array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 124

الدولة المحتملة بعد استفتاء كردستان العراق: الفرص والتحديات

السبت، 21 تشرين1/أكتوير 2017

ما أن بدأ العراق يشهد نهاية أزمة سقوط الموصل بيد تنظيم (داعش) بعد معارك عنيفة دخلت عامها الثالث، حتى استجدت أزمة جديدة قديمة فيه، تتعلق بالحلم الكردي لتأسيس الدولة القومية المنشودة، وإعادة تعريف العلاقة بين كرد العراق وباقي المكونات المجتمعية في هذا البلد، وتجسّدت أولى محاولات تحقيق هذا الحلم باستفتاء تقرير المصير الذي حصل في الخامس والعشرين من أيلول- سبتمبر 2017م، هذا الحدث الذي أعاد خلط الأوراق المحلية، فضلاً عن دول المحيط الإقليمي، وخاصة تلك التي تتشارك مع العراق بوجود المكون الكردي، وشغل هذا المكون حيزًا من مساحتها الجغرافية .

أتى سعي القيادات السياسية الكردية وعلى رأسها رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني إلى انتهاج طريق الانفصال عن الدولة العراقية بعد الشعور بعدم إمكانية الاستمرار كجزء من دولة تملؤها المشكلات السياسية والأمنية والاقتصادية، التي لم تكن (داعش) أولها ولا يبدو أنها آخرها حسب رؤية هذه القيادات، ومحاكاةً لرغبة صعود قطار القومية الذي لم يركبه الشعب الكردي عبر الحقب التاريخية الماضية، الأمر الذي تفاعل مع اختلالات العملية السياسية في العراق بعد 2003م، ورخاوة النظام الإقليمي في الشرق الأوسط، إضافة إلى محاولة الاستفادة مع عملية إعادة خلط الأوراق بعد الفوضى التي شهدتها المنطقة في العقد الحالي، الأمر الذي أتى بردود فعل إقليمية معاكسة ومعرقلة لمحاولة تأسيس الدولة الكردية، لاسيما من تركيا وإيران والنظام السوري، والحكومة المركزية في بغداد .

الوضع القانوني لاستقلال كردستان العراق

يعد الاستفتاء دستوريًا من وجهة نظر منظميه، الذين انطلقوا من كفالة الدستور العراقي حق التعبير عن الرأي، الأمر الذي لا يبرر بالضرورة إمكانية فصل جزء من جسد الدولة، إذ ليس من المنطقي لدستور أن يسمح بتقسيم الدولة التي ينظم شؤونها، لكن يمكن تفسير ما يحصل خارج النصوص القانونية وفق الواقعية السياسية، التي تقوم على أساس وجود قوة نحو تأسيس دولة مستقلة كردية، تحقق مصلحة أو أكثر، لهذه الدولة وللداعمين لها في المستقبل المنظور والبعيد.

جار جديد غير مرحب به

سبقت بعض ردود الفعل على الاستفتاء من الدول المجاورة الحدث، إذ عبّر ممثلو السياسات الخارجية في إيران وتركيا عن رفضهم لهذا الإجراء، وابتدأ الرد بتصريحات صحفية لناطقين رسميين ووزراء خارجية، وتطور مع مرور الوقت إلى التلويح بقطع خط تصدير النفط الكردستاني عبر منافذ تركيا وإيران، والقيام بمناورات عسكرية مشتركة على جبهاتها المواجهة لكردستان العراق، مع الإعلان عن الاستعداد لاستخدام الوسيلة العسكرية لمنع انفصال الإقليم عن العراق، وانتقال التصريحات إلى أعلى المناصب في الدولة.

واتفق الجميع على ضرورة التنسيق مع العراق بشأن العقوبات المقترحة ضد كردستان، مثل الشروع بإدارة الحدود مع حكومة المركز في بغداد والسعي نحو تفعيل منافذ حدودية جديدة بين الدولتين والعراق خارج حدود سيطرة كردستان، على الرغم من أن حجم التبادل التجاري قبل الأزمة وصل إلى مليارات الدولارات الأمريكية، وإن تطبيق هذه الإجراءات جميعًا لا ينبع من خشية إيران وتركيا من الجار الجديد المحتمل، وإنما من تأثيراته على مجتمعاتها متعددة الأعراق والملل كإيران وتركيا وسوريا كذلك.

