array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

ظاهرة التضخم في دول المجلس والحل الأمثل

الإثنين، 01 أيلول/سبتمبر 2008

خفت بعض من بريق الازدهار الاقتصادي الذي تشهده دول المجلس أمام ظاهرة التضخم،وأخذت الحكومات والقائمون على السياسات المالية، وبالطبع المستهلكون، يبحثون عن سبل للتعامل مع هذا الخطر وذلك من خلال تحليل المؤشرات ووضع الخطط والإجراءات وتنفيذ السياسات والآليات الفعالة، ولكن هل تكفي هذه الجهود لمواجهة هذه الأزمة؟ لا توجد إجابة قاطعة عن هذا السؤال حتى الآن، نظراً لأن هذه المساعي اتسمت بالارتجالية وردود الأفعال. والسؤال الذي يطرح نفسه حالياً: ما أفضل السبل لحل الأزمة؟

بلغت ظاهرة التضخم أعلى مستوياتها في المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان منذ ستة عشر عاماً وفي الإمارات العربية المتحدة منذ 19 عاماً، بينما اقتربت من المعدلات القياسية في قطر، وضاقت الساحة بالاتجاهات المتباينة والتحليلات المتشائمة نظراً لعدم وجود مجموعة بيانات مصممة علمياً لقياس اتجاهات الاقتصاد الكلي في دول المجلس، ناهيك عن عدم وجود مؤشر أسعار السلع الاستهلاكية، أو اختلاله إن وجد، ولاسيما في دولة الإمارات العربية المتحدة. ولذلك فقد اعتمدنا في مركز الخليج للأبحاث على أسلوب تقليدي لحساب معدل التضخم وذلك عبر رصد متوسط التغيرات السنوية في بيانات مؤشر أسعار السلع الاستهلاكية التي توفرها كافة الهيئات المالية القومية في دول المجلس. وتبين أن متوسط معدل التضخم قد بلغ أعلى مستوياته خلال خمسة عشر عاماً، حيث وصل إلى 5.3 في المائة في عام 2006 و 6.8 في المائة في الربع الثالث من عام 2007. وتبين من خلال الإحصائيات التي أجراها المركز أن معدلات التضخم قد ارتفعت في كل من البحرين والكويت وعُمان والسعودية بنسب متفاوتة تراوحت بين 8.4 في المائة و6.6 في المائة و 5.3 في المائة و6.5 في المائة على التوالي مقارنة بالمعدلات المرتفعة في كل من قطر والإمارات العربية المتحدة بنسبة 12.8 في المائة و11.3 في المائة. ومع ذلك فقد أوضحت معظم الدراسات والتحليلات التي صدرت عن جهات أكاديمية أو ظهرت في وسائل الإعلام أن معدلات التضخم في طريقها إلى الصعود والارتفاع.

