array(1) { [0]=> object(stdClass)#13016 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

الاتحاد الأوروبي و(النووي الإيراني): هل وصلنا إلى طريق مسدود؟

السبت، 01 تشرين2/نوفمبر 2008

يعد الاتحاد الأوروبي من أقوى المساندين لاتفاقية منع الانتشار النووي، وهو من هذا المنطلق تعامل مع الملف النووي الإيراني منذ البداية بإيجابية عالية وبعيداًَ عن الأحكام المسبقة، مستنداً إلى حق الدول في الاستخدام السلمي للطاقة النووية، وهو على هذا الأساس لم يشكك في حق إيران بناء على ما تنص عليه اتفاقية منع الانتشار النووي في الاستخدام السلمي للطاقة النووية.

لكن هذا الحق مرتبط بواجبات إيران المنصوص عليها وفق الاتفاقية والمشترطة بعدم تطويرها أسلحة نووية أو مشاركتها في نشر هذه الأسلحة، ولذلك فقد افترض الاتحاد الأوروبي أن إيران تتعاطى بروح الشفافية والمسؤولية نظراً لكونها عضواً في الاتفاقية من جهة، ولإعلانها عن كافة أنشطتها النووية من جهة أخرى.

لكن عام 2003 جاء ليضع حداً لهذا الاعتقاد، حين تم اكتشاف العديد من المواقع والمنشآت الإيرانية السرية التي لم يتم الإفصاح عنها، واستخدامها لتطوير أنشطة نووية سرية بعيداً عن رقابة المجتمع الدولي وأجهزته وعلى رأسها الوكالة الدولية للطاقة الذرية عزز الشكوك حول مدى الشفافية التي تعتمدها إيران من جهة، كما عزز ادعاءات الأطراف الدولية الأخرى التي كانت تثير المخاوف من وجود برنامج نووي إيراني سري وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية. وفي هذه المرحلة كان على الاتحاد الأوروبي أن يتخذ موقفاً أكثر وضوحاً في ضوء التغييرات التي حصلت، فقرر الاعتماد على النهج الدبلوماسي والمفاوضات لحل الأزمة.

طريق المفاوضات مع إيران

في تلك المرحلة أقر المجلس الأوروبي رؤية في أكتوبر من عام 2003 تقوم على تبني مبدأ المفاوضات كطريقة لحل النزاع حول البرنامج النووي الإيراني، على أن تقوم كل من القوى الثلاث (فرنسا وألمانيا وبريطانيا) بإطلاق المفاوضات مع إيران بهذا الهدف، ولاقى هذا الطرح استحساناً من ممثلي دول الاتحاد الأوروبي الذين قرروا الانضمام فيما بعد لتقديم الدعم الكامل للنهج التفاوضي الدبلوماسي بخصوص الأزمة النووية الإيرانية.

ومن الملاحظ أن هذا النهج التفاوضي سلك مراحل رئيسية متدرجاً بها إن صح التعبير منذ انطلاقه وحتى اليوم:

المرحلة الأولى: انطلقت في عام 2003 وتضمنت فتح قنوات اتصال مع الإيرانيين والحصول على تفويض غير مباشر من قبل الولايات المتحدة لحل هذه الأزمة، ليكون الخيار الأوروبي وسطاً بين الأمريكي المهدد بشن حرب على إيران بسبب الأزمة النووية، وبين الموقف الروسي الذي كان داعماً لإيران على اعتبار أنه المزود الرئيسي للمعدات والتقنيات اللازمة لتطوير الأنشطة النووية الإيرانية وهو متعهد إنشاء مفاعل (بوشهر) النووي، واستطاع الأوروبيون إقناع إيران في هذه المرحلة بالتوقيع على البروتوكول الإضافي الذي يتيح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بإجراء عمليات تفتيش مفاجئة للمنشآت النووية الإيرانية.

المرحلة الثانية: انطلقت في عام 2005 بشكل رئيسي وذلك لبلورة اتفاق يدفع العامل التفاوضي خطوة إلى الأمام باتجاه تبني حل للأزمة. وقد تم استكمال هذه المرحلة على ثلاثة مستويات أيضاً بعد عام 2005، في يوليو 2006 ومايو 2008، حيث قدم الاتحاد الأوروبي عرضاً مغرياً (كما وصفه الجميع حتى الروس والصينيين) وشاملاً لإيران يتضمن مساعدتها على إقامة برنامج نووي سلمي من دون أن يخل ذلك بالتزاماتها تجاه المجتمع الدولي حول طبيعة البرنامج واستخداماته السلمية، كما تضمن العرض حزمة واسعة من الحوافز والتعاون في كافة المجالات خاصة الاقتصادية والسياسية والأمنية.

الدور الأوروبي في عرض الحوافز المغري

وقد ركز العرض الأخير الذي يعتبر امتداداً لمبادرات الاتحاد الأوروبي السابقة، لكن أكثر توسعاً وإيجابية وإغراء، والمقدم إلى إيران بتاريخ 14/6/2008 على نقطتين أساسيتين:

1- الاعتراف بحق إيران في تطوير أبحاث، وإنتاج، واستخدام الطاقة النووية لأغراض سلمية وفقاً لالتزامات معاهدة منع الانتشار.

