array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 92

مجلس التعاون الخليجي ما بين التوسع والاتحاد

الثلاثاء، 01 أيار 2012

تمنطقت هذه المنطقة (دول الخليج العربية)، من الناحية العملية، بخطوات وحدوية حثيثة ومتواصلة لم تعرفها دول (الهلال الخصيب) ولا غيرها من البلدان العربية الأخرى (وهناك الدول المغاربية لكنها مع إيقاف التنفيذ) كان منها إقامة اتحاد الإمارات العربية ومجلس التعاون الخليجي ثم إقامة جسر البحرين، والآن يحمي (درع الجزيرة) البحرين من أي تدخل مستقبلي من قبل إيران، وبانضمام الأردن والمغرب سيصبح المجلس كياناً يحقق حلم الوحدويين من المحيط إلى الخليج، وإن كانت أساسات هذا التوسع غير مقنعة لكلا الفريقين، ويعتبرها البعض مجرد خطوة سياسية لا أكثر لامتصاص زلزال الثورات العربية حتى لا تكتسح الدول العربية كافة.

يعتبر البعض أن ما يجمع هذا الكيان الوحدوي هو المصالح الاستراتيجية والاقتصادية وليس الأيديولوجية، ويعتبر أيضاً هذا الكيان لبنة لقيام اتحاد عربي أوسع مستقبلاً ولكن هذا العقد انفرط.

ورغم هذا التوسع الهش فإن إيران تعيش اليوم تخوفاً كبيراً من قيام مثل تلك الكيانات ما سيهدد مصالحها، وسيقضي على مشروعها النفوذي في منطقة الهلال الخصيب الذي أنفقت عليه الغالي والنفيس من أجل أن يتحقق، ويصل إلى ما وصل إليه ثم ينهار في فترة قصيرة جداً، ويصب في صالح التعاون العربي، كما أن إيران نفسها تعاني أزمة داخلية وقد تتحول الثورات إليها من الدول العربية خصوصاً أن البيئة الإيرانية جاهزة لقيام ثورة.

لذلك، فإن إيران اليوم تتباكى على هذا المصير المحتوم الذي لم تكن تتوقعه في يوم من الأيام، مثلها مثل حكام الدول العربية التي حدثت فيها الثورات، ولم يستوعب حكام هذه الدول هذا الوضع الجديد، لذلك يمارسون القمع والقتل بلا هوادة كأنهم يعيشون في غيبوبة، ويتصرفون بلا إدراك أو لا عقلانية.

وبالطبع استجابت المنطقة لتلك المتغيرات، ولم تتمكن الأكثرية الانقلابية في لبنان من تشكيل حكومة حتى الآن، وفي العراق استقال عبدالمهدي نائب الرئيس احتجاجاً على استمرار الأزمة السياسية في العراق، والآن يدعو علاوي إلى انتخابات مبكرة لأن المنطقة مقبلة على تغيرات جيوسياسية مغايرة تماماً عن السابق يكون لدول مجلس التعاون الخليجي دور فيها، ولا بد أن تتغير نظم الحكم بما يتماشى مع المتغيرات الجديدة.

وقد علّقت (القائمة العراقية) مشاركتها في المفاوضات وتدرس الآن الانسحاب، وفي مصر تم طرد الدبلوماسي الإيراني المتهم بالتجسس، وهي متغيرات تجعل من السعودية ومصر تسعيان نحو التوجه إلى إقامة تحالف عربي جديد لإعادة وتصحيح الأوضاع السياسية في لبنان والعراق بما يصب في جهود التلاحم العربي والأمن العربي ومحاولة إعادة العراق بعد عقد القمة العربية فيه إلى الحاضنة العربية.

وبالطبع فإن تلك المتغيرات هي بحاجة إلى جهود حثيثة لإعادة التوازن الطبيعي إلى تلك المناطق العربية التي امتدت إليها أيدي وعبث المشاريع الأجنبية.