فعلى صعيد المملكة العربية السعودية، توقع البنك السعودي البريطاني استحواذ التضخم المستورد على حوالي 35 في المائة من المعدل العام للتضخم، أما في الكويت فيتوقع أن تبلغ نسبة التضخم المستورد 25 في المائة، ويرجع ذلك إلى الأغذية المستوردة. وعلى الرغم من ذلك، فقد لعبت العوامل المحلية (مثل السلع غير القابلة للمتاجرة الدولية كالإيجارات والخدمات والرسوم) دوراً كبيراً في تصاعد معدلات التضخم وهذا ينطبق بشكل كامل على دولة الإمارات العربية المتحدة وقطر، حيث أرجعت المصادر الرسمية في دولة الإمارات العربية المتحدة مؤخراً 50 في المائة من نسبة التضخم إلى ارتفاع الإيجارات و33 في المائة إلى التضخم المستورد. وفي حين يبدو الرقم الأول معقولاً ومنطقياً إلا أن الرقم الثاني يبدو أقل من المعدل الحقيقي وذلك في ضوء الزيادة الشديدة التي شهدتها أسعار الأغذية والمواد الأخرى المستوردة. وتم قياس متوسط معدل التضخم في المملكة العربية السعودية من خلال حساب التغيرات السنوية التي طرأت على مؤشر تكلفة المعيشة خلال الاثني عشر شهراً المنتهية في سبتمبر 2007، حيث بلغ 3.3 في المائة مقابل 0.6 في المائة في السنوات الخمس السابقة (أكتوبر 2001- سبتمبر 2006). وتجدر الإشارة إلى أن فئة الأغذية والمشروبات والسلع والخدمات الأخرى (ومعظمها معادن مستوردة ومواد خام أخرى) قد ارتفعت بنسبة 6.7 في المائة و 5.7 في المائة على التوالي. وبرزت فئة الأثاث المنزلي ضمن مكونات السلع التي كانت وراء ارتفاع معدلات التضخم، حيث ارتفعت بنسبة 1.1 في المائة خلال الفترة ما بين أكتوبر 2006 وسبتمبر 2007 وتجلت هذه الظاهرة في مختلف دول المجلس بصورة أو أخرى. وفي قطر، شهد مؤشر السلع زيادة كبيرة بلغت 15 في المائة تقريباً ما بين عامي (2005 - 2006)، الأمر الذي يفسر سبب تعرض قطر لأعلى مستويات التضخم بين دول المجلس. كما شهدت المستويات العامة لأسعار بيع السلع المستوردة بالجملة (التي تمثل 76.9 في المائة من المؤشر العام لأسعار سلع البيع بالجملة) زيادة ملحوظة خلال عام 2007، بينما تراوحت نسبة التضخم في أسعار الأغذية بدولة الإمارات العربية المتحدة بين 27 في المائة و30 في المائة خلال عام 2007 وفق الدراسة التي أجرتها جمعية حماية المستهلك الإماراتية.

دول الخليج تحظى بمعدل سيولة ضخم نتيجة لزيادة أسعار النفط الأمر الذي أدى إلى ارتفاع الطلب الكلي

تحديد الأسباب

ذكرت المصادر الحكومية أن السبب الحقيقي وراء ظاهرة التضخم في دول المجلس يتمثل في القفزة الاقتصادية الهائلة التي فاقت القدرة الاستيعابية لهذه الدول، إلا أن المحللين والمراقبين أكدوا على وجود أسباب رئيسية أخرى وراء هذه الظاهرة مثل عدم مرونة الهياكل الاقتصادية وانخفاض القدرة الاستيعابية وسط ارتفاع معدلات السيولة وربط العملات المحلية بالدولار المتدني وأسلوب الحياة الذي يعتمد على الرفاهية والإسراف مما يؤدي إلى زيادة الإنفاق على سلع غير ضرورية. ولكن إذا نظرنا إلى الموضوع نظرة فاحصة يتبين لنا أن الأزمة جاءت نتيجة لأسباب عميقة عززتها عوامل خارجية. ويمكن إرجاع مشكلة التضخم على مستوى دول المجلس إلى تضافر مجموعة من عوامل العرض والطلب وارتفاع التكلفة. فعلى صعيد الطلب، نرى أن دول الخليج تحظى بمعدل سيولة ضخم نتيجة لزيادة أسعار النفط، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع الطلب الكلي، كما كان لزيادة الإنفاق الحكومي في إطار عملية التنوع الاقتصادي أثر كبير في تفاقم المشكلة. أضف إلى ذلك تزايد عدد السكان إما بسبب ظاهرة التحول السكاني أو تدفق أعداد ضخمة من العمالة الوافدة، وكان من المستحيل أن يلبي المعروض من السلع والخدمات والمساكن والبنية التحتية هذه الزيادة الهائلة على صعيد الطلب، ومن هنا تجلت المحصلة النهائية في ارتفاع الأسعار نتيجة لزيادة التكلفة التي تسربت بعد ذلك إلى مختلف قطاعات الاقتصاد الأخرى. أما على صعيد العرض، فيتضح أن ربط أسعار العملات المحلية بالدولار كان في نظر الكثيرين أكثر أسباب التضخم، إذ ضعفت القوة الشرائية لهذه العملات، وساعدت المنافسة بين الدولار الأمريكي من جانب واليورو والين في خفض قيمة العملات المحلية المرتبطة بالدولار ومن ثم لعبت دوراً ملحوظاً في الإسراع بعملية التضخم جراء زيادة أسعار السلع المستوردة من أوروبا واليابان. ويتجلى أحد أسباب انخفاض العرض أو ارتفاع التكلفة في عدم توافر العمالة الماهرة اللازمة للحفاظ على النمو الاقتصادي القوي الذي تعيشه دول المجلس في الوقت الحالي. وتجدر الإشارة في هذا المقام إلى انخفاض العرض العالمي في معظم الاقتصادات ذات النمو السريع نتيجة لارتفاع أسعار السلع والأغذية مما انعكس سلباً على الاقتصادات المفتوحة ومنها دول المجلس. ويبدو أن دول المجلس تحتل موقعاً متقدماً في دورة التضخم التي تبدأ بتضخم الأصول (ارتفاع أسعار السكن والأسهم وغيرها) وتتجه إلى التضخم في أسعار السلع (مثل النفط والنحاس وغيرها) ثم التضخم في أسعار السلع الاستهلاكية وتنتهي بالزيادة في الأجور.

