array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 124

رؤية تحليلية لمستقبل العراق: الفيدرالية السيناريو الأكثر واقعية وترجيحًا

الأربعاء، 25 تشرين1/أكتوير 2017

اعتقد الكثيرون أن العراق يتجه نحو الاستقرار وإعادة البناء والتنمية بعد القضاء على تنظيم داعش الإرهابي، إلا أن هناك الكثير من الخبراء والمحللين يعتقدون أن عراق ما بعد داعش سيكون أكثر صعوبة وتعقيدًا وأنه على موعد مع مزيد من الأزمات التي قد تفوق مخاطر التنظيم الإرهابي للدرجة التي يمكن أن تؤدي إلى احتمالية تقسيم البلاد عرقيًا وطائفيًا، بالإضافة إلى ما أعلنته منظمة اليونيسيف من وجود خمسة ملايين طفل عراقي تعلموا فى مدارس داعش خلال السنوات الثلاث الماضية وأنهم بمثابة "قنبلة موقوته" وهم في حاجة ماسة إلى عملية إعادة تأهيل , نفسياً ومعنوياً لمعالجة الأفكار الخاطئة التي تعلموها في تلك المدارس... وكذا انتهاز قيادات إقليم كردستان حالة الإضطراب الأمني والفوضى السياسية وبداية الانقسام الطائفي لإجراء استفتاء شعبى بالاقليم للانفصال و الاستقلال عن الحكومة الاتحادية في بغداد.

 

ولقد إتخذت قيادات الأكراد هذه الخطوة بعد إستغلالهم لمكاسبهم في الحرب على داعش وتوسيع رقعة الإقليم بنحو 50% عما كان عليه الوضع قبل الاجتياح الداعشي في يونيو 2014 م، من خلال ضم مدن غنية بمخزونات النفط والغاز وفي مقدمتها مدينة كركوك التي كانت تصدر منها أكثر من 300 ألف برميل نفط يوميًا ويوجد بها حوالى 40%من نفط العراق بالنظر لكونها تعد ثانى أكبر المدن المنتجة للنفط بعد الموصل، كما يوجد بها أيضًا نحو 70% من غاز العراق "فيما لايصدر إقليم كردستان ذاته أكثر من 250 ألف برميل نفط يوميًا"، بالاضافة إلى بعض المناطق الأخرى المتنازع عليها بعد عام2014م، كي تتمكن في ظل ذلك الوضع من إيجاد ضمانات للبقاء اقتصاديًا.

 

وفيما أظهر تأكيد رئيس إقليم كردستان "مسعود البرزانى"أكثر من مرة بأن جهود وتضحيات قوات البشمركة في محاربة داعش لن تذهب سدى وأن عراق ماقبل سقوط داعش لن يعود كما كان، رغم إدراكه التام بأن هذه الخطوه سوف تصطدم بمعارضة القوى السياسية العراقية من شيعة وسنة والأهم من ذلك الحكومة الاتحادية فى بغداد التى أعطت الإقليم فرصة كافية لإلغاء نتيجه الاستفتاء معتمدًا في ذلك على الدعم الأمريكى والإسرائيلي، وهو الأمر الذي قوبل بالرفض الكامل من جانب قيادات الإقليم بما اضطر القوات المركزية العراقية للتحرك واستعادة سيطرتها على كامل مدينة كركوك وغالبية المناطق الأخرى المتنازع عليها بعد سيطرة كردية عليها منذ عام 2014م، وسط اتهامات بالخيانة بين حزبي مسعود البرزانى وجلال طالباني، وتهديد من قيادات الإقليم للحكومة الاتحادية في بغداد بأنها سوف تدفع الثمن غاليًا وبالمحافظة على مكاسب الأكراد بالرغم من انتكاسة كركوك، وإصدار البرزاني بيانًا يؤكد فيه على صعوبة التعايش مع بغداد وأنها لن تتمكن من اعتقال نائب رئيس الإقليم الذي وصف القوات العراقية التي دخلت إلى كركوك بالمحتلة وصدور حكم قضائي باعتقاله.

