array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 125

الملف النووي الإسرائيلي: توظيف الغموض وخلق التوازنات

الخميس، 30 تشرين2/نوفمبر 2017

لطالما شكل الملف النووي الإسرائيلي رقمًا صعبًا في معادلة توازنات القوى في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما يرتبط في جانب كبير منه بحالة الغموض التي تكتنف هذا الملف على نحو لا يمكن الجزم بالاتجاه العام لنمط علاقات القوة بين الفاعلين الدوليين في المنطقة. ومع الاعتراف بفاعلية هذه الحالة من الضبابية المتعمدة التي تغلف المسألة النووية الإسرائيلية، بيد أن هناك عدد من الجوانب التي  من الممكن تلمس ملامحها الأساسية بشأن هذا الملف   لمتابعة انعكاساته على سيرورة خارطة التفاعلات بين دول الإقليم وتطوراتها. ولعل من النقاط التي يجدر التوقف أمامها في هذا السياق:

تاريخ البرنامج النووي الإسرائيلي

بدأت إسرائيل تستكشف فكرة الخيار النووي منذ أيامها الأولى . ففي عام 1949م، بدأت وحدة خاصة تابعة للجيش الإسرائيلي، مسحًا جيولوجيًا استمر سنتين في صحراء النقب بحثًا عن مكامن يورانيوم، وإن لم يعثر على مقادير ذات شأن. ثم قفز هذا البرنامج خطوة كبيرة في العام 1952م، عندما أنشئت لجنة الطاقة الذرية الإسرائيلية، التي تولى رئاستها العالم النووي الإسرائيلي ارنست ديفيد بيرغمان الذي يعتبر الأب الشرعي للبرنامج النووي الإسرائيلي، حيث نجحت بحلول 1953م، في تطوير عملية معالجة لاستخراج كميات اليورانيوم التي عثر عليها في النقب، كما طورت تقنية جديدة لإنتاج المياه الثقيلة، ما وفر لإسرائيل قدرات ذاتية لإنتاج بعض من أهم المواد النووية. [i]

سعت إسرائيل للحصول على مساعدة من فرنسا لإنشاء مفاعل نووي، ويعود التعاون النووي بين الجانبين إلى أوائل الخمسينيات، كانت فرنسا شريكاً منطقيًا لإسرائيل، حيث رأت كلتا الحكومتين في تبني خيار نووي مستقل وسيلة للاحتفاظ بدرجة معينة من الاستقلالية في عالم القطبين خلال الحرب الباردة، وفي 1956م، وافقت فرنسا على تزويد إسرائيل بمفاعل أبحاث بقوة 18 ميجاواط حراري، وهو ما ارتبط في جانب منه بالعدوان الثلاثي ضد مصر ، فخلال هذه الحرب أطلق الاتحاد السوفييتي تهديدات ضد الدول الثلاث المعتدية (بريطانيا- فرنسا- إسرائيل)، وهذه الواقعة لم تؤد فقط إلى تعزيز رأي في إسرائيل يرى أن من الضروري الاعتماد على قدرات نووية مستقلة بدلاً من حلفاء قد لا يمكن التعويل عليهم، وإنما أيضًا إلى إحساس بين الزعماء الفرنسيين بأنهم اخفقوا في تنفيذ تعهداتهم تجاه شريكهم الإسرائيلي. حتى إن رئيس الوزراء الفرنسي آنذاك مولليه قال في مجلس خاص إن فرنسا مدينة بالقنبلة لإسرائيل، وفي 3 اكتوبر1957م، وقعت فرنسا وإسرائيل اتفاقاً معدلاً يقضي بأن تبني فرنسا لإسرائيل مفاعلاً بقوة 24 ميجاواط حراري علمًا بأن أنظمة التبريد ومنشآت معالجة النفايات النووية صممت بحيث تكون بطاقة أكبر بثلاث مرات، وكذلك مصنعًا لإعادة المعالجة الكيماوية. وقام فنيون فرنسيون وإسرائيليون ببناء هذا المجمع في موقع ديمونا بسرية تامة تحت إشراف الجيش الإسرائيلي،  وقد بلغ المفاعل مرحلة التشغيل الفعلي في عام 1964 . [ii]

