array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

الإصلاح السياسي : سيف ذو حدّين في المنطقة العربية

الخميس، 01 أيلول/سبتمبر 2011

في ظل صعوباتها الاجتماعية - الاقتصادية الكبيرة، بدا أن أنظمة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أقرّت - وإن على مضض - بأنّه لم يبقَ أمامها من خيار سوى المثابرة على تحرير السياسة والاقتصاد. وأثبتت المنطقة، أنها أدركت المفارقات السياسية - الاقتصادية للعولمة، عندما بدأ العديد من أنظمتها بالتعامل معها بجدّية. بيد أن الديمقراطية، كما يفهمها الغرب، تُعدُّ (سلعةً نادرة) في الجزء العربي من العالم الإسلامي. مع ذلك، بدأت التعددية الحزبية تترسّخ بسرعة في مختلف أرجاء هذه المجموعة، المكونة من اثنتين وعشرين دولة. فعدد الانتخابات العامّة، التي تعدُّ شرطاً ضرورياً وغير كافٍ لإرساء الديمقراطية، تزايد بشكل كبير نسبياً في هذه الدول، منذ أواخر الثمانينات. وأصبحت الانتخابات اليوم أكثر تكرراً وانتظاماً، وتحوّلت إلى سمة مألوفة في المشهد السياسي الإقليمي، ما يدلل على وجود عملية تغيير بطيء، ولكنّه ملموس. ففي السنوات العشر، التي امتدّت بين عامي 1989 و1999، مثلاً، شهدت المنطقة أكثر من ثمانين عملية انتخابية؛ أي أكثر من مجموع الانتخابات، التي شهدتها المنطقة خلال السنوات الخمسين، التي سبقت عام 1989 (انظر الجدول 1). وفي القرن الحالي، نُظّمت انتخابات عامّة في الجزائر وأفغانستان والبحرين ومصر وإيران والكويت ولبنان وفلسطين وقطر والمملكة العربية السعودية وتركيا. وقد شهدت بعض هذه الدول، عمليات انتخابية للمرّة الأولى في تاريخها.

الديمقراطية التي يفهمها الغرب تُعدُّ سلعةً نادرة في الجزء العربي من العالم الإسلامي

حالياً، تُجرى انتخابات مهمّة، بصورة منتظمة، في أكثر من نصف الدول العربية، ما يؤثّر في الحياة السياسية لأكثر من 150 مليون مواطن عربي من المغرب إلى عُمان. وإذا أضفنا إيران وتركيا إلى هذه المعادلة، فإن مجموع عدد الأشخاص، الذين يتأثرون بالسياسات الانتخابية يزداد بنحو 130 مليون نسمة. وتنظِّم الانتخابات حالياً الحياة السياسية لأكثر من اثنتي عشرة دولة شرق أوسطيّة مسلمة، وسكانها البالغ مجموعهم 240 مليون نسمة.

جدول 1: عدد انتخابات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، 1989-1999

1989

1990

1991

1992

1993

1994

1995

1996

1997

1998

1999

6

4

3

10

6

4

7

12

9

5

15

المصدر: بيانات من عمل الكاتب (هل يتمقرط الشرق الأوسط؟)، الصحيفة البريطانية لدراسات الشرق الأوسط، 26/2/1999، 199-217.

ومع أن العديد من هذه العمليات الانتخابية يخضع لشروط محدّدة، وليس حرّاً تماماً بالمفهوم الغربي، إلا أن الانتخابات غدت من ثوابت المشهد السياسي الإقليمي، التي تحظى بترحيب واسع، والتي بدأت تلعب دوراً مهماً في تشكيل نقاشات (مؤيّدي الديمقراطية)، لدرجة أنهم باتوا يعتقدون أن (الانتخابات ستوسّع وستعمّق المشاركة السياسية والمساءلة الديمقراطية للدولة من جانب مواطنيها. كما أعربوا عن قناعتهم، بأن الانتخابات لا تمثّل فقط حجر الأساس في عملية التحوّل الديمقراطي، وإنما ستتحوّل، مع مرور الوقت، إلى محرّك رئيسي، يدفع نحو المزيد من الإصلاحات الديمقراطية).

