array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 92

الاتحاد الأوروبي واتحاد دول الخليج العربي

الثلاثاء، 01 أيار 2012

يمثل الاتحاد الأوروبي نموذجاً فريداً في نجاح الاندماج بين الدول لتحقيق المصلحة القومية، رغم الاختلاف الثقافي واللغوي، فالاتحاد الأوروبي يضم 27 دولة أوروبية، ويتكلم سكان الاتحاد 23 لغة رسمية، وعدد سكانه 501 مليون نسمة وبمساحة 3930000 ميل مربع , وما زال يجذب الدول الأوروبية للانضمام إليه للحصول على منافع وطنية من الاتحاد، ويتنقل سكانه بالهوية الشخصية.

لقد تجاوزت الدول الأوروبية الخلافات الأيديولوجية التي مرت بها، وكذلك الحروب التي شهدتها، كالحرب العالمية الأولى ثم الثانية، شعوباً وحكومات، حيث رأت أن التعاون وتحقيق المصالح ليسا بالحروب بل بالتعاون والأمن والسلام.

وأصبح الاتحاد الأوروبي قوة اقتصادية عالمية، وأخذت أوروبا القديمة تساعد أوروبا الجديدة على النهوض باقتصادها المتدهور، فألمانيا الشرقية عندما توحدت مع ألمانيا الغربية كان اقتصادها منهاراً، لكن الشعور القومي الألماني تجاوز الإنفاق المالي والخلافات الأيديولوجية، فرغم أن أوروبا الجديدة كانت يوماً ما ضمن حلف وارسو المعادي للغرب فقد تجاوز الاتحاد كل هذا، وأصبحت أوروبا مثالاً للتعايش بين الدول التي تختلف فيما بينها عرقاً ولغة وحتى أيديولوجيا، يجمع بينها التراث الحضاري الأوروبي، وتنتمي إلى دين واحد.

الاتحاد الأوروبي: الاقتصاد ثم السياسة

بدأ الاتحاد الأوروبي في البداية بثلاث دول، هي دول البنيولكس (بلجيكا وهولندا ولوكسمبرج) عندما وقّعت فيما بينها عام 1944 الاتحاد الجمركي، الذي يهدف إلى تكوين اتحاد اقتصادي شامل، وفي عام 1951 تكونت المجموعة الأوروبية للفحم والصلب انضمت إليها فرنسا وإيطاليا وألمانيا الغربية، وفي عام 1957 وقّعت اتفاقية روما. لقد كانت البداية من الاقتصاد، حيث تم تأسيس مشاريع اقتصادية ليشعر المواطن الأوروبي بفائدة التعاون الاقتصاد وتحسين مستواه المعيشي وتوفير فرص العمل له، ومع عظم الفائدة أخذت الدول الأوروبية الغربية تنضم تباعاً إلى هذه الجماعة الاقتصادية الأوروبية كما كانت تسمى قبل أن تأخذ اسم الاتحاد الأوروبي عام 1992، وبعد النجاح في الاقتصاد تحولت إلى التعاون في السياسة وبناء المؤسسات السياسية الأوروبية، فتشكل المجلس الأوروبي ومجلس الوزراء والمفوضية الأوروبية والبرلمان الأوروبي، كما تشكلت مؤسسات وهيئات الرقابة ومحكمة العدل الأوروبية حتى تم التوصل إلى عملة أوروبية موحدة ورئيس للاتحاد الأوروبي، وأصبحت مؤسسات الاتحاد في بعض الأحيان ملاذاً للمواطن الأوروبي ضد سلطات بلاده.

عصر التكتلات الدولية

وتأتي الدعوة إلى الاتحاد الخليجي العربي في عصر التكتلات الدولية والإقليمية، فمع القرن الحادي والعشرين، يشهد العالم تكتلات إقليمية ودولية، مثل الاتحاد الأوروبي وتكتل نافتا وآيبك والاتحاد الإفريقي، وحوض البحر الأسود ومجموعة آسيان وغيرها من التكتلات التي تسعى الدول من خلالها إلى تعزيز مصالحها القومية ومكانتها الدولية في ظل العولمة التي تراجعت فيها مكانة الدولة إلى حد ما، فكان لا بد من التكتل. ونلاحظ أن هذه التكتلات تتم بين دول تختلف لغة وثقافة وتاريخاً ولكن المصلحة تفرض التعاون من أجل المصالح، في الوقت الذي تشهد فيه المنطقة العربية غياب التكتل والتعاون في مجالات متعددة.

مجلس التعاون: وحدة عبر التاريخ

إن منطقة الخليج العربي عبر التاريخ ومنذ الخلافة الراشدة وهي وحدة واحدة ضمن الدولة الإسلامية منذ عهد الخلفاء الأربعة والدولة الأموية ثم العباسية وحتى الدولة العثمانية، والمنطقة العربية كلها لم تشهد الدولة القطرية والانقسام إلا بعد الحرب العالمية الأولى. إن دول المجلس هي أكثر الدول العربية تماثلاً في التاريخ الواحد والعادات والتقاليد والمذهب الواحد مع تداخل السكان وامتداد القبائل بين هذه الدول، ما يجعل الاتحاد أكثر فاعلية لتحقيق مصالح سكانها، فهم شعب واحد وينتمون إلى أمة واحدة، والاتحاد ضرورة استراتيجية تمليها التحولات الاستراتيجية في العالم.

