array(1) { [0]=> object(stdClass)#13009 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

المياه.. كتحدي استراتيجي

السبت، 01 تموز/يوليو 2006

موارد المياه هي أساس الحياة وعصب التنمية، فالماء ضروري لحياة الإنسان والحيوان والنبات على حد سواء ومن دونه لا يمكن استمرار دورة التوازن البيئي في الطبيعة. وعلى الرغم من وجود أنهار وبحيرات في الوطن العربي توفر مصادر للمياه الطبيعية الصالحة لمختلف الأغراض سواءً للشرب أو الزراعة أو الصناعة أو غيرها من أوجه التنمية، إلا أن جميع تلك المصادر ليست عربية خالصة، إذ تنبع دائماً في أراضٍ غير عربية؛ وتقدّر كمية المياه الواردة من خارج الأراضي العربية بنحو 62 في المائة من إجمالي الموارد المائية المتاحة عربياً، كما أن معظم إن لم يكن كل الأنهار والقنوات الرافدة من خارج العالم العربي هي موضع خلاف قانوني أو سياسي بين نقاط المصب، أي الأطراف العربية التي تعتمد عليها كمورد مائي رئيسي، ونقاط المنبع، أي الأطراف الإقليمية التي تبدأ تلك القنوات والأنهار من أراضيها.
ومع أن الوضع في منطقة الخليج العربي مختلف كثيراً إلا أن النتيجة واحدة، فالمشكلة المائية مشكلة طبيعية وليست سياسية، حيث تصنف دول مجلس التعاون الخليجي بأنها تقع ضمن المناطق الجافة وشبه الجافة بين دول العالم، وتفتقر إلى وجود مصادر مائية متجددة كالأنهار والبحيرات والمياه السطحية بشكل عام؛ وتتعرض موارد المياه في دول مجلس التعاون إلى قدر هائل من الضغوط في الوقت الحاضر، حيث تعتمد دول المجلس على المياه الجوفية سواء السطحية أو العميقة وبعض العيون والينابيع والأفلاج، التي بدأت تغور مياهها لعدة أسباب، منها سوء الاستخدام والصيانة، واستنـزاف مياهها غير المتجددة، كما في واحات الخرج والأفلاج والإحساء والقطيف في المملكة العربية السعودية، والأفلاج التي تستخدم في بعض المناطق لري المزروعات في سلطنة عمان، ومياه الأمطار التي تحجز السدود لأغراض الشرب والزراعة أو لتغذية المياه الجوفية. ولذلك تُعتبَر عمليات تحلية المياه وإعادة استخدام مياه الصرف المعالجة من بين أكثر البدائل الناجحة، حيث إن دول مجلس التعاون الخليجي تستخدم وحدها ما يصل إلى نصف الطاقة العالمية من مياه التحلية.
وتمثل مشكلة نقص المياه تحدياً عربياً، وليس خليجياً فحسب، فالمنطقة العربية هي من أكثر مناطق العالم المتوقع لها مواجهة مشكلة مائية خلال المستقبل القريب؛ إذ تشير توقعات الخبراء إلى أن العجز المائي لدى الدول العربية سيتراوح سنة 2030 بين 100 و133 مليار متر مكعب سنوياً.
وما يزيد المشكلة تعقيداً في دول مجلس التعاون أنه في مقابل محدودية الموارد المائية المتاحة، فإن حجم الطلب عليها يتزايد بشكل مطرد وبمعدل متضاعف من سنة إلى أخرى، نتيجة عدة عوامل على رأسها النمو السكاني السريع والزحف الحضري والمستويات العالية من الاستهلاك الفردي من الماء. ويتراوح المعدل اليومي لاستهلاك الفرد من الماء في منطقة الخليج بين 300 و750 ليتراً، وهي المعدلات الأعلى في العالم كله. وتُعتبَر المصادر المتجددة من المياه في منطقة الخليج في الوقت الحالي أدنى من النسبة الحرجة البالغة 1000 متر مكعب سنوياً للفرد، والتي تُستخدَم كمؤشر إلى وجود أزمة مزمنة في المياه. ولا تزال الزراعة تمثل القطاع الرئيسي في استهلاك المياه في المنطقة، وذلك على الرغم من مساهمتها الهزيلة في إجمالي الناتج المحلي، حيث ازداد استهلاك المياه في الزراعة من 73.5 مليار متر مكعب في عام 1990 إلى 90 مليار متر مكعب في عام 2000. أضف إلى ما سبق أيضاً القلق على مستوى جودة المياه، التي في بعض الأحيان تكون دون المستوى المرغوب خاصة من بعض محطات التحلية التي تقادمت.
