array(1) { [0]=> object(stdClass)#13031 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

الاتحاد الأوروبي وأمن الخليج العربي

السبت، 01 تشرين2/نوفمبر 2008

لقد أسهمت جولة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الأوروبية خلال سنة 2007 في بلورة موقف أوروبي واضح ومحدد بصدد العديد من قضايا الأمتين العربية والإسلامية، وخاصة في ما يتعلق بأمن الخليج العربي والدور الذي يتطلب أن تلعبه الأطراف الدولية الأخرى في إيجاد أسس مشتركة للأمن والاستقرار في هذه المنطقة الحيوية من العالم، والتي تشكل شريان الحياة للاقتصاد الإنساني.

كانت هذه الزيارة الأوروبية الأولى قد ابتدأت في مايو 2007 وشملت إسبانيا وفرنسا وبولندا، والثانية ابتدأت في أكتوبر من السنة نفسها، وشملت بريطانيا وألمانيا وإيطاليا ودولة الفاتيكان، حيث إن هاتين الجولتين عززتا من القناعات الأوروبية بضرورة تعزيز وتيرة العلاقات بين دول الاتحاد الأوروبي ودول منطقة الخليج العربي وفي كافة الصعد، ومن بينها الأمنية، حيث إن التطورات والأحداث الدولية والإقليمية على مدى السنوات الماضية أكدت أن مصلحة أوروبا في أن تعمل بكل فاعلية في حل قضايا المنطقة والمشاركة في إيجاد الحلول لمشكلاتها الأمنية، وعدم ترك المنطقة لسياسة الانفراد الأمريكية التي لا تعكس إلا نتائج سلبية على علاقة الطرفين بالتحديد، وقبل أن تؤدي إلى تفاقم المشكلات إلى مستويات خطرة، وخاصة أن ما جرى ويجري الآن في العراق، وما برز من خطر جديد يهدد المنطقة، ممثلاً في النووي الإيراني يضع كل الأطراف أمام مسؤولية جدية لتلافي تكرار الدرس العراقي، حيث إن السياسات غير المتوازنة واللاعقلانية كثيراً ما ينجم عنها دمار وفوضى.

ففي الوقت الذي تطرح فيه الولايات المتحدة تصورها لأمن الخليج العربي من خلال الاتفاقيات الأمنية مع كل دولة وبشكل منفرد سواء مع الولايات المتحدة مباشرة أو مع حلف الناتو، وما تطرحه أيضاً عبر زيارات مسؤوليها إلى المنطقة من بناء مظلة دفاعية وأمنية ضد التهديدات (الجديدة)- وهو ما طرحه وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس في مؤتمر المنامة للأمن نهاية 2007- فإن للاتحاد الأوروبي، بما أن أغلبية دوله أعضاء في حلف الناتو، وجهة نظره التي تبدو مختلفة مع ما تطرحه الولايات المتحدة، وإن كان هناك عدد من الدول الأوروبية تتبنى أحياناً وجهة النظر الأمريكية، لكن من زاوية أخرى، حيث إن فرنسا والولايات المتحدة أحياناً مكونان على سرير واحد لكن أحلام كل منهما مختلفة.

فالدول الأوروبية تنظر إلى أمن الخليج العربي باعتباره أمن الطاقة، حيث يؤدي الخليج الدور المحوري فيه، وبالتالي فإن ما سيحدث في الخليج ستكون له أبعاد خطيرة تتجاوز حدود المنطقة، حيث لا يزال الحدث العراقي، وبروز الملف النووي الإيراني، بالإضافة إلى الظاهرة الإرهابية التي عمت المنطقة، تشكل مثلثاً مقلقاً للمصالح الأوروبية. فالأوضاع غير المستقرة التي تعيشها منطقة الخليج العربي والمهددة بالانفجار بين لحظة وأخرى، ولا سيما في العراق حيث لا يزال المستقبل قاتماً في ظل انعدام مؤشرات الهدوء والاستقرار، وإمكانية حصول الصدام المسلح بين واشنطن وطهران، كلها تؤكد أن هذه المشكلات لا يمكن التوصل إلى حلها بالوسائل العسكرية، التي أثبتت فشلها، لا بل نتائجها المأساوية في القتل والفوضى والدمار.

