array(1) { [0]=> object(stdClass)#13033 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

ماذا تعني أسعار النفط المنخفضة لدول الخليج العربية؟

الأحد، 01 شباط/فبراير 2009

تراجع سعر برميل النفط بشكل حاد في الأشهر القليلة الماضية فاقداً أكثر من 70 في المائة من قيمته التي وصل إليها في الذروة في 11 يوليو 2008 حين بلغ 147.3 دولار للبرميل الواحد، ثم ما لبث أن انحدر إلى الـ 100 دولار في سبتمبر، فعمّقت الأزمة المالية العالمية من حدة تدهوره ليصل إلى عتبة الـ 50 دولاراً في نوفمبر ثم إلى مستوى 40 دولاراً في ديسمبر الماضي.

بدأت بعض التقارير تشير إلى أن سعر البرميل لن يقف عند حاجز الـ 40 دولاراً بل سينخفض نزولاً إلى عتبة الـ 25 دولاراً عما قريب، مدفوعاً بـ:

أولاً: موجة الكساد التي بدأت تضرب الدول الصناعية الكبرى، بدءاً من الولايات المتحدة التي تعد أكبر مستهلك للنفط في العالم مروراً باليابان التي تعد ثاني أكبر اقتصاد في العالم وثالث أكبر مستهلك للنفط في العالم بحدود 5.1 مليون برميل يومياً، والتي أعلنت بشكل رسمي عن دخولها دائرة الركود إثر نشر النتائج الاقتصادية الرسمية التي أظهرت تراجع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.4 في المائة وانكماشاً في الربع الثالث من العام 0.1 في المائة بعد انكماش الربع الثاني البالغ 0.9 في المائة وهي المرة الأولى التي تصاب فيها البلاد بالركود منذ سبع سنوات، متأثرة بتداعيات الأزمة المالية العالمية. وكذلك الأمر بالنسبة للاتحاد الأوروبي التي سبق وأعلنت وكالة الإحصاء التابعة له (يوروستات) أن منطقة اليورو التي تتألف من 15 دولة سجلت انكماشاً خلال الربع الثالث من العام الحالي بنسبة 0.2 في المائة من إجمالي الناتج المحلي وذلك للفصلين الثاني والثالث على التوالي.

ثانياً: انخفاض التوقعات لنمو الطلب العالمي على النفط في 2008 من 2.1 مليون برميل يومياً في بداية عام 2008 إلى 200 ألف برميل يومياً الآن وربما صفر في وقت لاحق نتيجة للكساد العالمي. ففي الولايات المتحدة وحدها انخفض مستوى الطلب على النفط بحدود مليون برميل يومياً في 2008 مقارنة بالعام الماضي، مع العلم أن آخر مرة انخفض فيها الطلب بمثل هذا المستوى كان في عام 1981 عشية الركود الذي كان يعرف حتى الآن بأنه الركود الأسوأ منذ الكساد الأعظم.

انعكاسات على دول الخليج

بالنسبة لدول الخليج سيكون لأسعار النفط دور كبير في رسم السياسات الخاصة بها في عام 2009، إذ إن هبوط الأسعار من شأنه أن يقلص هامش المناورة الذي تمتلكه هذه الدول في مواجهة تداعيات الأزمة المالية العالمية، ولا شك في أن لهكذا انخفاض سريع وغير متوقع في الأسعار انعكاسات عديدة أبرزها:

أولاً: عجز في الموازنات

من شأن هذه الأسعار المتدنية للنفط أن تضع ضغوطاً كبيرة على ميزانيات الدول، خاصة أنها هبطت تحت معدل السقف الموضوع لها والمقدر بحوالي 50 دولاراً للبرميل الواحد. والمشكلة الأساسية هنا تكمن في كيفية المحافظة على معدلات الإنفاق في ظل الضغوط التي ستفرضها أسعار النفط على الموازنات التي ستتحول حتماً إلى عجز في الوضع الذي نراه اليوم. وسيكون عام 2009 عام العجوزات، إذ من المعلوم أن التحدي سيتمثل في الحفاظ على مستوى الإنفاق العالي علماً أن هذا المستوى لا بد أن يتأثر أيضاً بالانخفاض الحاد لأسعار النفط، فتمويل المشاريع الكبرى في المنطقة سيصبح أكثر تكلفة وصعوبة، أما المشاريع التي لا تزال قيد البحث فيبدو أن هناك اتجاهاً إلى تأخيرها أو إلغائها في حال تردي الوضع، خاصة مع توقع تقرير لمعهد التمويل الدولي أن ينخفض فائض الحساب الجاري الخارجي المدمج لدول مجلس التعاون إلى 48 مليار دولار في العام المقبل مقارنة بـ 321 مليار دولار في 2008، أما الفائض المالي من 22 في المائة إلى 5 في المائة من إجمالي الناتج المحلي.

