array(1) { [0]=> object(stdClass)#13019 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

إلى أين يتجه النزاع حول الجزر الإماراتية المحتلة؟

الأحد، 01 شباط/فبراير 2009

في شهر أغسطس 2008، أعلنت إيران قرارها فتح مكتبيْن جديديْن للإنقاذ البحري وتسجيل السفن في جزيرة أبو موسى المحتلة، الأمر الذي أثار موجة من الانتقادات الحادة من جانب الحكومة الإماراتية ودول مجلس التعاون الخليجي والعالم العربي ككل. فقد وصفت أبو ظبي ذلك القرار بأنه (انتهاك واضح لمذكّرة التفاهم التي وُقِّعت مع إيران في عام 1971)، وأرسلت مذكرة احتجاج رسمية إلى الأمين العام للأمم المتحدة.

أعلنت دول مجلس التعاون الخليجي دعمها الكامل إلى الإمارات العربية المتحدة، وأصدرت بياناً دانت فيه التصرف الإيراني وطالبت من خلاله بإزالة (كل المرافق غير الشرعية)، كما حثت إيران على احترام سيادة دولة الإمارات. وفي مقابلة صحفية، ذهب الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبدالرحمن العطيةإلى أبعد من ذلك عندما قارن السلوك الإسرائيلي في الأراضي العربية المحتلة بممارسات إيران في الجزر الإماراتية التي تحتلها.

ولعل هذا التصرف الإيراني فاجأ العديد من المراقبين الذين توقعوا أنْ تنحني طهران أمام عاصفة الضغط الدولي المتصاعد بسبب الطبيعة الحقيقية لبرنامجها النووي وعدم شرعيته في ضوء قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة. وكان من المتوقّع أيضاً أن تُحجم إيران عن إثارة جيرانها الخليجيين والعرب لأنها كانت في أمسّ الحاجة للدعم الإقليمي،لكن التعمق في حيثيات قرار إيران إقامة مرفقيْن رسمييْن جديديْن في جزيرة أبو موسى يُظهر أنه كان، من وجهة نظر القيادة الإيرانية، خطوة محتملة ومغامرة محسوبة وإجراءً منطقياً أيضاً.

فقبل اتخاذ ذلك القرار، جددت دولة الإمارات التأكيد على موقفها من قضية الجزر علناً وبصورة أكثر حزماً من السابق. ففي الخطاب الذي ألقاه وزير الدولة الإماراتي لشؤون المجلس الوطني الاتحادي ووزير الدولة للشؤون الخارجية الدكتور أنور قرقاش، في مؤتمر دول عدم الانحياز الذي عقد بطهران في يونيو من العام الماضي، كان الوزير الإماراتي حازماً للغاية عندما دعا إيران إلى الالتزام بالمبادئ الأساسية لحركة عدم الانحياز التي تقضي بحل النزاعات بالوسائل السلمية، وحث طهران على التعاطي بإيجابية مع (المبادرات السلمية) التي أطلقتها دولة الإمارات وتسوية قضية الجزر المتنازع عليها من خلال المفاوضات الثنائية المباشرة أو عبر الموافقة على إحالة القضية إلى محكمة العدل الدولية. هذا الخطاب الجريء مثل، بحد ذاته، تصريحاً واضحاً ومفاجئاً من جانب الإمارات لأنها طالما اتسمت بالاعتدال وضبط النفس،كما أن الادلاء بهذا الموقف الحازم في مؤتمر دولي وفي إيران نفسها أكسبه بالغ الأهمية وأثار، بالتأكيد، غضب القيادة الإيرانية. بيد أن رد الفعل الإيراني كان غير مباشر ومن دون الإشارة إلى خطاب الوزير الإماراتي،فقد كثف المسؤولون الرسميون الإيرانيون نشاطهم الإعلامي، حيث أكدوا علناً وبصورة متكررة أن الجزر هي إيرانية، وأنه لا داعي للمفاوضات أو لتدخل محكمة العدل الدولية. وفي الحقيقة، لم تعترف طهران حتى بوجود هذا النزاع لأنها تعتبره ببساطة مجرد (سوء تفاهم).

