array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

التجربة الكويتية في حرية الصحافة

الأحد، 01 آذار/مارس 2009

تحتل الصحافة مكانة مرموقة في المجتمع، فهي من أهم وسائل المعرفة في هذا العصر لتنوع مادتها وأسلوبها التوجيهي المؤثر الفعال، وهي الناطقة بلسان المجتمع والمعبّرة عن رأيه وأمانيه وطموحاته، كما أنها مرآة لما يحققه البلد من تقدم حضاري، ولا يمكن لأي حكم ديمقراطي أن يستمر دون صحافة حرة، خاصة في ظل عصر المعلوماتية وتعدد طرق الحصول على كافة البيانات والمعلومات، الأمر الذي يتطلب ضرورة توفير أكبر قدر من الحرية للوسيلة الأقدم والمتمثلة في الصحافة لما لها من دور أساسي في عملية تنمية المجتمع سياسياً واقتصادياً واجتماعياً لأنها الوسيلة الأهم لتواصل حكم الشعوب لأنفسها من خلال التفاعل اليومي للمواطن.

تتمتع التجربة الكويتية في حرية الصحافة بخصوصية مميزة في الساحة الخليجية ومنذ وقت مبكر في الستينات من القرن الماضى، حيث تميزت منذ البداية بوجود دستور يحمي الحريات، وبرلمان منتخب له دور فاعل في إرساء الممارسات الديمقراطية وتوسيع نطاق الحريات في المجتمع الكويتي، الأمر الذي انعكس إيجابياً على الصحافة الكويتية.

وتعود بدايات الصحافة الكويتية إلى عام 1928 عندما أسس المؤرخ عبدالعزيز الرشيد، أول صحيفة في الخليج العربي وهي مجلة (الكويت) الشهرية ليتبعها بعد ذلك عدد من المطبوعات والدوريات التي كانت تحرر داخلياً وتطبع إما في العراق أو مصر ليعاد تصديرها من هناك ليتم تداولها محلياً.

وكانت تلك الفترة بداية التخصص فلم تعد الصحيفة حتى إن كانت شهرية مجرد (كشكول) يجمع الطرائف والقصص والمقالات، وصدرت في هذه الفترة مجلة (الرائد)، ومجلة (الكويت اليوم) عام 1954 ومجلة (العربي) عام 1958.

أما سبب عدم صدور صحف في بدء تاريخ الكويت الحديث فيرجع إلى أن المجتمع كان صغيراً، وكانت الأخبار المحلية تنتشر بين كافة المواطنين، أما بالنسبة للأخبار الخارجية، فقد كانت الصحف الأجنبية والعربية تصل متأخراً، أي أن الصحافة لم تكن تستطيع أن تعتمد على أي مصادر إخبارية خارجية منتظمة لتقديم العمل الصحفي المتكامل.

وأدى حصول الكويت على استقلالها الكامل عام 1961م وصدور قانون المطبوعات في العام نفسه إلى تدعيم العمل الصحفي، وتجسد ذلك في صدور مجلة (العربي)، وتهيأت الظروف لإمكانية إصدار صحف يومية منتظمة خاصة في ظلالطفرة النفطية التي وفرت الإمكانات اللازمة، وفي ضوء حاجة الدولة المستقلة إلى وجود صحافة يومية ومنتظمة كإحدى علامات ومؤسسات الدولة الحديثة، ومخاطبة الجماهير من خلالها لشرح سياساتها والتعرف إلى ردود أفعالهم تجاه تلك السياسات من أجل تعديلها أو تطويرها.

وتعتبر صحيفة (الرأي العام) التي صدرت في 16 إبريل 1961م هي البداية الحقيقية للصحافة بمفهومها العصري، وبالفعل شهد عام 1962م والأعوام التالية عدداً كبيراً من الصحف اليومية وصلت الآن إلى 15 صحيفة وعشرات المجلات الأسبوعية.

وتعد الكويت من البلدان القليلة في العالم الثالث التي تتمتع بحرية الصحافة، وتعتبر الصحف الكويتية أكثر الصحف حرية في العالم العربي، كما تتميز الكويت بوفرة الصحف السياسية اليومية والمجلات المتخصصة، حيث إن مناخ الحرية والديمقراطية في الكويت أسهم إلى حد كبير في تطوير مختلف وسائل الإعلام الكويتية المرئية والمسموعة والمكتوبة.

وتمتلك الصحافة الكويتية تأثيراً كبيراً في مجريات الأحداث، حيث يعتبرها مراقبون المصدر الثاني بعد مجلس الأمة في حجم التأثير المجتمعي وإحداث التغييرات والمطالب الشعبية، فأصبحت مدرسة فكرية رائدة يمكن اتخاذها نموذجاً لاستراتيجية الإعلام العربي.