الاتحاد الخليجي العربي والأمن السكاني

إن البعد السكاني عامل مهم لدول المجلس في ظل دولة الاتحاد، فهناك عدم توازن داخل بعض دول مجلس التعاون، يمكن معالجته من خلال الاتحاد، في ظل عدم التوازن السكاني مع دول الجوار الجغرافي لدول المجلس، ففي إحصاء دولة الكويت الذي نشر مؤخراً لعام 2011، بلغ عدد السكان (3065850) نسمة، يشكل الكويتيون 35,55 في المائة والأجانب 64,40 في المائة، منهم 647 ألف هندي، وبشكل عام فإن رعايا شبه القارة الهندية 1,066 مليون نسمة، والأمر أكثر خطورة في دولة الإمارات حيث تصل نسبة المواطنين من مجموع سكان الإمارات إلى حوالي 20 في المائة، وتختلف النسبة من دولة إلى أخرى في دول المجلس، ويمكن معالجة هذه السلبية من خلال قيام الاتحاد الخليجي. ونلاحظ أن الهند شرقاً التي لها النصيب الأكبر من العمالة المهاجرة في الخليج تجاوز عدد سكانها المليار نسمة وفي نسبة عالية من الفقر في هذه البلاد المرشحة أن تكون دولة كبرى وفعالة على المستوى الدولي.

كما أن باكستان وإيران أيضاً ذات حجم سكاني كبير، لذا فإن هذا البعد السكاني يحتاج إلى مواجهته باتحاد يكون عمقه الاستراتيجي العربي داعماً ومعززاً له، فهناك قنبلة سكانية لها خطورتها تحتاج إلى حل في المستقبل القريب وليس البعيد ضمن خطة استراتيجية لدولة الاتحاد.

الاتحاد كقوة اقتصادية

ورغم البعد الاستراتيجي للعمالة الأجنبية في دول المجلس، إلا أن دول المجلس تملك قوة اقتصادية مهمة سواء بما تملكه من الطاقة أو أرصدة للاستثمار على مستوى العالم، فعائدات دول المجلس من النفط الخام بلغت عام 2011 حوالي 608 مليارات دولار، بينما كانت عام 2010، 465 مليار دولار. وتعتبر هذه الدول من أكثر الدول في العالم في متوسط دخل الفرد فيها، لذا فإن الاتحاد سيعزز قوتها الاقتصادية على المستويين الإقليمي والعالمي. حيث إن الثروة النفطية التي يملكها الاتحاد الخليجي، ستجعله ذات نفوذ قوي في العالم العربي والإسلامي، وهذا النفوذ يمثل قوة للاتحاد إذا تمت إدارته من أجل تحقيق أمن الاتحاد، خاصة أن الاتحاد محاط بنزاعات إقليمية خطيرة سواء في شماله كما في العراق أو منطقة القرن الإفريقي أو جواره الجغرافي كاليمن، وعلى مشارف الخليج إيران التي تسعى إلى الحصول على القوة النووية. ففي ظل هذه التطورات الإقليمية، يبقى قيام الاتحاد عاملاً مهماً لتعزيز وتحقيق أمن الخليج العربي. والمهم على المستوى الدولي أن المراهنة على دور الدول الكبرى لم يعد مناسباً في ظل تراجع مكانة ونفوذ هذه الدول على المستوى العالمي، فالولايات المتحدة تعاني من تورطها بحربين في أفغانستان والعراق كلفتاها نفقات باهظة، كما تواجه أزمة مالية حادة، وكذلك الوضع في الاتحاد الأوروبي الذي يواجه أزمة مالية في بعض دوله مثل اليونان. وإثر الثورات العربية التي تعرضت إليها بعض الدول العربية فإن توازن القوى في الشرق الأوسط يمر بتغيرات متسارعة تحتاج إلى اتحاد قوي يعزز مكانة دول الخليج العربية.

أبعاد الاتحاد الداخلية والإقليمية والدولية

يمكن الإشارة إلى ثلاثة أبعاد أو دوائر أمنية للاتحاد:

الدائرة المحلية: فالاتحاد يحقق الأمن الداخلي لدول المجلس، الأمن الاستراتيجي والأمن الاقتصادي والأمن الغذائي والأمن الثقافي من خلال التعاون والتكامل بين دول المجلس، ويعزز ثقة المواطن الخليجي وتجانسه وتعميق التفاعل والانصهار بين مواطني الخليج العربي في ظل الاتحاد.

الدائرة الإقليمية: فالاتحاد يجعل من دول المجلس كتلة واحدة في مواقفها السياسية ودورها الإقليمي في مواجهة التحديات، ويعزز مكانتها بعلاقاتها الخارجية في ظل المتغيرات الإقليمية التي لا يمكن لدولة وحدها أن تواجهها، فهناك تحولات على جبهات محيطة بالمجلس سواء في القرن الإفريقي وعلى سواحل البحر الأحمر واليمن وحدوده الشمالية، ويمكن تعميق علاقة المجلس مع عمقه الاستراتيجي (العالم العربي).

الدائرة الدولية: حيث سيعطي الاتحاد الخليجي بعداً دولياً لدول المجلس سواء في مواقفها الدولية أو علاقاتها الاقتصادية في حالة الاتحاد قد لا تتوفر لدولة واحدة، فمكانة الاتحاد الأوروبي على المستوى الدولي تختلف عن مكانة دولة واحدة من دوله. وقد يدفع الاتحاد الخليجي إلى تكتل أوسع في المستقبل كما حدث في الاتحاد الأوروبي، فالاتحاد الخليجي يحتاج إلى عمق بشري متجانس، وعمق عقدي متجانس تكمله القوة الاقتصادية، لذا فإن فكرة الاتحاد جاءت في وقتها مع المتغيرات الإقليمية والدولية وفي ظل عصر التكتلات الدولية التي سادت في ظل العولمة مع تراجع الدولة القومية.

 

مجلة آراء حول الخليج