array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 91

الأمن الغذائي : نواة الحلّ متوافرة منذ فترة

الأحد، 01 نيسان/أبريل 2012

لقد تكرر الادعاء بأن ارتفاع درجة حرارة الأرض سيؤدي قريباً إلى مجاعات كبيرة في العالم. ومن شأن هذه المغالاة المجانبة للحقيقة أن تؤدي إلى التركيز على الحلول الخاطئة.

فعندما شكّل مركز إجماع كوبنهاغن لجنة من العلماء الحائزين جوائز نوبل لكي يُحددوا الاستثمارات المثلى لمساعدة سكان العالم، قدّم هؤلاء العلماء حلولاً رخيصة وفعّالة للغاية لمكافحة سوء التغذية، مثل برامج إنتاج متممات غذائية كيميائية وبيولوجية وتعزيز القيمة الغذائية للمنتجات الغذائية عبر إضافة المتممات المناسبة إليها، بالإضافة إلى برامج تغذية المجتمعات.

ومن المؤسف أننا لا نسمع في العالم المتقدّم ما يكفي عن هذه الحلول ـ أو حتى عن هذا التحدي. وعندما نهتمّ بقضية الجوع، ننظر إليها من المنظور الخاطئ، في الغالب.

لطالما أقلقتنا المستويات المستقبلية الهائلة لنسَب الجياع: ففي عام 1968، أعلن پول إلريش Paul Ehrlich أن الإنسانية كانت قد خسرت معركة تأمين قوتها. واستند هذا التنبؤ بحدوث مجاعات وشيكة وواسعة النطاق إلى الفكرة البدائية القائلة بأن تزايد السكان يعني حتماً أن تتوافر للفرد كميات متناقصة من الأغذية.

وفي الحقيقة، تضاعف عدد سكان العالم منذ عام 1961، لكنّ إنتاج الأغذية ارتفع إلى نحو 300 في المائة. كما أن عدد سكان العالم النامي ارتفع إلى أكثر من الضعف بقليل، بينما ارتفع إنتاج الأغذية فيه إلى 400 في المائة.

بالنتيجة، تزايدت كميات الأغذية المتوافرة بوتيرة عالية، خصوصاً في العالم النامي. لذا، انخفضت نسبة الجياع بثبات منذ عام 1950 من أكثر من 50 في المائة من سكان العالم إلى أقل من 18 في المائة منهم حالياً. وطبقاً لتوقعات الأمم المتّحدة البعيدة المدى، ستنخفض هذه النسبة بثبات إلى نحو 2.9 في المائة في عام 2050. حينئذٍ، سيبلغ عدد الجياع 290 مليون إنسان.

وهناك أربع نتائج مهمة ومشتركة لاستطلاعات الرأي الواسعة النطاق التي رصدت آثار تغير المناخ على الإنتاج الزراعي والنظام العالمي لتجارة الأغذية.

أولاً: تصور قسم من الذين استُطلعت آراؤهم حدوث زيادة كبيرة في الإنتاج الزراعي ـ أكثر من ضعف الإنتاج الحالي للحبوب خلال القرن القادم. وقال فريق لاستطلاع الرأي: (عالمياً، يبدو أن الأراضي الصاحة للزراعة والتقدم التكنولوجي كافيان لضمان إطعام سكان العالم في عام 2080، حيث سيبلغ عددهم حوالي تسعة مليارات نسمة).

تتوقّع أكثر النماذج تشاؤماً، وهي التي تتوقّع أيضاً أسوأ آثار التغير المناخي، أن ينخفض الإنتاج الزراعي الكليّ بنسبة 1.4 في المائة من مستواه المفترَض من دون تغير مناخي.

ثانياً: قد يكون أثر ارتفاع حرارة الأرض على الإنتاج الزراعي سلبياً ولكنْ محدوداً جداً في المحصّلة. وتتوقع أكثر النماذج تشاؤماً، وهي التي تتوقّع أيضاً أسوأ آثار التغير المناخي، أن ينخفض الإنتاج الزراعي الكليّ بنسبة 1.4 في المائة من مستواه المفترَض من دون تغير مناخي. أما أكثر النماذج تفاؤلاً، فإنها تتوقع أن يزداد صافي الإنتاج الزراعي الكلي بنسبة 1.7 في المائة نتيجةً لارتفاع حرارة الأرض. ولكي نضع هذه الأرقام في سياقها الصحيح، نشير إلى أن متوسط معدلات النمو السنوي للزراعة في السنوات الثلاثين الماضية بلغ 1.7 في المائة تقريباً.