لقد تجذّرت السياسات الحزبية في المنطقة، وبدأت الأحزاب السياسية في العالم العربي، الليبرالية منها والإسلامية، تُظهر قدرة متزايدة على تعبئة وحشد الجماهير. ففي المغرب، شارك نحو اثتين وعشرين حزباً في الانتخابات البرلمانية، التي جرت في عام 2002، بينما شارك في الجزائر في نفس السنة أحد عشر حزباً مسجّلاً رسمياً. وفي الانتخابات البرلمانية الأردنية، التي نُظّمت في يونيو 2003، شكّل عدد من الأحزاب (جبهات) انتخابية موحّدة، بدلاً من خوض الانتخابات بصورة فرديّة. كما تمكن الإسلاميون من المنافسة في المغرب والأردن، لكنّ نظام الضوابط الانتخابية منعهم من التحول إلى شركاء مسيطرين، ما سمح أيضاً ببروز قوى سياسية أخرى. وفي فلسطين، أحرزت حركة حماس الإسلامية الرافضة للاعتراف بإسرائيل، نصراً انتخابياً ساحقاً في الانتخابات البرلمانية العامّة، التي جرت في يناير 2006، ثمّ شَكّلت أوّل حكومة إسلامية للسلطة الوطنية الفلسطينية.

هذا، وسُجّلت إصلاحات سياسية مهمة في دول لم يكن من المتوقع أن تشهد مثل هذا التغيير. ففي أنظمة الحكم الملكي التقليدية، الموجودة في شبه الجزيرة العربية، مثلاً، لوحظ أن الإصلاح السياسي - الاجتماعي بدأ يكتسب زخماً متزايداً ترافق مع توسيع تدريجي لمساحة المشاركة السياسية. وفي الحقيقة، كان التغيير، الذي شهدته هذه المجتمعات مثيراً للاهتمام، لدرجة أن جون پيترسون  John Peterson، دأب على تسميتها (مجتمعات ما بعد التقليديّة).

فسياسياً، تتمتع البحرين وقطر وعُمان والكويت حالياً، بمشاركة شعبية فاعلة، في بيئة برلمانية متزايدة الترسُّخ والاتساع، كما جاهرت قيادات هذه الدول الأربع، بالحاجة لتوسيع القاعدة السياسية للتعدّدية الحزبية. ويجري الحديث اليوم في البحرين وقطر، عن الدمقرطة الكاملة، علماً بأنها ستُنجَز، طبعاً، تحت إشراف النخبتين الحاكمتين في هاتين الدولتين. كما بات البرلمان الوطني الكويتي، مؤسسةً سياسية عتيدة وكاملة الوظائف، تدفع بقوّة نحو تحرير القطاعين الاقتصاديين العام والخاص في الكويت. وفي الحقيقة، أثبت البرلمان الكويتي، أنه فاعل ومؤثر للغاية. فقد تدخل إثر رحيل الشيخ جابر الصباح ، في مسألة الخلافة التي طالما ظلّت حكراً على العائلة المالكة، ونجح في عزل وليّ العهد وأمير الكويت المعيّن،الشيخ سعد الصباح . وكما قالت مي يماني: (للمرّة الأولى صوّت برلمان عربي بالفعل ضدّ بقاء زعيم البلاد في منصبه، وفرض إرادته القاضية بانتخاب خلف له). وثبت أن هذا التدخل الجريء، كان مقدّمةً لمجموعة أكبر من المطالب التي رُفعت إلى العائلة الحاكمة، التي كانت بحاجة لموافقة البرلمان الرسمية على بديل الأمير المخلوع، لضمان شرعية استمرار حكم آل الصباح.

وتضمنت مطالب البرلمان شرعنة أحزاب سياسية بعينها، وفصل منصبيِّ رئيس الوزراء وولي العهد (وكانا تقليدياً بيد نفس الشخص، لضمان بقاء السلطة السياسية بيد العائلة الحاكمة)، والنظر في تعيين رئيس للوزراء من خارج عائلة الصباح. لذا، كانت السيدة يماني محقِّة في وصف وضع الكويت بأنه بلدٌ (ثوري). ثمّ استمرّت هذه العملية (الثوريّة)، بفضل سلوك الكويتيين أثناء الانتخابات البرلمانية، التي جرت في يونيو 2006؛ حيث تنافس 249 مرشحاً على خمسين مقعداً (من أصل 65)، كان بينهم ثمان وعشرون امرأة، وأفضت نسبة المشاركة المرتفعة بواقع 65 في المائة إلى تشكيل برلمان إصلاحي بامتياز.

