array(1) { [0]=> object(stdClass)#12963 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 91

تفكيك القطبية الأمريكية الأحادية عبر البوابة العراقية

الأحد، 01 نيسان/أبريل 2012

استقرت نظريات السياسة الدولية على أن النظام السياسي الدولي يمثل هيكلاً يضم وحدات سياسية تدخل مع بعضها البعض في شبكة معقدة ومتداخلة من التفاعلات المتعددة الأغراض والمقاصد، هذه الشبكة من التفاعلات يمكن وصفها (بمتغيرات القدرة) التي تطلق على كيفية توزيع الموارد والقدرة على استخدامها لتحقيق الأهداف وهو عامل ديناميكي مهم في النظام السياسي الدولي.

ديناميكية التغيير في النظام الدولي

لا يقترن وجود النظام بحالة الثبات أو الاستقرار، ولكونه واقعة مادية مدركة ومعاشة فهو لا يعيش حالة ثبات أو سكون لفترة طويلة، بل إن صفته الأساسية هي الحركة والاستمرارية، أي أن النظام لا يمثل حالة (جامدة) ثابتة ومستقرة بل هو يجسد حالة (فاعلة) متصلة ومستمرة وبهذا يوصف بأنه (كيان ذو طبيعة قابلة للتغيير المستمر)، وهكذا طبقاً للمعادلة التي يتم بموجبها توزيع مصادر القوة بين الدول يتغير النظام الدولي، ففي كل مرحلة تاريخية ونتيجة لترجيح عوامل معينة من عوامل القوة ومن خلال تأثيرها العميق تنشأ ميول قوية لدى العديد من وحدات النظام لإحداث تغيير يؤدي إلى إعادة توزيع جوهري للقوة من خلال حيازة مقدار أكبر منها.

فالتفاوت في درجات التأثير الدولي إنما هو محصلة لتباين قدرات الدول فيما بينها حيث يسهم هذا التفاوت بشكل جدي في تحديد القوى أو الأقطاب الفاعلة في النظام الدولي، بل يمكن تحديد الشكل الذي يتخذه هيكل النظام الدولي. ونتيجة لتباين القدرات التأثيرية تتباين أهمية الأدوار التي تؤديها الوحدات السياسية على المستوى الدولي، فمن هذه القوى ما يحمل وصف القوى القطبية وهذه القوى التي يتقرر بها النظام الدولي، إلا أن مفهوم القطبية يأخذ تطبيقات عدة فهناك القطبية الأحادية وفي ظلها تتقرر آلية النظام على وفق إرادة قطبية منفردة، وهناك التعددية القطبية حيث توجد على المسرح الدولي مجموعة قوى متكافئة نسبياً أو متعادلة تقريباً في مصادر القوة والإمكانات المتاحة، وهناك القطبية الثنائية وفي ظلها يقوم محوران رئيسيان يمتلكان مصادر القوة والنفوذ ويتزعم كل محور قوة عظمى ويحصل نوع من ميزان القوى ويتسم هذا الميزان بالجمود بسبب غياب قوة ثالثة قادرة على القيام بدور الموازن أو قادرة على الإخلال في الميزان عبر التحالف مع أحد طرفيه.

هيئة الأمم المتحدة كانت في عقد التسعينات عبارة عن مكتب ملحق بوزارة الخارجية الأمريكية

سرّع احتلال العراق من عجلة تدهور وانهيار مكانة الولايات المتحدة الأمريكية عالمياً

الموقف الصيني والروسي الأخير في مجلس الامن جاء تتويجاً لإعلان مبكر عن نشوب حرب باردة

يتحدد شكل النظام السياسي الدولي بالقطبية الأحادية عندما لا ينازع أياً من الوحدات السياسية الوحدة الكبرى في تفوقها، وعادة ما يقوم هيكل النظام على أساس القطبية الأحادية عندما تنفرد دولة واحدة بعناصر القوة والنفوذ من خلال امتلاكها هيكل القوة واستئثارها في اتخاذ القرار السياسي الدولي والتحكم في اتجاهات السياسة الدولية.

القطبية الأحادية من الصلابة إلى الهشاشة

يعبر نظام القطبية الأحادي في بداية تشكله عن إرادة منفردة ومطلقة تسعى إلى تكييف الأنماط السلوكية المؤسسية على وفق أهدافها وتطلعاتها، هذه السمة المتمثلة بالاحتكار والتفرد بمقدرات النظام الدولي متأتية من غياب أو عدم وجود أية قوة دولية يمكن أن يكون لها أساساً دور في القوة المعادلة أو الموازنة التي يمكن أن تحد من تطلعات تلك القوة القطبية. وهذا النمط من القطبية نادر في تاريخ العلاقات الدولية وكثيراً ما يتميز بقصر مدته لأنه من الصعب عليه أن ينجح في تجميع وتوحيد واستمرار خضوع جميع الأطراف في إطار واحد ولمدة طويلة.

