array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

الهند والخليج وأمن الطاقة

الأحد، 01 آذار/مارس 2009

إذا ما نظرنا إلى واقع العلاقات الخليجية- الهندية في الوقت الحالي، يتضح أنه على الرغم من أن العلاقات الخليجية- الهندية هي علاقات تاريخية ترجع جذورها إلى الألف الثالث قبل الميلاد، ورغم ما مرت به تلك العلاقات من فترات للازدهار والانتعاش وأخرى للانحسار والتراجع، إلا أن تلك العلاقات اكتسبت في الآونة الأخيرة أبعاداً جديدة وذلك في سياق مجموعة كبيرة من التحولات التي دفعت كل طرف إلى إعادة النظر في سياسته تجاه الطرف الآخر.

على الجانب الخليجي، تأتي سياسة (التوجه شرقاً) وهي سياسة، وإن عكست توجهاً اقتصادياً من الدول الخليجية نحو الدول الآسيوية وذلك في ضوء الصعود الاقتصادي للقارة الآسيوية، ورغبة الدول الخليجية في الاستفادة من مشروعات التكامل وتحرير التجارة عبر الإقليمية ومن أهمها مشروع تحرير التجارة والاستثمار في إطار تجمع المحيط الهندي، لها أبعاد سياسية وأمنية في سياق الارتباط الشديد بين أمن الخليج وما يحدث في جنوبي آسيا، خاصة في ظل الدور الإسرائيلي في جنوبي آسيا، والتطور السريع في العلاقات الباكستانية- الإسرائيلية وما يمكن أن يكون له من انعكاسات على منطقة الخليج. يضاف إلى ذلك اتجاه الهند إلى بناء شبكة من التحالفات الاستراتيجية المهمة من بينها المحور الهندي- الإيراني، والمحور الهندي- الإسرائيلي، وما يمكن أن يكون لهذا الأمر أيضاً من انعكاسات على منطقة الخليج. والأهم من ذلك تحولات البيئة الأمنية في فترة ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، حيث لجأت الدول الخليجية إلى موازنة سياسة (الاتجاه شرقاً)، بسياستها السابقة (للاتجاه غرباً).

وفي السياق ذاته، نجد أن الهند تبنت سياسة مقابلة تنطلق من مبدأ (الاتجاه غرباً)، إذ سعت الهند إلى تعميق وتطوير علاقاتها بدول غربي آسيا، وهذا الأمر، وإن كان محكوماً هو الآخر بعوامل اقتصادية، وذلك في ضوء الاعتماد الهندي على الدول الخليجية في مجال النفط، حيث توفر دول مجلس التعاون الخليجي حوالي ثلثي احتياجات الهند الخارجية من النفط، وكذلك العمالة الهندية في دول مجلس التعاون الخليجي، إلا أن هناك بعض العوامل والدوافع السياسية التي دفعت الهند إلى تبني هذا الاقتراب من أهمها سعي الصين– المنافس التقليدي للهند- إلى تعميق علاقاتها بدول مجلس التعاون الخليجي.

ويُشكل الاحتياج الاستراتيجي المتبادل(Strategic NeedMutual) السمة الأبرز للعلاقات الخليجية- الهندية، ويُقصد بذلك وجود إدراك متبادل بين الطرفين بأهمية الطرف الآخر واحتياجه له، حتى إن اختلف معه. وينبع هذا الاحتياج الاستراتيجي بالأساس من كم ونوعية المصالح المتبادلة التي يرغب الطرفان في الحفاظ عليها. إذ أسهم إدراك كل طرف باحتياجه الاستراتيجي للطرف الآخر في محاولته للحفاظ على المصالح القائمة وعدم المساس بها، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، حال هذا الإدراك المتبادل بمثل هذا الاحتياج الاستراتيجي دون تجاوز خلافات الطرفين نقاطاً معينة.