 

وهو الأمر الذي يؤكد على أن مرحلة ما بعد داعش ستكون أكثر تعقيدًا في ظل تأمين معظم التكتلات السياسية لنفسها عسكريًا من خلال تكوين قوات موالية لها ووجود دعم إقليمى لكل تكتل من هذه التكتلات بما يمهد بإمكانية حدوث نزاع سياسي محتمل، وفي ضوء رفض تركيا بسحب قواتها العسكرية من بعض مناطق العراق فضلاً عن تحكمها بمصادر المياه النابعة من أراضيها... وفي ظل هذا الواقع العملي على الأرض، وعلى الرغم من الاستفتاء الكردي، وتحرير الجيش العراقي لكثير من المناطق المتنازع عليها، وتصريح رئيس الوزراء العراقي بأن استفتاء إقليم كردستان قد أصبح من الماضي، وبالإشارة إلى الضغوط الأمريكية على حكومتي بغداد وأربيل فإن أهم السيناريوهات المحتملة للعراق  لمرحلة ما بعد داعش تتبلور في الآتي:

 

*السيناريو الأول: الفيدرالية: وهو السيناريو الأكثر واقعية وترجيحًا "من وجهة نظرنا" حتى بعد عملية استفتاء إقليم كردستان على الانفصال وإستعادة الأراضى المتنازع عليها لسلطة الحكومة الاتحادية في بغداد، وتتمثل فى منح الأقاليم صلاحيات شبه مطلقة وهو أمر يتوافق مع مواد الدستور العراقي ويحبذه الجانب الأمريكي الذي يدرك أن القضاء على داعش دون سد الفراغ الأمني سوف يزيد من النفوذ الإيراني في العراق والمنطقة ... فيما ظلت أحلام إقليم كردستان بالاستقلال وتكوين دولتهم الكردية هي الفكرة المهيمنة والمسيطرة عليهم منذ عقود طويلة وهو ما يؤكده تصريح رئيس الإقليم مسعود البرزاني بأن العراق يجب أن يقسم إلى ثلاث دول شيعية وسنية وكردية بمجرد الانتهاء من الحرب ضد داعش .. إلا أن المشكلة التي كانت تشغل فكر ساستهم هي المناطق المتنوعة سكانيًا وعشائريًا والتي يرغبون في ضمها الى دولتهم الوليدة.

 

أما بالنسبة لوجهة نظر قادة الشيعة نحو مشروع الإقليم الشيعي في مناطق وسط وجنوب البلاد فهو أمر لم يحسم بعد بشكل نهائي حيث أعلنت بعض الفصائل عن قبوله فيما ترفضه بعض الفصائل الأخرى وتعتبره بمثابة تقسيم للبلاد، كما أن هناك تخوف من تنافس الفصائل الشيعية على زعامة البيت الشيعي ... وفيما يتعلق بقادة السنة فإن لديهم تخوفهم المشروع من خضوع المناطق السنية لقوات الحشد الشعبي وهو الأمر الذي يرفضه سنة العراق، الذين يذكرون بأن هناك قرار تم اعتماده من الكونجرس الأمريكي في عام 2007م، بإقامة إقليم سني، وتأكيد الشيخ "علي سامي" شيخ قبيلة المحامدة في الفلوجة على أن السنة كانوا دائمًا من أشد المدافعين عن وحدة العراق، أما الآن فلا نريد سوى إقليمًا يضمنا، فيما يرى البعض الآخر أن فكرة الأقاليم هدفها الأساسي هو تقسيم العراق، بما ينذر بإمكانية حدوث حروب أهلية بين الفصائل "السنية - السنية".

*السيناريو الثاني: لا مركزية الحكم: وهو نظام يعزز لا مركزية الحكم ويمنح الإدارات المحلية شيئًا من الاستقلالية في إدارة شؤونها دون اللجوء إلى الحكومة المركزية، وهذا النظام بالطبع لا يرضي إقليم كردستان ولا يلبي طموحات الأكراد الطامحين في الاستقلال الكامل.

 

*السيناريو الثالث: الحكم المركزي: ويعتمد هذا النظام على المنتصر في الحرب ضد داعش ومن يفرض كلمته، ومن ثم سيكون بالطبع لصالح الشيعة وحسابات التحالفات السياسية التي ستتشكل، ويترتب عليه في المعتاد تغيير شكل النظام السياسى التوافقي الراهن إلى نظام الأغلبية السياسية، ومن المؤكد معارضة الفصائل المشتركة حاليًا في العملية السياسية وبصفة خاصة الجانب السني.

 

*السيناريو الرابع: التقسيم والحرب الأهلية: ويعد هذا السيناريو بمثابة السيناريو الأسوأ والذي يتوقع أن تسود فيه الفوضى بالبلاد بعد مرحلة القضاء على تنظيم داعش، ويغيب دور العملية السياسية، وربما تحدث بعض الثورات الشعبية احتجاجًا على مستوى الخدمات والإهمال والفساد الحكومي وسوف يشارك بها الكل ضد الكل وينقسم البلد على نفسه.

