array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

إسرائيل والبرنامج النووي الإيراني بين (عقيدة بيغن) و(خيار السادات)

الإثنين، 01 أيلول/سبتمبر 2008

يجد الساسة الإسرائيليون أنفسهم وسط بيئة أمن إقليمية ودولية مضطربة، حيث يواجهون خطر احتمال إيران نووية، وتشير تقديرات أجهزة استخباراتهم إلى أن حيازة إيران لسلاح نووي أمر محتمل بنهاية عام 2009 وأكثر احتمالاً بحلول عامي (2010 و2011).

في الوقت الذي يشير فيه تقرير الاستخبارات القومية الأمريكية الصادر في نوفمبر 2007 إلى توقف إيران عن مواصلة برنامج الأسلحة النووية منذ عام 2003، وأنه في حالة قررت استئناف هذا البرنامج فإن الأكثر احتمالاً أن أمام إيران خمس سنوات على الأقل لحيازة سلاح نووي، ويبدو أن هذا التقرير لم يبدد مخاوف تل أبيب باعتبار سوابق الخطأ والانحراف العديدة لأجهزة الاستخبارات الأمريكية في الماضي القريب وأبرزها مسألة البرنامج النووي العراقي في الطريق إلى الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003، بل إن هناك من المسؤولين الإسرائيليين من ذهب إلى الإقرار بأن هذه التقديرات الأخيرة تفترض أن (الإدارة الأمريكية الحالية غير قادرة حالياً على عمل عسكري ضد إيران!).

وتبدو الزعامة الإسرائيلية في سعيها للبحث عن خيارات فاعلة لمواجهة خطر التهديد النووي الإيراني أمام معضلة  ثلاثية الأبعاد.

  • البعد الأول: هو الإدراك العميق بالخطورة الشديدة لحيازة إيران لسلاح نووي.
  • البعد الثاني: هو قصور القدرات العسكرية الإسرائيلية في إزالة التهديد النووي الإيراني وفقاً لمتطلبات التزام بـ (عقيدة بيغن) الاستباقية.
    • البعد الثالث: هو الشكوك في جدوى الجهود الدبلوماسية الدوليـة الجاريـة لإيجاد حل لمسألـة البرنامج النووي الإيراني. 
    • إن إلقاء الضوء على الأبعاد الثلاثة لهذه المعضلة الإسرائيلية ربما يطرح تصوراً لطبيعة الخيار الإسرائيلي المقبل في مواجهة التهديد النووي الإيراني والذي قد يأتي في صورة عمل عسكري محدود ضد إيران بهدف تحفيز القوى الدولية خاصة الولايات المتحدة على القيام بواجباتها لاحتواء وإزالة هـذا التهديد.
  • الإدراك الإسرائيلي لحظر التهديد النووي الإيرانيكما أن هذا الإدراك لخطر التهديد الإيراني يأتي في وقت تتبدى فيه مظاهر قلق عميق على قدرات الدولة الإسرائيلية في مواجهة الخصوم الإقليميين، حيث لم توفر الآله العسكرية للدولة الإسرائيلية قدرة حماية المجتمعات المدنية في الداخل وهو ما أظهرته بوضوح أحداث ونتائج الحرب الأخيرة على الجبهة اللبنانية في صيف عام 2006، وكذلك أحداث ونتائج المواجهات التي جرت على الحدود الجنوبية المتاخمة لقطاع غزة والتي تبدي فيها العجز عن حتى تحييد خطر (الصواريخ العربية) المستهدفة للتجمعات السكانية والمراكز الحيوية الإسرائيلية على الجبهتين، وربما سيفاقم الأمر حيازة إيران لسلاح نووي كدافع لتصعيد مستقبلي في الإطلاقات الصاروخية وعمليات حرب العصابات العربية عبر الحدود الشمالية والجنوبية للدولة الإسرائيلية في ظل غطاء حماية نووية إيرانية تحجم التصعيد الانتقامي الإسرائيلي في المقابل.

