array(1) { [0]=> object(stdClass)#13024 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

مستقبل السياسة الأمريكية في منطقة الخليج

الأحد، 01 شباط/فبراير 2009

 فرض النمط المتزايد الذي واجه بيئة الأمن الدولي الدخول في إعادة تعريف لمفاهيم الأمن ذاتها، هذه المفاهيم التي غدت متضخمة أو لنقل مكثفة في مضامينها وأبعادها، وبشكل غير مسبوق في تاريخ البشرية. هذا في حين كان يعتقد أن عالماً معولماً من شأنه أن يكون أكثر أمناً. ويمكن النظر إلى أمن الخليج باعتباره أمناً إقليمياً، أي مرتبطاً ومتضمناً تفاعلات الدول الثماني المشاطئة للخليج.

لكن هذا التوصيف الإقليمي للأمن يبقى توصيفاً دراسياً بالدرجة الأولى، فأمن الخليج بات أمناً دولياً بفعل الطاقة النفطية والممرات الاستراتيجية.

ومنذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، بدت الولايات المتحدة طرفاً مستمراً في تفاعلات الأمن في الخليج، وهي غدت اليوم القوة الأكثر تأثيراً في تحديد مساراته واتجاهاته. وضمن أمور أخرى، بدا النفط والمحافظة على الأمر القائم عنصرين أساسيين في المقاربة الأمريكية لهذا الأمن.

أولاً: بين حروب ثلاث

 وعلى الصعيد الاستراتيجي، ظل الاحتواء دليلاً للسياسة الأمريكية في المنطقة منذ مطلع العقد الثامن من القرن العشرين. وعلى الرغم من أن الاحتواء سقط كدليل للسياسة الأمريكية على صعيد كوني، إلا أنه لم يسقط على صعيد مقاربة الولايات المتحدة للأمن في الخليج.

وفي إطار مبدأ الاحتواء ذاته، اتجهت الولايات المتحدة لاعتماد سياسة التدخل العسكري المباشر، وذلك منذ مطلع عام 1980. وهذا ما عبّر عنه مبدأ كارتر. وحيث إنّ السياسة الخارجية امتداد للسياسة الداخلية بوسائل أخرى، فإن هذا المبدأكان، في واقع الأمر، تعبيراً عن مناخ داخلي، أو لنقل نمط جديد من القناعة الداخلية متزايدة في تأكيدها على عضوية العلاقة بين الرفاه المحلي والتفوق الخارجي. وقد افترض مبدأ كارتر ضمناً، فيترجمته الإقليمية، وجود تقارب في المعطيات الاستراتيجية بين أوروبا الغربية والخليجالعربي. وهو افتراض أثار جدلاً استراتيجياً ممتداً، إذ إن القوة العسكرية الأمريكية فيأوروبا الغربية كان بمقدورها احتواء النفوذ السوفييتي، ومنعه من الانسياب غرباً. أمامقولة احتواء النفوذ السوفييتي في الخليج العربي فبقيت مقولة مبهمة إلى حد بعيد، حيث لم تكن هناك حدود واضحة لهذا النفوذ، فاليمن الجنوبي لم يكن في وضع كوضع ألمانيا الشرقية، وإثيوبيا ليست بولونيا أو تشيكوسلوفاكيا. أما أفغانستان فلم تكن سوى مستنقع للقوة السوفييتية. كذلك فإنّ العراق وإيران كانا يمثلان مناطق رمادية فيخريطة النفوذ الدولي. وقد وجد مبدأ كارتر أعلى تجلياته في (عاصفة الصحراء)، في عام 1991، فحرب الخليج الثانية كانت ترجمة متقدمة لهذا المبدأ. ومن وجهة النظر هذه، فإن تجربة غزو الكويت كانت دافعاً للولايات المتحدة للتفكير بعدم استبعاد أي نوع من المخاطر في المنطقة.