 

وعلى الرغم من عدم وجود إحصاءات موثقة بتعداد الأكراد حول العالم إلا أن غالبية المصادر تٌفيد بأن عددهم يصل الى نحو خمسين مليون نسمة، يقيم حوالى 22 مليون منهم فى تركيا و12 مليون فى إيران وخمسة ملايين في سوريا و1,8 مليون في أوروبا الغربية ومليون في روسيا، بالإضافة إلى أعداد محدودة في كلً من لبنان وإسرائيل ... وظل حلم الأكراد بتأسيس دولة مستقلة يراودهم منذ عام 1514م، في معركة جالد بران التي قسمت كردستان بين الدولتين العثمانية والصفوية، وتعمقت المشكلة بإتفاقية سايكس بيكو عام 1916م، التي قسمت الدولة العثمانية ومن ضمنها القسم الأكبر من كردستان.

 

ومن الجدير بالذكرأن حلم الأكراد في إنشاء دولتهم المستقلة قد تحقق مرة واحدة ولمدة ثلاثة عشر شهرًا بشمال غرب إيران في يناير 1946م، وبمساعدة من دولة الاتحاد السوفيتى التي كانت تحتل إيران في ذلك الوقت، باسم الجمهورية الكردية وعاصمتها مهاباد، ولكن بعد الانسحاب السوفيتي من إيران بعد الحرب العالمية الثانية تمت إعادة السيطرة الإيرانية على الجمهورية الوليدة في مارس 1947م، وتم إعدام قائدها ورئيس وزرائها "القاضي محمد" ومنذ ذلك التاريخ ظل حلم إنشاء الدولة الكردية يراود الأبناء والأحفاد، ولعل هذا كان السبب الرئيسي في تشبث قيادات إقليم كردستان العراق بالاستفتاء ونتائج الاستفتاء.

 

وربما يتسائل البعض ألم تخلق نتائج استفتاء إقليم كردستان بالانفصال عن الحكومة الاتحادية في بغداد وتحقيق حلمهم التاريخى بتكوين دولتهم المستقلة واقعًا جديدًا على أرض الواقع حتى بعد استعادة القوات الاتحادية للكثير من الأراضي التي كان متنازع عليها، رغم إدراك الأكراد بأن موضوع الاستقلال هذا يعد سابقًا لأوانه على المستوى العملى حيث يحتاج الأمر إلى سنتين أو ثلاث  سنوات لفض المتعلقات مع الحكومة المركزية في بغداد " في حالة الموافقة على الاستقلال على الرغم من أنه يعد أمرًا مستحيلاً" ... ومن ثم هل تملك الدولة الوليدة "في حال إصرار الأكراد عليها والقبول بها من جانب المسؤولين العراقيين في بغداد" المقومات الاقتصادية التي تمكنها من الحياة في ظل علاقتها المتوترة مع حكومة بغداد وحدود متاخمة من جميع الجوانب بدول غير صديقة وإنما معادية تخشى تحول عدوى الانفصال إلى نموذج يحتذي به أكراد دولهم، وفي ظل عدم وجود منفذ بحري للإقليم على العالم الخارجي، وما هي أهم المعوقات والتحديات التي تحول دون ذلك ... لذا سوف نتناول فيما يلي تحليلاً تفصيليًا لهذه المقومات:

 

المقومات الاقتصادية لدولة كردستان:

          يعتمد إقليم كردستان في مجمل اقتصاده على النفط الذي يشكل أكثر من 90% من دخله بما يمثل أحد الصور الواضحة للاقتصاد الريعي الذي يعتمد كليًا على النفط، وعلى الرغم مما كان يتمتع به الإقليم من إستقرار أمني بالمقارنة مع بقية المحافظات العراقية خلال سنوات طويلة مضت إلا أنه لم يستطع تنويع مصادر دخله واقتصاده، كما أن الإقليم يعاني من معدلات مرتفعه من إنعدام الشفافية والفساد المالي بالاضافة إلى ارتفاع معدلات الرشاوى للدرجة التي اضطرت معها الكثير من الشركات العاملة في مجالي النفط والسياحة على أراضيه إلى اللجوء للتحكيم الدولي للحصول على حقوقها ومن بينها شركة "دانة" الإماراتية للطاقة التى رفعت دعوى ضد وزارة الثروات الطبيعية في الإقليم، وهو ذات الأمر الذي دفع العديد من الشركات الأجنبية الكبرى إلى الإحجام عن التعامل مع الإقليم.

