array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

التوافق الوطني في البحرين : مقترحات وتوصيات

الخميس، 01 أيلول/سبتمبر 2011

يشهد العالم العربي تطورات وتحولات مذهلة لا يعرف مداها، كما لا يعرف إلى أين ستقوده؟ وما يمكن أن تفرزه من معطيات ثقافية جديدة، قد تقود إلى مزيد من تقسيمه إلى دويلات صغيرة بتسميات جديدة، وقد يغلب عليها الطابع الإثني، وفي ذلك خطورة كبيرة تهدد الأمن القومي العربي بل التاريخ العربي نفسه في أجواء دولية تسيطر عليها المصالح، وتدفع إليها دعوات هنا وهناك لتحقيق مصالح فئوية ضيقة أو إثنية عديدة، ستكون حتماً خاسرة ضمن الخسارة المجتمعية للعالم العربي إذا لم يفرز هذا التغير فلسفة جديدة تكون قادرة على دفع العرب إلى بناء الدولة المدنية، ولعل هذا الأمر يشكل الجزء الأكبر مما يعول على هذه التحولات التي يباركها كل عاقل على طريق العدالة والمساواة وبناء الدولة المدنية المنتجة متفاعلة مع عالم لم يعد الانفتاح والتواصل الثقافي فيه يقع خارج نظرية إنسانية جديدة بعيده عن العنصرية وعابرة للأيديولوجيات والإثنيات ساعياً إلى تحقيق كرامة وحرية الإنسان، ولهذا ينبغي أن نفهم بل أن نسعى إلى جعل ما يجري في المجتمع العربي من ثورات شعبية تسير في هذا الاتجاه وإلا عاش العالم العربي مزيداً من التقسيم ومزيداً من التدخل الخارجي وربما في نهاية المطاف سيخضع إلى اجتياح خارجي ينهي كل الطموحات والأهداف التي يسعى إليها المواطن العربي بشتى تنوعه الإثني، وعلى العرب أن يدركوا ذلك لأن رياح هذا التغير ستجتاح كل الوطن العربي ومحيطه الإقليمي.

تبقى مطالب الشعب البحريني مطالب مشروعة في بناء دولة ديمقراطية قائمة على أساس المواطنة الحقيقية

إذاً لا بد من إجراء إصلاحات سريعة تضع في عين الاعتبار كرامة وحرية الإنسان في المقدمة، لذا فإن ما يجري اليوم في كثير من الدول العربية لا يمكن عزله عن الواقع الثقافي والاجتماعي في منطقة الخليج العربي، إلا أن الذي يميز هذه المنطقة عن بقية البلاد العربية، أن قادتها ومجتمعاتها استطاعت تحقيق قفزات نوعية في التطور العمراني والمدني واستطاعت السياسات فيها إشباع الجزء الأكبر من حاجات مواطنيها، وعلى الرغم من ذلك لا تخلو هذه البلدان من مشكلات اجتماعية وثقافية، وما مشكلة البحرين إلا مثال ماثل أمام الجميع، وهذه المشكلة ليست وليدة اللحظة بل تعود إلى فترة طويلة من الزمن حيث كانت مدار خلاف بين شاه إيران وعرب الخليج، وقد كان موقف الملك فيصل (رحمه الله) في هذا المجال واضحاً، وقد استطاع شعب البحرين أن يحسم الأمر حينما صوت لمصلحة انتمائه العربي، وعليه ينبغي النظر إلى شعب البحرين بعين الأمل الكبير في انتمائه العربي أولاً والخليجي ثانياً، وهو كغيره من الشعوب العربية يستحق التقدير، لذا ينبغي حل مشكلته داخلياً وعن طريق إرساء قواعد العدل والمساواة، فقادة البحرين وشعبها قادرون على تحقيق التوافق الوطني وإعطاء المواطن البحراني حقوقه الكاملة، وتحت لائحة المواطنة الحقيقية وهي مسألة صعبة، لاسيما إذا توفر الدعم الاقتصادي الخليجي للبحرين من أجل إرساء قواعد الاقتصاد الوطني ومن ثم إرساء عملية سياسية قائمة على أساس الإنجاز والكفاءة بعيداً عن المحاصصة الطائفية، لأن البلد إذا دخل هذا المدخل، فإنه لن يحقق الدولة المدنية ولن يحقق أبناء أي طائفة فيه أي مكاسب وحقوق، ويتحول المجتمع إلى بؤر للصراع، وهو الذي يضر بالبحرين حاضراً ومستقبلاً، وعندئذ لا يستطيع أحد إخراج البلاد، مما ستكون عليه من جراء ذلك.

