array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

"أوباما" بين رمزية المشهد وصعوبة المهمة

الأحد، 01 شباط/فبراير 2009

حمل مشهد تنصيب الرئيس الأمريكي الإفريقي الأصل باراك أوباما في العشرين من يناير الماضي الكثير من معاني الرمزية، فهو المشهد الأول والوحيد الذي رأينا فيه شخصاً غير أبيض  يتولى مقاليد الحكم في هذه الدولة العظمى التي كانت إلى وقت قريب (لايتجاوز الأربعة عقود) تعامل السود بعنصرية تامة،وتمنعهم من ممارسة أبسط الحقوق التي يتمتع بها البيض ولاسيما حق الحكم والرئاسة.

لقد ظهر الرئيس الأمريكي أوباما في ذلك  اليوم التاريخي ملوحاً بيده  لحشود الملايين من الأمريكيين الذين اصطفوا منذ ساعات الصباح الباكر وفي جو بارد قارص ليعبروا عن فرحتهم بهذا الحدث التاريخي، وليؤكدوا في الوقت نفسه أن أمريكا والعالم اليوم باتا على أعتاب عصر جديد تذوب فيه الفوارق، وتختفي فيه الألوان، وتمتزج الحضارات والأفكار والثقافات في بوتقة العولمة التي كان لها الدور الأبرز في رسم هذا المشهد  التاريخي وفي تغيير أفكار وقناعات الناخب الأمريكي.

ولم تقتصر رمزية الحدث على هذا المشهد الجماهيري فحسب، بل برزت أيضاً من خلال القسم الذي ألقاه أوباما على الإنجيل متلفظاً باسم والده المسلم حسين أوباما، وهو الإنجيل نفسه الذي أقسم عليه الرئيس الأمريكي السابق إبراهام لينكولن الذي حكم الولايات المتحدة قبل مائتي عام، وكان له الفضل في تحرير العبيد وتغيير واقع الولايات المتحدة الأمريكية جذرياً، وهو الرئيس الذي  يعتبره أوباما قدوته وملهمه فيما هو مقدم عليه من تغييركبير في الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي الأمريكي.

لقد جسّد هذا المشهد الرمزي التاريخي حلم السود في أمريكا، ومكّنهم أخيراً من التمتع والافتخار بديمقراطية بلدهم الكاملة وغير المنقوصة التي تحلم بها كل شعوب الأرض، وبقي الدور منوطاً الآن بالرئيس أوباما ليبرهن على أنه قادر بالفعل على تغيير وجه أمريكا، كما وعد وكما فعل لينكولن سابقاً، وليثبت أن الديمقراطية الأمريكية في عهده لن تكون داخلية فقط، بل ستكون خارجية أيضاً، من خلال إعطاء الشعوب الحق في تقرير مصيرها ورسم سياساتها وتوجهاتها الخاصة بعيداً عن الهيمنة الأمريكية وسياسة فرض الرأي بالقوة، فهي سياسة استعمارية بالية أثبت الواقع فشلها، وقد سئمتها الأمم والشعوب، ولا أدل على ذلك من حجم الانتقاد والكره والبغض العالمي غير المسبوق لسياسة الرئيس الأمريكي السابق بوش الابن، تلك السياسة المتخلفة التي لم تحقق سوى المزيد من الحروب والخراب والدمار والكره، ولم تورث للولايات المتحدة سوى الأزمات السياسية والمالية والمزيد من السمعة الدولية السيئة.

ولكن، وعلى الرغم من كل مانقول، إلا أننا لانستطيع التقليل أو تجاهل صعوبة مهمة الرئيس الأمريكي أوباما خصوصاً في ظل الظروف والأزمات السياسية والاقتصادية التي تواجهها الولايات المتحدة الأمريكية حالياً، وفي ظل الأجندة الثقيلة التي تركها له الرئيس السابق بوش والتي وصفها السفير الأمريكي السابق لدى الأمم المتحدة ريتشارد هولبروك في أحد مقالاته بالأجندة المخيفة،وقال واصفاً صعوبة المهمة (إن على الرئيس القادم للولايات المتحدة أن يرث مجموعة من المشكلات الدولية  اليومية أصعب من تلك التي كانت لأي من أسلافه منذ الحرب العالمية الثانية)، وقال أيضاًإنه (سيكون على الرئيس القادم إعادة تشكيل السياسات وفق أوسع سلسلة غير متصورة من التحديات المحلية والدولية).

كما نتوقع أن يواجه الرئيس الأمريكي صعوبات أخرى حقيقية فيما يتعلق بتمرير القرارات، يتمثل  أهمها بكون الولايات المتحدة واحدة من الدول المؤسساتية التي لاتقاد من قبل شخص الرئيس فقط، بل هو محاط بكم كبير من المؤسسات والمستشارين الذين لهم ولاءاتهم وأجنداتهم الخاصة، وكذلك هنالك الكونغرس الذي يمكنه أن يعيق أي قرار أوبامي لايتفق مع السياسات الأمريكية المعدة مسبقاً، وهذا بالطبع سيعقد من مهمة الرئيس أوباما بشكل كبير.

أما نحن العرب والمسلمين وبعد ما رأيناه من حالة العجز العربي والدولي التام التي تكشفت عنها أحداث غزة الدامية، فلا نملك إلا أن نتغزل برمزية المشهد الأوبامي ونمني النفس بحدوث تغيير جذري في سياسة الرئيس الأمريكي تجاه قضايا المنطقة خصوصاً أنه بدا متحمساً للتغيير، وأصدر في الساعات الأولى لتوليه الرئاسة قرارات مهمة تتعلق بإغلاق معتقل غوانتانامو وبالانسحاب من العراق، بالإضافة إلى اهتمامه المبكر بقضية التسوية في الشرق الأوسط  وتعيين مبعوث خاص فوري لهذا الغرض، وهي حماسة أوبامية شرق أوسطية تدعونا مبدئياً للتفاؤل على الرغم من علمنا التام والمسبق بأن أوباما لم يكن في يوم من الأيام عربياً أو مسلماً ليكلف بحل قضايا العرب والمسلمين، لكن ماحيلة الغريق سوى التعلق بقشة أوباما.

مقالات لنفس الكاتب