 

    •  
    • المزاج العام في إسرائيل يرى أن إيران ليست تهديداً تصورياً، بل هو أخطر تهديد استراتيجي يواجه الدولة اليهودية منذ قيامها، ويذهب الكثيرون إلى اعتباره تهديداً وجودياً لبقاء الدولة ذاتها، حيث إن حيازة إيران المحتملة لسلاح نووي ستفرز وضعاً جديداً يحدث لأول مرة بامتلاك دولة عدو لقدرات الإصابة المميتة للكيان الإسرائيلي على خلفية الضعف الجيو- استراتيجي للدولة والتمركز السكاني والمؤسسي الحكومي في مناطق محددة بذاتها وفي مواجهة فترة إنذار محدودة للغاية (من 3 - 4 دقائق) عن هجوم وشيك، ويفاقم من الأمر حلول الذكرى التاريخية الجمعية للهولوكوست، حيث يتوافق الشعب الإسرائيلي على عدم السماح بتكرار تهديد آخر لوجود المجتمع اليهودي والمتمثل في هذه الحالة بدولة إسرائيل.
  • عقيدة بيغن الاستباقية وقصور القدرة العسكرية عن إنجازهاولأن أسلحة الدمار الشامل ووسائط حملها تمثل هاجساً مضاعفاً للأمن الإسرائيلي فقد جاءت عقيدة بيجن (Begin Doctrine) نسبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق والتي تأسست على البيانات الحكومية الإسرائيلية الصادرة في أعقاب تدمير الطائرات الإسرائيلية المفاعل النووي العراقي تحت الإنشاء       (أوزيراك) في 7 يونيو 1981 والتي تضمنت فكرة أنه (تحت أي ظرف لن نسمح للعدو بتطوير أسلحة دمار شامل ضد أمتنا وسوف ندافع عن مواطني إسرائيل في الوقت المناسب بكل ما لدينا من وسائل)، وهو الأمر الذي صعد من (فكرة) هذه البيانات إلى مستوى (العقيدة) باعتبار أن الزعماء الإسرائيليين استمروا في تكرارها في مواجهة تهديدات محتملة بأسلحة دمار شامل، وآخرها ما صرح به رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت في اجتماع لمجلس الوزراء في يناير من العام الحالي بأن (إسرائيل بوضوح لن تتصالح أو تتسامح مع إيران نووية، وأن كل الخيارات لمنعها من الحصول على قدرات نووية هي خيارات مشروعة في سياق التعامل مع هذه المشكلة) وفي إبريل من العام الحالي أيضاً عاد أولمرت ليكرر القول بأنه (يود أن يخبر مواطني إسرائيل بأن إيران لن تحوز قدرات نووية على الإطلاق) وهي أقوال في مجملها تمثل صدى لعقيدة بيغن.إلا أن تطبيق هذه العقيدة في النموذج الإيراني لن يكون مسألة تكرارية لما حدث في النموذجين العراقي والسوري الآنفين، حيث تتكتل تحديات عملياتية عديدة تمنع تحقيق إنجاز فاعل في إزالة التهديد النووي الإيراني، وتبدو القيادات السياسية والعسكرية العليا في إسرائيل مدركة بعمق لهذه التحديات التي من أبرزها الانتشار الواسع المدى جغرافياً لعناصر البنية الأساسية النووية الإيرانية في الجزء الغربي للدولة كنتيجة لاستيعاب إيراني لدروس نجاحات إسرائيلية سابقة، ويزيد من تعقيد الأمر أن كل واحدة من هذه العناصر لا تمثل هدفاً موحداً وإنما مجمع أهداف متكاملة، يضاف إلى ذلك أن المهمة أمام القوة الجوية الإسرائيلية ستكون على مسافات بعيدة تتراوح بين حوالي 1500 كيلو متر (في حالة المسار الأردني – العراقي ) وحتى 2800 كيلومتر (في حالة المسار التركي) الأمر الذي يتطلب ضرورة إعادة تزود بالوقود جواً لطائرات القصف الجوي لأكثر من مرة وهو أمر تحد منه محدودية أعداد طائرات صهاريج الوقود الإسرائيلية التي لن توفر قدرة إعادة تزود لأكثر من (2 - 3) أسراب هجومية (أي في حدود من 36 - 54 طائرة قتال هجومية)، وبالإضافة إلى اعتبارات عديدة أخرى فإن الآلة العسكرية الإسرائيلية لن يمكنها سوى تنفيذ ضربة جوية واحدة وضد عنصر أو عنصرين رئيسيين من بين عناصر البنية الأساسية النووية لإيران، وهو ما يعني في النهاية أن تصور توافر قدرة عسكرية لعمل استراتيجي على مسافات بعيدة يحقق ما ذهبت إليه (عقيدة بيغن) من إزالة كاملة لتهديد نووي إيراني محتمل هو مسألة تتجاوز القدرات العسكرية الحالية بل والمستقبلية لدولة إسرائيل، حيث يتطلب الأمر شن حملة جوية مطولة وممتدة على غرار ما يتوافر فقط للقوة الجوية الأمريكية على نحو خاص.