وتعتقد أمريكا أن ما يحدث في المنطقة من ثورات احتجاجية عارمة لم يتوقعها أحد نهائياً بهذه الصورة أنه فوق طاقة الولايات المتحدة القوة العظمى في العالم خصوصاً بعد الأزمة المالية التي عصفت بها والعالم أجمع، وتعتقد أيضاً أن ما يحدث هو أكبر مما حصل بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية واللتين تمخض عنهما انهيار الإمبراطورية الإسلامية العثمانية وبروز اتفاقية سايس- بيكو لتقسيم العالم العربي بين الإنجليز والفرنسيين، وظهور وعد بلفور بتأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين.

إن المادة التاسعة من ميثاق الجامعة العربية تحث على قيام تكتلات عربية تصب في مصلحة التلاحم العربي وتتمتع بحصانة ضد التحديات الكبيرة والعظيمة، وكلما اتسع التكتل يعني حماية أكبر. وقد سبق لكاتب هذا المقال أن كتب مقالاً في مجلة (آراء حول الخليج) في العدد 16 - يناير 2006 تحت عنوان (مستقبل مجلس التعاون في عصر العولمة مرهون بتوسعته)، لكن وفق خطط مدروسة سواء لجهة عدد الأعضاء أو المؤسسات التابعة، فالاتحاد الأوروبي تحول من 3 إلى 6 ثم 18 ثم 27 دولة.

وإذا كان المنهج الأكثر فردية للولايات المتحدة جعل الدول تفكر في ذلك الحين كيف تترك اقتصاداتها، وتتوحد في الاقتصاد العالمي بأي طريقة، فإن الولايات المتحدة تواجه اليوم ضعفاً في اقتصادياتها وهي بحاجة إلى تكتلات جديدة تشاركها المسؤولية لتخفيف فاتورة الدفع التي تميزت بها الفترة الماضية كقفزة أحادية تتحمل فاتورتها بمفردها، لكنها تريد اليوم أن تبقى قوة منفردة من دون أن تدفع فواتير أي هيبة من دون هيمنة.

إن الثورات العربية أضعفت دور الجامعة العربية حالياً، وأدت إلى إضعاف الحزام الإيراني وإفشال الجيوب الإيرانية التي تحيط بالسعودية في جنوب اليمن والبحرين، فأثبت تكتل دول الخليج أنه القوة الفاعلة على أرض الواقع، ولا بد من التعامل معه وفق هذا الواقع لكي يصبح لاعباً فاعلاً في السيناريوهات الجديدة.

وهناك من يرى أن التكتل من وراء الجغرافيا مع إهمال الجبهة الداخلية مشكلة كبرى، لأنها تعتبر الحصن الوقائي ضد أية أزمات مستقبلاً أو تعتبر بمثابة تحالف ملكيات للتحايل على هذه الثورات.

أياً تكن صحة هذه الآراء، فإن من يعرف واقع المغرب يدرك أنه يتجه نحو ملكية برلمانية وهناك حراك جوهري فيه، ورغم ذلك رحبت المغرب بهذه الدعوة وهذا الانضمام، ونفت الحكومة المغربية أن يكون هناك تعارض بين عضويتها الحالية في الاتحاد المغاربي الميت أصلاً، ودعوة دول مجلس التعاون الخليجي، وهي إشارة قوية وذات مغزى من شأنها إرساء شراكة قوية بين الطرفين ولهما ثقل عالمي، وسيصبح المجلس أقوى عسكرياً لمواجهة أي تهديدات وتحديات مستقبلاً. لكنها في الحقيقة إشارة في الوقت نفسه إلى دولتين مجاورتين هما الأحق بالانضمام إلى دول المجلس مثل اليمن، وذلك بإعادة الاستقرار إليه ثم الانضمام، وكذلك العراق الذي يمكن أن ينضم إلى دول المجلس بعدما يعيد استقلال القرار فيه، ويعود إلى المظلة العربية، وهي خطوة ذكية جداً لمواجهة الاختراق الإيراني للمنطقة.