لذلك يمكن وصف هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على القرار الدولي طيلة عقد التسعينات وعقب انهيار الاتحاد السوفييتي وتفكك نظام القطبية الثنائية التي سادت فترة الحرب الباردة، بأنها فترة انفراد أمريكي مطلق حيث سادت لدى دوائر القرار الأمريكي عقلية الانفراد بمقدرات العالم واعتبرت هيئة الأمم المتحدة عبارة عن مكتب ملحق بوزارة الخارجية الأمريكية. إلا أن هذا النمط ما لبث أن تراجع وانحسر نتيجة الحماقات والمغامرات والوقوع بفخ العقلية الإمبراطورية، مما قاد الولايات المتحدة إلى التحول تدريجياً نتيجة التكاليف الباهظة الاقتصادية والعسكرية إلى تراجع مكانتها في المجتمع الدولي لتمر القطبية الأحادية الصلبة بفترة من تصاعد استقلالية الكثير من الدول الكبرى التي كانت تتفرج وصامتة طيلة حقبة الأحادية الصلبة ليتحول النظام الدولي من شكل القطبية الأحادية (الصلبة) إلى شكل القطبية الأحادية (الهشة)، حيث أجبرت الولايات المتحدة الأمريكية على قبول مشاركة الأقطاب الدولية الصاعدة والمنافسة لها في إدارة الملفات الدولية الساخنة وخاصة في أفغانستان وفي الملف النووي الإيراني والكوري الشمالي، الأمر الذي أعطى إشارات واضحة على تبلور قوى دولية كبرى لاستعادة المبادرة ووضع حد لنظام القطبية الأحادية ووضع حد للتهور الأمريكي وعدم ترك زمام المجتمع الدولي لمغامرات المحافظين الجدد، وكذلك الاستعداد من قبل كثير من هذه الأقطاب المنافسة للولايات المتحدة لاستعادة مجالها الحيوي والحفاظ على مصالحها.

الفخ العراقي وعودة التوازن الدولي

لعل الإشارة الأولى والمفصل التمهيدي الحاسم في تحول طبيعة النظام الدولي كان قيام الولايات المتحدة الأمريكية بصورة منفردة وخارج إطار الشرعية الدولية بغزو العراق وتدمير دولة ذات سيادة تحت ذرائع وهمية، مما دفع بكثير من الدول الكبرى (الصين، روسيا، فرنسا، ألمانيا) إلى رفض هذا العدوان وتصنيفه رسمياً من قبل الأمم المتحدة على أنه (احتلال) مستوفي لكافة أركان العدوان طبقاً لتعريف الأمم المتحدة، سرع احتلال العراق من عجلة تدهور وانهيار وتدحرج مكانة الولايات المتحدة من قمة الهرم إلى السفح وذلك نتيجة فقدانها لركيزتين مهمتين من مثلث القوة التي بموجبها يتم تصنيف قوة ما بأنها عظمى حيث تم تدمير الركيزة الاقتصادية للولايات المتحدة من خلال كلفة الحرب الباهظة التي تجاوزت ثلاثة تريليونات دولار، وكذلك تدمير الركيزة العسكرية حيث مني الجيش الأمريكي بهزيمة قاسية في المعدات والأفراد، فقد تم تدمير 300 ألف معدة عسكرية وأخرج من الخدمة القتالية أكثر من ربع مليون جندي نتيجة العوق والجروح، وكذلك تم قتل أكثر من 30 ألف جندي، هذا الاستنزاف الذي أستغرق أكثر من تسع سنوات إضافة للمستنقع الأفغاني كانا بلا شك الأرضية التي مهدت لأن تتحول الولايات المتحدة من دولة عظمى تهيمن على قمة الهرم السياسي الدولي إلى دولة كبرى كسواها من الدول الكبرى ومهد لظهور ملامح قوية وواضحة وإشارات وعلامات لا تخطئ، لعل في مقدمتها محاولة الغرب وأمريكا الإمعان في الهيمنة والاستهتار بمقدرات السياسة الدولية من خلال محاولة فرض أمر واقع جديد على منطقة الشرق الأوسط والتدخل بصورة سافرة في الشؤون الداخلية لدول المنطقة وخاصة تلك التي تمثل منطقة القلب في بؤرة الأزمات وتقاطع المصالح الدولية من الناحية الجيو- سياسية أو من ناحية التوازن في معادلة الصراع العربي – الإسرائيلي.

 لم ينطلق الموقف الصيني والروسي الأخير في مجلس الأمن الدولي بخصوص الملف السوري من فراغ وإنما جاء تتويجاً لإعلان مبكر عن نشوب حرب باردة وإعلان مزدوج بأن العالم لم يعد ساحة مفتوحة للولايات المتحدة وإيذان بولادة وانبثاق طور جديد من القطبية الدولية يمكن أن نطلق عليها (نظام قطبية متعدد الأقطاب هش) وهو الشكل الأولي لاستعادة التوازن الدولي. وتطرح التعددية القطبية، وخلافاً لما يذهب إليه مفهوم القطبية الأحادية، إمكانية المشاركة وليس الاحتكار في إدارة شؤون وتفاعلات السياسة الدولية. وسيتيح للدول المناوئة للولايات المتحدة ومشروعها في المنطقة فرصة جديدة للمناورة واستغلال مثل هذا النمط من توزيع القوة والتوازن الجديد لتحقيق مصالحها بعيداً عن الإذعان والتبعية التي سادت مرحلة ما بعد الحرب الباردة.

في مثل هذا النمط الجديد – القديم من هيكلية النظام السياسي الدولي ستشترك مجموعة من الدول والمحاور أو التكتلات في قمة الهرم الدولي، هذه المجموعة ليست بالضرورة متساوية القدرات لكنها تتميز عن بعضها نتيجة ما تمتلكه من حيازة نسبة كبيرة من هيكل القوة المعاصرة المتمثل بالثالوث العسكري والاقتصادي والتكنولوجي، ومتكافئة نسبياً أو متعادلة تقريباً مع بعضها ولها القدرة التامة في تقدير السياسة الدولية، ويتسم هذا النمط من النظام بتكراره وطول مدته فالتاريخ السياسي الدولي حافل بأمثلة عدة لهذا النموذج القطبي وهو ميزة للنظام المستقر، حيث يركز فيه على الدبلوماسية والوسائل التقليدية للتفاوض وتكون أهداف الوحدات فيه أهدافاً محدودة.

مقالات لنفس الكاتب