array(1) { [0]=> object(stdClass)#13047 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

روسيا في الشرق الأوسط: صديق أم خصم؟

الخميس، 01 تشرين2/نوفمبر 2007

قراءة في كتاب د. كليدا مولاي Klejda Mulaj

تأليف: أندري كرويتز Andrej Kreutz

النـاشر: بريغر Praeger للطباعة والنشر - 2007.

 يصف هذا الكتاب السياسة الروسية في الشرق الأوسط مع التركيز بصورة خاصة على حقبة ما بعد الاتحاد السوفييتي من عام 1991 إلى وقتنا الحاضر، لكن المؤلف اهتم أيضاً بالحقبتين السوفييتية والامبريالية الغابرتين باعتبارهما خلفية ضرورية لفهم الأحداث الراهنة. كما أبرز الثوابت والتناقضات التاريخية في العلاقات بين روسيا والشرق الأوسط.

في سياق تحليله لعلاقات روسيا مع سوريا ولبنان والأردن، يشير كرويتز إلى أن موسكو اهتمت دائماً بمنطقة شرق البحر الأبيض المتوسط ودولها العربية لأسباب ثقافية واقتصادية وجيوسياسية. فهذه الدول توفر لروسيا ممراً مائياً يصلها بالبحر الأبيض المتوسط ويربطها بالشرق الأوسط وجنوب أوروبا وإفريقيا وآسيا. هذا الممر المائي حاسم بالنسبة إلى روسيا، كما أن موسكو تواصل النظر إلى سوريا ولبنان والأردن كشركاء ضروريين. لذلك، فإن أي تهديد عسكري أو اجتماعي نابع من المنطقة سيثير الخوف والقلق في روسيا.

وظلت سوريا أحد حلفاء موسكو الرئيسيين من أواخر الخمسينات إلى الثمانينات. ويشير كرويتز إلى أن منطقة الحرب الباردة دفعت الاتحاد السوفييتي لدعم نضال حركات التحرر الوطني العربي ضد إسرائيل والهيمنة الأمريكية، ولأن دمشق كانت طرفاً رئيسياً في ذلك النضال، تلقت الدعم والسلاح والحماية من جانب روسيا، وعلى الرغم من أن موسكو لم تهمل علاقاتها مع لبنان والأردن قط، إلا أنها ظلت علاقات محدودة للغاية، فقد بقي لبنان والأردن في المعسكر الغربي وافتقر السوفييت إلى أية وسيلة عملية للتأثير في سياساتهما.

لكن في الوقت الراهن، يرى المؤلف أن الاتحاد الروسي أضعف من الاتحاد السوفييتي بكثير ويتبنى مقاربات اجتماعية وأيديولوجية مختلفة. فبعدما تبنت الرأسمالية، باتت روسيا الآن ترغب في مراعاة المصالح الغربية. ومنذ أواخر الثمانينات، أعادت موسكو علاقاتها مع إسرائيل ووسعتها بشكل كبير، وأصبحت سياستها تجاه العالم العربي أكثر حذراً. ومع أن موسكو أبقت على روابطها مع سوريا، إلا أن قوة هذه الروابط تراجعت بالفعل. وفي ما يخص علاقات موسكو مع لبنان، يعتقد المؤلف أن روسيا لن تستعديَ الولايات المتحدة أو إسرائيل. ولئن بدا الأردن أكثر قابلية للتحول إلى شريك لروسيا، إلا أن هذه العلاقات الثنائية تدهورت على خلفية التدخل الروسي في الشيشان الذي أدين بشدة من قبل الجالية الشيشانية المقيمة في الأردن، والتي تتمتع بتأثير قوي هناك. لكن هذا الكتاب لم يقدم أي تحليل واف لهذا الجانب من العلاقات الأردنية ـ الروسية.