ثالثاً: صحيحٌ أن أثر ارتفاع حرارة الأرض سيكون طفيفاً على الصعيد العالمي ولكنه سيكون ملحوظاً على الصعيد الإقليمي. وبصفة عامة، سيكون أثر هذه الظاهرة سلبياً على الزراعة في الدول النامية ولكنه سيكون إيجابياً على الزراعة في الدول المتقدمة. ويُعزى سبب ذلك إلى حقيقة أن ارتفاع حرارة الجو في الجزء الشمالي من كوكب الأرض يساعد المزارعين (لأن مواسم الزراعة تصبح أطول كما تصبح المحاصيل أوفر وأكثر تنوعاً)، بينما تنخفض إنتاجية الزراعة في الدول الاستوائية.

وطبقاً لأسوأ السيناريوهات، سينخفض الإنتاج الزراعي في العالم النامي بنسبة 7 في المائة، بينما سيرتفع في العالم المتقدم بنسبة 3 في المائة. ويتعيّن علينا أن نعالج هذه القضية لكن مع التذكير بالصورة الكاملة للمشهد: إذ من المتوقع أن يزداد الإنتاج الزراعي الكليّ حتى في الدول النامية بنحو 270 في المائة.

الأراضي الصالحة للزراعة والتقدم التكنولوجي كافيان لضمان إطعام سكان العالم في عام 2080

خفض الانبعاثات الكربونية لا يحدّ من ارتفاع درجة حرارة الأرض إلا بشكل ضئيل

وفي القرن القادم، ستصبح الدول النامية حتماً أكثر اعتماداً على استيراد الأغذية من الدول المتقدمة. والسبب الرئيسي لهذه الظاهرة ليس ارتفاع درجة حرارة الأرض، فحتى من دون ارتفاع حرارة الأرض، ستتضاعف واردات الدول النامية خلال القرن القادم بسبب النمو السكاني. أما ارتفاع حرارة الأرض وحده، فإنه قد يرفع الواردات بنسَب تتراوح من 110 في المائة إلى 140 في المائة.

وينبغي علينا أن نتذكّر دائماً أن أوضاع المستهلكين في الدول النامية ستكون في عام 2080، أفضل بكثير مما هي عليه اليوم. إذ قال فريق لاستطلاع الرأي إن المستهلكين المستقبليين في الدول النامية (سيبتعدون كثيراً عن عمليات الإنتاج الزراعي وسوف يسكنون في المدن حيث يكسبون رزقهم من خلال العمل في القطاعات غير الزراعية. أما في الدول المتقدمة، فإن مستويات الاستهلاك تعتمد حالياً على أسعار السلع الغذائية ودخل الفرد أكثر مما تعتمد على التغييرات التي تطرأ على الإنتاج الزراعي المحلي).

رابعاً: إجمالاً، سيكون ارتفاع درجة حرارة الأرض مسؤولاً عن زيادة عدد الجياع بواقع ثمانية وعشرين مليون إنسان، كحدّ أقصى، طبقاً للسيناريو المرجّح. (وهناك سيناريوهات تتوقع آثاراً طفيفة لارتفاع درجة حرارة الأرض، بينما تتوقع سيناريوهات أخرى أن ينخفض عدد الجياع بواقع ثمانية وعشرين مليون إنسان).

من المهم أن نضع هذه المسألة في إطارها الصحيح. إذ يوجد في العالم الآن حوالي 925 مليون جائع. وخلال القرن القادم سيزداد عدد سكان العالم بنحو ثلاثة مليارات أو ملياري نسمة، على الأقل؛ ومع ذلك، يبدو من المحتمل أن يبلغ عدد الجياع مع نهاية القرن حوالي 108 ملايين إنسان فقط.