الوجود الأمريكي فيبلاد الرافدين يتمتع بمعطى سياسي لم يتم الأخذ به في بقية دول الخليج

 وقبل ذلك، كانت الحرب العراقية-الإيرانية قد دخلت في مفهوم توازن القوى ذاته، وهو مفهوم كان حينها مرعياً أمريكياً، أو لنقل كانت السياسة الأمريكية في الخليج تقر به وتبني فوقه كامل استراتيجيتها. وكذلك، كانت هذه الحرب شكلاً متقدماً من الاستنزاف المتبادل. وهي بهذا المعنى فرصة لاحتواء أطراف القتال. إن الاحتواء، بالمدلول الفلسفي، يمثل غاية توازن القوى ذاته. بيد أن أحد التداعيات بعيدة المدى للحرب العراقية-الإيرانية، تمثلت لاحقاً في دخول إيران في برنامج تسلّح كثيف ومتسارع الخطى، حيث إن إحدى العبر التي خلص إليها الإيرانيون من الحرب هي أن هذه الحرب ما كان لها أن تدوم على النحو الذي دامت عليه، لو لا تفوق العراق الجوي، وتفوق دفاعاته الجوية في الوقت ذاته. وكذلك، تمثلت إحدى العبر في حقيقة أن العراق تمكن من دفع إيران للقبول بقرار مجلس الأمن الدولي الرقم (958) بفعل الضربات الصاروخية، التي أصابت مساحات واسعة من المناطق والأحياء السكنية في إيران، وحيث لم يكن لدى الإيرانيين حينها ما يوازيها من قدرات صاروخية، يمكنها أن تجبر نظام بغداد على وقف حرب المدن.

 وعلى صعيد السياسة الأمريكية ذاتها، فقد كان هناك، حتى مطلع الثمانينات من القرن العشرين، نوع من التضارب في المسؤولية بين القياداتالفرعية الأمريكية في المنطقة: فمسؤولية الدفاع عن الخليج العربي، وما يليه من اليابسة، كان معهوداًبها إلى القيادة الأمريكية في أوروبا، بينما مسؤولية المحيطالهندي ملقاة على عاتق القيادة الأمريكية في المحيط الهادئ، وكان الخط الفاصل بيناختصاصات القيادتين يمر تماماً وسط مضيق هرمز. وهنا حسمت إدارة ريغن هذه الإشكاليةبتشكيل قيادة مركزية مستقلة (السنتكوم) في يناير من عام 1983. وقد شمل اختصاص هذه القيادة كلاً من الخليج العربي والقرن الإفريقي وجنوب غربي آسيا. وكان ذلك في ذروة الحرب العراقية – الإيرانية.

 وفي السنوات الأخيرة لهذه الحرب، أعطت (حرب الناقلات) مبرراً إضافياً لتعزيز الحضور العسكري الأمريكي، الذي قدم نفسه على أنه ضامن لأمن الملاحة البحرية. وقد اتجه هذا الحضور نحو مزيد من التعاظم بعد حرب الخليج الثانية، ووجد أعلىتجلياته في تشكيل (الأسطول الخامس) في العالم 1995. وكانت تلك المرة الأولى التي تنظم فيها الولايات المتحدة أسطولاً جديداً منذ الحرب العالمية الثانية.

وفي عام 1993، جاء (مبدأ الاحتواء المزدوج) لإيران والعراق، ليستمد أصوله النظرية من الحرب الباردة، كما هي حال(مبدأ كارتر) نفسه،قد مثلالتأطير الاستراتيجي الأهم لحرب الخليج. وبالمنظور الاستراتيجي، يمكن القول إنّ الوجود العسكري الأمريكي في الخليج، في مرحلة ما بعد (عاصفة الصحراء)، مهّد الطريق أمام التبني الأمريكي الرسمي لسياسة (الاحتواء المزدوج) لإيران والعراق، إذ تستند فلسفة الاحتواء في أحد أركانها إلىوجود قوة عسكرية متقدمة، يستنفذها الطرف المحتوي في أغراض التهديد أو المواجهةالفعلية مع الطرف المراد احتواؤه، بالطريقة ذاتها التي مارسها حلف شمال الأطلسي (الناتو) عبر أحزمةالطوق التي حاصرت الاتحاد السوفييتي إبان الحرب الباردة.

وفي الفترة السابقة قليلاً للإعلان الأمريكي الرسمي عن السعي لإسقاط حكومة الرئيس العراقي السابق صدام حسين، أعلن مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤونالشرق الأدنى حينها، مارتن أنديك، أنه في حال حصلت نظرياً عملية تطبيع للعلاقات الأمريكية - الإيرانية، فإنه لن تكون هناك حاجة ضرورية إلى تطبيع العلاقات مع العراق بهدف إيجاد توازن للقوى في منطقة الخليج العربي، موضحاً أنّ (الولايات المتحدة هي التي تحفظ ميزان القوى هناك).أي أن القوة الأمريكية في المنطقة ستمثل الكفة التي توازن القوة الإيرانية حتى مع استمرار عزلة العراق.