 أولاً: الحراك الاجتماعي والتوافق الوطني

التعاون والتغالب سمتان أساسيتان ترافقان حركة التاريخ الإنساني منذ الأزل، وعاش الإنسان صراعاً من أجل تحقيق فرص متقدمة من أجل حريته، وهكذا جاءت الأديان السماوية لتؤكد جميعها عبادة إله واحد وتحقيق حرية الإنسان وصون كرامته، وكذلك كانت ثورات الإنسان في العصر الحديث تهدف إلى تحرير الإنسان ونقلة من حالة التغالب إلى حالة التعاون والتوافق، وهكذا كان منطق الثورة الفرنسية والثورة الروسية وغيرهما، وبهذا المعنى يبقى الإنسان يعيش في صراع اجتماعي من أجل حياة أفضل، وعندما يستطيع الإنسان أن يرسي قواعد العدالة، فإن حالة الاستقرار والتعاون تبقى هي السائدة، والمجتمعات العربية الخليجية وخلال التاريخ الحديث، استطاعت أن تحقق مستويات عالية من التطور والرقي وتعطي حقوق المواطنة امتيازات لم تستطع دول عربية أخرى، (وهي تنهج النهج الاشتراكي) من الوصول إليها، بل إن معظم نظم هذه الدول قد تحولت من المرحلة الثورية إلى المرحلة الدكتاتورية الظالمة، ولم يكتفوا بذلك إنما لجؤوا إلى نظام التوريث وعلى مرأى من عيون شعوبهم وأيديولوجياتهم، كما أنهم قد أدخلوا العرب في أزمات حادة ومزقوا روابط الشعب العربي تحت صراعات واهية، لم يستفد منها سوى أعداء الوطن العربي، وما زالوا يستثمرونها حتى اليوم لتحقيق مصالحهم، وبطريقة مكشوفة واضحة، لذا كانت الثورات الشعبية العربية رداً شجاعاً على كل تلك الشعارات، وأن ما يجري في مملكة البحرين من حراك سياسي وثقافي يجب أن يأخذ الجانب الإيجابي في تطور البلاد وإبعادها عن متاهات البعد الطائفي، الذي لا يعرف أحد التكهن بنتائجه، وما تزال تجارب دول عربية عدة ماثلة أمامنا، فلم يجنِ منها أي شعب سوى الفوضى والكراهية، وهو ما يجب أن ينتبه إليه أبناء البحرين، وتبقى مطالب الشعب البحريني كغيره من الشعوب العربية مشروعة في بناء دولة ديمقراطية قائمة على أساس المواطنة الحقيقية، ويكون التمايز بين الأفراد والطبقات قائماً على أساس الإنجاز والكفاءة لأنه من دون هذا الطريق لا يمكن تأسيس الدولة المدنية المنتجة، وعلى البحرينيين بطوائفهم العمل من أجل تحقيق التوافق الوطني الذي يضع مصلحة المملكة واستقرارها وراحة أبنائها فوق كل اعتبار، لأن الرفاهية واحترام كرامة الإنسان تبقى مطلباً مشروعاً، وعلى البرنامج الحكومي تحقيقه.

