array(1) { [0]=> object(stdClass)#13041 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

أنماط متباينة من التضخم في دول مجلس التعاون الخليجي

الخميس، 01 كانون2/يناير 2009

شهدت دول مجلس التعاون الخليجي تاريخياً معدلات تضخم منخفضة نسبياً. وفي الواقع بلغ متوسط معدل التضخم في هذه الدول بين عامي (1995-2004م) حوالي 1.39 في المائة. وعلى مدى العقدين المنصرمين، نادراً ما تجاوزت نسبة التضخم في كل دولة عضو بمجلس التعاون الخليجي خمسة في المائة. وعلى الرغم من ذلك، اتسمت معدلات التضخم في كل دولة منها بتقلباتها في أحيان كثيرة. ومثال على ذلك فترات ارتفاع نسبة ن أن التضخم التي أثرت في الكويت في أوائل عقد التسعينات، حيث كان أجلها قصيراً في ظل الدور المهم الذي تلعبه أسعار الصرف الثابتة مقابل الدولار الأمريكي في استعادة الاستقرار بسرعة.

لكن هذا النمط لم يدم طويلاً ومرد ذلك الطفرة التي شهدتها أسعار النفط، حيث بات التضخم القائم في الوقت الراهن والضغوط التضخمية الموازية له يمثلان أكبر التحديات الاقتصادية التي تواجه دول مجلس التعاون الخليجي. وقد تبلورت هذه الضغوط على الرغم من حقيقة أنه منذ بداية العقد الحالي اعتمدت دول مجلس التعاون الخليجي خططاً استثمارية وتنموية تختلف عن الخطط التي تمت صياغتها خلال فترات الطفرة النفطية السابقة خلال عقد السبعينات وأوائل عقد الثمانينات. وانطلاقاً من هاجس ضرورة تفادي تكرار نمط تعاقب الدورات التضخمية / الانكماشية ودورات الرواج والكساد كما حدث في الماضي، أقدمت دول مجلس التعاون الخليجي على بناء احتياطيات مهمة وتسديد الدين العام وتحويل الفائض المتراكم إلى صناديق ترمي إلى تحقيق استقرار أسعار النفط وإيجاد صناديق الثروة السيادية وغيرها من الأدوات الاستثماربة التي تسيطر عليها الدولة – وهي في مجملها تدابير تسعى إلى تخفيف الضغوط التضخمية.

لكن، من الواضح أن محاولة السيطرة على التضخم في الدول المصدرة للنفط ليست مسألة بسيطة أبداً. وبالتحديد، فإن تدفق العائدات النفطية الخارجية بشكل مفاجئ وهائل عادة ما يتسبب في زيادة السعر النسبي من السلع غير القابلة للتداول مقارنة بالسلع القابلة للتداول. وبالتالي فإن حوافز السعر الناتجة تحث على تحقيق تحول لرأس المال والعمالة من مجال السلع القابلة للتداول لمجال السلع غير القابلة للتداول (العقارات، مثلاً)، إذ يصبح استيراد السلعة أو الخدمة أقل تكلفة من إنتاجها محلياً.

ولعل ما يعقد الصعوبات التي تؤرق دول مجلس التعاون الخليجي في خضم مكافحتها لظاهرة تراجع قيمة عملاتها، ما تتعرض له قيمة الدولار من التراجع في أسواق العملات الدولية. وبالتالي تتفاقم الآثار التضخمية الناجمة عن ارتفاع أسعار المواد الغذائية العالمية والتي تمثل أحد أهم العناصر على مستوى مؤشرات سعر المواد الاستهلاكية. ومن الواضح أن تداعيات التضخم بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية مقترناً بانخفاض قيمة الدولار تختلف من بلد إلى آخر تبعاً لطبيعة وتشكيلة وارداتها. وبنفس المعنى، فإن تفاوت المعدلات المالية لعمليات التوسع مرتبط (بالتباينات الهيكلية الفريدة والتي خلقت أنماطاً عدة من التضخم في دول مجلس التعاون الخليجي) ( انظر الشكل 1 والجدول 1) على النحو التالي:


* مجموعة الدول ذات معدلات التضخم المنخفضة والتي تقل نسبتها عن عشرة في المائة- وهذه الدول هي المملكة العربية السعودية، والكويت، وسلطنة عمان، والبحرين، حيث تراوحت فيها معدلات التضخم خلال السنوات الأخيرة بين 4.0 إلى 5.5 في المائة.

* مجموعة الدول ذات معدلات التضخم المرتفعة، وهذه الدول هي قطر ودولة الإمارات العربية المتحدة، حيث تراوحت معدلات التضخم بين 11-14 في المائة. وبالنظر إلى أن هذه المعدلات تفوق معدلات التضخم المسجلة في المجموعة الأخرى، فمن المحتمل أن يكون الإفراط في حجم الطلب المحلي قد لعب دوراً في تعجيل تصاعد الأسعار في الآونة الأخيرة.