كذلك الأمر، ناقشت المملكة العربية السعودية علناً، مسألة إدخال إصلاحات سياسية واسعة، وإن بشكل تدريجي. وكخطوة أولى مهمّة، أعلنت المملكة عن تنظيم انتخابات بلديّة مباشرة في أواخر عام 2004، لتوسيع (مشاركة الشعب في إدارة الشؤون المحلية، عبر الانتخابات المباشرة، ومن خلال تفعيل دور المجلس البلدي). وجاء ذلك بعد مرور عقد على تعليقات للعاهل السعودي، أعرب فيها عن اعتقاده بأنّ الانتخابات تتنافى مع النظام الإسلامي. وفي التاسع والعشرين من نوفمبر 2003، وافق العاهل السعودي الراحل، الملك فهد بن عبدالعزيز ، على مبادرة إصلاحية مهمّة أخرى، قضت بتوسيع الصلاحيات التشريعية لمجلس الشورى، المؤلَّف من مئة وعشرين عضواً.

وكان الملك فهد قد تحدّث عن السير على درب الإصلاح السياسي والإداري. إذ قال في مايو 2003: (سنوسّع نطاق المشاركة الشعبية وسنفتح آفاقاً جديدة للمرأة في مجال العمل). والأهم من ذلك في هذا السياق، هو حقيقةُ أن الملك فهد قال: (حتى المملكة - قلب العالم الإسلامي. ومهد العروبة - لا يمكنها أن تتطور وهي في عزلة)، وأضاف: (نحن جزء من هذا العالم، ولا يمكننا أن ننفصل عنه).

ومن أبرز الأمثلة على هذا التغيير، موقف أمير دولة قطر ( الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني )، الذي بدأ منذ التسعينات، بالدفع باتجاه التعددية الحزبية، راهناً مستقبل نظامه بنجاح عملية الإصلاح السياسي والاقتصادي. وأثناء الجلسة الحادية والثلاثين لمجلس الشورى القطري، قال الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني: (إن التميُّز والإبداع يتطلبان مناخاً سليماً، تزدهر فيه حرية التعبير والشعور بالانتماء للوطن. ولن يتأتى ذلك، إلا من خلال مشاركة الشعب في عملية صنع القرار). بعبارة أخرى، أكّد أمير دولة قطر، أن التنمية الاقتصادية والتعددية الحزبية، لن ينجحا إلا في بيئة سياسية شفافة ومنفتحة.

صحيحٌ أن الأمير القطري حافظ على علاقاته الوثيقة مع الداعم الخارجي لنظامه، وهو ما أُحرز بالدرجة الأولى، من خلال تعزيز العلاقات العسكرية والأمنية مع الولايات المتحدة، إلا أنّه أقام، في الوقت ذاته، دعامةً داخلية قويّة لشرعية نظامه. وقامت هذه الدعامة على قاعدة المشاركة السياسية، التي من خلالها سيتمتع المواطنون القطريون، في النهاية، بحماية القانون، وبحرية التعبير عن الرأي، وباختيار ممثليهم في برلمان ينتخبون كلّ أعضائه. وأُدخلت هذه الإصلاحات في سياق الدستور الجديد، الذي حظي بترحيب واسع وتعهّد بـ (فصل السلطات وتأسيس برلمان منتخَب)، وضمان (حريّة التعبير، وتحرير الأسواق الاقتصادية والمالية). إذاً، تمّ إدراك حقيقة أن العولمة خلقت روابط عضويّة بين السياسة والاقتصاد، وتم التصرّف على أساس هذه الحقيقة.

وتُعدُّ تجارب قطر والبحرين والكويت وعمان والمغرب والأردن، أمثلةً واضحة على النجاح في الحفاظ على الداعم الخارجي، بالتوازي مع إدخال تغييرات محسوبة في العلاقات القائمة بين النخب الحاكمة وشعوبها، أفضت إلى تعزيز الدعامة الداخلية لشرعية النخب الحاكمة. فهذه الدول الستّ، تُقيم علاقات أمنية وثيقة مع الولايات المتحدة وتنخرط في شراكات مهمّة مع الحلفاء الأوروبيين لواشنطن.

ومع أن قطر والبحرين ليستا الدولتين الوحيدتين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، اللتين ردّتا على مفارقة العولمة، إلا أن رزمتيهما التقدّميتين من التدابير الإصلاحية، أدّتا إلى تصنيفهما ضمن مجموعة صغيرة من دول المنطقة، التي أفضت ردودها على مفارقة العولمة، إلى إصلاحات سياسية واسعة. بيد أن زخم الإصلاح في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، اشتدّ سنةً تلو الأخرى، بفضل طبيعة أولويات دول المنطقة والضغوط الخارجية، التي فُرضت عليها، منذ أحداث الحادي عشر من سبتمر، لحملها على اللحاق بقطار الدمقرطة، الذي انطلق في التسعينات.

