array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 92

منطلقات الوحدة الخليجية ومقوماتها وركائزها (رؤية إسلامية)

الثلاثاء، 01 أيار 2012

في ظل توجه دول الخليج العربية نحو الاتحاد كنطاق يمثل نسيج المجتمع الخليجي بدلاً من الاقتصار على التعاون، ونظراً لانعكاس أبعاد هذا الاتحاد على المجتمعات الخليجية التي تنتمي إلى الدين الإسلامي، كان لا بد من إرساء عدد من المنطلقات وفق الرؤية الإسلامية لهذا المفهوم الراقي حتى ننطلق بهذه الوحدة الإسلامية وتوجيهها التوجيه الصحيح، وذلك لتقوم على أسس سليمة ومتينة وتضمن استمرار هذا الاتحاد لعقود مقبلة.

لعل من أبرز المقومات التي ينبغي أن ترتكز عليها هذه الوحدة التوعية الدينية السليمة، وذلك نظراً لغياب الوعي الصحيح بقيم الإسلام وتعاليمه على نحو من شأنه أن يؤدي إلى العديد من المظاهر السلبية بين المسلمين، مثل: التعصب الأعمى للرأي والتطرّف في الفكر والتشدد في فهم الدين، والاهتمام بالأمور الهامشية على حساب القضايا المصيرية، وهذا بدوره يؤدي من ناحية إلى إثارة الفتن، كما يؤدي من ناحية أخرى إلى إفساد علاقاتهم بغيرهم من بقية شعوب العالم، ومحصّلة ذلك كله أنه يعود بأضرار فادحة وعواقب وخيمة، مما يستلزم التأكيد على أن التوعية الدينية السليمة تعد شرطاً ضرورياً لقيام هذه الوحدة المنشودة على أسس سليمة.

إن الفهم الحقيقي لتعاليم الإسلام من شأنه أن يؤكّد الأخوّة الإسلامية والإنسانية بين الخليجيين وغيرهم من الأمم والشعوب، والمنطلق في ذلك أن الناس جميعاً قد خلقوا من نفس واحدة.

ومن جانب آخر، فلا بد لتعزيز الوحدة من دعم التعاون العلمي والوحدة الثقافية بين الشعوب الخليجية حتى تكون هذه الوحدة مثمرة، وأن يستوعب الجميع حقيقة مفادها أن التاريخ الإسلامي يبين أن حضارة المسلمين صنعتها عقول المسلمين من كافة الأنحاء، ومن كل الجنسيات إدراكاً منهم أن التعاون في هذا المجال هو تعاون في مصلحة الأمة كلها، وأن ذلك أمر يعد من متطلبات تحقيق الأمة.

وبذلك فإن الوعي الديني المستنير والصحوة العلمية واليقظة العقلية من شأنها كلها أن تعيد مرّة أخرى أواصر التعاون بين علماء الأمة ومفكريها، وتجمع شملهم، وتوحّد جهودهم بدلاً من تبديد الجهود وتشتيت الطاقات.

إن الأمر الذي لا شك فيه أن بلوغ الأهداف المرجوّة يعتمد في المقام الأول على ترسيخ جذور الوحدة الثقافية بين شعوب الدول الخليجية كونها جزءاً لا يتجزأ من الأمة الإسلامية، والتي لها دور في الحفاظ على الهويّة الإسلامية والشخصية الإسلامية قروناً عدة.

إن هذا الاتحاد يستلزم تكثيف التعاون في مجال الاقتصاد، وذلك من خلال التخطيط السليم والدراسة الجادة لأي مشروع مشترك يجمع الأطراف الخليجية، فالعالم الإسلامي بحاجة ماسّة إلى بناء اقتصاد قوي يحمي بلاد المسلمين من شر الأزمات، ويوفّر للمسلمين حياة كريمة، فالتكتل الاقتصادي أصبح قضية تعكس مصير هذه الأمة المنكوبة.

لتعزيز الوحدة لا بد من دعم التعاون العلمي والوحدة الثقافية بين الشعوب الخليجية

العالم الإسلامي بحاجة ماسّة لبناء اقتصاد قوي يحمي بلاد المسلمين من شر الأزمات

يجب ألا نذهب بعيداً في التشاؤم من استحالة شفاء الأمة مما أصابها من الجمود والتقليد والتعصّب، كما يجب أن ينهض الخيّرون من كل جانب على كل المستويات الرسمية والشخصية بنشر ثقافة التقريب بين الخليجيين من خلال غرس المبادئ القائمة على التسامح والتعايش، لاسيما أن الشعوب الخليجية في غالبيتها تتكون من السنة والشيعة، وإن كان السنة هم الغالبية في ذلك، فلا يكون مشروع الاتحاد لمصلحة طرف على آخر، بل يصب في مصلحة الجميع من دون استثناء.