وفيما يتعلق بدول مجلس التعاون الخليجي، يمكننا الحديث عن الأهمية النسبية للهند بالنسبة لدول المجلس في حجم التجارة المتبادلة، وكم الاستثمارات المشتركة بين الطرفين، إذ بلغ حجم التبادل التجاري بين الطرفين في عام 2004 ما قيمته 15.65 مليار دولار، إذ تُعدُّ الهند سوقاً استهلاكياً ضخماً للمنتجات الخليجية وخاصة النفط والبتروكيماويات والأسمدة. فالهند قوة اقتصادية مهمة فهي الدولة رقم (1) في العالم في مجال صناعة البرمجيات، وهي مرشحة أيضاً للحصول على مقعدٍ دائمٍ في مجلس الأمن الدولي، كما تشير تحليلات عدة إلى أن الهند هي القوة الآسيوية المرشحة للصعود بعد الصين، خاصة أن الهند لا تُعاني من الكم ذاته من المعوقات التي يُعانيها الصعود الصيني.

يُشكل الاحتياج الاستراتيجي المتبادل وإدراك الطرفين لأهمية الطرف الآخر السمة الأبرز للعلاقات الخليجية- الهندية

وفي السياق ذاته تجدر الإشارة إلى أهمية دول مجلس التعاون الخليجي بالنسبة للهند وهو ما يبرز فيما يتعلق بنفط الخليج، إذ تعتمد الهند بشكل كبير على نفط المنطقة، حيث تستورد الهند ثلثي احتياجاتها النفطية من منطقة الخليج، يُضاف إلى ذلك العمالة الهندية الموجودة حالياً بدول مجلس التعاون الخليجي والتي يبلغ عددها حوالي ثلاثة ملايين ونصف المليون عامل، ويُقدّر ما تحوله للهند سنوياً بحوالي 6 مليارات دولار. ومن هذا المنطلق، فإن ضمان تدفق النفط واستقرار أوضاع العمالة الهندية في الخليج يُعدان من العوامل الحاكمة للهند في سياستها تجاه دول مجلس التعاون الخليجي.

وإذا ما نظرنا إلى النفط كأحد المحددات المهمة لعلاقات الطرفين في هذا الشأن، فيتضح أن النفط يُعدُّ من أهم السلع الحيوية بالنسبة للهند، فمن ناحية، يُشكل النفط مصدراً مهماً من مصادر الطاقة لا يمكن الاستغناء عنه. ومن ناحية أخرى، فهو أحد متطلبات التوسع الاقتصادي الهندي. فاعتماد الهند على النفط يُمثل 39 في المائة من احتياجاتها من الطاقة، كما تُمثل واردات الهند من النفط الخام 27 في المائة من فاتورة الواردات الهندية، إذ تحتل الهند المرتبة السادسة في الترتيب على المستوى العالمي من حيث الطلب على النفط، كما أن التوقعات تُشير إلى أنه بحلول عام 2010 من المتوقع أن تحتل الهند المرتبة الرابعة وذلك بعد كل من الولايات المتحدة الأمريكية والصين واليابان،وذلك في ظل توقع تزايد طلب الهند من النفط من 2.5 مليون برميل يومياً في عام 2003 إلى 5.2 مليون برميل يومياً في عام 2030م.

وتتمثل أهمية الدول الخليجية للهند في هذا الصدد في أن الأخيرة غير قادرة ولن تستطيع في المستقبل غير البعيد توفير الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة، وذلك رغم الاكتشافات النفطية في ولاية راجستان وعلى طول سواحل ولاية مهاراشترا. إذ لا تُنتج الهند في الوقت الحالي إلا 60 في المائة فقط من احتياجاتها النفطية، ومن ثم تعتمد على الخارج في استيراد بقية احتياجاتها النفطية خاصة في ظل التوقعات بانخفاض إنتاج النفط المحلي في الهند من 0.9 مليون برميل يومياً في عام 2010، إلى 0.6 مليون برميل يومياً في عام 2030م. ومع ما شهده الاقتصاد الهندي من تنام، فقد تزايد هذا الاعتماد على الخارج، حيث يُقدّر في الوقت الحالي إجمالي الواردات الهندية من النفط سنوياً بـ 90 مليون طن، بينما كانت 13 مليون طن في أوائل السبعينات من القرن العشرين. وفي عام 2003 وحده استوردت الهند ما قيمته أكثر من 5 مليارات دولار من النفط ومشتقاته، وخلال النصف الأول من عام 2005 بلغت قيمة واردات الهند من النفط ما قيمته 14 مليار دولار. وفي هذا السياق، تبرز أهمية نفط الخليج، فالقرب الجغرافي يجعل نفقات الشحن أقل مما يُسهم فعلياً في رخص ثمن نفط الخليج بالنسبة للهند. وتستورد الهند حالياً ثلثي احتياجاتها النفطية من دول مجلس التعاون الخليجي، أما النسبة المتبقية فتتوزع بين مجموعة من الدول الأخرى.