ورغم تلك الخطوات إلا أن الجماعات المعارضة في البحرين والتابعة لإيران تحاول أن تغتنم فرصتها في تأجيج الشارع البحريني أسوة ببقية البلدان العربية الأخرى في شهري فبراير ومارس من عام 2011، ولم تنظر إلى خصوصية المنطقة الخليجية، وأن البحرين جزء لا يتجزأ منها، وأن أمنها من أمن الخليج، بل نظرت إلى البحرين كدولة منفصلة عن دول مجلس التعاون، ويجب أن يكون مستقبلها تابعاً للجمهورية الإسلامية، وذلك خدمة للاتباع.

لكن دول الخليج بقيادة السعودية وجهت ضربة قاضية إلى الملالي في إيران عندما فاجأت إيران بإرسال قوات (درع الجزيرة) إلى البحرين لحمايتها استباقاً لأي تطورات محتملة لا يمكن أن يتوقعها أهل المنطقة، رغم ذلك استطاعت إيران اختراق المنطقة، وجاءت زيارة وزير الخارجية الإيراني لأربع دول خليجية في حين نرى أن اعتداء إيران على السفارة البريطانية في طهران أدى إلى زيادة تحالف العديد من الدول الأوروبية مع بريطانيا، وأدى أيضاً إلى طرد السفير الإيراني احتجاجاً على اقتحام السفارة.

واتجهت حكمة الدول الخليجية إلى الحل السياسي ما يعتبر سابقة في تاريخ العرب، وجاءت طواعية من دون أي ضغوط خارجية، فضلاً عن تشكيل لجنة تم منحها استقلالية تامة وصلاحيات كاملة للبحث والتقصي سميت (لجنة بسيوني) وهو رجل يتمتع بخبرة ومصداقية عالمية.

وكانت نتائج التقرير ضربة أخرى لإيران، لأن التقرير نفى أن يكون لقوات (درع الجزيرة) دور في القمع الأمني مثلما تتباكى إيران والمعارضة، وتتهم (درع الجزيرة) بالاشتراك في قمع الانتفاضة البحرينية، وفي الوقت نفسه لم يتهم تقرير بسيوني إيران، لكنه اعترف بالتحريض الإعلامي الإيراني، ولم يتوصل التقرير إلى وجود أدلة على الدعم المالي الإيراني لأشخاص داخل البحرين، ومن الصعب التوصل إلى مثل هذه الأدلة.

وانتقد التقرير أداء الحكومة في الأزمة، وطالبها بإصلاحات جوهرية، ووعد الملك بأخذ التقرير على محمل الجد وبالفعل اتخذ قرارات فعلية منها إقالة رئيس جهاز الأمن الوطني البحريني، وكان البديل من خارج العائلة المالكة.

فالتقرير في حقيقته قفزة كبيرة إلى الأمام في العملية السياسية البحرينية، لكن هل ستكون نتائج التقرير نهاية الأزمة؟ صحيح أن التقرير وضع حدوداً للتدخل الإيراني، ووضع أيضاً المعارضة تحت المجهر والمراقبة، لكن الأزمة لم تنته، فأكملت السعودية الحل السياسي بالإعلان عن (الاتحاد الخليجي) الذي وجّه ضربة جديدة لإيران، لكن إيران بالطبع لم تتوقف، وكان نفسها طويلاً جداً، وما زالت تستثمر كل فرصة مواتية، وتعلمت منها دول الخليج اليوم أنها ستستثمر كل فرصة مواتية لإعادة الملالي إلى حدودهم.

إن الأزمة في البحرين ليست بعيدة عن الأزمة في المنطقة كما أنها ليست بعيدة عن المشروع الإيراني، واستطاعت إيران تحويل الخلاف المذهبي إلى خلاف سياسي من أجل حشد الأنصار وتهميش الآخر، لذلك فإن الجهود يجب أن تتجه نحو حل الخلاف المذهبي، ولا يمكن حله بل السيطرة عليه وفق قيم ومبادئ الشريعة والقانون. ولذلك عقدت ندوة في الدوحة نهاية شهر نوفمبر 2011 تحت عنوان (دور التنوع المذهبي في مستقبل منطقة الخليج العربي) من أجل الوصول إلى شيء من التوافق، وليس التوصل إلى التوافق الكامل لنزع الاحتقان المذهبي وتلمس حلول للسيطرة على النزاع الطائفي الذي سببه النزاع المذهبي وإبعاده عن النزاع السياسي الذي يهدد النسيج الاجتماعي للمنطقة بالفرقة والتشتت.