أمن الخليج بات أمناً دولياً بفعل الطاقة النفطية والممرات الاستراتيجية

وعلى الرغم من أهمية النقاش، الذي يمكن إثارته هنا على الصعيد النظري، فإنّ السلوك الفعلي للدبلوماسية الأمريكية لم يقترب حينها من فضاء هذه المقاربة، وبالتالي فإنّ البحث في مقولة إعادة تأطير الاحتواء ظل بحثاً على مستوى المفاهيم وحسب.

 ويمثل (الموازن الخارجي) أحد أقدم مفاهيم الأمن، وصوره التي سادت على صعيد عالمي،وقد وجد ترجمته التاريخية في الخليج بالقوة البريطانية وقبلها البرتغالية، وإن على نحو أقل تبلوراً. وعلى الرغم من ذلك، فإنّ هذا المفهوم ما زال مفهوماً إشكالياً. ولعل البعد الأهم في هذه الإشكالية هو مدى إمكانية أن تكون القوة، بمفهومها العسكري المجرد، موازنة للدولة بثقلها الكلي، الذي لا تمثل القوة العسكرية سوى أحد عناصره، حيث تبرز العناصر الأخرى للقوة ديموغرافياً واقتصادياً وجغرافياً، حيث إن القوة العسكرية الأمريكية في المنطقة ليست تعبيراً موازياً للولايات المتحدة كدولة.

ثانياً: المتغيّر العراقي

في عام 2003، جاء الغزو الأمريكي للعراق ليدفع عالياً باتجاه تعزيز القدرات العسكرية للولايات المتحدة في المنطقة، وحيث تشكل وجود عسكري أمريكي متقدم في بلاد الرافدين أو لنقل في أعالي الخليج، وذلك للمرة الأولى في التاريخ. ويمكن أن نشير إلى أنه في عام 2004 كان في العراق 12 قاعدة أمريكية من الفئة المصنفة بـ (القواعد الثابتة)، أبرزها (Camp Victory) في مطار بغداد، و(Camp Renegade) في كركوك. وتستخدم البنتاغون مصطلح (القواعد الثابتة) للإشارة إلى المعسكرات طويلة الأمد، ولا يعبر هذا المصطلح بالضرورة عن قواعد دائمة أو مستمرة (Continual Basis). وحسب التصوّرات الاستراتيجية المستجدة، وتناغماً مع التقليص التدريجي لعدد القواعد الأمريكية خارج الولايات المتحدة، خلال الخمسة عشر عاماً الأخيرة، بدأت القواعد الكبيرة، التي تقدم كافة الخدمات (large، full-service bases ) تفقد مكانتها لمصلحة المرافق الأصغر، المجهزة بما هو ضروري وحسب (smaller ، more bare-bones facilities)، والتي قد لا تقيم فيها أي عناصر من القوات المسلحة على أساس دائم. وهذا تحديداً ما سوف يتم اعتماده في العراق.

يُراد للوجود الأمريكي في العراق أن يغدو في وقت ما الأكثر تقدماً بالمعيار النوعي

 وعلى نحو مبدئي، يُراد للوجود الأمريكي في العراق أن يغدو، في وقت ما، الأكثر تقدماً بالمعيار النوعي على صعيد القوة الأمريكية المنتشرة في المنطقة، وينهض تالياً بالدور الطليعي في استراتيجية (الموازن الخارجي) في معادلة أمن الخليج. بل إنّ خيار الموازن الخارجي، لم يعثر على معطى متقدم على النحو الذي هوعليه اليوم، فالانتشار العسكري الأمريكي في المنطقة قبل غزو العراق لم يكن ليُقدَّر له أن يرتقي بالصورة التي نشهدها في الوقت الراهن. وإضافة لفارق القدرات اللوجستية، فإنّ الوجود الأمريكي فيبلاد الرافدين، يتمتع بمعطى سياسي لم يتم الأخذ به في بقية دول الخليج، يتمثل في جعل العراق ساحة متقدمة للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، بصورة تفوق وضع الداخل الخليجي، بل حتى تركيا الأطلسية.

إن أياًمن الخيارات الخاصة بالانسحاب من العراق لم تذهب إلى القول بإنهاء الوجود العسكري الأمريكي فيه، ومغادرته من دون إقامة قواعد ارتكاز، يمكن الاستناد إليها في إدامة المقاربة الأمريكية الراهنة لأمن الخليج.