2- التعامل مع برنامج إيران بالطريقة ذاتها التي يتم التعامل بها مع برنامج أية دولة لا تمتلك أسلحة نووية، وطرف في معاهدة منع الانتشار، وذلك حالما تتم استعادة الثقة بالطبيعة السلمية حصراً لبرنامج إيران النووي.

وهو ما يعني إعادة وضع البرنامج النووي الإيراني على خط الشرعية الدولية مقابل الاعتراف بالحق الإيراني في هذا المجال بعد التأكد من مستوى الشفافية والالتزام. أما الحوافز التي تم تقديمها في الاقتراح فقد كانت متعددة وتشمل مواضيع:

الطاقة

* توفير المساعدات التقنية والمالية اللازمة لاستخدام إيران السلمي للطاقة النووية، ودعم استئناف مشاريع التعاون التقني في إيران من جانب الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

* دعم إقامة مفاعلات الماء الخفيف استناداً لآخر ما توصلت إليه التكنولوجيا.

* مساندة الأبحاث والتنمية في الطاقة النووية وذلك مع استعادة الثقة الدولية تدريجياً.

* توفير ضمانات إمدادات الوقود النووي الملزمة قانونياً.

* التعاون بخصوص معالجة الوقود المستنفد والفضلات الإشعاعية.

* إقامة شراكة استراتيجية طويلة الأجل وواسعة النطاق في مجال الطاقة بين إيران والاتحاد الأوروبي وغيره من شركاء على استعداد للتعاون مع اتخاذ إجراءات وتطبيقات عملية.

 

الاقتصاد

يتم اتخاذ خطوات باتجاه تطبيع العلاقات التجارية والاقتصادية كتحسين قدرة إيران على الوصول إلى الاقتصاد والأسواق والاستثمارات الدولية من خلال دعم عملي للاندماج الكامل في مؤسسات دولية بما فيها منظمة التجارة العالمية، وإنشاء إطار لزيادة الاستثمارات المباشرة في إيران والتجارة معها. بالإضافة طبعاً إلى مجالات أخرى طالت العديد من المواضيع ذات الصلة بالقطاع الزراعي، كدعم التنمية الزراعية في إيران، وتسهيل الاكتفاء الذاتي التام في الغذاء من خلال التعاون في مجال التقنية أو قطاع البيئة والبنية التحتية كالمساعدة على إقامة مشاريع مدنية في ميادين حماية البيئة والبنية التحتية والعلوم والتكنولوجيا المتطورة، وتطوير بنية تحتية للنقل بما في ذلك ممرات نقل دولية، ودعم تحديث البنية التحتية للاتصالات البعيدة في إيران، أو حتى في قطاع النقل والطيران المدني، كإمكانية التعاون في الطيران المدني بما في ذلك إمكانية إلغاء القيود المفروضة على المصنعين الذين يصدرون طائرات إلى إيران، وتمكين إيران من تجديد أسطول طائراتها المدنية.

مفاعيل الرفض الإيراني

لكن الأهم من ذلك كله كان الموضوع السياسي والعروض التي قدمت لإيران في هذا المجال ومنها:

* تحسين علاقات الدول الست والاتحاد الأوروبي مع إيران وإقامة ثقة متبادلة.

* تشجيع الاتصالات المباشرة والحوار مع إيران.

* دعم إيران في القيام بدور مهم وبناء في الشؤون الدولية.

* تشجيع الحوار والتعاون بشأن قضايا عدم الانتشار والأمن الإقليمي وإشاعة الاستقرار.

* العمل مع إيران وغيرها من دول في المنطقة لتشجيع إجراءات بناء الثقة والأمن في المنطقة.

* تأسيس آليات ملائمة للتشاور والتعاون.

* دعم فكرة عقد مؤتمر يتناول قضايا الأمن الإقليمي.

* التأكيد مجدداً على أن حلا للقضية النووية الإيرانية سيساهم في جهود منع الانتشار وإقامة منطقة شرق أوسط خالية من أسلحة دمار شامل بما في ذلك وسائل إطلاقها.

* التأكيد مجدداً على الالتزام بمقتضى ميثاق الأمم المتحدة بالامتناع عن التهديد باستخدام القوة ضد السلامة الإقليمية والاستقلال السياسي لأية دولة وبأي شكل لا ينسجم مع ميثاق الأمم المتحدة.

* التعاون حول موضوع أفغانستان، بما في ذلك تعزيز التعاون في الحرب ضد تجارة المخدرات ودعم برامج حول عودة اللاجئين الأفغان إلى بلادهم، والتعاون بشأن إعمار أفغانستان، والتعاون في مجال حراسة الحدود الإيرانية ـ الأفغانية.