حلم الاستقلال ممكن أيضًا خارج كردستان العراق

        تنشط في كل من إيران وتركيا وسوريا جماعات كردية، تسعى إلى تأسيس كيان مستقل في إطار أو خارج هذه الدول، لكن ذلك لا يعني أن جميع المنتمين إلى القومية الكردية يحملون نفس الحماسة لفكرة الاستقلال كما في حالة العراق، والأمر هنا يتعلق بتطورات التاريخ وسياسات التعامل مع متطلباتهم في كل دولة ومدى الاستقرار السياسي والاقتصادي وغيرها من العوامل، ومن الجدير بالذكر أن كلاً من تركيا وإيران تحتويان عددًا يفوق عدد الكُرد في العراق كما يبينه الجدول التالي:

جدول يوضح عدد الكُرد بالنسبة إلى مجمل سكان الدولة في العراق وتركيا وإيران وسوريا

الدولة

عدد السكان الإجمالي بالملايين

عدد الكُرد بالملايين

النسبة من عدد السكان %

العراق

32

5.5

17.5

تركيا

81.6

14.7

18

إيران

80

8.1

10

سوريا

18

1.7

9.7

المصدر:

-         Council on Foreign Relations, The Time of The Kurds, on:

-         https://www.cfr.org/interactives/time-kurds?gclid=EAIaIQobChMI08GH8I3e1gIVi6MYCh0EhQB6EAAYASAAEgIiffD_BwE#!/?cid=ppc-Google-grant-kurds_infoguide-072715

ويتضح من خلال الجدول أن تركيا تحتوي النسبة الأكبر من عدد الكُرد، تليها إيران ثم العراق فسوريا، لكن لم تشهد الحركة الكردية فيهما تناميًا كما في الحالة العراقية، ويمكن تسليط الضوء على الحالة الكردية في كل من هذه الدول كما يلي:

الكرد في تركيا

 

يشكل الكُرد أكبر مجموعة عرقية في تركيا بعد الترك، ويعد حزب العمال الكردستاني PKK  الوجه الأبرز للنزعة الانفصالية الكردية في تركيا، على الرغم من وجود أحزاب كبيرة مؤيدة للكرد كحزب الشعوب الديمقراطية HDP إلا أنها لا تتبنى فكرًا انفصاليًا كحزب العمال الكردستاني، الذي كان موقفه من الاستفتاء غريبًا بعض الشيء، إذ صرَح قادته بأن الاستفتاء ما هو إلا محاولة للتقليل من شعبية الحزب في كردستان ورفع شأن قيادات أخرى كرئيس الإقليم مسعود البرزاني، وأن الطرق الديمقراطية والاستفتاءات لا تعد الوسيلة الأنسب لتأسيس الدول، وإنما القتال والنضال المسلح حتى ولو استمر مئات الأعوام، إلا أن بعض قادة الحزب أشاروا إلى موضوع الاستفتاء كحق طبيعي لأي شعب، وعمومًا لم تبد الأحزاب الكردية في تركيا اهتمامًا كبيرًا باستفتاء كردستان، لأنها تعتبر أن المفاوضات والممارسات الديمقراطية لن تجدي نفعًا، وأن السبيل الوحيد للانفصال وتشكيل كردستان الكبرى هو النضال المسلح، وترتبط هذه العقيدة بالجذور الماركسية لحزب العمال الكردستاني، الذي يتفق مع أحزاب كردستان العراق في هدف الانفصال وتكوين الدولة، ويختلف معها في السبيل لتحقيق هذا الهدف.

الكرد في إيران

كان انعكاس استفتاء كردستان واضحًا في مناطق الكرد في إيران، فقد احتفلت مجموعات كبيرة من الكرد في مناطقهم المحاذية للحدود العراقية الإيرانية، وهي التي أشعلت شرارة تأسيس الكيان القومي الكردي منذ ثورة سمكو (1981-1922م)، مرورًا بأزمة 1946م، ومن ثم الثورة الكردية عام 1967م، وتأسيس (جمهورية مهاباد) التي عرفت بأول جمهورية كردية مستقلة، مرورًا بالتمرد الكردي بعد الثورة الإيرانية عام 1979م، وانتهاءً بتمرد حزب (الحياة الحرة PJAK) التابع لحزب العمال الكردستاني PKK بين عامي 2004-2011م، واستمرار هذا التمرد حتى الساعة.