وبخصوص علاقات روسيا ـ والاتحاد السوفييتي سابقاً ـ مع الفلسطينيين، يشير أندري كرويتز إلى أنها تشابكت مع المشروع الصهيوني ـ الإسرائيلي والقومية العربية وحركات التحرر الوطني في دول العالم الثالث. فبين عامي 1956 و1990، ارتبطت العلاقات السوفييتية ـ الفلسطينية بالحرب الباردة. وفي أثناء تلك الحرب، استخدم الاتحاد السوفييتي المنظمات الفلسطينية كأدوات ضد الولايات المتحدة وإسرائيل؛ على حد تعبير المؤلف. لكن، كما سبقت الإشارة، لم يعد الاتحاد الروسي في حقبة ما بعد السوفييت قوة ثورية وهو أضعف من الاتحاد السوفييتي بكثير. وأصبح بناء علاقات قوية مع واشنطن مسألة حيوية بالنسبة إلى موسكو ما بعد السوفييت، واكتسبت روابط روسيا مع إسرائيل قوة خاصة. ويتعين على سياسات موسكو الخارجية ـ من منظور كرويتز ـ أن تتبع منهجاً توفيقياً دقيقاً (في العلاقات مع العرب وإسرائيل)، لأن روسيا أصبحت تنظر إلى التعاون الوثيق مع إسرائيل كشرط ضروري مسبق لأية علاقات طيبة مع الولايات المتحدة. وفي الوقت ذاته، يعترف كرويتز بأن موسكو لم تغفل تماماً الفلسطينيين وقضيتهم. إذ واصل الزعماء الروس التعبير عن اعترافهم بالحقوق الوطنية الفلسطينية. ومع أن زيارة الرئيس بوتين إلى المنطقة وزيارة ممثلين عن حركة حماس إلى موسكو قد توحيان بأن روسيا قد انحرفت عن خط العمل الغربي، إلا أن هاتين الزيارتين قد تبقيان مجرد حدثين رمزيين.

وبشأن علاقات موسكو مع العراق، يشير المؤلف إلى أنها كانت دائماً علاقات مهمة، لا سيما خلال الفترة الممتدة من عام 1958 إلى عام 1990، وأنها كانت جزءاً لا يتجزأ من علاقات الاتحاد السوفييتي مع حركات التحرر الوطني في العالم الثالث والقومية العربية بوجه خاص. ويرى المؤلف أن هذه العلاقات تميزت بسمات عدة منها أولاً: بالنظر إلى كون العراق أقرب البلدان العربية من الحدود السوفييتية، كان زعماء العراق أكثر عرضة لتهديد التوسع السوفييتي من زعماء أية دولة عربية أخرى. ثانياً: نظراً إلى أن العراق يضم جالية كردية كبيرة، ولأن جزءاً من الشعب الكردي يعيش أيضاً في روسيا (بالإضافة إلى تركيا وإيران)، واجهت موسكو مأزقاً حرجاً تمثل بالاختيار بين اعترافها بحق الأكراد في تقرير المصير أو دعمها العام للقومية العربية والحكومة العراقية الصديقة. ثالثاً: لطالما كان الحزب الشيوعي العراقي من المنظمات الماركسية الأقوى تأثيراً في منطقة الشرق الأوسط. ومع أنه لم يحكم العراق قط مثل هذا الحزب دائماً قوة سياسية كبيرة وأثبت أنه كان أصلاً قيماً ـ ومصدر إحراج أيضاً ـ في تعاملات الاتحاد السوفييتي مع الحكومة العراقية، التي كانت تعادي الامبريالية وتناهض الشيوعية في آن معاً. رابعاً: إن العراق بلد غني بالنفط وموارد طبيعية أخرى. لذا، تحول إلى شريك اقتصادي مهم بالنسبة إلى موسكو بعدما تحرر من السيطرة الغربية (1958 ـ 2003)، وكانت روابط روسيا الاقتصادية مع العراق الأقوى على صعيد دول الخليج العربية. ولكن إثر احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة وحلفائها في عام 2003، تقلص نفوذ روسيا السياسي والاقتصادي فيه بشكل حاد. أما في الوقت الراهن، فإن أهداف روسيا في العراق تتمثل بحفظ سلامة أراضيه واستقراره السياسي والانسحاب الأمريكي منه وحماية ما تبقى من المصالح الروسية فيه.

لقد كانت مصر أيضاً إحدى دول الشرق الأوسط التي حظيت باهتمام روسيا لقرون عدة بفضل موقعها الجغرافي الفريد عند التقاء قارتي آسيا وإفريقيا وقربها من أوروبا، فضلاً عن دورها التجاري والثقافي الرائد في شمال إفريقيا والشرق العربي. وأشار المؤلف إلى عوامل سياسية عدة سهلت بدورها تطور العلاقات بين موسكو والقاهرة منها أولاً: مصر ليست بأي مصدرٍ رئيسي للنفط أو الغاز الطبيعي، ولا تمثل بالتالي أي منافس لروسيا في سوق الطاقة. ثانياً: إن النظام المصري علماني ويعتبر الأصولية الإسلامية أحد أعدائه الرئيسيين. لذا، فإن موسكو لا تتوقع أي دعم من القاهرة للثوار الشيشانيين أو الحركات الإسلامية الأصولية الأخرى. ثالثاً: تنظر موسكو ما بعد الشيوعية إلى علاقات مصر الدبلوماسية المستقرة مع إسرائيل كأفضلية عظيمة، كما يرى الاتحاد الروسي في هذه العلاقات عنصراً جوهرياً لبناء علاقات مستدامة مع إسرائيل.