ينبغي النظر إلى شعب البحرين بعين الأمل الكبير في انتمائه العربي والخليجي 

ثانياً: الحقوق المشروعة والتغير الثقافي

مع التسليم بالحقوق المشروعة للشعب البحراني في المساواة والحرية والكرامة، وحقه الطبيعي في تحقيق خطوات متقدمة لإقامة الدولة المدنية التي يتساوى فيها الجميع بغض النظر عن الدين والعرق والجنس، إلا أن ذلك لا يكون خارج فهم البعد الثقافي التقليدي الذي ما زال يؤثر في المؤسسات الرسمية وغير الرسمية في البلاد العربية، ومنها دول الخليج العربية، فالتحول الثقافي الذي حصل في المجتمعات الحضرية العربية، يعد تحولاً جزئياً نحو الثقافة الحضرية، وهذا التحول ما زال ناقصاً لأنه لم يقترن بحركة تصنيع وطنية حقيقية تنقل الإنسان نحو الحضرية، وقد أفرز هذا الواقع تداعيات وآثاراً في بنية هذه المجتمعات، فضعفت نسبياً الروابط القبلية لتحل محلها الانتماءات الطائفية وبعض الاتجاهات الفلسفية الدينية أكثر من الانتماءات الطبقية، أو الأنماط الحضرية العقلانية، ولا شك في أن ذلك قد ترك آثاراً كبيرة في بنية الدولة التي لم تكن سياساتها بمستوى المسؤولية في حساب حركة التحضر في البلاد العربية ومنها المنطقة الخليجية، وحالة البحرين جزء من هذا الواقع، لأن التغير الثقافي في المدن أفرز كثيراً من الإشكاليات التي تخص الطوائف في المجتمع الذي يقوم على هذا التعدد الثقافي المحلي، لذا يجب أن تكون معالجة هذه الإشكالية وفق نظرة ورؤية متفهمة وشاملة تقوم على أساس الالتحام مع الوعي المجتمعي، وتتخذ من الإصلاح الاقتصادي مساراً رئيسياً على أن يكون ذلك منوطاً بمساعدة دول مجلس التعاون الخليجي للبحرين في سبيل إجراء تنمية متكاملة، ويصبح التحول الثقافي لمصلحة الحقوق المدنية، ودافعاً للتوافق الوطني مع بقاء الثقافات الفرعية محترمه ومحمية من قبل الدولة، لأن الإشكالية التي تحكم العلاقة بين الحاكم والمواطن في أغلبها مشكلة ثقافية، وهو أمر طبيعي في ظل غياب الدولة المنتجة وغياب التنظيم الثقافي والاجتماعي الطبقي القائم على أساس التنافس الإيجابي من أجل تقدم البلد، وبدل وجود ذلك في مجتمعاتنا أصبحت هناك طبقة الفئة الحاكمة، هي الظاهرة في المجتمع، مما ولد صراعاً جديداً للمطالبة بالحقوق المشروعة، لكن هذه المطالبة جاءت عن طريق الطوائف والانتماءات الفرعية بدلاً من المطالبة بها عن طريق المنظمات الاجتماعية والمدنية والبرلمانية التي تمثل التوافق الوطني، وفي ذلك مردود سلبي على المجتمع والدولة معاً، لذا ينبغي إرساء نظام ديمقراطي قائم على الشفافية والصراحة نابع من ثقافة المجتمع وتاريخه، على أن تسبق ذلك إرادة سياسية في الشروع بنهضة علمية وصناعية على مستوى مجلس التعاون الخليجي تساهم في تحول ثقافي واجتماعي وإداري واسع النطاق يعزز قيم الانتماء الوطني ويدفع باتجاه المشاركة الفاعلة للمواطن في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وفق مبادئ الدستور واحترام إرادة القانون بما يحمي المجتمع البحريني ويصون حقوق مواطنيه.