ولكن من ناحية أخرى لا يخفى مدى التقارب اللغوي والثقافي الكبير بين الكرد والفرس، حتى إن بعض المفكرين والعلماء وصفوا الكُرد بأنهم  (بدو الفارس) وهو ما أورده الطبري وابن خلدون في كتبهما، ويحظى الكرد بمعاملة جيدة قياسًا بباقي المكونات غير الفارسية، حتى في تسمية إحدى المحافظات بـ(كردستان)، وهو تفضيل لم تحظ به أقليات عرقية أخرى كالعرب في منطقة الأحواز على سبيل المثال، إلا أن شواهد التاريخ تفيد بأن أولى شرارات الانفصال الكردي عن جسد الدولة المقيمين فيها بدأ من الكٌرد في إيران، وقد يحفز استفتاء الانفصال في العراق على القيام بمثله في إيران.

الكرد في سوريا.

        رحّب الكرد في سوريا بما حققه ولا يزال إقليم كردستان العراق في طريق تحصيل الحقوق القومية للشعب الكردي، وسبقت الإدارة الذاتية في شمال سوريا التي أسستها (وحدات حماية الشعب) التنظيم الكردي المسلّح المدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية إجراء استفتاء كردستان العراق بإجراء انتخابات بلدية لأول مرة في شمال سوريا لاختيار مجلس للحكم الذاتي في المناطق الخاضعة لسيطرة (وحدات حماية الشعب)، التي أعلن قادتها عن ترحيبهم باستفتاء الانفصال الكردي عن العراق واستعدادهم للدفاع عنه، والمطالبة بحكم ذاتي في مناطق شمال وشرق سوريا، مستفيدين من ضعف سيطرة النظام السوري على مناطقهم والدعم الذي تقدمه لهم الولايات المتحدة الأمريكية في إطار حربهم ضد الجماعات المتطرفة في سوريا .

مستقبل الكرد في محيط كردستان العراق

يرتبط مستقبل الكرد عمومًا بمستقبل بقية المكونات القومية والاجتماعية بتنوعاتها في الدول المتواجدة فيها، إذ لا يمكن فصل الحالة الكردية عن الحالة المجتمعية العامة، سواء في إيران أو تركيا أو سوريا، ويمكن توضيح ذلك بتقسيم الحالات حسب الدول إلى ثلاث مجموعات، كما يلي:

  1. تركيا، التي لا تزال تعيش حال الطوارئ بعد محاولة الانقلاب، وتستنهض جميع قواها لردع أي محاولة للتأثير في وحدتها الوطنية ومن ضمنها أي دعوة للتفاعل مع استقلال كردستان العراق.
  2. إيران، ويبدو الوضع فيها آيلاً إلى التغيَر على وقع التوترات الظاهرة في الأفق مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، الذي لوّح في أكثر من مناسبة بعدم قناعته بالاتفاق النووي الذي أجرته القوى الكبرى مع إيران إبان مدة حكم الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، علاوة على البدء بعقوبات تجاه الحرس الثوري الإيراني، وما قد تسببه جميع هذه المتغيرات من مواجهة محتملة، والتي يرجح أن تستخدم فيها الورقة الكردية كعامل استنزاف لإيران.
  3. سوريا، التي بدأ مسار الحركة الكردية فيها يتضح بعد تأسيس وحدات حماية الشعب والإدارة الذاتية، وغيرها من مقومات الحكم الذاتي للكرد في تلك الدولة، وهو ما يقرّب مسألة استقلال الكرد أكثر فأكثر، ويجعل مسألة انضمام كردستان سوريا إلى كردستان العراق مرتبطة بنضج التفاهمات بين القيادات الكردية في المنطقتين المتجاورتين، خاصة وأن الدعم الأمريكي والتنسيق المشترك متوافر ومستمر.