الآثار والنتائج

بدأت الأصوات تتعالى بعد أن عانت من ويلات التضخم، فعلى صعيد المملكة العربية السعودية، قام تسعة عشر داعية بخطوة جريئة وذلك عبر نشر بيان على الإنترنت في شهر ديسمبر 2007 يحذر من تداعيات الأزمة التي بدأت تظهر في أعمال السرقة والنصب والضغينة بين الأغنياء والفقراء. ومنذ فترة قريبة ، عقد المسؤولون عن السياسات في دول المجلس وأعضاء الغرف التجارية  اجتماعاً رفيع المستوى مع مسوؤلي صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي لبحث أفضل السبل لمحاربة هذه الظاهرة. وتحدث المحللون عن الكساد العظيم الذي غيّر معالم النظام المالي العالمي في ذلك الحين، مشيرين إلى أن دول المجلس على وشك الدخول في أزمة مشابهة. وسعت الهيئات الحكومية كعهدها دائماً إلى التقرب إلى عامة الجماهير وذلك من خلال التبرعات والمكرمات التي تهدف إلى حماية المواطنين. ونظراً لعدم وجود آليات نقدية دقيقة، فقد بادرت دول المجلس إلى اتخاذ مجموعة من الإجراءات التي تهدف إما إلى مواجهة الآثار السلبية للتضخم أو احتواء الأسعار الجنونية، إذ قامت دولة الإمارات العربية المتحدة بزيادة رواتب موظفي الدوائر الحكومية بنسبة 70 في المائة مقابل 43 في المائة في سلطنة عمان، بينما كشفت السعودية النقاب في يناير 2008 عن مجموعة من الإجراءات الرامية إلى احتواء أزمة التضخم مثل فرض الدعم على سلسلة واسعة من الرسوم الحكومية ومنح موظفي الدولة والمتقاعدين بدل تكاليف معيشة بنسبة 5 في المائة وزيادة رواتب التأمين الاجتماعي في حين قامت البحرين بتخصيص مبلغ 100 مليون دولار كي يوزع على الفئات الأشد تأثراً بزيادة الأسعار. وإلى جانب الإجراءات والخطوات التي تهدف إلى مراقبة الأسعار، قامت الجهات والهيئات الحكومية بخفض الرسوم الجمركية على السلع المستوردة ولاسيما مواد البناء في محاولة منها لتخفيف الضغط على المواطنين. والواقع أن كل هذه الإجراءات تأتي في إطار رد الفعل ويتوقع أن تسهم في تفاقم أزمة التضخم على المدى المتوسط.

الولايات المتحدة والدول الغربية لا تزال تقدم لروسيا حزمة مهمة من المساعدات الاقتصادية