وبينما تحسن التركيز على دمج إدارة الموارد المائية، وهي عملية تأخذ في الحسبان الحصص المختلفة للقطاعات المتعددة في خطوات التخطيط المائي وخطط التنمية والإدارة، فإن المؤسسات التي تتعامل في الشؤون المائية تعاني من حالة ضعف عامة، ويعود ذلك إلى عدم كفاية القدرات التقنية وضعف التنسيق بين السلطات المعنية بالمياه حتى داخل الدولة الواحدة؛ حيث يتم التعامل في الوقت الحاضر مع ندرة المياه من خلال زيادة العرض بدلاً من الاهتمام بإدارة الطلب والتجميع القطاعي وتقنيات التسعير واتخاذ الترتيبات الإدارية المؤسسية الملائمة. يُذكَر أن رسوم المياه منخفضة جداً، ولا تعادل سوى 10 في المائة فقط من التكلفة، من دون تقديم حوافز للمستهلكين من أجل الاقتصاد في استهلاك الماء.
ولذلك من الضروري صياغة (سياسة مائية) خليجية واحدة، فعلى الرغم من أن المشكلة عامة بين دول الخليج وأسبابها مشتركة، فإن التعامل الخليجي معها جاء فردياً وليس جماعياً، وتتفاوت طريقة وأسلوب حل المشكلة من دولة إلى أخرى وفقاً لاعتبارات عديدة أهمها مدى تأثرها بالعجز المائي، ومدى مساهمة الموارد المتاحة لها في تغطية هذا العجز أو التقليل منه. وإن تشابهت الحلول فهو لتشابه المشكلة وليس لتنسيق أو عمل مشترك.
ونظراً لعدم وجود سياسة مائية واحدة، فإن ذلك انعكس سلباً على الموقف الموحد والجماعي من بعض المشروعات المائية التي اقترحت لتلبية الحاجات الخليجية والعربية من المياه، مثل خط (أنابيب السلام) الذي يفترض أن تنقل المياه بموجبه من تركيا إلى دول شبه الجزيرة العربية وإسرائيل، كما كانت هناك اقتراحات بنقل المياه من العراق إلى الكويت ثم تباعاً إلى بقية دول الخليج، وكذلك نقل مياه نهر النيل إلى غرب السعودية خصوصاً في فترات الفيضان وارتفاع منسوب المياه في النهر؛ ومثل هذه المشاريع بإمكانها سد الفجوة المائية الخليجية بسهولة، بيد أن هذا لا يعني إغفال التحفظات والمحاذير السياسية المحيطة بها.
وعموماً، يمكن القول إن الوضع المائي الخليجي لا يصب بحالته الراهنة في الرصيد الإيجابي للأمن الخليجي، وهو ما ينذر بمزيد من الخطورة في هذا الجانب الحيوي على المدى البعيد. وإذا كانت بعض مناطق العالم مرشحة لنشوب صراعات فيها بسبب المياه، وتحتل منطقة الشرق الأوسط مكانةً متقدمةً بين تلك المناطق، فإن الصراعات المحتملة في المنطقة ستكون بين أطراف عربية وأخرى غير عربية تتحكم بمصادر المياه؛ لكن الوضع الأخطر في منطقة الخليج هو أن التنازع حول المياه لن يكون مع طرف غير عربي يتحكم بالمياه المتاحة لدول المجلس، بل سيكون تنازعاً بينها وبين الطبيعة وهو بالتأكيد أشد تعقيداً وأكثر تهديداً.
ونتيجة لذلك، يجب على دول مجلس التعاون أن توحّد جهودها وسياساتها وإجراءاتها باتجاه عمل مشترك بهدف التصدي لمشكلة المياه؛ فهي ليست مشكلة بيئية فحسب، بل هي مشكلة متعددة الأوجه سواء سياسياً أو اقتصادياً أو بيئياً، بل يمكن القول إنها صراع من أجل البقاء.

مجلة آراء حول الخليج