طرح الأوروبيون أمام الإيرانيين مزايا عدة مقابل تخليهم عن برنامجهم النووي

ولهذا كانت أوروبا تطرح البديل المطلوب وهو تبني الحلول السياسية، وذلك من خلال جهد دبلوماسي استباقي مكثف ومتعدد الأطراف، يتم التركيز فيه على الاستقرار الطويل الأمد، والقدرة على إبقاء الخطوط مفتوحة مع كل القوى الإقليمية، وتقريب وجهات النظر، وتشجيع الحوار وبناء الثقة بين وحدات هذا الميدان الجغرافي – السياسي الحيوي لإيجاد بيئة أمنية خليجية مستقرة.

وبذلك، فإن الدور الذي يقوم به الاتحاد الأوروبي يجب أن يكون دوراً معادلاً ومتوازناً إزاء السياسة الأمريكية التي أنتجت مزيداً من عدم الاستقرار وانعدام الثقة، كما أن هذا الدور يمكن أن يعمل على لجم الميول والنزعات الانفرادية في السياسة الأمريكية، حيث إن تبعات فشل السياسة الأمريكية في المنطقة ستنعكس أولاً وقبل كل شيء على المصالح الأوروبية. وفي هذا الإطار، فإن الجهود الدبلوماسية والسياسية الأوروبية تنصب على دعم المبادرات والمشاريع الخليجية، وخصوصاً دعمها لمبادرة السلام العربية التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز عام 2002، والتي تعد وباعتراف كل الأوساط السياسية والدبلوماسية الأوروبية مدخلاً وباباً لتسوية كل مشكلات المنطقة، بما فيها الظاهرة الإرهابية، ونزع أسلحة الدمار الشامل في منطقة الشرق الأوسط.

وفي الواقع، فإن الأحداث التي شهدتها المنطقة برمتها، ودول الخليج العربية بوجه التحديد، جعلت الاتحاد الأوروبي، وبعد الغزو والاحتلال الأمريكي للعراق، يعيد تقييم سياساته الخارجية والأمنية من خلال مؤتمراته النصف سنوية، أو ضمن إطار انتمائه لحلف الناتو، حيث إن قمة إسطنبول في عام 2004، وما أطلق خلالها من مبادرة إسطنبول، أوجدت بعض الأسس التي ينطلق منها الاتحاد في تطوير علاقاته مع دول المنطقة من خلال النظر إلى الأحداث وما تحمله من متغيرات مستقبلية ولّدت انعكاسات مباشرة على الأمن الأوروبي والأمن الدولي، ولا سيما أن المنطقة تنتج 84 في المائة من النفط العالمي.

فقد حاول حلف الناتو من خلال (مبادرة التعاون) مع دول مجلس التعاون الخليجي التقارب بين الصوت الأوروبي والصوت الأطلسي (الأمريكي) داخل الحلف لتجاوز تداعيات غزو العراق، ومواجهة مصادر التهديد للأمن الأوروبي، والتي هي نفسها مصادر تهديد للأمن الخليجي، والتعامل معها بشكل مباشر دون انتظار وقوعها، لكن ثمة مشكلة تثار في طرح موضوع التعاون الأمني، حيث إن هناك بعض الدول التي انفردت بعقد الاتفاقيات الأمنية مع الحلف، لكن كان هناك بعد شامل للرؤية السعودية التي ترى ضرورة أن يكون العمل جماعياً بين النظام الإقليمي الخليجي المتمثل في مجلس التعاون لدول الخليج العربية وبين الحلف كمنظمة، أي (27 + 6 وليس 27 + 1)، حتى إن الرياض لا تمانع بأن يمتد التعاون إلى (27 + 8)، حيث إن المملكة العربية السعودية لا تنشد غير الاستقرار الدائم، وليس الحلول الآنية التي ليس منها أي جدوى.