ويمكن القول باختصار إن الارتفاع الذي شهدته مؤخراً معدلات التضخم في دول مجلس التعاون الخليجي يعكس في معظمه الضغوط المنبثقة من زيادة الطلب المحلي، بما في ذلك الزيادات في الأجور في القطاع العام والقيود التي تعانيها عمليات العرض. ويمكن ملاحظة أنه حيثما كانت معدلات التضخم منخفضة، كما هي الحال في المملكة العربية السعودية والكويت ومملكة البحرين، فإن السبب يتمثل في توفر أنظمة تجارية منفتحة مع مرونة سوق العمل ومحدودية القيود وأيضاً محدودية تأثير ارتفاع تكاليف الوقود في مستوى الأسعار المحلية.

وتجدر الإشارة في هذا المقام إلى أنه على الرغم من أن مؤشرات أسعار المواد الاستهلاكية في كافة دول مجلس التعاون الخليجي أخذت منحى تصاعدياً خلال السنوات العديدة الماضية، فمن المرجح أن تسهم أخطاء تُرتكب على مستوى الأرقام القياسية الرسمية في التقليل من معدلات التضخم في كافة دول المجلس. فعلى سبيل المثال، تذكر (مؤسسة مورغان ستانلي) أن بعض دراسات المسح المستقلة تشير إلى معدلات تضخم تتراوح ما بين 15 و25 في المائة في دولة الإمارات خلافاً لفحوى الكثير من التقارير الرسمية. ونظراً لمدى وفرة السيولة ومزج سياسات استيعابية بشكل واسع للاقتصاد الكلي، فإن سلوك أسعار السلع غير القابلة للتداول يتحمل وزر التضخم بشكل واضح. لكن ينبغي عدم تجاهل دور التضخم المستورد، فباعتبار أن عملات الدول المنتجة للنفط في الشرق الأوسط مرتبطة بالدولار، فقيمتها تتعرض للانخفاض بفعل الانخفاض المستمر لقيمة الدولار منذ عام 2002، على الرغم من أن حجم عائدات تلك الدول من الصادرات ارتفعت إلى مستويات قياسية. وباعتبار أن معظم واردات دول الخليج يأتي من أوروبا وآسيا فإن تراجع قيمة الدولار بات يشكل مصدراً رئيسياً للتضخم عن طريق رفع أسعار السلع والخدمات المستوردة.

وفي حين أن ارتفاع أسعار الواردات أسهم في زيادة التضخم خلال السنوات الأخيرة، يلاحظ أن تفاوت معدلات التضخم بين مجموعتي دول مجلس التعاون الخليجي ترتبط جذوره إلى حد كبير بالاقتصاديات المحلية والتي تعكس التباين على مستوى وتيرة الزيادة في الإنفاق العام وحجم الاستثمار. ففي حالة الكويت، على سبيل المثال، خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2007، كانت معدلات التضخم أعلى في قطاعات المنتجات والخدمات، لاسيما في قطاع السكن (بنسبة 12.5 في المائة)، وقطاعي التعليم والصحة (12.3 في المائة) وصناعة المشروبات والتبغ (9.6 في المائة)، وقطاع النقل (7.3 في المائة)، وصناعة الألبسة (5.1 في المائة)، وصناعة المنتجات الغذائية (4.8 في المائة)، وغيرها من المنتجات والخدمات (2.5 في المائة).

ومن الواضح أن الكويت، وعلى الرغم من فك ارتباط عملتها بالدولار، لم يقلل ذلك من معدل التضخم في البلاد (حيث تجاوز نسبة 5.0 في المائة) مقارنة بمعدل التضخم في المملكة العربية السعودية حيث بلغ 4.1 في المائة خلال عام 2007.

وكما أشرنا سابقاً فقد شهدت قطر والإمارات أقوى معدلات التضخم، حيث فاقت معدلات النمو السكاني المعروض من العقارات والوحدات السكنية، مما أدى إلى زيادة حادة في سعر الإيجار. ولعل حمى سعر الاستئجار تتحمل مسؤولية نصف الزيادة في معدلات التضخم في دولة الإمارات، حيث لم تفلح سياسة استقدام العمالة ذات الأجور المنخفضة في تخفيف حدة الوضع. وعلى صعيد آخر، وباعتبار أن عدداً كبيراً من أعمال الوحدات السكنية على وشك الاستكمال، فمن المتوقع أن تهدأ وتيرة التضخم على المدى المتوسط في هذه الدول.