الملامح الرئيسة للبرنامج النووي الإسرائيلي: تقديرات متباينة

ظل حجم وتركيب الترسانة النووية الإسرائيلية غير مؤكدين، وهما موضوع تقديرات وتقارير عدة، معظمها متضارب. وقد نشرت تقارير عدة أفادت أن إسرائيل كانت تملك قنبلتين في عام 1967م، وأن رئيس وزرائها آنذاك ليفي اشكول أمر بتجهيزهما للإطلاق خلال أول إنذار نووي إسرائيلي أثناء حرب ذلك العام. وأفادت تقارير أيضًا أن الإسرائيليين عندما تخوفوا من الهزيمة في حرب اكتوبر1973م، جهزوا 13 قنبلة ذرية كانت الواحدة منها بقوة 13 كيلو طن. وفي 1986م، نشرت صحيفة صنداي تايمز البريطانية تقريرًاً عما وصف بأنه مصنع قنابل نووية تحت الأرض في مفاعل ديمونا، تضمن صورًا وبعض التفاصيل. والصور التقطها الفني النووي الإسرائيلي موردخاي فعنونو، الذي فصل من الجيش وحوكم . واستنادًا إلى معلومات فعنونو، استنتج بعض الخبراء أن إسرائيل كان لديها في حينه مخزونًا من 100 إلى 200 سلاح نووي . وفي أواخر التسعينيات، كانت أجهزة الاستخبارات الأمريكية تقدر أن إسرائيل لديها 75-130 سلاحًا نوويًا، وذلك استنادًا إلى تقديرات القدرات الإنتاجية. ورأت بعض التقديرات التي نشرت في تلك الفترة أن إسرائيل ربما كان لديها ما قد يصل إلى 400 سلاح نووي. وأخيرًا، ليس هناك أي دليل على أن إسرائيل قد أجرت يومًا تجربة نووية علمًا بأن العديد من المراقبين تكهنوا بأن ما يشتبه بأنه انفجار نووي حدث فوق جنوب المحيط الهندي عام 1979م، كان تجربة نووية مشتركة أجرتها إسرائيل وجنوب إفريقيا، وهناك مؤشرات عدة بشأن تعاون تل أبيب مع دول كثيرة في المجال النووي مثل تايوان والهند والصين والباكستان إلى جانب فرنسا وأمريكا وجنوب إفريقا. وتجدر الإشارة إلى أن إسرائيل تحتل مكانة متقدمة بين الدول الأكثر إنفاقاً في مجال الأسلحة النووية، حيث تأتي في المرتبة الثانية عشرة، فعلى سبيل المثال في العام ٢٠٠٧م، تم تخصيص نحو ١٨ % من الميزانية العامة للجانب العسكري ومنها التسلح النووي وهذا يدل على اهتمام إسرائيل بهذا الجانب وإيلائه حصة كبيرة من إنفاقها الاقتصادي، ولذلك كانت هنالك دعوات داخل إسرائيل لتقليص الانفاق على التسلح النووي واقتراحات بخفضها إلى ٥% من الناتج القومي الإجمالي. [iii]

 وبصفة عامة من الممكن تحديد الملامح الرئيسة للبرنامج النووي الإسرائيلي على النحو التالي: [iv]

1-     المفاعلات النووية:

تمتلك إسرائيل ثلاثة مفاعلات نووية أساسية، وكان أول مفاعل تم تأسيسه هو مفاعل ديمونا ثم ريشيون لبزيون وبعده ناحال سوريك.

أ-مفاعل ديمونا: يقع مفاعل ديمونا على الطريق الصحراوي بين بئر سبع وسدوم، وقد اختير هذا المكان لقربه من المواد الأولية الموجودة في صحراء النقب لاسيما اليورانيوم، وقد قدرت تكاليف بناء المفاعل بحوالي  ١٣٠  مليون دولار ، وطاقته بلغت  ١٢٦ ميجاواط، وقد كان قادرًا  على إنتاج ٨ كجم من البلوتونيوم سنويًا وكان يعمل باليورانيوم  المخصب ٩٠ % وهو مفاعل ينتج البلوتونيوم الذي يعد العنصر الأساسي لإنتاج القنبلة الذرية الانشطارية. وقد جرى بناء هذا المفاعل بتصاميم فرنسية وضعتها لجنة الطاقة الذرية الفرنسية.

ب- مفاعل ريشبون لبزيون: وهو أول مفاعل ذري إسرائيلي بمساهمة أمريكية ساهمت في إنشائه شركة أ.م.ف وتومكس الأمريكية بوضع التصاميم اللازمة لهذا المفاعل المعروف وتبلغ طاقته الإجمالية ثمانية ملايين وات حراري. وفي إطار مشروع ايزنهاور"الذرة من أجل السلام" أرسلت إسرائيل بعثات طلابية إلى الجامعات الأمريكية من أجل تدريبهم في مراكز الأبحاث النووية التابعة لوكالة الطاقة الذرية. ووفق تقرير لمعهد الدراسات الاستراتيجية في لندن فبوسع هذا المفاعل النووي إنتاج قنبلة ذرية واحدة في السنة.

ج - مفاعل ناحال سوريك: وافقت الولايات المتحدة الأمريكية عام ١٩٥٥م، على بناء مفاعل نووي لإسرائيل قوته ٥ميجاواط وهو من النوع الذي يستخدم الماء الخفيف، وقد أثير الجدل حول مفاعل سوريك، وطرحت تساؤلات حول إذا ما كان إنشاؤه كان لاهداف استراتيجية لاسيما قبل حرب السويس ١٩٥٦م، أم لاهداف سلمية ، وقد أوضح الخبراء قدرة هذا المفاعل على إنتاج السلاح الذري، بيد أن ما  يحول دون تحقيق ذلك هو قلة اليورانيوم المخصب،  إلى جانب توافق إسرائيل وأمريكا حول عدم إنتاج هذا المفاعل للقنابل النووية بمقتضى اتفاق لإنشاء ووضع المفاعل تحت المراقبة الأولية من قبل واشنطن ثم وكالة الطاقة الذرية كمرحلة ثانية.