إن الرياض ترفض الترتيبات الأمنية مع كل دولة خليجية على حدة، حيث لا يمكن في هذه الحالة التوفيق بين المصالح الوطنية والمصالح الإقليمية لكل دول المنطقة. فالقيادة السعودية ترى في الاتفاقيات الأمنية المنفردة خطوة نحو إضعاف الدور السياسي لمجلس التعاون الخليجي، الذي تعتبره جزءاً يجب ألا ينسلخ عن الإطار الأمني الإقليمي لمنطقة الخليج. إذ سبق أن أكد وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل على ضرورة إدراك أن المصالح الفردية والجماعية لا تتحقق إلا من خلال استراتيجية أمنية واقتصادية موحدة وجلية المعالم، ولديها القدرة على تلبية متطلبات تطوير قدرات عسكرية مشتركة، بوصف هذا المطلب يمثل أولى الأولويات.

وإذا كانت دروس حروب الخليج الثلاث قد انعكست سلبياً على الاقتصاد الأوروبي من خلال انفراد الولايات المتحدة بالهيمنة على الاقتصاد الخليجي المدني والعسكري والمالي، فإن اندلاع حرب رابعة أو تشديد العقوبات الاقتصادية على إيران من شأنه أن يقوض كل التطلعات الاقتصادية الأوروبية نحو المنطقة. ولذلك، وبغية سحب البساط من تحت أقدام الولايات المتحدة وإعاقة سيرها نحو التصعيد المحفوف بالكثير من المخاطر اتجهت الدول الأوروبية للطرق الدبلوماسية والمفاوضات المباشرة مع الطرف الإيراني. كما أن الدرس العراقي وضع الأوروبيين في موقف قوي، وخاصة أن الطروحات الأمريكية التي أصرت في السابق على امتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل تبين زيفها وبطلانها، ولم تؤد عمليات التفتيش، التي استمرت بعد الغزو، إلى العثور على أي دليل يؤكد مزاعمها السابقه، الأمر الذي جعل الأوروبيين غير مقتنعين أيضاً بإمكانية امتلاك إيران سلاح نووي وفق الطروحات الأمريكية. ولذلك فقد طرح الأوروبيون أمام الإيرانيين مزايا عدة مقابل تخليهم عن برنامجهم النووي ومن بينها مساعدتهم على إنجاز مشروعهم النووي السلمي، ودمج إيران في المجتمع الدولي ومساعدتها تكنولوجياً.

ومن خلال مؤتمر الشراكة الخليجية – الأوروبية فقد تبلور تصور مشترك هو أن الحاجة باتت ملحة كثيراً لكي يتبوأ الاتحاد الأوروبي دوراً أساسياً بإمكانه توفير عنصر التوازن والرؤية الموضوعية ضمن ترتيبات تركز على جملة من القضايا التي تندرج تحت مظلة أمنية موسعة لمنطقة الخليج العربي. إذ إن أوروبا ورغم اقتراب بعض دولها من السياسة الأمريكية، وخصوصاً في الوضع اللبناني وقضية الشرق الأوسط، وما تقوم به من دور إزاء الملف النووي الإيراني، فإنها لا تزال تصر على ضرورة الأخذ بالمقاربة المتعددة الأطراف في معالجة الأزمات والقضايا التي تهدد الأمن الدولي، ومن بينها أمن الخليج العربي الذي لم يعد أمن نظمه السياسية وإنما أمن نفطه أيضاً، وهو من القضايا التي لا بد أن توضع لها ترتيبات أمنية جديدة يلعب الاتحاد الأوروبي دوراً في صياغتها.

ويبدو أن وجهة النظر الأوروبية متطابقة جداً مع الرؤية السعودية للأمن الخليجي، والتي جاءت على لسان وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل في (مؤتمر أمن الخليج.. حوار الخليج) الذي عقد في البحرين ديسمبر 2004، معتبراً أن التوصل إلى إطار أمني فعال للمنطقة، يكون كالآتي: (يمن مزدهر، وعراق مستقر، وإيران صديقة، وذلك هو الضمان الأفضل للسلام والاستقرار). ووجهة النظر السعودية هذه هي الرسالة الدائمة التي تبلغها إلى ضيوفها، سواء كان جورج بوش أو نيكولا ساركوزي في زيارتهما إلى المملكة في يناير الماضي على التوالي.

 

 

مجلة آراء حول الخليج