 وفي سياق موازٍ، حدث في السنوات الأخيرة تطوران رئيسيان في مسار الاستراتيجية الأمريكية في البحر المتوسط، دفعا باتجاه تعزيز هذه المقاربة، فقد تمثل الأول في انخراط الولايات المتحدة بعملية المراقبة الدائمة للممرات البحرية الحيوية في المتوسط، التي يرعاها (الناتو). وتجسد الثاني في تعزيز القدرة الاستطلاعية والهجومية الأمريكية من خلال بناء علاقات جديدة مع عدد من دول شمال البحر المتوسط، وكذلك إبرام اتفاقيات خاصة في دول واقعة على تخوم المنطقة، وتحديداً في بلغاريا ورومانيا.

وفي تطوّر ذي مغزى، طرح الرئيس الأمريكي المنتخب باراك أوباما شعار الانسحاب التدريجي المتسارع للقوات الأمريكية من العراق، مع إبقاء (العدد الكافي) من الجنود، وفقاً للمعاهدة الأمنية العراقية – الأمريكية، التي صادق عليها البرلمان العراقي في 27 نوفمبر من عام 2008.

لقد حاز قرار أوباما بتسريع انسحاب القوات ترحيباً عراقياً وإقليمياً. وتبقى العبرة في الوصول إلى مقاربة متوازنة ومجمع عليها لتنفيذ هذا القرار. إنّ بعضاً مما يجب على الإدارة القادمة التوقف عنده، هو ما دعا إليه التقرير الذي خرجت به مجموعة دراسة العراق، التي شكلها الكونغرس الأمريكي، برئاسة وزير الخارجية الأسبق جيمس بيكر، والنائب الديمقراطي السابق لي هاملتون. وتحديداً ما أوردته التوصية (22) من التقرير، التي نصت على وجوب أن يصرح الرئيس الأمريكي (بأن الولايات المتحدة لا تهدف إلى إقامة قواعد عسكرية دائمة في العراق).

وهذه قضية بالغة الدلالة، على صعيد المقاربة الخاصة بأمن الخليج، ومستقبل التفاعلات البينية فيه، فضلاً عن تفاعلاته الدولية. وبالمنظور الاستراتيجي بعيد المدى، فإنّ عراقاً من دون قواعد عسكرية هو عراق أكثر قدرة على التعايش مع جيرانه والانسجام مع بيئته الإقليمية. وهذا يصب في التحليل الأخير في خدمة الولايات المتحدة قبل سواها.

 وفي ضوء التحديات، التي يثيرها الوجود العسكري الأمريكي، اتجهت الولايات المتحدة، منذ وقت مبكر، لإدخال حلف الناتو في معادلة أمن الخليج، طالبة من الحلفاء تقاسم أعباء الأمن. وأثارت على نحو خاص قضية أمن الطاقة وإمداداتها، وحيث كانت أوروبا تستحوذ على النصيب الأكبر من نفط الخليج. وكان بارزاً في هذا الصدد النداء الذي وجهه للحلفاء وزير الدفاع الأمريكي الأسبق، كاسبر واينبرغر في مايو من العام 1981، والذي اعتبر أن المساهمة الأطلسية في أمن الخليج ترتقي لتكون جزءاً من جهود احتواء الخطر السوفييتي ومنع انسيابه جنوباً، فضلاً عن كونها من ضرورات إنجاز أمن الطاقة، وحيث نُظر إلى الخليج باعتباره الجناح الجنوبي للحزام الشمالي، المطوّق للاتحاد السوفييتي. ولعل بعضاً مما دعا إليه واينبرغر قبل نحو ثلاثة عقود قد تحقق اليوم، فالقوى الأطلسية قد اقتربت من بناء وجود عسكري فاعل في بحر العرب، مستنفذة قرارات وتوصيات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة بمحاربة القرصنة. ففي مقاربة جديدة، نص القرار الرقم ( 1838)، الصادر في الثامن من أكتوبر من عام 2008، على السماح للدول باستخدام الأسطول والطيران الحربيين لمكافحة القراصنة. وجاء في نص القرار (يدعو مجلس الأمن الدولي كافة الدول، المهتمة بضمان سلامة الملاحة البحرية، لأن تشارك بصورة فعالة في محاربة القرصنة، ضد السفن في عرض البحر، عند سواحل الصومال، وخاصة عبر نشر السفن الحربية والطيران الحربي، بموجب القانون الدولي). وفي هذا النص تقدم ملحوظ على ما جاء في القرار الرقم (1816 )، الصادر في الثاني من يونيو من العام ذاته.