وتضع كافة التقارير الصادرة عن المؤسسات الدولية المعنية بحرية الصحافة، الكويت دائماً في مركز متقدم عالمياً يتأرجح بين 60 و62، أما عربياً فالكويت تحتكر المركز الأول، فتقرير حرية الصحافة لعام 2007 الذي تصدره سنوياً مؤسسة (فريدوم هاوس)، قال إن الكويت تحتل المرتبة الأولى بين الدول العربية بمعدل 56 بالتصنيف العالمي لحرية الصحافة الذي تعتمده المنظمة الأمريكية. كما احتلت الكويت المركز الأول عربياً والحادي والستين عالمياً في حرية الصحافة في التقرير السنوي لمنظمة (مراسلون بلا حدود) الخاص بأوضاع حرية الصحافة في العالم والذي امتد من بداية سبتمبر 2007 وحتى الأول من سبتمبر 2008. وقالت المنظمة إن الكويت أحرزت تقدماً في حرية الصحافة بمقدار درجتين عن عام 2007،حيث حصلت على المركز الحادي والستين من بين 137 دولة شملها التصنيف بعدما احتلت المركز الثالث والستين العام الماضي تلاها لبنان في المرتبة 66.

تتمتع التجربة الكويتية في حرية الصحافة بخصوصية مميزة في الساحة الخليجية 

ولم تحتل الكويت تلك المكانة المتميزة من فراغ بل نتيجة جهود عدة وأسباب رئيسية أهمها:

أولاً: الدستور الكويتي الصادر عام 1962 ويعتبر بمثابة الضمانة الرئيسية لحرية الصحافة في الكويت، إذ نص في المادة السادسة منه على ما نصه (نظام الحكم في الكويت ديمقراطي)، ولذلك فإنه يكون لزاماً على الدولة أن تدعم حرية التعبير عن الرأي، إذ إنها الدعامة الأساسية لأي نظام ديمقراطي في العالم.

ونصّ الدستور صراحة على هذا الحق، فقد جاء بنص المادة 36 منه (حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه أو نشره بالقول أو الكتابة أو غيرها، وذلك وفقاً للشروط والأوضاع التي يبينها القانون).

وبهذا يمكن القول إن الدستور الكويتي ضمن حرية التعبير عن الرأي، وجاء متوافقاً مع المواثيق الدولية، مثل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

وحيث إن حرية الصحافة هي الواجهة الكبرى لحرية التعبير عن الرأي، فقد جاء ذكرها منفردة في الدستور الكويتي بالمادة 37، التي نصت على أن (حرية الصحافة والطباعة والنشر مكفولة وفقاً للشروط والأوضاع التي يبينها القانون).

ثانياً: قانون المطبوعات والنشر الذي أقره مجلس الأمة الكويتي بالإجماع في مارس 2006 بهدف إعطاء المزيد من الحرية الصحفية، ويتوزع القانون على خمسة فصول أهمها: المطبوعات والصحف والمسائل المحظور نشرها، بالإضافة إلى فصلي التمهيد والأحكام الختامية، حيث يتضمن 33 مادة تشكل مجتمعة قانون المطبوعات والنشر، وهو من القوانين ذات الطابع الإصلاحي لما يحتويه من تعديل في فلسفة التعامل مع تراخيص الصحف اليومية والسياسية، مما يؤمل معه دخول الكويت في عصر جديد من الحريات الإعلامية والصحفية من إتاحة الفرصة لكل الشرائح على اختلاف انتمائها للتعبير عن آرائها وأفكارها من دون احتكار ذلك لجهات ولشرائح معينة.

ومن أبرز ملامح القانون الجديد أنه يحظر سجن الصحفيين قبل إصدار حكم نهائي من المحكمة، خلافاً للوضع السابق حيث كان يمكن أن يعتقل الصحفيون خلال التحقيق معهم في تهمة موجهة إليهم، كما أنه سمح بترخيص صحف جديدة للمرة الأولى منذ ثلاثين عاماً - آخر صحيفة سمح بصدورها بالكويت كان عام 1972 - فهو يتيح لأي مؤسسة أو شركة إعلامية التقدم بطلب إصدار صحيفة يومية بشرط ألا يقل رأسمالها عن 250 ألف دينار كويتي (800 ألف دولار). ويلغي القانون عقوبة السجن للصحفيين عدا في حالات (المساس بالذات الإلهية أو الأنبياء أو الصحابة أو آل البيت وزوجات الرسول صلى الله عليه وسلم أو بأصول العقيدة الإسلامية). وقد حددت العقوبة في هذه الحالة بسنة واحدة في السجن كحد أقصى، بالإضافة إلى دفع غرامة تتراوح ما بين 17 ألف دولار و70 ألف دولار. أما الذين ينتقدون الأمير فيحكم عليهم بدفع غرامة بين 17 ألف دولار و70 ألف دولار لكن العقوبة لا تشمل السجن. وكانت الغرامات في القانون السابق في حدود المائة دينار (340 دولاراً). لكن القانون نص على جواز استخدام عقوبات بالسجن لفترات طويلة تصل إلى المؤبد لمن يدان بنشر تحريض على قلب نظام الحكم بالقوة أو بطرق غير مشروعة.