وتُعدُّ المملكة العربية السعودية أكبر مصدر للنفط الخام للهند تليها الكويت، إذ تبلغ قيمة واردات الهند النفطية من المملكة ما قيمته 24 مليون طن بمعدل 430 ألف برميل يومياً ممثلة ما نسبته 26.7 في المائة من الاحتياجات الهندية من النفط الخام، مما يجعل الهند رابع أكبر مستورد آسيوي للنفط السعودي.

ويطرح النفط كأحد أهم المحددات الاقتصادية للعلاقات الخليجية- الهندية إشكاليات عدة، إذ إن أحد أهم محاور سياسة الهند النفطية تقوم على ضرورة تأمين مصادر الطاقة، وضمان تدفق النفط، وجعل الأسعار تبقى عند مستوى طبيعي. وتبرز هذه الإشكالية بوجه خاص في سياق ما شهدته العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين من بعض الأزمات السياسية التي كانت لها تداعياتها في هذا الصدد. ففي أزمة السبعينات استخدم العرب النفط كسلاح استراتيجي في صراعهم مع إسرائيل، وفي هذا الوقت ارتفعتأسعار النفط إلى مستويات غير مسبوقة. وقد أدى ذلك إلى أزمة شديدة في الهند نظراً لعدم قدرتها على توفير عملة صعبة لمواجهة هذا الوضع الجديد. لذا سعت الهند منذ ذلك الوقت إلى العمل على عدم تكرار هذا الأمر مرة أخرى، إذ لجأت إلى اتباع مجموعة من السياسات الاقتصادية لمواجهة هذا الأمر. فمن ناحية، سعت الهند أولاً إلى إقناع دول الخليج بإعطائها معاملة تمييزية، لكن جهودها في هذا الصدد باءت بالفشل وذلك عندما أعلن وزير النفط السعودي، آنذاك، الشيخ أحمد زكييماني، أثناء زيارة نادرة للهند، في فبراير عام 1975 أن بلاده لن تتبع معايير مزدوجة فيما يتعلق بأسعار النفط، وأن هناك سعراً موحداً والدفع يجب أن يكون فورياً بالنسبة للدول كافة. من ناحية ثانية، سعت الهند لدعم القضايا العربية وفي مقدّمتها القضية الفلسطينية، كما عملت الهند في الوقت ذاته على تنويع مصادرها النفطية حتى لا تتكرر تلك الكارثة الاقتصادية مرة أخرى، خاصة أن الأحداث كافة أكدت للهند أنه لن يكون هناك استقرار في الشرق الأوسط في المستقبل. ومن ثم، فإن إمدادات النفط من تلك المنطقة قد تتأثر خاصة في ظل استمرار التوتر والخلاف في العلاقات الهندية- الباكستانية، ودعم بعض الدول الخليجية لباكستان، الأمر  الذي جعل الهند تخشى من احتمال استخدام سلاح النفط كورقة ضغط ضدها في المستقبل.

واجهت الهند مأزقاً مع اندلاع أزمة الخليج الثانية حيث توقف تدفق النفط من العراق والكويت

لذا بدأت الهند تركز على القيام باستكشافات نفطية جديدة في الأراضي الهندية ومياهها الإقليمية، كما عملت على تنويع مصادر حصولها على النفط، إذ اعتمدت على دولٍ مثل ماليزيا وباكستان وفنزويلا والجزائر وليبيا ومصر. يُضاف إلى ذلك أنه منذ عام 1977 بدأت الهند في الاعتماد على النفط السوفييتي حيث نجحت في الحصول عليه بسعر مميز، كما أنها حصلت عليه مقابل المقايضة مع السلع الاستهلاكية الهندية والتي لاقت ترحيباً في الاتحاد السوفييتي السابق.