ما المانع أمام تحقيق دولة كردستان الكبرى؟

        كانت الدولة الكردية الكبرى الجامعة لشتات الأمة الكردية بمثابة صرح ميثولوجي أو أسطوري Mythological، في مخيلة المقاتلين المحاذين لسلاسل جبال زاجروس وطوروس والضفة الشمالية الشرقية لنهر الفرات الواصلة بين جنبات كردستان التاريخية، لكن تطورات المراحل المتتالية إلى الآن جعلت الفرصة أكبر إلى التحقق عبر عدة عوامل هي:

  1. الجهود العلمية والأدبية والفكرية، التي بذلتها النخب الكردية المثقفة على مر العقود الزمنية الماضية وحتى الآن، من أدباء وشعراء وعلماء تاريخ وانثروبولوجيا ولغة وغيرها، في التنظير العلمي لمفهوم الأمة الكردية، وترسيخ إمكانية قيام دولتها في العقل الجمعي للشعب الكردي.
  2. الامتداد السكاني المتواصل للمجموعات الديموغرافية الكردية من شرق إيران إلى غرب سوريا، ومن وسط تركيا إلى شرق العراق، والذي يشكل إذا ما أزيلت الحدود كيان بشري متواصل يمكن أن يكون وعاءً سكانيًا لدولة قد يبلغ عدد سكانها 30 مليون نسمة، وهو ما يفوق عدد سكان دول مهمة في العالم كاستراليا التي يقل عدد سكانها عن أعداد سكان المجتمعات الكردية المتواصلة في الشرق الأوسط، ويشكل هذا الكيان أساسًا من أسس تشكّل الدول وهو العنصر البشري.
  3. الدعم الدولي وخاصة من الغرب للقضية الكردية، والتي أسهمت فيه اللوبيات الكردية، والذي انعكس عمليًا في دعم لقرارات دولية صادرة عن منظمات دولية كالأمم المتحدة، وتبنيها لمواقف تدعم القضية الكردية، مثل فرض مناطق حظر الطيران على العراق بعد 1991م، وما وفره ذلك من إمكانية بناء القدرات العسكرية الكردية في شمال العراق وتدعيم وجود قوات كالـ(بيشمركة) التي حظيت بدعم الغرب تسليحًا وتدريبًا في إطار الحرب ضد (داعش).
  4. المساحة الجغرافية الواسعة، والتي تحتوي الثروات الطبيعية الكبيرة في عموم جغرافية كردستان الكبرى والبنية الاقتصادية المتنامية (خاصة في كردستان العراق)، التي تشكل بداية لتأسيس اقتصاد قوي في حال قيام الدولة، يعتمد على بنية تحتية متنامية وموارد بشرية مناسبة للشروع بنشاط اقتصادي وإنتاجي متنوع، حسب الموارد والفرص الاستثمارية العديدة المتاحة في قطاعات الإنتاج والخدمات.
  5. اضطراب الشرق الأوسط عمومًا، وخاصة العراق وسوريا وإيران، وتركيا(بعد محاولة الانقلاب)، إذ بدأت القوى الكردية في العراق وسوريا بتأسيس كياناتها المستقلة نسبيًا ولا تحتاج سوى إعلان الاندماج لتشكيل دولة واحدة بعد الانفصال عن الدولتين، أما إيران فيبدو أنها على أعتاب مواجهة كبيرة مع الولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي يعرّض مستقبلها للخطر كما حصل مع العراق، وبذلك يفسح المجال واسعًا أمام القوى الكردية للشروع ببناء كيانها والانضمام ربما إلى كردستان الكبرى مع باقي الأجزاء، وتبقى تركيا التي تنتظر بدأت تجهز نفسها للتخلص من قيود اتفاقيات خسارة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، والتي بقيت في مواجهة مشكلات لم تنجح في تصفيرها، فهي لا تزال تصارع من أجل وقف المشروع الكردي، وربما لن تفلح في مواجهة المفاجآت التي يحملها مستقبل الشرق الأوسط، والتي لم تكن محاولة الانقلاب آخرها، ما قد يدفع بالقوى الكردية ذات الثقل السكاني والسياسي غير المستهان به إلى زيادة وتيرة السعي للالتحاق بباقي أجزاء كردستان الكبرى .