ومن المهم التذكير بأن هناك علاقة وثيقة في كل من قطر والإمارات بين عملية التوسع في المعروض النقدي الشامل (الشكل 2) الناجمة عن معدلات كبيرة في مجال التوسع المالي والإنفاق العام من جهة، ومعدلات التضخم السنوية من جهة أخرى (الشكل 3)، علماً أن الدول الخليجية التي تشهد انخفاض معدلات التضخم عادة ما تعاني تباطؤ وتيرة الزيادة في المعروض النقدي الشامل. فبالنسبة لكل من قطر والإمارات، من المحتمل أن تؤدي سياسات فرض القيود النقدية التي تنتهجها عادة وارتفاع أسعار الفائدة بهدف مكافحة التضخم إلى تدفقات مالية هائلة تسعى إلى الاستفادة من ارتفاع أسعار الفائدة، وبالتالي فإن الارتفاع الكبير في الطلب المحلي على عملات دول مجلس التعاون الخليجي من شأنه ممارسة ضغوط تصاعدية على سعر الصرف. وقد يفتح هذا السيناريو الباب لانهيار نظام ربط العملات الخليجية بالدولار. ويمكن القول بإيجاز إن نظام سعر الصرف المعمول به حالياً في دولة الإمارات وقطر يحول دون تشديد سياساتهما النقدية والتي تمثل عادة أداة فعالة في مكافحة الضغوط التضخمية.

إن حالة قطر مفيدة بشكل خاص، فالدوحة حالياً تواجه معضلة عويصة، حيث إنها لا تستطيع خفض سعر الفائدة على الوتيرة نفسها التي ينتهجها الاحتياطي الفيدرالي في الولايات المتحدة، وذلك بسبب ارتفاع حجم السيولة المحلية ومعدلات التضخم. ويتولد عن هذا الوضع اتساع فارق أسعار الفائدة بين الولايات المتحدة وقطر وزيادة وتيرة تدفق السيولة. وعلى ضوء هذه المعطيات تبقى الخيارات المتاحة إما كبح جماح السيولة ربما من خلال رفع معدلات الاحتياطيات المصرفية الضرورية، وفي هذه الحالة سوف تتصاعد تلك المعدلات، أو يحدث رفع أسعار الفائدة – وفي هذا يتمثل الخيار الثاني - الذي من شأنه أن يؤدي إلى تفشي التكهنات بشأن إزالة تثبيت الريال القطري بالدولار. وقد يترتب عن ذلك تدفق رؤوس أموال كبيرة تأمل في تحقيق الاستفادة من إعادة تقييم وشيكة للعملة المحلية.

وفي الوقت الذي تشهد فيه قطر ارتفاعاً مطرداً في مستويات التضخم، سوف تواجه ضغوطاً متعاظمة لفك ارتباط عملتها بالدولار. ولعل السؤال الجوهري في هذا السياق سيبقى متمحوراً حول خيار إبقاء ربط العملة بالدولار والانفكاك من براثن الأزمة الحالية إلى حين يتم تفعيل الوحدة النقدية الخليجية أو اتخاذ إجراءات محددة لتخفيف الضغوط بانتظار توحيد العملات الخليجية.

وبإلقاء نظرة باتجاه المستقبل، والأخذ في الاعتبار تراكم السيولة، من المرجح أن يستمر التضخم في دول مجلس التعاون الخليجي خلال عامي (2008-2009). ولن تنجح على الأرجح الحلول على المدى القصير من قبيل إعادة تقييم العملة، في خفض معدلات التضخم على نحو ملموس ما لم تكن هذه الخطوات مدعومة بقرارات لخفض حجم الإنفاق الحكومي على الرغم من أن مثل هذه القرارات غالباً ما تفتقد الشعبية من الناحية السياسية. وفي كل الأحوال، فإن فك الارتباط بالدولار في المدى القصير لن يؤدي سوى إلى إضفاء المزيد من التعقيدات على مستوى عملية إطلاق عملة مشتركة. وعلى المدى المتوسط، ينبغي على دولة الإمارات وقطر ضمن جهودهما لمكافحة ظاهرة التضخم التفكير في سياسة الكويت القائمة على الارتباط بسلة عملات وعلى عملية إعادة تقييم محدودة. فمن خلال قرارها بتبني سياسة سلة العملات، قامت الكويت بتقسيم أسعار الفائدة بين سعر الخصم (معدل الفائدة على الودائع) وسعر إعادة الشراء المعروفة بـ (الريبو) (معدل الفائدة على الاقتراض)، الأمر الذي مكّن البنك المركزي الكويتي من خفض حجم الاقتراض من دون المساس بعمليات تبادل السيولة بين المصارف، وفي الوقت ذاته عدم التأثير في عملية تدفق الاستثمارات الموجهة نحو الائتمان. ومن المتوقع على المدى الطويل أن تتراجع حدة الضغوط التضخمية بفعل اعتماد عملة موحدة وسلة عملات على غرار ما اقترحه مؤخراً ستيفن جين من مؤسسة مورغان ستانلي، على أمل أن يتم توجيه جزء من النفقات الحكومية المخصصة لمشاريع البنية التحتية ودعم الأنشطة الاقتصادية الأخرى والتي تسهم حالياً في الضغوط التضخمية نحو رفع مستوى إنتاجية المواطنين جنباً إلى جنب مع تخفيف اختناقات العرض.

مقالات لنفس الكاتب