ثانياً: تراجع في النمو

لا شك في أن انخفاض سعر برميل النفط سيدفع دول الخليج إلى ترشيد حجم مصروفاتها القادمة وهو ما سينعكس سلباً على معدل النمو الاقتصادي نتيجة لانكماش القطاعات الاقتصادية وتراجع الإنفاق. فإجمالي حجم المصروفات الحكومية لدول الخليج قد تضاعف خلال السنوات السبع الماضية،وارتفع الإنفاق العام من 150 مليار دولار في 2004 إلى حوالي 300 مليار دولار العام الماضي. ولذلك فهي تحتاج أن يكون سعر برميل النفط 60 دولاراً للمحافظة على معدلات نمو عالية، علماً أن معظم التقديرات تشير الآن إلى أن معدلات نسب النمو ستنخفض إلى النصف في دول الخليج طالما بقي النفط دون ذلك المستوى، حيث تشير بعض التقديرات المتفائلة الى أن النمو سيتباطأ في دولة الإمارات على سبيل المثال، وينخفض من 6.8 في المائة المقدرة للعام 2008 إلى 2.7 في المائة في 2009، وكذلك الأمر بالنسبة للسعودية من 4.9 في المائة إلى حوالي 2.4 في المائة.

ثالثاً: تأثر جهود التنويع الاقتصادي

على الرغم من أن كثيرين يعولون على جهود التنويع في هذه الفترة كمصدر لتغذية ميزانية الحكومة بعيداً عن النفط، إلا أن وقائع كثيرة تشير إلى ارتباط جهود التنويع عادة بالأسعار المرتفعة للنفط بالإضافة إلى النمو الاقتصادي، وإن لم يعد هذا الارتباط قوياً كما كان في السابق، إلا أن فاعلية جهود التنويع قد تكون ضئيلة في حال وصول سعر برميل النفط إلى ما دون الـ 50 دولاراً على سبيل المثال، وانخفاض النمو الاقتصادي والإنفاق العام. أضف إلى ذلك أن هذه الدول لا تزال تعتمد بشكل كبير في عائداتها الحكومية وصادراتها على إنتاج النفط والذي يشكل حوالي 74 في المائة من العوائد الحكومية و66 في المائة من إجمالي صادراتها، مما يعني أن الأسعار الحالية ستؤثر سلباً في مالية الحكومات وفي ميزان المدفوعات لديها،وانخفاض الصادرات السعودية غير النفطية العام المقبل بنسبة 30 في المائة.

انخفاض سعر برميل النفط سيدفع دول الخليج إلى ترشيد حجم مصروفاتها القادمة 

رابعاً: تدني حصص الاستثمار في القطاع النفطي

وفقاً للشركة العربية للاستثمارات البترولية (APICORP)، تحتاج حكومات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى استثمارات تقدر بقيمة 243 مليار دولار أمريكي لتنفيذ مشاريعها التنموية والتوسعية في سلسلة إمدادات النفط والغاز كما تحتاج منها إلى 153 مليار دولار لتنفيذ المشاريع التكميلية. لكن الأزمة المالية العالمية ستضطر أصحاب هذه المشاريع من بينها دول الخليج إلى إعادة النظر فيها وتأخير تنفيذ بعضها والانسحاب من بعضها الآخر. ومن الناحية النظرية المجردة تعتبر مسألة مواصلة الاستثمار في هذا القطاع في هذه المرحلة مفيدة جداً نظراً لانخفاض التكاليف بنسبة كبيرة، لكن المشكلة أن انخفاض أسعار النفط بهذا الشكل الحاد في فترة قصيرة جعل الاقتصاد الخليجي في أمسّ الحاجة الآن إلى هذه الاستثمارات المرصودة، كما أنه من غير المنطقي العمل على تطوير القدرة الإنتاجية في وقت تبحث فيه دول منظمة أوبك تخفيض الإنتاج للحفاظ على الأسعار، بالإضافة إلى تقلص الطلب على النفط نتيجة لانكماش أكبر الاقتصادات العالمية. ولا شك في أن التراجع في تطوير القطاع التكميلي سيؤثر أيضاً في قدرة هذه الدول على تنويع اقتصاداتها وتقليص الاعتماد على إيرادات النفط الخام.