 

    •  
    • وإذا كان الهجوم الجوي على المفاعل النووي العراقي (أوزيراك) في عام 1981 قد دشن رسمياً لهذه العقيدة، فإن قصف منشأة نووية مزعومة تحت الإنشاء في شمالي سوريا في 6 سبتمبر من العام الماضي يمثل أحدث تجليات مركزية (عقيدة بيغن) في استراتيجية الأمن القومي الإسرائيلية.
    • الاستباقية والوقائية كانتا جزءاً مهماً في الخطاب الأمني لإسرائيل منذ نشأتها لاعتبارات جيو- استراتيجية وديموغرافية متداخلة، وهناك خلط متعمد بين فكرة العمل الاستباقي (في مواجهة تهديد وشيك) والعمل الوقائي (في مواجهة تحديد محتمل)، حيث طالما شنت إسرائيل كافة حروبها وعملياتها العسكرية بدعوى العمل الاستباقي بينما لم يتوافر دليل واحد على احتمالية مثل هذا التهديد (حتى في الحالة التي يروج لها بشدة في الأدبيات الاستراتيجية الإسرائيلية خاصة والغربية عامة كعمل استباقي أنجزته إسرائيل وهي حرب عام 1967 فإن كلاً من طبيعة نشر القوات المصرية في سيناء والبيانات الصادرة والتعهدات المصاحبة لها من قبل القيادة السياسية (المضطربة) في القاهرة آنذاك لم توفر تهديداً وشيكاً على إسرائيل بأي حال!).
    • شكوك في جدوى الجهود الدبلوماسية لاحتواء التهديد النووي الإيراني:وهكذا يصبح الاحتمال قائماً بتوصل الزعامة في إسرائيل لحقيقة أن تهديداً ذا مصداقية باستخدام القوة الأمريكية تجاه إيران أمر مطلوب لدعم الجهود الدبلوماسية للإدارة الامريكية والأوروبيين على السواء، لكن حث الأمريكيين على التحرك عسكرياً ضد إيران يتطلب خياراً مختلفاً ونهجاً جديداً باعتبار ما عرضناه من صعوبة تنفيذ (عقيدة بيغن) على نحو ناجع عسكرياً في الحالة الإيرانية، بالإضافة إلى أن الركون إلى منطق الردع المؤسس على ضربات نووية انتقامية في المقابل لن يوفر إيقافاً لزحف إيراني مفترض لحيازة سلاح نووي، وفي ظل هذه التعقيدات يبدو أن خياراً بعمل عسكري محدود أو ما يعرف بـ (خيار السادات العسكري) يصبح أمراً مطروحاً بقوة.
    •  
    • يدرك الإسرائيليون أنه رغم سلسلة العقوبات الاقتصادية والسياسية الدولية التي فرضت عزلاً جزئياً على إيران، فإن نظام طهران ربما لن يشعر بوطأة هذه العقوبات قبل مرور فترة طويلة يكون قد أنجز خلالها برنامجه النووي لحيازة سلاح نووي، بل إنه على المدى القصير فإن هذه العقوبات توفر صورة لمواقف شرف وطني لنظام حاكم في طهران يتبنى قضايا وطنية مصيرية، كما يوفر للنظام أيضاً مبرراً لعثراته الاقتصادية القائمة، كما تبدو قناعة الإسرائيليين بأن إيران تستخدم بمهارة ذات المزيج الكوري الشمالي الفريد في كسب الوقت المطلوب لإنضاج البرامج النووية، حيث إن خليطاً من الإنكار العلني لنية تطوير سلاح نووي، والتجنب الإبداعي في توفير دليل واضح على ذلك، مصحوباً بدبلوماسية مراوغة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية والقوى الدولية الرئيسية هو ما أتاح لكوريا الشمالية عبور حافة السلاح النووي واختبارها لجهاز تفجير نووي تحت الأرض في عام 2006، وهو ما قد يتكرر بصورة أو أخرى في حالة الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
  • إسرائيل نحو عمل عسكري محدود تجاه إيران:إن الإسرائيليين في وضعهم القائم الذي عرضنا له، وفي ظل يأس ظاهر من تحرك عسكري أمريكي حاسم لإزالة التهديد النووي الإيراني الجاري تشكيلة بثبات، ربما يندفعون نحو عمل عسكري وفقاً لقدراتهم المحدودة بهدف تدمير جزء من البنية الأساسية للبرنامج النووي الإيراني القائم ثم العودة سريعاً للتمترس في وضع دفاعي يقومون فيه بمراقبة ردود الأفعال الإقليمية والدولية ويتهيأون فيه لحماية أنفسهم من أعمال انتقامية إيرانية مع الاستعداد لتصعيد عسكري قد تتطلبة طبيعة ونتائج الأعمال الانتقامية الإيرانية المتوقعة، وربما يرى الإسرائيليون في قدراتهم الدفاعية الصاروخية الحالية وفي الدعم الأمريكي القائم لحماية حدودهم، وفي سوابقهم التاريخية في تجاوز التنديد والازدراء الدولي لأفعالهم ما يبرر لهم خوض غمار هذا الخيار.  
  • يتوافق الشعب الإسرائيلي على عدم السماح بتكرار تهديد آخر لوجود المجتمع اليهودي 