لقد كان هذا العرض وخاصة في المجال السياسي اعترافاً ليس من قبل الاتحاد الأوروبي فقط، وإنما من قبل الدول الكبرى على إعادة تعريف إيران كقوة إقليمية شرعية جيو-سياسية، ذلك أنهم أدخلوها في مواضيع ذات طابع إقليمي ودولي كشريك مهم، ولذلك فقد كان من غير المنطقي عدم موافقة إيران على ذلك إلا إذا كانت خلفياتها الحقيقية مختلفة عما تطالب به علناً، ولعلها تتمثل في الحصول على ضمانات أمنية دولية بعدم الاعتداء عليها خاصة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى إطلاق يدها في الخليج العربي وهو الهدف التاريخي الأساسي الذي لطالما هدفت إيران إلى تحقيقه وهو ما لم تحصل عليه في هذا الاقتراح الأخير.

يعد الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأول لإيران بحوالي ثلث الصادرات

المصالح الأوروبية مع إيران والعقوبات

لكن الرفض الإيراني للاقتراح وعدم انفتاحها على بناء تعاون واسع وطويل الأمد واعتماد الشفافية الكاملة تجاه طبيعة برنامجها النووي وأهدافه أمام الوكالة الدولية للطاقة الذرية كل ذلك قوض الجهود الأوروبية. ومع هذا التصرف الإيراني الذي يعتمد على تضييع الوقت والتهرب من خلال الالتفاف على المبادرات بطرح مبادرات أخرى أو الاستغراق في نقاش التفاصيل ثم ردها في النهاية كلياً، شعر الأوروبيون بأن قرار (التفاوض) الدبلوماسي الذي أجمعوا عليه في البداية ليكون وسيلة لتحقيق وتكريس حل سلمي للأزمة النووية، ما هو إلا هدف وغاية إيرانية لتضييع الوقت والجهد، وجعلهم هذا الوضع في موقف حرج تجاه الولايات المتحدة والأسرة الدولية خاصة أن أمريكا كانت تحذر دائماً من أن الهدف الإيراني إنما يدور حول كسب المزيد من الوقت.

وأمام هذا الواقع كان لا بد للأوروبيين من أن يقبلوا على مضض خلال هذه المرحلة بالعقوبات الاقتصادية التي فرضها مجلس الأمن عبر استصدار أربعة قرارات كان آخرها القرار رقم 1803 في مارس من عام 2008، وهي قرارات تطالب إيران بإيقاف تخصيب اليورانيوم، وتهدف الإجراءات المنصوص عليها فيها بالأساس إلى منع إيران من الحصول على مواد تستعمل في الصواريخ البالستية والنووية، وتستهدف أيضاً مصادر تمويل البرنامج النووي الإيراني وتضييق الخناق عليها.

إلا أن القبول الأوروبي لم يكن سهلاً كما يعتقد الكثيرون، حيث تشكل العلاقات الاقتصادية الثنائية عامل ضعف لأوروبا في هذه الحالة، يثنيها عن اتخاذ قرارات حازمة بشأن التعامل مع إيران، ولو استعرضنا مؤشرات التعاون الاقتصادي الثنائي بين الطرفين لسهل علينا معرفة الدافع الحقيقي لأوروبا وراء صبرها على استراتيجية إضاعة الوقت الإيرانية.

إذ يعد الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأول لإيران بحوالي ثلث الصادرات، حيث بلغت الصادرات السلعية الأوروبية لإيران حوالي 10 مليارات دولار عام 2007، فيما بلغت الواردات السلعية من إيران حوالي 13.8 مليار دولار. وشكل النفط حوالي 90 في المائة من الواردات الأوروبية من إيران، التي احتلت في هذا المجال المرتبة السادسة في قائمة مزودي أوروبا بالطاقة.

ويلاحظ في هذا الإطار أن العلاقات التجارية مع إيران قد تقلصت في السنتين الأخيرتين بنسبة 10 في المائة، ذلك أنها بدأت تخضع إلى قراري مجلس الأمن 1737 الصادر في 23 ديسمبر 2006، و1747 الصادر في 3 مارس 2007، ثم القرار الأخير الذي يشدد على القرارات السابقة.

وجاء القبول الأوروبي بهذه القرارات نتيجة قناعة لديهم ترسخت استناداً إلى عنصرين أساسيين:

الأول: وجود نية إيرانية مبيتة بالمراوغة وعدم الرد على المبادرات الإيجابية الدولية واعتماد الطرق الالتفافية حولها لكسب المزيد من الوقت وتضييع الجهود في متاهات دبلوماسية.

الثاني: الاعتقاد بأن عدم اعتماد خيار العصا إلى جانب الجزرة سيضر بالموقف الأوروبي الذي سيبدو عملياً وكأنه يغطي تطور البرنامج النووي الإيراني تحت ستار المفاوضات، ويشجع إيران على تجاهل المجتمع الدولي حتى النهاية.

ولذلك يبدو أن الأوروبيين اليوم أصبحوا في موقع (المراوح مكانه) بعد أن استنفدوا كافة الوسائل الدبلوماسية والتي من الواضح أنها وصلت إلى طريق مسدود بسبب التعنت الإيراني، إلا إذا كان لدى إيران كلمة أخرى لتقولها في هذا الشأن عدا عن استراتيجية تمرير الوقت في أي استئناف للمفاوضات لاحقاً.

 

مقالات لنفس الكاتب