array(1) { [0]=> object(stdClass)#13009 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

التعليم العالي ومعايير الجودة

الإثنين، 01 أيار 2006

بالرغم من حداثة قطاع التعليم في دول مجلس التعاون الخليجي، والذي لا يزيد عمره على الثلاثة عقود بكثير، فإن اهتمام القيادات السياسية وتأكيدها على أهمية التعليم في هذه الدول جعلا هذا القطاع يحقق قفزات كمية ونوعية متميزة. فمن الصفوف البدائية وحلقات تحفيظ القرآن الكريم في المساجد وأعداد محدودة جداً من المتعلمين، تفيد آخر الإحصائيات المتوافرة بأن هناك ما يزيد على ستة ملايين طالب من مواطني دول المجلس مسجلين في المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية، ونحو سبعمائة ألف مسجلين في التعليم العالي. أضف إلى ذلك وجود مؤسسات تشرف على عملية التعليم وتنظيمها مثل وزارات التربية والتعليم العالي والجامعات ومؤسسات التعليم الفني والكليات والمعاهد والمجالس والهيئات المهتمة بشؤون التعليم.
إلا أن الكمال يبقى غاية لا تـُـطـال، وخصوصاً أن التعليم، شأنه شأن العديد من القطاعات الأخرى، يظل دائماً بحاجة إلى المراجعة والتقييم والتطوير؛ فتحقيق مستويات عالية على صعيد جودة التعليم تسعى إلى جعل مخرجاته تتوافق واحتياجات سوق العمل سيساعد أبناءنا في الوقت نفسه على التكيف مع متغيرات العصر المتسارعة ومواجهة تحدياته والاستفادة من فرصة تمثل الأسس الراسخة التي تقوم عليها التنمية الشاملة.
وقد تجسد اهتمام الجامعات الخليجية بالارتقاء بمستوى التعليم من خلال الحصول على الاعتماد الأكاديمي وعقد المنتديات العلمية، وحصلت العديد من الكليات في الجامعات الخليجية مثل جامعة الإمارات وجامعة البحرين وجامعة السلطان قابوس وجامعة الكويت على الاعتماد الأكاديمي من مؤسسات أكاديمية عالمية مرموقة.
لكن انطلاقة الجامعات الخليجية على درب الارتقاء والازدهار أصابتها بعض المعوقات التي تعترض طريقها؛ وكان من أهم هذه المعوقات تواضع مستوى التزام العاملين في السلك الأكاديمي بمعايير الجودة المقررة في الدوائر الأكاديمية وعدم الجدية في الالتزام بما تتطلبه الجودة من رقابة لتحقيق الأهداف المنشودة، وكذلك غياب التنسيق الجماعي والتنظيمي الذي يُعتبـَـر ضرورة من ضرورات الجودة في المنجزات الأكاديمية، وذلك بعدما حل محله التركيز على الإنجازات الفردية التي تحظى بعناية أكبر. ومما لا شك فيه أن عدم اكتمال اللوائح والتشريعات الخاصة بالهياكل على الصعيد الأكاديمي أوجد حالة من الضعف من حيث الالتزام بالمعايير الأكاديمية المطلوبة. ولا ننسى في هذا السياق مركزية القرار التعليمي وانحصاره في يد مسؤولي الوزارات، الأمر الذي واكبه عدم تبلور قضية استقلالية الجامعة في اتخاذها للقرارات المناسبة، وفاقم من ذلك ضعف مستوى التحصيل لدى الطلبة وقلة المراجع العلمية.
