاص في دول غربية أو عربية كانت مشفوعة بمباركة الجهات الرسمية. ومع أن (ART) كانت مملوكة بالكامل لمجموعة البركة بقيادة الشيخ صالح كامل، إلا أن القنوات الأخرى مثل ORBIT أوMBC، عادت ملكيتها الى أمراء سعوديين منفتحين على العالم، ولهم تواصل مع صناع القرار. أما قناة الجزيرة فقد أُنشئت في الدوحة بتمويل من دولة قطر من دون أن تتدخل في برامجها. ومع هذا، فقد أدى انتشار قناة الجزيرة عربياً ودولياً إلى دفع توماس فريدمان الحائز جائزة (بوليتزر) في الصحافة ليقول في كتابه عن العولمة بعنوان (سيارة اللكزس) و(شجرة الزيتون)، إن قطر قد اكتسبت تأثيراً وقوة دولتين بسبب قناة الجزيرة. ولم يكد يمضي زمن طويل حتى عادت القنوات الفضائية المهاجرة تدريجياً إلى الوطن العربي في التسعينات من القرن الماضي أو في السنوات الأولى من هذا القرن بسبب التكاليف والقيود التي فرضت عليها دولياً أو عربياً حيث كانت تبث برامجها.

أما الظاهرة الثانية التي برزت، وكانت نسيج وحدها، فهي تحويل بعض القنوات المملوكة بالكامللحكومات الدول الخليجية إلى قنوات تدار بأسلوب تجاري يسعى إلى تقليص التكاليف أو تحقيق الفوائض إن أمكن. وقد رأينا قناة (دبي) مثلاً تتوسع في الإنتاج البرامجي الترفيهي. وقد نجحت في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي في أن تستحوذ على سوق المسلسلات التلفزيونية مستعينة على الأخص بالأدبيات المصرية والأردنية والكفاءات الإخراجية والتمثيلية في مصر، بل سطع بعض النجوم من الممثلين والكتّاب في هذه البرامج. واستطاعت هذه القناة أن تفرض برامجها على معظم المحطات الرسمية العربية، وأن تدخل في مجال الإنتاج المختلط الذي يمزج بين الكفاءات العربية المختلفة في مسلسل واحد من الكتابة إلى التصوير، ثم الإخراج والتمثيل والمونتاج. وكان هذا النموذج من شراء الخبرات في بلد لا توجد فيه مثل هذه الخبرات كإمارة دبي، ناجحاً تجارياً وإعلامياً. ولكن تلفزيون دبي لم يتمكن من الاستمرار في هذا الأمر، وكذلك استوديوهات عجمان، بسبب المنافسة التي برزت في دول مثل الأردن وخاصة المسلسلات البدوية، ومصر التي عادت إلى المسلسلات المصرية بقوة، وبداية التفوق الإنتاجي السوري في التسعينات وحتى الآن.

تجربة خصخصة الإعلام في الوطن العربي بحاجة الى تعمق وفهم أكثر مما هو متاح في الوقت الحاضر

أما تلفزيون أبوظبي الرسمي، فقد بذل جهوداً جبارة لتكون نشراته وبرامجه التحليلية والإخبارية متفوقة، ساعياً إلى تقديم نمط هادئ وموضوعي مغاير لما تقدمه قناة الجزيرة. وقد قطع تلفزيون أبوظبي شوطاً كبيراً في هذا الموضوع، لكن تتابع الأحداث الدرامية في المنطقة جعل سمة الهدوء والموضوعية سلعة غير مرغوبة لدى جمهرة المشاهدين في الوطن العربي.

أما بقية دول الخليج، وخاصة التلفزيون الكويتي، فقد صار متفرغاً ومتخصصاً في البرامج المحلية، مما أفقده بعض بريقه الذي صاحب تميز دولة الكويت في الإعلام المطبوع لما كانت (مجلة العربي) تقرأ في كل مكان أو كانت الصحف الكويتية تعتبر مرجعية في الحرية الإعلامية. أما في بقية دول الخليج، مثل مملكة البحرين وسلطنة عُمان، والإعلام الرسمي في المملكة العربية السعودية وقطر فقد بقي إعلاماً حكومياً ورسمياً فقط.

