array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

الخسائر الإسرائيلية في الحرب على لبنان

الجمعة، 01 أيلول/سبتمبر 2006

منذ الثاني عشر من تموز 2006 وأنظار العالم تتجه من جديد إلى لبنان. هذه المرة ليس لمتابعة تداعيات اغتيال إحدى شخصياته السياسية أو الإعلامية، وإنما لمشاهدة الحرب الإسرائيلية الشاملة على لبنان التي أعادت إلى ذاكرة اللبنانيين الهجوم الإسرائيلي عام 1982. وكما في كل الحروب اللبنانية السابقة لم يقرر لبنان هذه الحرب، ومن المؤكد أنه لم يكن يريدها لأن الجيش اللبناني بقي بعيداً عن المعركة بالرغم من تعرض بعض مواقعه للقصف الإسرائيلي ووقوع العديد من جنوده بين قتيل وجريح.
لقد دمرت القوات الإسرائيلية معظم البنية التحتية في الضاحية الجنوبية في لبنان وقتل قرابة 2000 من أبنائه وخلّف قرابة المليون نازح في لبنان بينهم 220 ألفاً غادروا البلاد. وهذا أدى إلى خسارة كبيرة للبنان وشعبه بسبب حجم الدمار والحصار الذي تفرضه القوات الإسرائيلية على لبنان براً وبحراً وجواً. ووفق حصيلة أعدتها (فرانس برس) استناداً إلى مصادر رسمية فقد أدى العدوان الإسرائيلي على لبنان إلى استشهاد أكثر من 1000 مدني و أكثر من 40 عنصراً في الجيش وإصابة 3700 على الأقل بجروح. ومثل الأطفال تحت سن الثانية عشرة نسبة 30 في المائة من الذين استشهدوا. وأعلن حزب الله أن ما يزيد على 60 مقاتلا استشهدوا، بينما قدرت الخسائر الاقتصادية بحسب الخبير الاقتصادي مروان اسكندر بأكثر من 6 مليارات دولار، والتي قد تكون أقل من التكلفة الفعلية المطلوبة لتمويل إعادة البناء.
خسائر إسرائيلية على مختلف الصعد
أما في إسرائيل، فأدت صواريخ حزب الله على المستوطنات وحيفا إلى مقتل أكثر من 40 شخصاً بينهم 16 من عرب إسرائيل وجرح 583 على الأقل. وأعلن الجيش الإسرائيلي عن مقتل 120 عسكرياً إسرائيلياً وجرح 314 جندياً منذ بدء النزاع (حتى كتابة هذه السطور). كما تكبدت إسرائيل أيضاً خسائر يومية تقدر بـ 200 مليون دولار، وهذا بحسب التصريحات التي أطلقها ستانلي فيشر، محافظ بنك إسرائيل. وهذه الخسائر تشمل بالطبع الخسائر المباشرة وغير المباشرة. كما أن تقريراً أمريكياً أصدره مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن أكد أنه رغم مرور شهر على العدوان الإسرائيلي على لبنان، لم يتوفر أي دليل على أن إسرائيل تمكنت أو على وشك أن تتمكن من هزيمة حزب الله. وورد في التقرير أيضاً أداء القوات الجوية والبرية الإسرائيلية يبدو ضعيفاً ولا مؤشر إلى أنه ألحق ضرراً كبيراً بحزب الله. يضاف إلى ذلك أن رفض رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة للطلب الذي قدمته له وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس خلال اجتماعها معه في بيروت، بأن يتقدم الجيش اللبناني للمساعدة في السيطرة على الجنوب مكان حزب الله، دليل آخر على فشل إسرائيل في تحقيق أي من أهدافها التي بدأت بها الحرب مثل تصريح عمير بيرتس وزير الدفاع الإسرائيلي الهادف إلى القضاء على حزب الله ونزع سلاحه وإقامة حزام أمني حتى نهر الليطاني، بل إن حتى قرار مجلس الأمن الذي توقفت الحرب بموجبه لم يأت بكل ما تمنته إسرائيل برغم الدعم الأمريكي الكامل وغض النظر من قبل المجتمع الدولي عن المجازر الدموية التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي ضد المدنيين اللبنانيين.
وأثبتت الحرب أيضاً أن اقتصاد إسرائيل لا يتحمل حرب استنزاف طويلة الأمد. وهي الحقيقة التي راهن عليها حزب الله وكأنه يعرف جيداً هشاشة اقتصاد خصمه، إذ أكد محافظ بنك إسرائيل أن تل أبيب لن تحقق أهدافها في الحرب على لبنان، وأن الحكومة الإسرائيلية يمكنها تمويل تكاليف الحرب من الفائض الذي تجمع في خزينتها من ميزانية 2006 ومن صناديق التعويضات الموجودة لدى ضريبة الأملاك غير المشمولة في الميزانية، موضحاً أنه طالما لم تستمر الحرب لأكثر من شهر لن يكون هناك داع لاستخدام ميزانية 2007 من أجل تمويل خسائر إسرائيل الاقتصادية.
الحكومة الإسرائيلية وتصفية الحسابات الداخلية