وواجهت هذه السياسة اختباراً لمدى قدرتها على الصمود في سلسلة من الأزمات المتتالية التي شهدتها منطقة الخليج منذ الثمانينات من القرن العشرين مع بدء الحرب العراقية- الإيرانية، وقد كانت الدولتان مصدراً رئيسياً من مصادر النفط بالنسبة للهند، إلا أن هذا الصراع لم يكن له تأثير كبير في الاقتصاد الهندي.

ومرة ثانية، واجهت الهند مأزقاً مع اندلاع أزمة الخليج الثانية في (1990-1991)، حيث أدت الأزمة إلى توقف تدفق النفط من كل من العراق والكويت. إذ كانت الدولتان تمدان الهند في عام 1989 وحده بحوالي 700 ألف طن من النفط. وقد أثرت الأزمة الأخيرة على الهند من زاويتين، تمثّلت الأولى في ارتفاع أسعار النفط، إذ قُدّرت الزيادة في سعر برميل النفط من أغسطس عام 1990، وهو بدء اندلاع الأزمة، وحتى فبراير من العام التالي (أي خلال سبعة أشهر فقط) قُدّرت الزيادة في أسعار النفط بما يُعادل (20-25 في المائة) حيث وصل سعر برميل النفط في بعض الأحيان إلى 30 دولاراً.

ومن جانب آخر، أدت الأزمة إلى عودة العمالة الهندية من كل من العراق والكويت مما أدى إلى توقف عائدات تلك العمالة، وترافق مع هذه الأزمة انهيار الاتحاد السوفييتي الذي كانت ترتبط معه الهند بعلاقة شراكة استراتيجية، كما كانت تعتمد عليه في الحصول على النفط بأسعار مناسبة. لذا دفعت الأزمة الهند لمراجعة سياستها الاقتصادية، إذ بدأت في الدخول في اتفاقيات طويلة الأمد حول النفط والغاز مع عدد من الدول المُصدّرة للنفط. هذا من ناحية ومن ناحية ثانية عملت الهند على فتح قطاعها النفطي أمام المستثمرين من تلك الدول للحصول على كميات ملائمة من النفط والغاز. ومن ناحية ثالثة، بدأت الهند تفكر في منطقة آسيا الوسطى كمصدر لحصولها على النفط والغاز، ففي عام 1995 تم توقيع اتفاق ثلاثيتركمانستاني- إيراني- هندي حول التعاون المستقبلي في مجال الطاقة.

تبلغ قيمة واردات الهند النفطية من السعودية ما قيمته 24 مليون طناً أي 26.7 في المائة من احتياجاتها للنفط 

وعلى هذا الأساس، يتضح أن النفط كأحد محاور العلاقات الاقتصادية الخليجية- الهندية يتجسد في أنه من مصلحة الهند، وفي ضوء احتياجها الاستراتيجي لدول مجلس التعاون الخليجي كمصدر للنفط، ألا تتعرض مصالحها في هذا الصدد للخطر وهو ما يتطلب عدم حدوث خلاف مباشر أو غير مباشر بين الطرفين من شأنه تعريض المصالح الهندية للخطر في هذا الصدد.

ورغم ذلك، فإن فكرة أن دول الخليج يمكنها التأثير في الهند من خلال استخدام ورقة النفط هي فكرة يجب التفكير فيها ملياً، فإنتاج المملكة العربية السعودية يُمثل 12 في المائة من إنتاج النفط العالمي، كما أن إنتاج دول أوبك لا يزال أقل من 40 في المائة من الإنتاج العالمي. هذا من ناحية ومن ناحية ثانية فإن الهند لديها طاقة نووية يمكنها استخدامها في توليد الكهرباء، وكذلك لديها ثالث أكبر احتياطيات من الفحم في العالم، ومن ثم، يمكنها إيجاد تكنولوجيا جديدة لاستخراج وتطوير الفحم بطرق نظيفة وآمنة. ورغم أن الهند لا تستطيع في الأمد القصير تمويل مشاريع توليد الكهرباء من الطاقة النووية، كما أنها لا تستطيع إنتاج الفحم بشكل كبير لأنه من النوعية الرديئة الملوثة جداً للبيئة، لكن هذا الأمر، وإن كان يحتاج إلى أمد طويل، إلا أن الهند إذا رأت أي تهديد لأمن نفطها فستجازف وتحاول الاعتماد على ذاتها داخلياً. 

مجلة آراء حول الخليج