لقد حاز قرار أوباما بتسريع انسحاب القوات ترحيباً عراقياً وإقليمياً

وفي رابع قراراته ذات الصلة بقضية القرصنة في بحر العرب، تبنى مجلس الأمن الدولي، في السادس عشر من ديسمبر، القرار الرقم (1851)، الذي أجاز القيام بعمليات دولية برية ضد القراصنة داخل أراضي الصومال. وقال القرار، الذي يسري مفعوله لمدة عام إنه يحق للدول التي تشارك في مكافحة القرصنة البحرية (اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة في الصومال لمنع تحرك الذين يستخدمون أراضيه للإعداد لعمليات قرصنة في عرض البحر أو تسهيلها أو القيام بها).

وفي وقت متزامن، دعت الولايات المتحدة إلى نشر قوات حفظ سلام أممية في الصومال، في تطوّر أعاد للذاكرة التدخل العسكري في عام 1993. وقالت وزيرة الخارجية الأمريكيةكوندوليزا رايس(لقد حان الوقت للتفكير في عملية لحفظ السلام للأمم المتحدة والسماح بها).

وقد تحفظت فرنسا على الاقتراح الأمريكي، ووصفه مندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة، جان موريس ريبريه، بأنه (غير واقعي وغير عملي وغير مرغوب فيه)، مضيفاً أنه (يتعين أن يستقر الوضع في الصومال قبل أن يغدو ممكناً نشر قوة حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة).وفي المقابل، قال دوميساني كومالو، سفير جنوب إفريقيا لدى الأمم المتحدة، إن الدول الإفريقية تدعم فكرة نشر مثل هذه القوة، (فهذا هو ما أردناه دائماً).

المتغير الإيراني

 وبالانتقال إلى ملف العلاقات الأمريكية-الإيرانية، يمكن القول إن هذه العلاقات لا تزال تمثل إحدى القضايا الإشكالية في البيئة الراهنة للنظام الإقليمي الشرق الأوسطي، والخليجي منه على وجه خاص.

 وعلى الرغم من كل ما يثار في وسائل الإعلام عن احتمالات مواجهة عسكرية بين الطرفين، فإن الخيار العسكري لا يبدو خيار واشنطن الأول أو الثاني، وإن فرضية استبعاده تبقى قائمة عند قراءة المعطيات السائدة. ويجب التمييز بادئ ذي بدء بين قرار الحرب وبين ما يبدو ظاهرياً وكأنه إعدادٌ لها. إن خوض أي حرب هو قرار استراتيجي يختزن بالضرورة كماً متنامياً من الأبعاد السياسية والعسكرية والنفسية، التي ليس من السهل قراءتها على النحو الدقيق الذي يضمن سلامة الخيار أو أرجحيته. أما الإعداد لحرب محتملة أو افتراضية فهو مكسب ضمني في كثير من الجوانب، فهذا الإعداد يعني مزيداً من التدريب وكسب المهارات، وقد يعني عقد صفقات سياسية ودبلوماسية، ويعني أيضاً بالضرورة زيادة الضغوط النفسية على الطرف الآخر. وبالطبع، سوف يختلف الأمر كلياً لو كان الحديث يدور عن حرب بين قوتين متكافئتين أو شبه متكافئتين، لأن ذلك سوف يعني الدخول في سباق محموم للتسلح، واستنزافاً لا طائل منه لموارد مادية وبشرية، وقبل ذلك إرهاق البيئة النفسية للمجتمع. وعلى الرغم من ذلك، لا نستبعد على نحو كلي احتمالات الحرب، لكننا نستبعد الربط الشرطي بينها وبين كثيرٍ مما يجري على الأرض.

دول مجلس التعاون من مصلحتها تشجيع الحوار الأمريكي-الايراني والمساهمة في إنجاحه

وإذا ما حدثت مواجهة فعلية، فإن الحد الأدنى للأهداف المتوخاة من الضربة الأمريكية، حسب السيناريوهات المتداولة، يتمثل في تعطيل مسار المفاعلات النووية الإيرانية ووحدات الطرد المركزي، وإحداث تأخير مدته سنوات في المشروع النووي الإيراني بوجه عام. وهذا بالطبع إن لم تكن هناك إمكانية لتدميره بصورة نهائية.