لكن اللافت في سياق عملية بناء المؤسسات وتطبيق الشريعة الإسلامية، هو حقيقةُ أن دول الخليج العربية استمرّت في استخدام النموذج التشاوري التقليدي، كوسيلة لإدخال الإصلاحات المؤسساتية. فكما رأينا، تتمتع الكويت، منذ فترة، بأفضليات امتلاك برلمان عتيد، بينما تبنّت البحرين وقطر وعمان والمملكة العربية السعودية رسمياً، النموذج التشاوري التقليدي، عبر تأسيس مجالس الشورى، كوسيلة رئيسية لإدخال الإصلاحات السياسية؛ علماً بأن رزمة الإصلاحات الداخلية، واكبت التغييرات الدستورية في البحرين وقطر، ما أوجد بالنتيجة، إطاراً إضافياً قرّب بين النموذجين التقليدي والغربي لتنظيم الحياة السياسية وعملية المشاركة فيها. كما أن منح الكويت حق التصويت لمئتي ألف رجل وامرأة من مواطنيها؛ حيث مارست النساء هذا الحق لأوّل مرة في الانتخابات البرلمانية، التي جرت في إبريل 2006، مؤشّر واضح على تداعي الحواجز التقليدية، وتفعيل دور المواطن الكويتي في الحياة السياسية، بغض النظر عن جنسه. لكن كما قال نونيمان  Nonneman، فإن الإصلاح واللبرلة لا يمثلان الدمقرطة، و(لا يقودان إليها بالضرورة).

بالمقابل، في الوقت الذي يتسع فيه نطاق ممارسة الانتخابات والسياسات الحزبية، تتعلّم القوى السياسية في العالم العربي، كيفية تطبيق قواعد اللعبة الديمقراطية بصورة صحيحة، فعندما تظهر تجاوزات انتخابية تميل هذه القوى بشكل متزايد إلى اللجوء للقضاء، لكي يُنصفها. وبالتالي، يبدو أن جميع الأطراف السياسية معنيّةٌ بتفادي تكرار الحالة الجزائرية؛ حيث أشعلت (التجاوزات الانتخابية)، حرباً أهلية دامية وطويلة الأمد، بين القوى الإسلامية والنظام الحاكم.

بدوره، يعزّز اللجوء للقضاء الاعتراف بحكم القانون، ويشجّع على ممارسته، بغضّ النظر عن عيوب نظام القوانين المعمول به ومدى سوء تطبيقه. لكنّ النخب والأنظمة الحاكمة، التي تضع في النهاية كلّ القواعد الوطنية للسياسات الحزبية والانتخابية، تتعلم أيضاً كيف تحقق الأفضلية، من خلال التلاعب بهذه السياسات. فهي تفرض قواعد، تمكّنها من ضبط مشاركة القوى السياسية الأخرى، لمنعها من الوصول إلى سدّة الحكم. وفي الواقع، تستغل النخب الحاكمة القانون المدني أيضاً، من أجل التحكّم في مجمل العملية السياسية. وإذا استمرّت مثل هذه الممارسات، سيسهُل على النخب الحاكمة تحويل الخطوة الانتقالية نحو الديمقراطية، إلى عمليّة لترسيخ نظام (استبدادي منتخَب)، تصبح فيه الانتخابات مجرّد أداة تضليلية، لإخفاء عملية إلغاء اللبرلة. وتستخدم الأنظمة الحاكمة نفس الآلية، لإضعاف الأحزاب السياسية المتنافسة في الساحة السياسية الداخلية. إذ تستغل خلافات هذه الأحزاب، التي تبرز داخل الهيئات التشريعية، لممارسة سياسة (فرّق تسُد). وعندما تنجح القوى السياسية، الممثَّلة في البرلمانات، في تحقيق قدر من التعاون في ما بينها، فإن الأنظمة تركّز على تنفيذ (أجنداتها الإصلاحية)، عبر استغلال براغماتية هذه القوى، التي تتجلى، من خلال استعدادها لإيجاد تسويات تفاوضية. وتُعدُّ الأردن، وهي بلد صغير، ولكنه مهم في قلب الشرق الأوسط، مثالاً كلاسيكياً على هذه العملية.

مقالات لنفس الكاتب