 

كما ينتشر بالإقليم كذلك الكثير من صور الفساد الإداري الذي يتمثل في عمليات التوظيف بعيدًا عن الاختصاص ، مع ضعف الرقابة على عمليات الصرف والتنفيذ و مستوى الجودة في معظم مؤسسات الإقليم، بالإضافة إلى التدخل المفرط في الشؤون الحكومية من قبل الحزبين الكبيرين لصالح أشخاص مرتبطين بهذين الحزبين في ظل إرتفاع عدد البليونيرات بين قيادات الحزبين لأكثر من 30 بليونيرًا، ولم يستطع الإقليم تأسيس قطاع عام قوي أو قطاع خاص منافس، كما لم يستطع تأسيس قطاع صناعي وخاصة التحويلي منه، وكذا لم يستطع تكوين قطاع زراعي فعال قادر على إشباع حاجات مواطنيه، على الرغم من وفره المياه إلى حد كبير وخصوبة التربة، مما اضطر الإقليم الى استيراد معظم بضائعه ومواده الاستهلاكية من الخارج على الرغم من أن الإقليم شبه مستقل عن العراق منذ عام 1991م.

 

ومع انخفاض أسعار النفط وعودة كركوك والمناطق المتنازع عليها والغنية بحقول النفط إلى الحكومة الاتحادية ومن ثم انخفاض إيرادات الإقليم في الوقت الذي تتزايد فيه الأعباء المالية للنازحين العراقيين على الأراضي الكردية فقد توقف العمل في أكثر من ستة الآف مشروع وانتشر الظلم الاجتماعي والفوارق بين المدن والمناطق الريفية كما ارتفع معدل البطالة بين الشباب إلى نحو40% والتضخم الى 97,3% مما أدى إلى تآكل الطبقة المتوسطة وتراجع القدرة الشرائية للعائلات ... كما أدت الإجراءات العقابية من الحكومة الاتحادية على الإقليم إثر رفض إلغاء نتيجة الاستفتاء إلى بدء هروب عدد من المستثمرين وإنسحاب بعض شركات النفط العالمية التي كانت تستثمر في مجالي التنقيب والإنتاج وخاصة بعد التهديد الصريح من وزارة النفط العراقية للشركات الأجنبية التي تستثمر أو تبرم عقود مع الإقليم دون موافقتها.

 

إلا أن الأمر الأكثر خطورة هو افتقار حكومة الإقليم لرؤية أو خطة إستراتيجية لتطوير القطاعات الرئيسية الهامة بالإقليم والتى خصصت "على سبيل المثال" للقطاع الزراعي نسبة 1,8% فقط من الموازنة السنوية، فيما خصصت النسبة الأكبر من ميزانية الإقليم لدفع رواتب الموظفين مما أدى إلى انخفاض مساحة الرقعة الزراعية وإغلاق أبواب المعامل التي تعتمد على الإنتاج الزراعي المحلي، في الوقت الذي تزايد فيه أعداد سكان الإقليم إلى نحو 5,8 مليون نسمة.

 

وفيما يتميز إقليم كردستان بكونه قبلة سياحية تتمتع بمناطق سياحية خلابة وشلالات مياه وجبال وكهوف ومزارات تاريخية ومنتجعات قادرة على جذب ملايين السياح إلا أن الفساد ومن بعده تسليم مطاري أربيل والسلمانية للسلطات المركزية في بغداد قد حالا دون ذلك، خاصة وأن الإقليم كان يعتمد بشكل أساسي على السياحة الداخلية من محافظات الوسط والجنوب العراقي التي ستتأثر بلا جدال بقرار الانفصال.

 

ومن الاستعراض السابق يتضح أن، هناك العديد من التحديات الكبرى التي تواجه مستقبل إقليم كردستان الذي مازال داعمًا للانفصال والاستقلال عن العراق، بما يضع الإقليم في وضع صعب ومجهول في ظل المعطيات التالية:

اولاً: اضطراب الأوضاع الاقتصادية وانتشار حالات الفساد المالي والإداري واستيراد الإقليم لمعظم بضائعه ومواده الاستهلاكية من الخارج.