ثالثاً: خصائص الصحافة الكويتية،حيث إنها بدأت بمبادرة أهلية بعيداً عن هيمنة الدولة،وانطلقت في أجواء الحرية التي اعتاد عليها الشعب الكويتي، وترجمت إلى صحافة محترفة مبنية على أسس اقتصادية سليمة والاستفادة من مناخ الحرية التي يكفلها الدستور، وتتمتع بحرية أكبر في تناول القضايا المحلية، وفي ترتيب أولويات نشرها. كما أنها انطلقت ليس كصحافة كويتية محلية وإنما ظهرت ذات بعد عربي قومي لهذا تحلت بالمسؤولية في معالجة القضايا المحلية والعربية، واستطاعت أن توافق بين الثقافي والسياسي مما جعلها تعمم في كافة الدول العربية دون خوف من الانجرار نحو بعض التيارات السياسية.

رابعاً: تشكيل جمعية الصحفيين، وهي تنظيم نقابي يلتزم بخدمة أعضائه، بقرار من وزارة الشؤون الاجتماعية بتاريخ 21 يونيو 1964م بهدفتوثيق الروابط بين الصحفيينوالنهوض بالصحافة المحلية، والدفاع عن مصالح الأعضاء. وتضم النقابة في عضويتها أكثر من 2200 عضو من كافة الجنسيات، وتعمل على توفير أفضل السبل للصحفيين لممارسة عملهم وتهيئة الأجواء لهم وتنظيم دورات تدريبية، ولقاءات مفتوحة لهم، وإيفاد صحفيين للخارج في دورات تدريبية، وتحاول الدفاع عن الصحفيين الذين تقام ضدهم دعاوى قضائية، حيث توكل لهم محامين، وتصدر بيانات لمناصرتهم وتدعيم مواقفهم.

ورغم بعض الفترات القصيرة التي واجهت فيها الحياة النيابية صعوبات وعراقيل -وخاصة خلال فترات حل البرلمان - انعكست سلباً على الأجواء التي تعمل فيها الصحافة الكويتية، فإنه في الإجمال يمكن القول إن الصحافة الكويتية تمتعت على الدوام بهامش كبير من الحريات والقدرة على ممارسة النقد الاجتماعي والإداري والسياسي بلا محاذير كبيرة، بالإضافة إلى مستواها المهني الراقي وإنتاجها الذي يغطي كل ألوان الطيف السياسي.

ومن هنا، فإنه لا بد من الاستفادة من أجواء الانفتاح السياسي والمناخ الديمقراطي في الكويت من أجل تعزيز حرية الصحافة وذلك من خلال:

* العمل بمبدأ الرقابة الذاتية والحرية المسؤولة وتوخي الموضوعية في الكتابة، فالحرية المسؤولة كفيلة بالحد من عدد القضايا المرفوعة ضد الصحفيين والصحف.

* تقديم اقتراحات بنصوص قانونية واضحة ومحددة وأكثر تسامحاً إلى السلطات التنفيذية والمؤسسات التشريعية، تمتد إلى كل القوانين التي تفرض قيوداً على حرية الصحافة والتعبير والرأي.

* تشجيع مؤسسات المجتمع المدني على الاهتمام بدعم الحريات الصحفية، ومراقبة مدى التزام الدولة بالمعاهدات الدولية، واحترامها لحرية الصحافة والتعبير وتقديم تقارير إلى الجهات المختصة عن التطور الذي يحدث في هذا المجال.

* العمل على رفع الوعي القانوني لدى الصحفيين والإعلاميين ورفع مهاراتهم في التعامل مع القوانين المنظمة للصحافة والإعلام، وتنظيم سلسلة من المناقشات مع أعضاء البرلمان وذلك بهدف خلق وعي أفضل بأهمية الصحافة الحرة في الإصلاح السياسي والعمل معهم من أجل بيئة تشريعية سليمة.

مجلة آراء حول الخليج