ولادة دولة مع عوامل فنائها المدمرة

        إن عوامل فناء الدولة تولد معها، وعند النظر إلى الحالة الكردية تظهر العوامل التالية:

  1. التنافس السياسي الداخلي بين القوى الكردية، سواء في إقليم كردستان أو خارجه، والتساؤل حول زعامة الدولة في حالة تشكّلها، وشكل الدولة وغيرها من القضايا، إذ لا تكاد تصل نسبة الكرد في كردستان العراق وسوريا ثلث العدد الإجمالي للكرد في دولة كردستان الكبرى في حال تشكّلها، ومن المعروف أن تاريخ العلاقات الكردية-الكردية لا يخلو من التنافس والصراع الدموي بين القيادات المحلية.
  2. الاختلافات اللغوية بين مكونات الأمة الكردية، إذ لا يتكلم الكرد لهجة أو لغة واحدة، بل إن هنالك عدة لهجات ولغات متداولة في مناطق كردستان المختلفة، كاللهجة السورانية المعتمدة رسميًا في كردستان العراق وخاصة في أربيل والسليمانية، إضافة إلى اللهجة البادينية في دهوك، واللهجة الكرمنشاهية التي تمتد من منطقة خانقين في الشرق إلى شمولها لأغلب كردستان إيران، أما في تركيا فتنتشر اللهجة الكرمانجية في مناطق الكرد، إضافة إلى مناطق شمالي سوريا مع وجود لهجات أخرى كالهورمانية والزازكية المنتشرة في المناطق الحدودية بين إيران والعراق وتركيا، الأمر الذي يثير التساؤل حول ماهية اللغة التي ستعتمد في هذه الدولة، وأي الثقافات المحلية سوف تطغى .
  3. المحيط المعادي للدولة، وخاصة من الدول المجاورة، التي كافحت بكل الوسائل اقتطاع جزء من أراضيها لصالح إنشاء دولة كردية أو استقلال، والمقصود هنا تركيا وإيران والعراق وسوريا، التي تستطيع عزل الدولة الكردية حال قيامها اقتصاديًا، وهو ما يعني تدمير البنية السياسية والعسكرية والخدمية في الدولة إضافة إلى الفشل الاقتصادي.
  4. عدم وجود ما يلزم القوى الكبرى التي تساند الكرد سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا باستمرار الدعم إذا ما تغيّرت الظروف، فمثلاً إذا ما خيرت الولايات المتحدة بين خسارة حليف مثل تركيا أو وحدات حماية الشعب في سوريا، فليس من المعقول أن تتنازل عن دولة كبيرة وعضوة في حلف الناتو وذات امتداد تاريخي في التحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية إبان الحرب الباردة وغيرها من المناسبات التي احتاجت الولايات المتحدة فيها داعمًا إقليميًا بوجه روسيا أو غيرها.
  5. التجارب التاريخية القريبة لفشل التجارب الانفصالية، وتأتي تجربة دولة جنوب السودان التي انفصلت عن دولة السودان بعد عام 2011م، بدعم غربي كبير جدًا، واحتواء الدولة على موارد طبيعية تؤهلها لتكون نموذج لدولة ناجحة، لكنها تشهد ومنذ عام 2013م، صراعًا دمويًا على السلطة ذو أساس قبلي وعرقي مدفوعًا برغبة جنرالات الأمس وقادة اليوم في الاستئثار بالسلطة.
  6. إن قطار التغيير الجديد الواصل حديثًا إلى الشرق الأوسط ليس لتأسيس دول قومية جديدة، لأنها موضة تلاشت منذ أمد بعيد، إنه قطار العولمة الذي لا يعترف بحدود، ولا يمانع الاندماج والترابط وفقًا لأسس السوق والنظام العالمي بخصائصه الحالية، التي لا تعترف بسيادة الضعيف، وتتحدى سيادة الأقوياء، لذا فإن التكتل والاندماج هو الخيار الأنسب من التفتت والتشظي الذي لا يعد حالة صحيّة ماضيًا أو حاضرًا أو مستقبلاً.