وخلص تحليل كرويتز لعلاقات روسيا مع شبه الجزيرة العربية في بداية القرن الحالي إلى تحديد أربعة أسباب رئيسية لروابط روسيا المهمة مع هذا الجزء من العالم العربي هي أولاً: إن روسيا بوتين مصممة على ولوج المياه الدافئة ومحيطات العالم بما فيها المحيط الهندي. من هنا، تمثل العلاقات الروسية مع دول شبه الجزيرة العربية ضرورةجيواستراتيجية. ثانياً، بسبب التفوق الأمريكي الهائل وضعف روسيا، لا تستطيع موسكو تحدي هيمنة واشنطن بشكل مباشر، ولكنها تسعى في الوقت ذاته إلى الحفاظ على وجودها في المناطق القريبة من دائرة نفوذها التقليدي، عبر تزويد الدول العربية بالأسلحة وأحياناً من خلال دعمها دبلوماسياً بواسطة الخطاب السياسي في الغالب. ثالثاً: تعَـد روسيا من أكبر مصدري النفط في العالم ومن مصلحتها بالتالي أن تتواصل مع بقية كبار مصدري النفط الموجودين بغالبيتهم في شبه الجزيرة العربية. رابعاً: يدرك الزعماء الروس أهمية شبه الجزيرة العربية بالنسبة إلى الإسلام والجالية الروسية المسلمة (التي يقدر حجمها الحالي بـ (15-20 في المائة) من إجمالي سكان البلاد وتتكاثر بوتيرة تفوق معدلات نمو أية جالية روسية أخرى). كما أن موسكو تولي اهتماماً خاصاً لمنع وصول أي دعم من مجتمعات شبه الجزيرة العربية الغنية والمسلمة إلى الانفصاليين الشيشان والحركات الإسلامية الأصولية في روسيا.

وفي خاتمة هذا الكتاب، يكرر أندري كرويتز إعرابه عن قناعته بأن روسيا تنظر إلى انخراطها في الشرق الأوسط كضرورة لصون أمنها بسبب ضخامة جاليتها المسلمة والتهديد المحتمل المرتبط بما لدى الغرب (خاصة الولايات المتحدة) من نفوذ سياسي فعال ووجود عسكري قوي في المنطقة. ويؤكد مجدداً أن أي تهديد عسكري ينبع من المنطقة، مثل اختراقها من قبل الإرهاب أو وجود جيوش أجنبية قوية فيها أو نشوب حرب أهلية أو حدوث أعمال إرهابية أو أي عدم استقرار اجتماعي ـ سياسي هناك، سوف يثير مخاوف روسيا؛ وأن هذه المخاوف قد تبلغ حد الهلع لأن الاتحاد الروسي المعاصر ولأسباب اقتصادية لم يعد محمياً بذلك الحزام الدفاعي، الذي كان يستخدم سابقاً للدفاع عن الحدود السوفييتية.

ويذهب المؤلف إلى القول إن خضوع العراق لسيطرة الغرب واحتمال خضوع إيران لها يثيران قلقاً عميقاً لدى موسكو، لأنها تؤمن بأن هذه السيطرة تلحق الأذى بمصالح روسيا وتهدد أمنها. وفيما يعرب كرويتز عن اعتقاده بأن الرئيس بوتين يرغب في الحفاظ على علاقات دبلوماسية طيبة مع واشنطن، يشير إلى أن موسكو معنية في الوقت ذاته بتقليص النفوذ الأمريكي في المنطقة، وتدعم أيضاً برنامج إيران النووي، على الرغم من الشكوك الأمريكية في نوايا طهران النووية.

إجمالاً، يرى المؤلف أن علاقات روسيا المعاصرة والرأسمالية مع الشرق الأوسط اتسمت حتى الآن بالحذر وغلبت عليها براغماتية المصالح الخاصة. وذلك لأن الرئيس بوتين لم يبد أي تعاطف مع العرب أو المسلمين، ويعتقد ببساطة أنه يجب على روسيا أن تحمي مصالحها الخاصة، وأن تتصرف بمرونة من أجل تحقيق هذا الهدف.

إلى ذلك، يفصح المؤلف عن قناعته بأن روسيا لا تستطيع القيام بأي دور فعال في الشرق الأوسط، وأنها بحاجة إلى تطوير مقاربة استراتيجية تجاهها، لأنها عاجزة عن التنافس المباشر مع الولايات المتحدة أو كبرى الدول الغربية في الاتحاد الأوروبي. وبغض النظر عن هذه القناعة، يرى المؤلف أن منطقة الشرق الأوسط ستبقى دائماً في صلب سياسات موسكو الخارجية، ويدعو روسيا إلى تعزيز اهتمامها بالمنطقة لإيجاد حلول دائمة لمشكلاتها.

مقالات لنفس الكاتب