وللحقيقة، فإن الجميع لم يعترف بأن التعدد المذهبي الإسلامي هو ثراء للدين الإسلامي، لذلك يحدث الشقاق أو النزاع ويتحول إلى استثمار يستغله القادة السياسيون، لذلك فإن النزاع المذهبي يأتي من قبل الطرفين وخصوصاً من قبل الأطراف الخارجية، ويستمر العناد والبعد عن الحق تجاه المخالفين والابتعاد عن الحلول الوسطى والتوافق.

ولا يمكن الخروج من مأزق الخلاف المذهبي الذي يؤدي إلى تصلّب سياسي، بينما هناك وعي اجتماعي جديد مغيب عن النخبة السياسية الخليجية لا بد من إشراكه بدلاً من تركه يصطف إلى جانب العواطف بعيداً عن العقل والمنطق. كما ينبغي الانتقال إلى المجتمع المدني الذي لا يفرق بين المواطنين بحسب المذهب أو الجنس وإلى مجتمع يعلي من حقوق الإنسان والحرية والتوزيع العادل للسلطة والثروة لإبعاد الأطماع عن المنطقة، وذلك بعد أن يتمكن المجتمع المدني من تعظيم الولاء والانتماء للوطن، وليس للمذهب أو العرق أو الجنس.

وإذا كان العنوان يوحي بانفصام بين العرب، فإن الواقع فرض انتقال الثقل السياسي والمالي إلى الخليج بسبب أنه الكيان العربي الوحيد والذي لا يزال متماسكاً في زمن اضطرب فيه الجسم العربي بالأمواج نتيجة لثورات ألمت به. وحتى قبل الثورات فإن السعودية كانت أحد أركان المربع الذهبي العربي والذي يتمتع بالحيوية، بينما تساقطت بقية أركان المربع الذهبي العربي الأخرى بدءاً بالعراق الذي سقط بعد احتلاله من قبل أمريكا، وسقط من قبل بعد غزوه للكويت وإخراجه بوساطة التحالف، وسوريا خرجت هي الأخرى من المربع الذهبي نتيجة لتحالفها مع إيران، واليوم تعاني أزمة شعبية، بينما شاخت القاهرة قبل الثورات وهرمت وعجزت عن القيام بدورها العربي، وهي تعاني اليوم مخاضاً صعباً لم تتمكن من الخروج من دائرته.

إن مجلس التعاون أنشئ عام 1981 لمواجهة تحديات خارجية تمت مواجهتها بالحل السياسي، بينما اليوم تحول المجلس من التعاون إلى الاتحاد الخليجي لمواجهة متغيرات داخلية وخارجية في آن واحد، أي أن التحدي داخلي وخارجي في الوقت نفسه، ولا يحتاج إلى حل سياسي فقط، بل خيال سياسي وأفكار جديدة.

فالاتحاد الخليجي أصبح يواجه اليوم تحديات عديدة بدءاً بالتعامل مع الملفين السوري واليمني، والتعامل أيضاً مع تراجع القوة الاقتصادية التي يئن من آثارها الغرب، ونتيجتها تحولت القوة الأمريكية التي يركن إليها الخليجيون في الماضي إلى قوة ناعمة مما فرض عليهم التحول إلى قوة ذاتية رادعة من أجل تحييد المشروع الإيراني الذي يعيث فساداً في مناطق مختلفة من العالم العربي، خصوصاً الوقوف في وجهه لمنعه من تثبيت نفوذه في العراق بعد انسحاب القوات الأمريكية وملء الفراغ، والامتناع عن التدخل في الشأن الخليجي إذا أرادت إيران أن تمتنع دول الخليج عن المشاركة مع الغرب ضد إيران بسبب النووي الإيراني الذي يقلق الغرب قبل العرب.