ومما لا شك فيه أن توظيف البعد الديني كأحد أبرز مقومات هذه الوحدة يمثل ركيزة من الركائز التي يقوم عليها هذا المشروع، تطبيقاً لقول الله تعالى ((واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا))، فهي تمثل البعد الروحي لمقومات هذه الوحدة.كما لا بد أن تنطلق هذه الوحدة من خلال الدعم للبعد الإنساني، لاسيما أننظرة الدين الإسلاميلا تفصل هذا البعد الإنساني عن البعد الديني، حيث إن الارتباط الوثيق بين كل من البعد الديني والبعد الإنساني في وحدة الأمة الخليجية ينبغي أن تكون لـه دلالة مهمة؛ إذ يعني أن هذه الأمة التي أراد الله لها أن تكون خير أمة أخرجت للناس – ولا شك أن الشعوب الخليجية تعد جزءاً لا يتجزأ منها - من شأنها أن تكون عنصر أمان واستقرار في هذا العالم، فهي أمة ترتبط بخالقها بعلاقة العبودية لـه، كما ترتبط بغيرها من بني البشر بعلاقة الإنسانية التي لا تنسى عبوديتها لخالق الكون كله. وهذه الصلة الوثيقة بالله إذا استقامت فإنها كفيلة بتصحيح مسار الأمة الإسلامية في هذا الوجود، وبذلك تتحقق خيريتها.. إنها أمة تسع الإنسان أينما كان وأنّى كان، وتشمل برعايتها وأمنها كل من يعيش على الأرض.

أما البعد الاجتماعي لرؤية الإسلام للوحدة، فيتمثل في أخوة الدين وتأليف القلوب، فهذه الأخوة لها حقها، فهي تتضمن بعداً عاطفياً يتمثل في المشاركة الوجدانية، فكل فرد من الأفراد يشعر بآلام وآمال أمته لأنه جزء منها، يحس بإحساسها، ويسعـــــد لسعادتها، ويتألم لألمها.

إلا أن مجرد المشاركة الوجدانية لا يكفي رغم أهمية ذلك، بل لا بد أن يترجم هذا الشعور الداخلي إلى عمل فعّال يكون من شأنه النهوض بالأمة وأفرادها، ومن هنا كان مبدأ التكافل في الإسلام بمثابة ترجمة عملية لذلك الشعور الباطني لدى المسلم، وقد جعل الإسلام هذا المبدأ عبادة مفروضة يتعبّد بها المسلم، ويتقرب بها إلى ربه وهي فريضة الزكاة، التي تعتبر من ضرورات المجتمع الإسلامي.

إن التحديات المعاصرة تفرض على الأمة الإسلامية الخليجية ممثلة بأفرادها وشعوبها وقبائلها أن تخرج من دائرة المشاركة الوجدانية السلبية التي تعيشها في واقعها إلى المشاركة الإيجابية المؤثّرة، وذلك بوضع الخطط المفصّلة لإقامة بنيان التكافل بين أبناء الأمة الإسلامية.

لقد آن الأوان للأمة الخليجية أن تنشئ وحدتها التي ترغب في أن تنصهر من خلالها في بوتقة الوحدة الحقيقية للأمة الإسلامية بتحقيق مبدأ التكافل والخروج من سجن الفرديات المنعزلة، والقوميات المنفصلة إلى محيط الجماعة الكبرى التي أرادها أن تكون خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله، وتقيم التعاون فيما بينها على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان.

أما بالنسبة للبعد الجغرافي للوحدة في الرؤية الإسلامية فيتمثل في ضرورة التأكيد على أهمية استغلال دول الخليج العربية لمقدرات أوطانها، وألا تكون الحدود المصطنعة بينها جالبة للمشكلات التي تنشب عادة بين الدول بسبب خلافات لا طائل منها.

وضمن البعد الحضاري للوحدة الخليجية لا بد من العمل على توحيد الجهود في سبيل النهوض بالأمة والارتقاء بها حضارياً بما يؤكد شخصيتها المتميزة، ويحافظ على ذاتيتها مسترشدة في ذلك بتعاليم الإسلام الشاملة، والجوانب الإيجابية المشرقة في التراث الإسلامي، فلا يمكن أن تبقى الأمة على مقاعد المتفرجين من دون المشاركة في صنع الحضارة، والاكتفاء بالدور الاستهلاكي لما تنتجه الحضارة التي يصنعها الغير، في الوقت الذي لا تعرف فيه البشرية ديناً غير الإسلام يشتمل على كل المقوّمات والأسس التي تحقق للبشرية أفضل المستويات الحضارية مادياً وروحياً وأخلاقياً. كما لا بد أن ينعكس ذلك من واقع الأهداف المشتركة التي تبنى على هذه الأبعاد، ما يعني في النهاية بداهة أن لهذه الأمة مصيراً واحداً.

ومن أجل حماية هذا المصير الواحد وصون المبادئ السامية والمثل العليا التي تقوم بها ومن أجلها الأمة التي ترغب في أن تتوحد، فلا بد من إعداد القوة اللازمة لدرء الأخطار التي تحيط بها، سواء أكانت قائمة بالفعل أم محتملة الوقوع، أي سواء أكانت منظورة أم غير منظورة، فالقوة في كلا الحالين ضرورية.

إن مثل هذه القوة لا تتأتى إلا بوحدة الأمة الإسلامية، وعلى الجميع أن يستوعب حقيقة مفادها أن هذه الوحدة تمثل السد المنيع والحصن الحصين في وجه كل الأطماع التي تستهدف الشعوب الخليجية من خلال إثارة الخصومات والفتن بين أبنائها، والاستعانة في ذلك بالواحد الديان.

مجلة آراء حول الخليج