حال العراق والمنطقة بعد ولادة دولة كردستان

إذا ما نجح استفتاء كردستان العراق في تأسيس دولة جديدة أو لم ينجح في ذلك، فلن يستمر الوضع في العراق على ما هو عليه قبل 25 أيلول-سبتمبر 2017م، إذ ثمة تغيير كبير ستشهده العملية السياسية في العراق، وربما سيظهر تحالف وعقد اجتماعي-سياسي جديد تسير وفق بنوده الدولة العراقية في حال بقاء أو عدم بقاء كردستان العراق جزء منه، وهو ما يدفع إلى دراسة سيناريوهات المضي في تأسيس الدولة من عدمه وكما يلي:

  1. عدم الاستمرار بتأسيس دولة في إقليم كردستان العراق

بعد أن أصبح الاستفتاء واقعًا لا يمكن تجاهله، فإن التعامل مع نتائجه من قبل القوى السياسية في بغداد وفي أربيل تعد مسألة في ظل الضغوط الإقليمية والعراقية الرافضة له تستدعي التعامل بدقة في التقليل من تأثيراته السلبية على العراق وكردستانه، الأمر الذي يدفع إلى خيارين أساسيين يجب على القوى السياسية في العراق اعتمادها ويعدان بديلان للعنف، أولهما: إعادة القوى السياسية في بغداد للنظر في مجمل الأخطاء والسلبيات التي قادت إلى أزمة الاستفتاء الكردي ومن قبلها أزمات الإرهاب والنزاع الطائفي والفساد السياسي والإداري وغيرها، وبذلك سيتحتّم على جميع الأطراف السياسية داخل العراق إعادة صياغة قواعد اللعبة السياسية، وزيادة المساحة الحقيقية للمشاركة السياسية لجميع المكونات ومن ضمنها المكون الكردي والسني وغيره، وربما تأسيس أقاليم جديدة بهدف التقليل من حدة التناحر والاختلاف حول إدارة الملفات المحلية وعدم فرض وجهة نظر سياسية أحادية بعيدة عن المشروع الجامع لتنوعات المجتمع العراقي، أما ثانيهما: تنازل القوى السياسية العراقية عن مشروعها الطائفي والقومي، وكتابة دستور يضمن إجماع وطني مؤسس لدولة مدنية عراقية وقيام القوى السياسية بكسر معادلة المكونات في الدولة، وهو أمر يتطلب شجاعة قد لا تمتلكها أغلب النخب السياسية الحالية، وتحقيق هذا الخيار رهين بتدخل قوى داخلية أو خارجية تجبر الجميع على التسليم بعملية سياسية جديدة .

  1. تأسيس دولة كردستان في شمال العراق

الأمر الذي سيولّد هزّات سياسية واجتماعية كبرى داخل العراق ضد النخبة السياسية الحاكمة، لأنها ستكون أول قيادة سياسية في تاريخ هذا البلد عجزت عن الحفاظ على وحدة الدولة، وقد يشهد البلد فوضى عارمة وربما تدخلاً للجيش في الحياة السياسية وضبط الشارع بالقوة، أو قد يتقسم ما بقي من أرض العراق إلى دويلات في الوسط والغرب والفرات الأوسط والجنوب نتيجة ضغط القوى المحلية على حكومة بغداد وفقدان السيطرة على الأوضاع، وبذلك يفتتح المجال لمزيد من التدخلات وربما ضم أراض من العراق إلى أراضي دول مجاورة كتركيا وإيران وغيرها، ما يعني نهاية الدولة العراقية .

الخاتمة

        تبقى أزمة استفتاء إقليم كردستان سياسية وليست قانونية، في أسبابها وطبيعتها ونتائجها، فهي نتاج للطريقة التي بنيت عليها الدولة العراقية بعد 2003م، والتي شابتها الكثير من التناقضات والأخطاء المتشابكة مع جميع مراحلها، من تأسيس الجمعية الوطنية إلى كتابة الدستور والانتخابات المحلية والحكومية التي قامت على أساسه، وما أنتجته من واقع لا يتلاءم وطبيعة وتاريخ العراق، الدولة والمجتمع.

وبناء على ما تقدم فإن تأسيس دولة جديدة في إقليم الشرق الأوسط لن يغيّر كثيرًا من الاضطراب الذي يسوده منذ منتصف القرن العشرين، بل ربما سيفتح بؤرة جديدة للصراع والخلاف بين دوله، وتبقى الشعوب هي الدافع الأكبر لضرائب سياسات النخب المتنافسة في مجتمعات الشرق الأوسط، ويبدو المجتمع الكردي في إيران وتركيا وسوريا والعراق أصحاب نصيب كبير فيه، الأمر الذي يدعو إلى ضرورة إعادة التفكير والتأمل في الحلول قبل اختلاق مشكلات جديدة.

مجلة آراء حول الخليج