وبعد القمة الخليجية الـ 32 في الرياض سيتولى الاتحاد الخليجي قيادة الملف السوري خصوصاً بعدما طالب سعود الفيصل النظام السوري بوقف القتل فوراً وهي عبارة دبلوماسية يفهمها النظام السوري ويفهم ما وراءها، وإذا لم يتوقف القتل فإن الجامعة العربية التي يقودها الاتحاد الخليجي أكبر قوة عربية متماسكة قادرة على إدارة الملف السوري خصوصاً بعدما يطمئن العرب على توحيد صف المعارضة والاستعداد لمرحلة ما بعد الأسد حتى لا تدخل سوريا في مرحلة تهدد استقرار الشعب السوري وأمن دول الجوار.

فالمبادرة العربية واضحة تماماً، ولن يتراخى العرب هذه المرة في التعامل مع النظام السوري أو إعطائه مزيداً من الوقت لقتل شعبه وتحويل الملف إلى مجلس الأمن للانتقال إلى الخطوة اللاحقة، التي تجبر النظام السوري المتهالك إلى النهاية المحتومة، لكن لا يزال يأمل العرب بأن يحقن النظام السوري مزيداً من إراقة الدماء، والأيام المقبلة ستحسم الأمر لصالح الشعب السوري ومستقبل عربي يدشن للعرب كياناً متعاوناً مع دول الجوار لا يسمح لأية دولة أخرى بالتمدد على حساب العرب وأخذ الدرس من تكرار التحالف السوري- الإيراني الذي هدد الأمن العربي وقسّم العرب إلى فرق وكيانات بسبب أوهام ولاية الفقيه والمتاجرة بالمقاومة واستثمار العواطف العربية والإسلامية وتسويق مشاريع وهمية مثل دول الممانعة والصمود ضد الصهيونية، في حين أن إيران أكبر متعاون مع الصهيونية العالمية، سهلت مهمة احتلال العراق وأفغانستان، فانقشعت اليوم كافة الأغطية التي كانت تحجب الرؤية عن الباحثين عن مخلّص لهم من الجبروت الإسرائيلي الذي أتى نتيجة لتوقيع (كامب ديفيد) التي عزلت مصر الدولة الكبرى عن العرب بعد انتصارها عام 1973 على إسرائيل واسترداد أراضيها التي احتلتها إسرائيل عام 1967.

إن الاتحاد الخليجي سيعيد إلى العرب كيانهم المفقود الذي اختطفه المشروع الإيراني بتمكين من المشروع الصهيوني وإعادة رسم خريطة منطقتهم التي تم تقسيمها والعبث فيها وبث الفوضى بينها من أجل أن تتحول إلى كيانات أصغر متناحرة وتحويلها إلى صومال وأفغانستان وعراق متصارع غير متآلف.

فإيران تشعر بعزلة شديدة نتيجة للعقوبات التي صدرت عن مجلس الأمن، وقد صدرت حتى الآن أربع جولات من العقوبات لعدم وقف إيران أنشطتها النووية بالإضافة إلى عقوبات إضافية فرضت من قبل الولايات المتحدة وكندا والاتحاد الأوروبي استهدفت مجموعة من الصناعات الإيرانية والنظام المصرفي الإيراني وقد تستهدف النفط أيضاً.

وسبق أن طُبقت عقوبات على نظام صدام حسين بعد إخراجه من الكويت أضعفت قدرات العراق رغم أن العراق دولة نفطية، وهو ما تخشاه إيران على المدى البعيد وتدرك خطورة تلك العقوبات، فالثورات العربية ألغت حاجة أمريكا أو إسرائيل إلى الدور الإيراني المعادي ظاهرياً للشيطان الأكبر، لكنه يحقق أجندات خفية للوبي الصهيوني.