داخلياً، واجهت ولا تزال الحكومة الإسرائيلية ممثلة برئيس الوزراء إيهود أولمرت استحقاقات صعبة يتوجب عليها تسديدها خلال فترة ما بعد الحرب على لبنان في ضوء إحساس عام بالفشل لأول مرة في تحقيق الأهداف المرجوة من الحرب. واعتبر خبراء ومحللون إسرائيليون أن أولمرت سيواجه بعد وقف الحرب معركة يصارع فيها من أجل بقائه على الساحة السياسية كي لا يحل عليه الدور بعد أن درج الغوص في لبنان على جلب المشكلات للقادة الإسرائيليين السابقين. فقد شعر رئيس الوزراء الأسبق مناحيم بيجن بالخيبة من غزو لبنان في 1982 فاتخذ قرار التنحي، كما أجبر وزير دفاعه أرييل شارون على الاستقالة. وكانت محاولة وقف هجمات صاروخية شنها حزب الله بعملية عسكرية كبيرة من بين العوامل التي أدت لخسارة شمعون بيريز في انتخابات 1996. أما قرار رئيس الوزراء إيهود باراك بالانسحاب من لبنان عام 2000 بعد احتلال دام 22 عاماً فقد أنتقد بوصفه متعجلاً، وخسر باراك في انتخابات 2001.
وفي الحرب السادسة على لبنان، سيتعين على أولمرت أن يجيب عن بعض الأسئلة ومنها: لماذا لم تستغل إسرائيل جيشها للقضاء على حزب الله، رغم أنها تعهدت بذلك؟ ولماذا انصب الاهتمام على الضربات الجوية التي لم تستطع وقف هجمات حزب الله الصاروخية بدلا من استخدام القوات البرية لمحاولة إزالة الخطر الذي كان يحدق بمليون شخص في شمال إسرائيل؟
وبدأت من الآن الصحافة الإسرائيلية بشن هجماتها على أولمرت الذي حملته مسؤولية النكسات العسكرية والدبلوماسية. وتزايدت انتقادات الإعلام وشكوك الرأي العام الإسرائيلي تجاه المكاسب التي تزعم حكومة أولمرت تحقيقها.
ومن هذه الانتقادات، كتب الصحافي الإسرائيلي آري شافيت في صحيفة (هآرتس) على الصفحة الأولى تحت عنوان (على أولمرت أن يستقيل)، قائلاً (لا يوجد خطأ واحد إلا وارتكبه أولمرت. لقد دخل بغطرسة الحرب من دون التفكير في العواقب، فبعد أن تسرع في شن الهجوم قام بإدارته بتردد).
وفي مقال له تحت عنوان (لم ننتصر)، كتب ناحوم برنياع، كبير المحللين السياسيين في صحيفة (يديعوت أحرنوت) أن (السؤال حول ما الذي جرى لإسرائيل في هذه الحرب يستحق جدلاً حازماً، لأن الضربات التي تعرضت لها إسرائيل كانت كبيرة من حيث حجم الخسائر وشل الجبهة الداخلية وتحويل مئات آلاف الإسرائيليين إلى لاجئين، وربما كانت الضربة الأكبر هي اكتشاف أن الجيش الإسرائيلي غير قادر على تنفيذ المتوقع منه). وشكك برنياع في جدوى الاجتياح البري، وشدد على أن خسائره تفوق أرباحه.
ولفت أيضاً إلى أنه ستكون هناك حرب اليهود بعد وقف إطلاق النار في لبنان، وقال إن هذه المرة ستكون حرب الكل ضد الكل: الحكومة ضد قيادة أركان الجيش وأولمرت ضد عمير بيرتس (وزير الدفاع)، وأولمرت ضد ليفني (وزيرة الخارجية)، ولواء ضد لواء وعضو كنيست ضد وزير والحكومة الحالية ضد سابقاتها.
لقد أثبتت الحرب أن إمكانيات صمود حزب الله عسكرياً كانت متوفرة لو أن الحرب بقيت أكثر من شهر، بينما يبحث الجيش الإسرائيلي بعد انتهاء عدوانه عن مخرج من أزمته الاستراتيجية، ويبحث أولمرت عن مخرج سياسي مشرف لحكومته. وقد تنبه المعلق العسكري الإسرائيلي زئيف شيف لهذه الأزمة محذراً من الغرق في الوحل اللبناني كما حصل في عام 1982 . فبعد ساعات من صدور قرار الأمم المتحدة رقم 1701 قامت إسرائيل بإنزال دفعة جديدة من قواتها في جنوب لبنان في محاولة أخيرة للتقدم شمالاً نحو نهر الليطاني، وأيضاً في محاولة تحقيق نصر يستعيد به الجيش الإسرائيلي بعضاً من كرامته أمام الشعب الإسرائيلي، لكنه مني بأكبر خسارة في صفوف جنوده في يوم واحد منذ بدء العدوان.
إن إسرائيل أمام انتقاد إعلامي وسياسي دولي للوحشية التي تبناها الجيش الإسرائيلي ضد المدنيين اللبنانيين العزل وأيضاً أمام إخفاق عسكري تجلى بوضوح خلال الحرب وبرهن على أن الجيش الإسرائيلي لا يتفوق إلا بسلاح الجو الذي لا يقابله سلاح مضاد لدى حزب الله. وهذا السلاح، الذي يتمتع بتطورات تقنية تمكن من اصطياد الأهداف، لا يكفي وحده لربح اي حرب وهي خلاصة أدركها المحافظون الجدد في الولايات المتحدة بعد خبرة الوجود المكلف بشرياً وسياسياً في العراق. لذلك وجد الإسرائيليون أنفسهم أمام مأزق صعب، خاصة أن إعلامهم ما لبث يؤكد أن خسارتهم محدودة، وأن قدرة وسائل الإعلام المحايدة في الوصول إلى المعلومات الصحيحة عن حجم الخسائر بقيت مقيدة، مما جعل الكثير من وسائل الإعلام تشير إلى أن الخسائر المعلنة لا تحتل غير قمة جبل الجليد بالنسبة لما أحدثته زلازل (نسبة إلى صواريخ زلزال) حزب الله، في بنية إسرائيل السياسية والاستراتيجية والاقتصادية.

مجلة آراء حول الخليج