على الجانب الآخر، بدت أولويات طهران وقد سيطرت عليها هموم الأمن والدفاع ومحاولة إثبات الذات، خاصة بعد تسلّم المحافظين الإيرانيين لزمام السلطة هناك،وباتت حرب التصريحات بين واشنطن وطهران من الأمور اليومية التي اعتادها الناس في المنطقة. والحقيقة، فإن ما يجري اليوم هو شكل من الاستعداد للتعامل مع سيناريو حرب لا تبدو قريبة في الأفق، لكن احتمالاتها لم تسقط نهائياً من حسابات الأطراف المعنية،وقد بدأت إيران مبكراً في تهيئة الرأي العام الداخلي لهذه الاحتمالات.

 في مقابل هذه المقاربات، دخل عدد من الباحثين الأمريكيين في نقاشات تفصيلية للخيار السياسي أوالتصالحي مع إيران، بما هو أولوية، اعتقدوا بضرورة السعي نحوها.

 وكانت هناك جملة تجارب في الحوار الأمريكي-الإيراني، أبرزها ذلك الذي جرى خلال الحرب الأمريكية في أفغانستانحول عدد من القضايا ذات الصلة بالحرب، حيث حرصت الولايات المتحدة آنذاك على وجود ممثل لطرف ثالث، على الأقل، لضمان غطاء رسمي بأن المحادثات ليست ثنائية مباشرة بين الطرفين. وكذلك، أجرى الطرفان محادثات عدة قبل وأثناء غزو العراق، عقدت ثلاث منها الأقل خلال عام 2003 (في شهور يناير ومارسومايو) لمناقشة الوضع العراقي. وعلى الرغم من أن ممثل الأمم المتحدة هو الذي قام بافتتاح تلك المحادثات، للحفاظ على صفتها كمحادثات غير مباشرة، إلا أنه كان ينسحب منها سريعاً ليترك الوفدين للحديث الثنائي المباشر.

 وقد توقفت المحادثات المباشرة بين الطرفين في عام 2003. وشهد عام 2006 ما يمكن اعتباره بادرة جديدة للحوار الأمريكي-الإيراني، لكنها سرعان ما تبددت، حيث بدت مواقف الطرفين متباعدة، خاصة فيما يرتبط بملف طهران النووي، وحيث تعثرت أيضاً المباحثات الأوروبية-الإيرانية.

واليوم، فإنّ قرار الرئيس المنتخب باراك أوباما، بفتح حوار مباشر مع إيران، يُعد قراراً إيجابياً وبناءً، وإن دول مجلس التعاون الخليجي تبدو معنية بهذا الأمر، ومن مصلحتها التشجيع عليه، بل عليها أن تساهم في إنجاحه أو وصوله إلى الحد الأدنى من التفاهمات ذات الصلة باستقرار المنطقة.

وكذلك، فإن دول الخليج معنية بدعم جهود إحلال الأمن في العراق وتعزيز فرص المصالحة الوطنية فيه كي يغدو قادراً على التعايش الإيجابي في بيئته الإقليمية.

وعلى صعيد خياراتها الخاصة، فإن دول مجلس التعاون الخليجي معنية بالدخول في إعادة رسم جديد لطبيعة الأخطار والتحديات الاستراتيجية الطابع، وسلمها التراتبي، واستتباعاً إعادة رسم هيكل الدفاع والتسلّح.

 وفي السياق الأكثر مرجعية، تتبدى الحاجة لبناء مفاهيمي جديد لقضية التوازن الاستراتيجي في إقليم الخليج العربي، لا يرتكز على المفاهيم ذاتهاالتي سقطت مع حرب الخليج الثانية، وباتت إعادة إنتاجها مستحيلة بعد الحرب الأمريكية على العراق.

ويمكن لدول مجلس التعاون الخليجي التعويض عن الثغرة الديموغرافية بتوطين متقدم للتكنولوجيا العسكرية وبناء خبرات وطنية في مجالات الدفاع وتوسيع قاعدة البحوث الأساسية والتطبيقية.

 ومن جهتها، يمكن للولايات المتحدة أن تتعاون مع دول المجلس في مقاربة الأمن الإقليمي على مستويين أساسيين: الأول يعنى بملفات محددة، مثل العراق والنووي الإيراني والدفاع الصاروخي والأمن الملاحي. والثاني يعالج الفضاء السياسي للأمن.

أخيراً نقول إن قضايا المنطقة هي أمور متداخلة فيما بينها بحكم الأمر الواقع أو على الأقل يؤثر كل منها في الآخر. وعلى الرغم من ذلك، يمكن البدء بتركيز الجهود على قضايا محددة وتنسيق الجهود بشأنها وسوف يفتح هذا آفاقاً رحبة لمعالجة العديد من المسائل موضع الاهتمام المشترك. 

مقالات لنفس الكاتب