وزاد من خطورة الوضع تجاه إيران إعلان دول الخليج عن الاتحاد الخليجي، وهذا الإعلان له دلالات كبيرة تدركها إيران، أي أنها لن تستطيع أن تواجه دول الخليج دولة دولة مثلما كانت تقوم به في السابق، لأن السياسة الخارجية لدول الاتحاد ستكون موحدة، وستكون أيضاً العلاقات التجارية مرتبطة بوقف الأجندات الإيرانية تجاه دول الخليج.

تحول المجلس من التعاون إلى الاتحاد الخليجي جاء لمواجهة متغيرات داخلية وخارجية

الاتحاد الخليجي سيعيد إلى العرب كيانهم المفقود الذي اختطفه المشروع الإيراني

دول الخليج لاتزال تعاني تدفقات الهجرة وتضخم العمالة الأجنبية

التحديات التي تحيط بدول المجلس تفرض عليها الاستمرار في تثبيت قواعد كيان مجلس التعاون وتقوية دعائمه

المادة التاسعة من ميثاق الجامعة العربية تحث على قيام تكتلات عربية تصب في التلاحم العربي

لذلك زادت الضغوط على إيران بل ستزيد من عزلتها السياسية والاقتصادية مهما كانت تملك من قدرات إذا لم تغير من سياساتها الدولية والإقليمية، وإذا ما اشتركت دول الاتحاد الخليجي في العقوبات الغربية فإنها كارثة بالنسبة لإيران، حيث إن تهديد إيران لدول الخليج سيكون تهديداً للاتحاد، وليس تهديداً لدولة بعينها كما كان سابقاً وتصطف إلى جانبها بقية دول الخليج، كما أن احتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاث يصبح مسؤولية الاتحاد، وليس مسؤولية دولة الإمارات.

لذلك فإن إيران تلجأ كعادتها إلى استخدام خيار (شمشون)، فهي اليوم تعلن عن إجراء تدريبات عسكرية واختبارات للصواريخ وإن كانت تقوم بمثل تلك التجارب بشكل دوري، لكن حجم وتوقيت هذه المناورة البحرية جديران بالملاحظة خصوصاً في منطقة يمر بها ثلث ناقلات النفط في العالم عبر مضيق هرمز، وتعتبر أهم نقاط الاختناق في عمليات نقل النفط في العالم.

والأخطر من ذلك بالنسبة لدول الخليج إذا كان ذلك يؤثر على مجمل اقتصاداتها في حالة شاركت دول الخليج في العقوبات بأن تتأثر هي الأخرى بالعقوبات في حالة قيام إيران بتدمير مضيق هرمز أو تهديد الملاحة، لأن دول الخليج التي تمتلك أكثر من 40 في المائة من احتياطيات النفط في العالم، و80 في المائة من إنتاجها يمر عبر مضيق هرمز وهو خطر وخطأ استراتيجي لم تسع دول الخليج في الماضي إلى إيجاد الحلول المناسبة له، أو تقليل تلك النسبة على الأقل إلى النصف، فقط السعودية استطاعت إنشاء خط يمتد من الجبيل إلى ينبع بإمكانه تصدير جزء من نفطها وقت الأزمات كحل استراتيجي وفي الوقت نفسه تحقيق التنمية المتوازنة التي تسعى إليها كثير من الدول وتخفيف الضغط على مناطق محددة.

لذلك، فإن إعلان دول الخليج عن الاتحاد يمكنها، خصوصاً إذا ما تمكنت من ضم اليمن الشقيق بعد استقراره وتحوله إلى النمو والتنمية، أن تمر عبر أراضيه وأراضي عُمان أنابيب لتصدير النفط وهو ما يعزز النمو في هذين البلدين، ويزيد من دخلهما الاقتصادي الذي يزيد من اندماج اليمن في دول مجلس الاتحاد الخليجي، خصوصاً أننا نعتبر اليمن الشقيق خزاناً بشرياً يساهم في معالجة الخلل في التركيبة السكانية في بقية دول الاتحاد، تحل محل العمالة الوافدة التي سببت قلقاً لدول الخليج بسبب مطالب تحقيق الحقوق المدنية لمثل هؤلاء العمال وخصوصاً العمال الآسيويين الذين يخرجون في مظاهرات من فترة إلى أخرى سبقت الثورات العربية.