وحصل أثناء هذا كله أن ثقافة الخليج بدأت تبرز إلى السطح. وكانت المقتربات من هذا الاصطلاح تتفاوت في فهمها له بين متشدد يرى أن هيمنة الثقافة المصرية وبلاد الشام يجب أن تتراجع وتحل مكانها ثقافة خليجية طال عليها العصر منذ أن كانت مهيمنة. وهنالك آخرون يرون أن الجزيرة العربية، بما فيها اليمن وأحياناً كانت تضم العراق هي مهد الحضارة العربية، وأن الأوان قد حان لكي تعود هذه الهيمنة. ومنذ تأسيس مجلس التعاون، صارت مصطلحات الأغنية الخليجية والموسيقا الخليجية والمطرب الخليجي وغيرها هي البديل عن الأغنية والمغنى والموسيقا القطرية مثلاً. وكان الوعاء لتعزيز الثقافة الخليجية هو الإعلام وقنواته ووسائله المختلفة.

وتعززت هذه الميول بعد حرب الخليج الأولى عام (1990-1991). لقد نجح الإعلام الى حد كبير في جعل الثقافة الخليجية من الشعر النبطي إلى رقصة السيف إلى الموسيقا التراثية والشعبية ثم أسلوب البناء واللغة في إبراز هذا البعد الخليجي. لكن ينبغي أن نذكر أن الثقافة الخليجية يجب أن تسعى لكي تكون مرادفاً وسنداً لمجمل الثقافة العربية الإسلامية للمنطقة العربية كلها، وإلا فإن انعزالها كما يريد البعض أو سعيها لأن تهيمن لن يكون ممكناً، أما إذا صار جزءاً لا يتجزأ من الثقافة العربية الشاملة، فإن تداخلها مع الثقافات الشامية والعراقية والمصرية والشمال إفريقية سوف ينشرها ويوسع من مقبوليتها. وحتى هذه اللحظة لم نلحظ سعياً جاداً في هذا الاتجاه إلا من بعض المحاولات المحدودة.

واستكمالاً لهذا الموضوع، فقد سعى الإعلام الخليجي إلى تغيير محتواه ليوسع من وجوده على الساحة العربية لأهداف سياسية. فدول مجلس التعاون وخاصة السعودية وقطر والإمارات وإلى حد ما الكويت تسعى لكي تجعل من قوة الإعلام وحضوره الواسع أداة للدفاع عن المواقف الرسمية السياسية. وقد ثبت من تغطية العدوان الإسرائيلي السافر على قطاع غزة خلال الأسابيع الماضية أن الإعلام الخليجي شبه الرسمي أو الخاص ليس خاصاً بمعنى الكلمة، فقد انقسمت المواقف والمحتوى الإعلامي كله لتعكس وتبرر مواقف الدول التي تملك هذه القنوات بغض النظر عَمّا إذا كانت الملكية خاصة أم عامة. فبينما كانت قناة الجزيرة تروج لأفكار الحكم في قطر كانت قناة العربية، وقناة أوربت بشكل خاص، تدعم الموقف الرسمي السعودي. لقد أتت أحداث غزة لكي تدحض بشكل واضح الادعاء باستقلالية هذه القنوات الكاملة وإن كان لذلك أثر محدود على حجم المشاهدة لها.

ولذلك فإن الملكية الخاصة للقنوات والصحف والمجلات لا تعني أن هذه القنوات بعيدة عن التأثير الرسمي. لكن السؤال يبقى هل تدار هذه القنوات بشكل أفضل وفاعلية أعلى إذا أُديرت على أسس القطاع الخاص؟ من المفروض نظرياً أن تكون الإجابة عن هذا السؤال بالإيجاب، لكن في غياب الدراسة التقويمية لمثل هذا الأمر يبقى الجواب غير واضح أو مقنع بأي اتجاه. أما القنوات الحكومية فيبدو أن معظمها قنع بدور المدافع عن المواقف الرسمية والترويج للبرامج الحكومية وغيرها. وهذا واقع لا يصدق على دول مجلس التعاون وحدها، بل على كل الدول العربية ومعظم دول العالم.