ومع ذلك، يظل جوهر المشكلة أسير الإهمال؛ ففي الأنظمة الاقتصادية التي تعتمد بشكل كبير على العمالة الوافدة التي قد تزيد أحياناً على السكان الأصليين للبلاد، نجد أن هذا القطاع الحيوي يمثل المحرك الأساسي وراء الاستهلاك المحلي. وفي ظل عدم وجود نظام تأمين اجتماعي يحمي هذه الفئة، تصبح ظاهرة التضخم أشبه بفرض ضرائب دون تشريع أو قانون؛ وهنا نجد أن العمالة الوافدة التي تتقاضى أجوراً متوسطة أو منخفضة تواجه صعوبة بالغة في التكيف مع هذا الوضع. أما العمالة الأجنبية التي تحظى برواتب عالية أو مناصب كبيرة في بعض الحالات، فتسعى إلى البحث عن أماكن أقل غلاءً وتضخماً وذلك في ضوء عدم المساواة في هياكل الرواتب وخضوعهم لاحتكار وظيفي، الأمر الذي يتنافى مع الأعراف التجارية المعمول بها في بقية دول العالم. ويتعين على واضعي السياسات في دول المجلس النظر في هذه المسألة. فإلى متى سيتم إهمال العمالة الوافدة التي تمثل ركيزة أساسية في عملية التنمية والتنوع الاقتصادي في المنطقة؟ ولاشك في أنه سيرفع الضرر والإهمال عن العمالة الوافدة في وقت ما وذلك عندما تزداد معاناة شركات القطاع الخاص من العجز في قطاع العمالة الماهرة.

تقييم السياسات والحل الأمثل

من الواضح أن كافة دول المجلس، باستثناء الكويت، تبنت إجراءات لضبط ومراقبة الأسعار واتبعت سياسة الدعم الحكومي التي يمكن أن يكون لها آثار سلبية على المدى المتوسط على الرغم من أنها قد تساعد في البداية على التخفيف من حدة الأزمة. وعمدت بعض الحكومات إلى التدخل عبر اتخاذ إجراءات معينة مثل وضع سقف لزيادة الإيجارات كما حدث في دولة الإمارات العربية المتحدة، إلا أن هذه المحاولات باءت بالفشل نظراً لأن الملاك لا يأبهون لهذه الإجراءات والقوانين. بل على العكس، فقد تساعد هذه الإجراءات التي لا تتصل بنشاط السوق، مثل زيادة الدعم والبدلات الحكومية وزيادة الرواتب بشكل غير محسوب وتحديد سقف لزيادة الإيجارات، في تفاقم ظاهرة التضخم. واتجهت هذه الحكومات إلى مراجعة معدلات الفائدة بهدف مواكبة إجراءات الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، الأمر الذي أدى إلى زيادة معدلات الائتمان في قطاع المصارف والعقارات وأفضى إلى ارتفاع معدلات التضخم. وثمة بريق أمل يلوح في السياسة التي تبنتها الكويت وذلك من خلال اتباع نظام أكثر مرونة لاستبدال العملات الأجنبية في مايو 2007، حيث أعلنت عن فك ارتباط الدينار الكويتي بالدولار الأمريكي في محاولة منها للتغلب على مشكلة التضخم المتفاقمة. وللحد من التقلبات المفاجئة، فإن الكويت تسعى إلى انتهاج مسار يتسم بالاعتدال والتوازن بين المرونة النقدية وإبعاد المضاربين في العملة والحد من انخفاض أسعار البترول في المستقبل من خلال إعادة تقييم الدينار بصورة ملحوظة. وتجدر الإشارة إلى ارتفاع قيمة الدينار الكويتي بنسبة 7.5 في المائة منذ فك ارتباطه بالدولار الأمريكي في 19 مايو 2007. وأسهم قرار الحكومة الكويتية بربط الدينار بسلة عملات في اقتسام معدل الفائدة بين معدل فائدة الاقتراض ومعدل فائدة الإيداع مما ساعد البنك المركزي الكويتي على التخفيف من حدة الاقتراض من دون التأثير في معدل السيولة بين البنوك مع عدم حدوث آثار سلبية على التدفق الائتماني في قطاع الاستثمارات. وعلى الرغم من أنه لم يحن الوقت لتطبيق التجربة الكويتية في هذا الإطار، إلا أن هذا لا يتعارض مع التفكير جدياً في اتخاذ إجراءات شاملة لمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة. ويتعين على الهيئات التابعة لدول المجلس اتباع سياسة حكيمة تجمع بين مراقبة النقد والحصافة المالية، ولابد من النظر في وضع مؤشر لأسعار السلع الاستهلاكية يتسم بالشمولية والدقة، ويعطي وزناً خاصاً لكل من مكوناته على أساس أهمية كل مكون بالنسبة لقطاعات المجتمع المختلفة سواء المواطنين أو الوافدين ورسم آلية خاصة للتنبؤ بعملية التضخم.  

 

مجلة آراء حول الخليج