وإذا كان مجلس التعاون الخليجي قد نشأ في 25 مايو 1981 في أبوظبي كردة فعل على درء الخطر الذي يحدق بالمنطقة جراء الحرب الإقليمية بين العراق وإيران، فإن إيران ما زالت تشعل الحرائق، وتشتكي من الدخان، وتحرص على إنعاش عوامل الاضطراب في منطقتنا، وفي شمال اليمن وجنوبه وهي الدولة ذات الثقل السكاني الكبير البالغ ثلاثين مليوناً.

بعد كل هذه المسيرة ما زالت دول الخليج تعاني تدفقات الهجرة وتضخم العمالة الأجنبية وما تفرزه كل هذه العوامل من ضغوط على الجبهة الداخلية لهذه الدول. وبعد ثلاثين عاماً من الإنشاء وأكثر من 115 اجتماعاً وزارياً لدول المجلس، فإنها بحاجة إلى وقفة ومراجعة شاملة، خصوصاً بعدما انتقل المجلس من التعاون إلى التكامل إلى جانب التحديات التي تحيط بدوله نظراً لموقعه الجغرافي بثرواته الهائلة مما يجعله عرضة للأطماع السياسية والدولية.

وما يهدد دول الخليج اليوم ليس الحدود بل الوجود، خصوصاً أن المطلوب من دول الخليج حفظ الاستقرار لوحداته الصغيرة مهما اعتقدت أنها في مأمن.

وليس من المقبول أن تبقى مسألة احتساب الإيرادات لمدة خمس سنوات مما استوجب معها تمديد المرحلة الانتقالية لتطبيق الاتحاد الجمركي في المرحلة الأولى لمدة عامين من 2005 إلى 2007 ثم تمديده أيضاً عامين آخرين وهكذا. فالتسليم لمثل هذا التأجيل بحد ذاته يعتبر مؤشراً سلبياً.

والحقيقة أن معوقات قيام الاتحاد الخليجي لا تزال عديدة، وفي مقدمتها آلية انتقال السلع فيما بين دول المجلس خلال المرحلة الانتقالية لتوزيع الحصيلة الجمركية إلى جانب تعارض التزامات دول المجلس لمنظمة التجارة العالمية بمتطلبات وشروط قيام الاتحاد الجمركي والعمل بنقطة الدخول الواحدة، وكذلك معالجة البضائع التي تستوفى رسومها بالتأمين وذلك عند العمل بنقطة الدخول الواحدة، وهناك معوقات أخرى غير الجمركية وهي كثيرة.

ولا يمكن أن نغفل الجوانب الإيجابية، خصوصاً الترابط السياسي الذي كرسته ظروف العقود الثلاثة الماضية على عكس بقية التكتلات العربية الأخرى، كما أن هناك منجزات اقتصادية أصبحت شاهداً في مجالات عدة، وحققت العديد من المشاريع المشتركة بالإضافة إلى التنسيق والتعاون والتكامل في المجالات كافة وسط تطلعات وآمال مواطني دول المجلس لتحقيق مزيد من الإنجازات حتى أصبحت دول الخليج تحتل مكانة ضمن الخريطة السياسية والاقتصادية الدولية وكتلة واحدة فاعلة في مختلف القضايا، ليس في الفضاء الإقليمي فحسب، بل الفضاء العالمي.

ورغم تلك الإيجابيات والمعوقات فإن التحديات التي تحيط بدول المجلس تفرض عليها الاستمرار في تثبيت قواعد كيان مجلس التعاون وتقوية دعائمه للتهيئة لعملية التكامل الفعلية، ثم في مرحلة لاحقة تتبنى المدخل الإنمائي لتنويع الهيكل الإنتاجي للدول الأعضاء والذي يوفر سلعاً قابلة للتداول.

 

مجلة آراء حول الخليج