لكن قرار إقامة مرفقيْن رسمييْن جديديْن في جزيرة أبو موسى ليس سوى استمرار لسياسة إيران الاستعمارية التدريجية والمنظمة، التي تمارسها طهران منذ أواخر السبعينات. فلطالما تجلت هذه السياسة من خلال العديد من القرارات الأحادية الجانب التي اتخذتها القيادة الإيرانية، ومثلت انتهاكات واضحة لمذكرة التفاهم التي تم التوقيع عليها في عام 1971. ولا شك في أن هذا السلوك الإيراني يستهدف تغيير الوضع القائم في الجزر المتنازع عليها،إذ تعتقد إيران أنها عندما ترسخ أسس سلطتها في تلك الجزر وتوسع سيطرتها عليها وتغير تركيبتها السكانية، ستكون قادرة على فرض حقائق جديدة على الأرض تمكنها من تعزيز موقفها التفاوضي عندما يحين وقت التفاوض حول قضية السيادة على تلك الجزر. وما تغيير المعادلة الديموغرافية في الأراضي المحتلة وتعزيز السيطرة عليها إلا من الأساليب المعروفة التي تتبعها غالبية قوى الاحتلال؛ وهذا ما فعلته إسرائيل، مثلاً، على مدى سنوات طويلة في الأراضي الفلسطينية المحتلة عندما أقامت مستوطنات جديدة في الضفة الغربية. ليس هذا وحسب، بل إن الحكومة الإيرانية الحالية تسعى أيضاً إلى تعزيز مصداقيتها لدى المتشددين من خلال إقامة مرافق جديدة في جزيرة أبو موسى. كما أن الموقف الرسمي الإيراني المتشدد من قضية الجزر المتنازع عليها قد يساعد الحكومة الإيرانية الحالية على زيادةشعبيتها الداخلية، لأن مختلف الحكومات الإيرانية المتعاقبة بذلت قصارى جهدها لإقناع الشعب الإيراني بأن تلك الجزر جزء لا يتجزأ من الأراضي الإيرانية. ومن خلال هذا السلوك، تهدف طهران أيضاً إلى إقناع الرأي العام المحلي والإقليمي بأنها قادرة على مواجهة الضغوط الإقليمية والدولية.

كان من المتوقع أن تحجم إيران عن إثارة جيرانها الخليجيين  العرب لأنها في أمس الحاجة إلى الدعم الإقليمي 

وتمثل قضية الجزر الإماراتية المحتلة مأزقاً حرجاً بالنسبة لدولة الإمارات،فهي، من ناحية، لا تستطيع النظر في الخيار العسكري كوسيلة لاستعادة السيادة على تلك الجزر، ما دفع الحكومة الإماراتية إلى التأكيد دائماً على ضرورة حل هذا النزاع بالطرق الدبلوماسية. ومن الناحية الأخرى، لا تستطيع دولة الإمارات توليد الضغط الدبلوماسي المطلوب لإرغام الحكومة الإيرانية على النظر بجدية في تسوية هذا النزاع بالوسائل السياسية أو القانونية. في المقابل، تستغل إيران هذا الوضع بشكل كامل وتعزز حضورها وسيطرتها غير الشرعييْن على الجزر بصورة تدريجية،كما تدرك إيران حقيقة أن دول مجلس التعاون الخليجي تفتقر إلى استراتيجية جماعية موحدة للتعاطي مع قضية الجزر. فمع أن السلوك الإيراني في الجزر الإماراتية المحتلة قوبل بإدانات شديدة اللهجة من جانب دول المجلس، إلا أن مجمل تحركاتها إزاء هذا السلوك اقتصر على التصريحات والبيانات.

جددت الإمارات التأكيد على موقفها من قضية الجزر علناً وبصورة أكثر حزماً من السابق

إن انتهاكات إيران لمذكرة التفاهم التي تم التوقيع عليها في عام1971-وتهديداتها الحالية بإغلاق مضيق هرمز واستعدادها، بالتالي، للحد من حرية الملاحة في مياه الخليج، وكذلك تلميحاتها الأخيرة بأنها قادرة على زعزعة استقرار دول الخليج العربية والتدخل في شؤونها الداخلية ـ ينبغي أنْ تمثل مبرراً كافياً لكي تتصدى دول المنطقة لإيران. غير أن دولة الإمارات ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى تفتقر حالياً إلى أي آلية لمواجهة سلوك إيران المفعم بالتحدي والعدوانية. ومن سخريات القدر، أن إيران لا تزال تتوقع، لأسباب تراها منطقية، أنْ تستمر دولة الإمارات في سياستها المعتدلة،وأنْ تتفادى أي مواجهة مباشرة معها. إذ ترى طهران أنه ينبغي على دولة الإمارات أنْ تفصل القضايا الخلافية، مثل قضية الجزر، عن بقية جوانب سياستها الخارجية. كما تفترض طهران أن الحفاظ على علاقات تجارية واقتصادية متينة مع إيران، يمثل إحدى الركائز الأساسية للسياسة الخارجية الإماراتية،وتعتقد أيضاً أن دولة الإمارات لن تُخاطر بعلاقاتها التجارية مع إيران بسبب قضية الجزر،لذا، فإنها ستتفادى أي مواجهة مباشرة مع إيران.

إن التطورات الأخيرة التي سجلتها قضية الجزر الإماراتية المحتلة ليست سوى انعكاس لسياسة الحكومة الإيرانية الحالية، الأمر الذي يدفعنا إلى توقع المزيد من مثل هذه التصرفات (العدائية) الإيرانية في المستقبل القريب.

مجلة آراء حول الخليج