إن الغموض الذي يكتنف مفهوم الجودة في المجالات التعليمية أدى بدوره إلى وجود حالة من الارتباك في الهياكل التعليمية إزاءه، وأسهم في ذلك عدم وجود إدارة قوية مثابرة بشكل يكفي لتكون واعية بمتطلبات الجودة، ويتسع صدرها لمتطلباتها الكثيرة التي تشمل في ما تشمل ضرورة تمهيد الأرضية لها من خلال إزالة مختـلف المعوقات التي تعترض طريقها، باعتبار ذلك شرطاً لا بد منه كبداية للانطلاق نحو تحقيق الجودة التعليمية في الجامعات الخليجية؛ فمراعاة الاحتياجات الحقيقية للتنمية ومتطلباتها، ثم السعي بعد ذلك إلى مواءمة اللوائح والمقررات التعليمية لتلبيتها يبقيان دائماً أحد أهم شروط النجاح في هذا المضمار.
ويبدو أن ضعف الوعي بأهمية الجودة في أوساط المؤسسات ولدى مختلف الفاعلين الأكاديميين أوجد حاجة ملحّة لبث هذا الوعي في مختلف مؤسساتنا التعليمية والبحثية. وفي هذا الإطار، لا بد من عقد المنتديات والحلقات الدراسية بشكل منتظم لنشر قيم الجودة وثقافة التقييم الذاتي؛ ثم إن ضبط معايير اختيار المسؤولين الأكاديميين من عمداء كليات ورؤساء جامعات يتطلب مراعاة ضرورة تحليهم بقوة الإرادة والمثابرة والصبر، كما دلّت على ذلك التجارب الناجحة التي أظهرت دور القيادة التعليمية الأساسي في تحقيق الجودة. لذا يأتي العمل على تنمية الموارد البشرية اللازمة وتشكيل هيئة أكاديمية تختص بتقويم جودة الخدمات التعليمية والإدارية كأحد الشروط الضرورية في هذا النطاق.
إن بذل الجهود من أجل تكوين قاعدة بيانات لتوفير المعلومات الضرورية حول الخدمات التعليمية سيسهم بلا شك في اتخاذ القرارات السليمة والنافعة من أجل مستقبل العملية التعليمية ونجاحها.
ومن الضروري كذلك منح صلاحيات كافية لأصحاب القرار التعليمي والابتعاد عن المركزية مقابل عدم وضع حدود بين قسم علمي وآخر داخل الكلية الواحدة، لأن التعاون والتكامل أمران في غاية الأهمية لتحقيق الجودة المطلوبة.
وبالنظر إلى واقع ومستجدات المشهد التعليمي الخليجي، عمل مركز الخليج للأبحاث، ويستمر في العمل حثيثاً، على المساهمة في تطوير القطاع التعليمي في المنطقة، وذلك من خلال عقد المؤتمرات، وتنظيم الحلقات الدراسية، وتخصيص برنامج بحثي شامل للاهتمام بالبحث في أبرز قضايا التعليم؛ ويوفر المركز مكتبة إلكترونية ضخمة مزودة بأعداد كبيرة من الكتب والدوريات التي تتناول جملة من التجارب التعليمية والتطبيقات العلمية التي تعرفها منطقة الخليج.
وبالطبع، تبقى متطلبات أخرى في سبيل بلوغ هدف الجودة المنشود، فتكثيف استخدام التكنولوجيا في التعليم وتشجيع العمل بروح الفريق داخل الأوساط الأكاديمية، وقناعة الأكاديميين بضرورة مواكبة المستجدات وتحديث معلوماتهم، والمشاركة الفعـّـالـة في البحث العلمي والدراسات، ستكون لها نتائج إيجابية هائلة على مستوى العملية التعليمية ومخرجاتها ككل. وينبغي في هذا السياق بذل الجهود في سبيل تبادل التجارب والخبرات بين الجامعات الخليجية وعدم الاقتصار على الخبرات المتوافرة لدى الجامعات الأجنبية.
وأخيراً، فإن التنسيق بين مؤسسات التعليم العالي وقطاعات التنمية المختلفة قد يكون بداية حقيقية لملامسة التعليم لواقع الحال والإطلاع على الاحتياجات المباشرة، وربما عقد ندوة سنوية مشتركة بين المسؤولين من الطرفين لتبادل وجهات النظر بما يخدم عملية التطوير المتكامل للموارد البشرية التي هي غاية التنمية ووسيلتها.

مجلة آراء حول الخليج