 

  • إن عملاً عسكرياً إسرائيلياً محدوداً على هذا النحو ومن دون إذن أمريكي مسبق سيدفع الولايات المتحدة وعلى خلفية المتوقع من ردود الأفعال الإيرانية الانتقامية في المقابل _ ليس أقلها تهديد الملاحة البحرية وخطوط إمدادات النفط عبر الخليج _ إلى التدخل العسكري الحاسم لمواجهتها وهو ما كانت تتجنبه الولايات المتحدة حتى الآن بفعل تورطها الاستنزافي في مسارح عمليات الشرق الأوسط وهو الشيء ذاته الذي طالما طمحت إسرائيل _على عكس ذلك _ إلى تحقيقه.
  • إن عملاً عسكرياً محدوداً يهدف إلى تحفيز أطراف دولية للتدخل بوسائل وأدوات مختلفة لحل معضلات إقليمية ودولية كثيراً ما يعبر عنه في الأدبيات السياسية بـ (خيار السادات) في إشارة إلى نموذج براعة الرئيس المصري إبان حرب أكتوبر 1973 في توظيف القوة العسكرية لعمل عسكري محدود بهدف توفير بيئة دولية ضاغطة لحل مشرف مطلوب للطرف المصري في مواجهة خصم إسرائيلي يتمتع بتفوق عسكري واضح.
مقالات لنفس الكاتب