 

ثانيًا: انخفاض ايرادات الإقليم الذى يعتمد على تصدير النفط ويجد صعوبة كبرى في تسويقه في حالة عدم الاعتراف الدولي بكردستان كدولة شرعية مستقلة ومن ثم مواجهتها للكثير من العقوبات القانونية عند تصدير نفطها للخارج في ظل رفع الحكومة العراقية دعاوى قضائية ضد الشركات التي تشتري النفط الكردي، وخير مثال على ذلك حكم المحكمة الاتحادية في كندا في يوليو الماضي بمصادرة مبيعات لشحنات نفط بلغ حجمها 721,9 ألف برميل من الإقليم بقيمة 32,5 مليون دولار، ومواكبًا لذلك صعوبة اكتساب ثقة المستثمرين العالميين في ضخ استثمارات جديده في الإقليم بعد إعلان الاستقلال، في ظل احتمالية حرمان تركيا للإقليم من تصدير نفطه عبر المنفذ الوحيد لها عبر الأراضي التركية ومنها إلى ميناء جيهان.

 

ثالثًا: ضعف الناتج المحلي للإقليم الذي يبلغ 26 مليار دولار أي ما يعادل نحو 13% فقط من إجمالي الناتج المحلي لدولة العراق والبالغ 203 مليارات دولار.

 

رابعًا:  معارضة دول الجوار وخاصة تركيا وإيران اللتان بدأتا بالفعل في فرض مجموعة من العقوبات الاقتصادية والأمنية والسياسية على الإقليم وفي مقدمتها تسليم السلطات الإيرانية للمعابر التي بينها وبين الإقليم للحكومة العراقية لإدارتها وهو نفس الإجراء الذي قامت به تركيا في معبر الخابور الحدودي مع شمال العراق بالاضافة إلى إغلاقها للمجال الجوي من وإلى الإقليم، والخطوة الأهم من ذلك هو التهديد بمنع تصدير النفط من كردستان من المنفذ الوحيد للإقليم عبر ميناء جيهان التركي، مما يصعب من مهمة الإقليم في الحصول على الإيرادات الكافية لتأمين إحتياجات أبنائه بالنظر لاعتماده بشكل كبير على تدبير احتياجاته من الخارج.

 

خامسًا: تزايد نفقات الإقليم على عشرات الآلاف من النازحين الذين فروا من ديارهم وبلداتهم التي سيطر عليها التنظيم الإرهابي أو المعارك الدائرة بها بالاضافة لالآف الأكراد الفارين من كركوك بعد تحريرها إلى أراضيه.

 

سادسًا: مطالبة تركيا على لسان رئيس وزرائها بإعادة بناء ديموجرافي جديد بكركوك على اعتبار أن التركمان كانوا قبل خمسين عامًا يمثلون الأغلبية المطلقة بالمحافظة.

 

سابعًا: مواجهة الإقليم لمجموعة من التحديات "الجيوسياسية" الخطيرة بالنظر لموقع الإقليم الجغرافي لدول غير صديقة إن لم تكن معادية ترفض فكرة الانفصال والاستقلال لإعتبارات تتعلق بأمنها وإستقرارها لكونها تضم أقليات كردية تطمح أيضًا في الانفصال وتكوين دول كردية مستقلة، وهو الأمر الذي يثير إمكانية خلق توترات عرقية وطائفية بين مكونات هذه الدول الاجتماعية والعرقية والطائفية.

 

ثامنًا: استرداد القوات العراقية المركزية "تقريبًا" لجميع المناطق المتنازع عليها والتي كانت قد سيطر عليها إقليم كردستان بعد تحريرها من داعش في يونيو 2014م، وفي مقدمتها كركوك الغنية بالنفط والغاز لما تمثله هذه المناطق من ثقل اقتصادي وديموجرافي.

 

وفي ضوء ما سبق ووفقًا لرأي الكثير من الخبراء والمحللين يتضح صعوبة وتعقيد الوضع الاقتصادي لإقليم كردستان وتعدد التحديات التي تواجهه، وأن خيار الاستقلال لن يوفر للإقليم المكاسب الاقتصادية المرجوة، حتى وإن حظي بالدعم الدولي، وإن كان هذا الاحتمال أمرًا غير مطروح في الوقت الراهن خاصة وأن الداعم الرئيسي لكردستان والمتمثل في الولايات المتحدة الأمريكية تفضل خيار الأقاليم في ظل دولة عراقية فيدرالية موحدة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

*الخبير الاقتصادي الدولي ـ ورئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية

مجلة آراء حول الخليج