وفي الحقيقة، يعتمد انتشار المجاعة على الاقتصاد أكثر مما يعتمد على المناخ. ولو سيطرنا تماماً على درجة حرارة الأرض (تصوّر أننا أوقفنا اليوم جميع الانبعاثات الكربونية بطريقة ما)، فإننا سنتفادى ظهور ثمانية وعشرين مليون جائع إضافي في نهاية القرن. في المقابل، إذا استطعنا الانتقال من أحد سيناريوهات الأمم المتّحدة ذات الجدوى الاقتصادية المحدودة إلى أحد السيناريوهات ذات الجدوى الاقتصادية الكبيرة، سنتمكن من تفادي ظهور 1065 مليون جائع إضافي مع نهاية القرن.

وبالطبع، من غير الواقعي تماماً أن نعتقد أننا قادرون على وقف ارتفاع درجة حرارة الأرض أو معالجة جميع الجوانب الاقتصادية لظاهرة الجوع. لكن ما ينبغي علينا أن نفعله هو السعي لإيجاد سيناريو يقلص عدد الجياع إلى أدنى حدّ ممكن - ويرتبط هذا برفع دخل الفرد إلى أعلى مستوى ممكن.

وليس من المعقول أو الأخلاقي أن نتّخذ من التحول المناخي ذريعةً لخفض عدد الجياع بشكل طفيف فقط لأن خفض الانبعاثات الكربونية لا يحدّ من ارتفاع درجة حرارة الأرض إلا بشكل ضئيل. ولو طبّق العالم معاهدة كيوتو بالكامل، فإنه سيقلّص عدد الجياع في عام 2080، بواقع مليونيّ إنسان فقط؛ وستبلغ التكلفة السنوية في هذه الحالة 180 مليار دولار.

لكنْ إذا كنّا نهتمّ حقاً بمساعدة الجياع، فإنه يُمكننا القيام بما هو أفضل من مجرّد تطبيق معاهدة كيوتو.

هنا، تبرز أهمية الحلول الفعّالة والرخيصة لمكافحة الجوع. ففي مشروع إجماع كوبنهاغن 2008، أوصت لجنة العلماء الحائزين جوائز نوبل بتكثيف الاستثمار في برامج إنتاج المتممات الغذائية الكيميائية والبيولوجية وتعزيز القيمة الغذائية للمنتجات الغذائية عبر إضافة المتممات المناسبة إليها، وفي برامج تغذية المجتمعات أيضاً؛ ذلك لأن كلّ استثمار في هذه الميادين، مهما كان صغيراً، قادر على إحداث فرق ملموس.

فمن خلال تعزيز القيمة الغذائية للسلع الغذائية الأساسية (عبر إضافة مادّة الحديد إليها، مثلاً) وتطوير محاصيل ذات قيمة غذائية أعلى وتوفير كميات كافية من المتممات الغذائية، نستطيع معالجة مشكلة سوء التغذية بصورة أفضل؛ علماً أن هذه المشكلة أُغفلت، في الغالب. كما أن برامج تغذية المجتمعات تساعد في تحقيق تحسن مستدام يعود بالنفع على الأُسر والمجتمعات في المدى البعيد.

(للاطلاع على البحث الذي يدعم هذه التوصيات، انظر: www.copenhagenconsensus.com)

يتعيّن علينا أن نعترف بأن دور المناخ في انتشار المجاعة ضئيل جداً. وشدّدت لجنة العلماء الحائزين جائزة نوبل على أهمية الاستثمار في مجالات أخرى، مثل توسيع نطاق التلقيح ضد الأمراض والقضاء على الطفيليات وتحسين سبل علاج مرض الملاريا والوقاية منه وتسهيل حصول الفتيات على التعليم المدرسي، لأن هذه الاستثمارات تؤدي إلى تحوّلات دائمة تجعل أضعف مجتمعات العالم أقوى وأكثر مرونةً.

إذا كنا نهتمّ حقاً بمساعدة المزيد من البشر على تفادي الجوع، يتعيّن علينا أن نعترف بأن دور المناخ في انتشار المجاعة ضئيل جداً.

 

مقالات لنفس الكاتب