تعويل على الصناديق السيادية

من أجل مواجهة العجز وهذه التحديات سيكون على دول الخليج اللجوء إلى صناديقها السيادية واحتياطياتها للمساعدة على تجاوز المحنة، لكن ذلك من شأنه أن يغير أيضاً من الاستراتيجيات الاستثمارية لهذه الدول بشكل كلي. ومع ذلك، تبقى الصناديق السيادية إحدى أبرز مظاهر القوة المالية في دول مجلس التعاون الخليجي، وقد تكون المفتاح الأساسي في دعم اقتصادات هذه الدول والمحافظة على معدلات نمو وإنفاق عالية نسبياً في هذا الوضع الحالي الذي انخفضت فيه أسعار النفط إلى ما دون الـ 50 دولاراً. ويبلغ الحجم الكلي لهذه الصناديق حوالي 1.5 تريليون دولار، تمثل 45 في المائة من إجمالي أصول الصناديق السيادية العالمية. ويصنف صندوق أبوظبي للاستثمار أكبر الصناديق العالمية على الإطلاق برصيد إجمالي يبلغ حوالي 875 مليار دولار وفقاً لتقديرات المؤسسات العالمية (ديسمبر 2007)، فيما يمتلك صندوق الهيئة العامة للاستثمار الكويتي ثاني أكبر الصناديق الخليجية والرابع عالمياً حوالي 250 مليار دولار، ويعد أكثر الصناديق الخليجية شفافية.

وفعلاً بدأت هذه الصناديق تلعب دوراً منذ اللحظة الأولى للأزمة التي ضربت الأسواق المالية في دول المنطقة، لكن ما يجب التذكير به هو أن هذه الصناديق تعتمد أساساً على النفط والغاز كمصادر للتمويل، كما أن هذه الصناديق منيت بخسائر جسيمة تقدر بـ400 مليار دولار خلال الأزمة المالية العالمية، وعلى الرغم من عودة هذه الصناديق الى بلدانها للمساهمة في حل المشكلات الداخلية من جهة واقتناص الفرص الحقيقية في السوق الداخلية، كجهاز قطر للاستثمار الذراع الاستثمارية لحكومة قطر، والذي ضخ حوالي 20 مليار ريال في رأسمال البنوك القطرية لتعزيز قدرتها على تمويل مشروعات التنمية في المرحلة المقبلة بشكل أوسع، وتأكيداً على الثقة الكبيرة بأوضاعها المالية، إلا أن أجهزة أخرى كالهيئة العامة للاستثمار الكويتية التي يتطلع كثيرون حالياً إلى قدرتها على المساهمة بحل المعضلة في السوق الكويتية عبر ضخ ما بين 3.5 و5 مليارات دينار وإنقاذ الموقف غير متحمسة إلى المساهمة بهذا القدر من الأموال، وبما أن هذه الصناديق لا تدار بشكل عشوائي ومن دون خطة واضحة فإن الوضع الاقتصادي الخليجي يضعها في موقف حرج، وهو الأمر الذي يفترض أن يكون تدخلها مرهوناً بقرار سياسي، وليس بجدوى استثمار كما يبدو عليه الوضع على الأرجح.

الأسعار المتدنية للنفط ستصنع ضغوطاً كبيرة على ميزانيات دول الخليج 

المستقبل ليس قاتماً

في المقابل هناك من يعتقد أن أزمة انخفاض أسعار النفط ستخرج من محنتها في عام 2010 بشكل كلي، وأن المستقبل ليس قاتماً بالنسبة لدول الخليج التي سيكون عليها الصمود فقط خلال عام 2009، لتكون في وضع جيد لاستعادة قوتها التي كانت عليها قبل أن تتعرض لتداعيات الأزمة المالية العالمية، حيث تشير التوقعات إلى عدد مختلف من الأرقام المتعلقة بسعر البرميل، لكنها إجمالاً تتفق بشكل عام على ارتفاع الأسعار بحدود 70 إلى 80 دولاراً للبرميل عام 2010 وإلى 100 دولار بين 2010 و2015م، وذلك لأسباب عديدة منها:

1- تحسن الوضع الاقتصادي الدولي وانتعاشه وخروجه من دوامة تداعيات الأزمة المالية العالمية التي أدت إلى انكماشه لاسيما في أكبر الدول المستهلكة للنفط ومنها أمريكا التي تستهلك وحدها حوالي 25 في المائة من استهلاك العالم من النفط، وأوروبا واليابان التي تعتبر ثالث أكبر مستهلك للنفط في العالم.

2- حتمية ارتفاع الطلب على النفط نتيجة للانتعاش الاقتصادي الدولي.

3- محدودية الإمدادات نظراً لتأخير الاستثمارات في المجال النفطي والتي كان من المقرر أن يتم استخدامها في عام 2009، لكن تم تحويلها إلى قطاعات أخرى للحد من تداعيات الأزمة المالية العالمية.

وعندها سيكون بإمكان دول الخليج العربية استعادة نشاطها الاقتصادي من جديد والتعلم من المحنة التي مرت بها وإدارة فوائضها بشكل أسلم وأكثر إيجابية من الشكل الذي تم فيه.

مقالات لنفس الكاتب