الملكية الخاصة للقنوات والصحف والمجلات لا تعني أنها بعيدة عن التأثير الرسمي 

وبقيت نقطة أخيرة ذات علاقة بالمحتوى الإعلامي أثّر فيها القطاع الخاص في دول الخليج، وهي استيراد البرامج الغربية. لقد كانت محطات التلفزة خارج دول الخليج هي التي تستأثر بالبرامج الترفيهية والمسلسلات والأغاني الغربية، والتي كان يقبل عليها كثير من شباب الخليج عبر اللواقط. لكن بعد انتشار المحطات الفضائية صرنا نرى أن العكس هو الصحيح. فقد صارت قنوات الخليج عبر رأس المال الخليجي والإخراج والتقديم من قبل مواطنين من بلاد الشام ومصر هي الناقل الأساسي للبرامج الغربية. ونلاحظ حديثاً أن بعض البرامج الترفيهية المذاعة مباشرة أصبحت تقدم من قبل مقدمي برامج من الخليج ذكوراً وإناثاً.

إن تجربة خصخصة الإعلام في الوطن العربي بحاجة الى تعمق وفهم أكثر مما هو متاح في الوقت الحاضر. فالقنوات والوسائل الإعلامية الخاصة في الوطن العربي عامة، ودول مجلس التعاون بالتحديد، أسهمت بما لا يقبل الشك في جعل قطاع الإعلام قطاعاً اقتصادياً بامتياز، ولكن رسالته حتى هذه اللحظة لا تزال غير واضحة تماماً لا من حيث المحتوى البرامجي، ولا من حيث التركيز الثقافي الجغرافي ولا من ناحية الحرية الإعلامية والمواقف السياسية التي تعكس ذلك، ولا من حيث بناء إعلام عربي له ملامحة وخصوصيته. ولا شك في أن الإعلام الخليجي الخاص الذي يستأثر بأكثر من 85 في المائة من موازنات الدعاية والإعلانات (أكثر من 3.5 مليار دولار عامم 2007)، يتحمل جزءاً كبيراً من هذه المسؤولية.

إن بالإمكان البدء في إدخال مفهوم (franchiser) الامتياز الإعلامي، وإنشاء ثلاث أو أربع شركات إعلامية لكل الوطن العربي على مستوى القطاع الخاص، وتستطيع هذه الشركات أن تنتج برامج متميزة للوطن العربي خارج إطار المسلسلات الرمضانية والبرامج الإخبارية. وهنالك تلازم واضح بين التلفزة والسينما، وبين التلفزة والإنتاج الأدبي والتلفزة وزيادة الوعي بالإشكاليات الخليجية والعربية. إن الإعلام الخليجي بحاجة إلى هوية أوضح من عنوان (خليجي)، بل لا بد أن يمتد هذا للمحتوى كله. ولعل المطلوب هو إجراء دراسة مفصلة وواعية لمنظور وسائل الإعلام الخاصة (في مجالي التلفزة والإذاعة)، وفاعليتها ومدى نجاحها وفي تقييم تطورها في المستقبل. إذ إن معظم المحطات الحالية، وحتى الناجح منها، مهدد بالانقراض في وجه المنافسة الدولية. أما الإعلام الخاص في الوطن العربي خارج دول الخليج فإن مستقبله أصعب وأدق، وأن هذا الإعلام واقع في فخ صعب، فهو لا يستطيع أن يتطور إلا إذا ربح، ولا يربح إلا إذا تطور. أما الإعلام الخليجي فأمامه فرصة أفضل لينتشر. ولعل أفضل وسيلة لذلك اتباع نظام (الامتياز)، وما دمنا قد نجحنا في إيجاد امتياز في مجال الفندقة والمطاعم والهواتف الخليوية، فثمة قدرة على ذلك في مجال التلفزة. أما محطات الإذاعة فقد أخذت خطوات نحو ذلك. وإذا صار للإعلام المرئي هوية ورسالة ومحتوى، فإنه سيخلق في الخليج والوطن العربي صناعة السينما والإنتاج التلفزيوني العالمي، وسيعزز الموقف السياسي المدافع عن مصالح المنطقة على الساحة العالمية. لكن الأهم من هذا كله أن يصمد أمام تحديات المستقبل من تجاوز عقبات اللغة إلى زيادة الاعتماد على شبكات الإنترنت. لقد برزت الآن صناعة الإعلام الجماهيري بآلات تصوير محمولة ووسائل بث متيسرة مجانية بعيدة عن عين الرقيب، وإن لم تجر لهذه التطورات مأسسة صحيحة، فإن الإعلام الحالي سيندثر، ويسقط أمام الإعلام الخارجي المنظم.

مقالات لنفس الكاتب