ثالثاً: العدالة والمساواة أساس التوافق الوطني

المشكلة الأساسية التي يعيشها المجتمع العربي عامة والمجتمع الخليجي خاصة، هي هيمنة ثقافة القبيلة بشكل أو بآخر على عقلية الإنسان في المدينة المتحولة نحو الحضرية والحداثة، والمفروض عندما يتحول المجتمع من مجتمع قبلي إلى مجتمع حضري، أن يقوم على التعايش الحضري القائم على المكانة التي يحددها الإنجاز والكفاءة والابتكار العلمي والتكنولوجي ليكون مجتمع المدينة غير متجانس ومتنوعاً ثقافياً، وينتج تطوراً فلسفياً واجتماعياً تنتهي أو تضعف معه الانتماءات القبلية والطائفية والعرقية إلا في إطار الثقافة الفردية التي لا تؤثر على الغير، لكن الذي يحصل في مجتمعاتنا الحضرية على غير ذلك، ما تزال المدينة العربية ومنها الخليجية تعيش نوعاً من التداخل بين ثقافة القبيلة وثقافة المدينة، وخلال تعايش الإنسان في المدينة بدأ يفقد تدريجياً قوة انتمائه القبلي، وفي الوقت نفسه فشلت المدينة في أن تمنحه الاكتساب الثقافي الحضري، مما جعله يلجأ إلى انتماءات فرعية أخرى كالانتماء الطائفي والأيديولوجي أو البقاء في الحالة الوسطية وهو ما يعرف بالأغلبية الصامتة، إن ضعف البرامج التنموية ولاسيما في مجال التحول الصناعي أفرز عدداً كبيراً من العاطلين عن العمل، كما أن استقبال المدينة لمزيد من المهاجرين الريفيين دون قدرتها على استيعابهم ودمجهم في ثقافتها، مثل جزءاً حيوياً من المحنة التي يعيشها الإنسان العربي بشكل عام، لذا ينبغي العمل من خلال برامج حكومية وشعبية لتحقيق تنمية بشرية تلبي حاجات الإنسان، وتعمل على تمكينه في المجتمع على أساس العدالة والمساواة وجعله أكثر قدرة على التنظيم في حياته الاجتماعية والمهنية، كما ينبغي اتخاذ بعض الإجراءات لتعزيز ذلك:

1- على الدولة فهم تطلعات الجمهور المشروعة ومعرفة أبعادها الثقافية بغية وضع خطة متكاملة لمعالجة القضايا التي تحتاج إلى إصلاح بما يحقق السلم الاجتماعي ويحقق التوافق الوطني.

2- على الدولة والمجتمع المدني والمجتمع الأهلي وكل الهيئات بما فيها الهيئات الدينية أن تضع لائحة وطنية تضمن سلامة الوطن والمجتمع معاً، والاتفاق على الحوار الوطني الذي يضع مصلحة مملكة البحرين فوق كل اعتبار، وبما يضمن الحقوق والحرية للجميع.

3- إن بناء الدولة المدنية ينبغي أن يقوم على أساس التوافق الوطني، وأن تضمن الحكومة الحريات لجميع المواطنين وعدم اللجوء إلى العنف، وحل الإشكاليات عن طريق الانفتاح واتخاذ إجراءات إصلاحية في مصلحة الجميع بما يعزز التوافق الوطني.

4- العمل بكل الوسائل على ألا تأخذ الحالة البعد الطائفي، لأن ذلك يؤدي بالمجتمع البحريني إلى المجهول وربما يدخله في نفق لا يرى في نهايته النور، وعندئذٍ سيخسر الجميع، وتضيع فرص التطور، فالبحرين كلٌ في مركب  واحد وأي خلل فيه يلحق الضرر بالجميع.

5- ينبغي تعزيز الشعور لدى البحرينيين جمعياً بأنهم جزء من المنظومة الخليجية، وأنهم يمثلون مجتمعاً له خصوصية ثقافية، وأن مشكلاته ينبغي أن تحل أولاً ضمن البيت البحراني وثانياً ضمن البيت الخليجي، ولا سيما في مجال التحول التنموي وبناء النموذج الخليجي المميز.

 

مقالات لنفس الكاتب