وبصفة عامة تشير تقديرات إحدى دراسات معهد الدراسات السياسية والاستراتيجية في جامعة جورج تاون الأمريكية في مطلع الألفية الثانية أنه باستطاعة إسرائيل نشر أكثر من  ٣٠   سلاحًا نوويًا خلال عشر ساعات وأن إسرائيل بمقدورها استخدام ترسانة أكثر من  ٨٠  قنبلة نووية زيادة على تطويرها المستمر للاسلحة النووية التكتيكية وسعي إسرائيل منذ عقد التسعينات إلى امتلاك هذا النوع ، وأن هذه الرؤوس لها قوة تدميرية محدودة فضلاً عن الرؤوس الذرية وهي أول ما امتلكته إسرائيل أي قنابل عملاقة ذات قوة هائلة وكذلك امتلاكها للقنبلة النيوترونية التي لها القدرة على قتل البشر دون تدمير البنى التحتية للمدن مستخدمة أشعة كاما لذلك الغرض وأنها تنتج كميات كافية من الديتريوم والتريتوم التي تستخدم لصنع الرؤوس الهيدروجينية، كما أن إسرائيل لا تمتلك السلاح النووي حسب بل تمتلك أيضًا الوسائل الكفيلة لحمله إلى مسافات تصل إلى آلاف الأميال(.

 

2-     الناقلات النووية:

تعتمد إسرائيل  في نشر أسلحتها النووية و استخدامها عبر ثلاث وسائل أهمها :

أ- نظام الصواريخ : تملك إسرائيل نظام صواريخ متطو رة قادرة على حمل رؤوس نووية، فإسرائيل تملك صواريخ أريحا – ٩ التي يبلغ مداها ٦٠٠   كم ٢ وحمولتها   ١٠٠٠  كلجم.  وصواريخ  أريحا – ٢ التي يبلغ مداها   ١٤٥٠  كلم ٢ وقد خضعت للتحسين أوائل التسعينات فأصبح مداها يقارب  ٢٢٠٠   كلم ٢ مع حلول منتصف الألفية الثانية.  كما تعمل إسرائيل على تطوير صواريخ أريحا – ٣ العابر للقارات ومن ثم تجهيز قاعدتي زكريا في جنوب شرق تل أبيب وتل نوف في الشمال الغربي من تل أبيب، وخزنت أيضًا كميات كبيرة منها في حصن كفر زخريا. 

 ب- الطائرات : يضم الأسطول الجوي الإسرائيلي ما يزيد عن  ٤٠٠   طائرة أهمها F16 القادرة على حمل قنابل نووية وبمدى يتجاوز  ٥٠٠٠  كلم ٢ . وتشير بعض المعلومات اعتماد إسرائيل على عدد ضئيل من الطيارين في مثل هكذا ضربات. وتتمركز هذه الأسراب في قواعد تل نون  ونيغابكم الواقعة  جنوب شرق بئر السبع و  أرموان في صحراء النقب.

 ج الغواصات: تملك إسرائيل ثلاث غواصات نوويةـ دولفين تم شراؤها من ألمانيا مجهزة بصواريخ كروز الأمريكية القادرة على حمل رؤوس نووية ويبلغ مداها٩٠٠ كلم2.  تجوب الغواصة الأولى في البحر الأبيض المتوسط والثانية في البحر الأحمر أما الثالثة فإنها ترسي على الشواطىء الإسرائيلية، وفي ٧ تموز عام ٢٠٠٦م، وقعت إسرائيل صفقة جديدة مع ألمانيا لشراء غواصتين جديدتين .

 

ولكن على الجانب الآخر ، تتجه دراسات وتحليلات أخرى إلى التقليل من مدى تطور البرنامج النووي الإسرائيلي، تستند هذه الآراء على معطيات تفيد بأنه وخلافًا لما يعتقده البعض بأن إسرائيل تمتلك مئات الطائرات من طراز F-16 القادرة على حمل قنابل نووية، فإنها في الحقيقة لا تمتلك أكثر من سربين من هذه الطائرات القادرة والمدربة وتمتلك الوسائل والقدرات والتدريبات التي تمكنها من تنفيذ عملية قصف نووي. وفيما يتعلق بوسائل الإطلاق الأخرى فإسرائيل لا تمتلك 100 صاروخ "يريحو" بل لا يتجاوز عدد الصواريخ التي تمتلكها من هذا الطراز عن "دزينتين" منتشرتين في موقعين مختلفين يمكن رصدهما وتشخيصهما عبر صور الأقمار الصناعية فيما تعمل إسرائيل حاليًا على تطوير الجيل الثالث من صواريخ "يريحو". كذلك لا توجد أي أدلة تؤكد امتلاك إسرائيل لصواريخ من طراز "هفون" القادرة على حمل رؤوس نووية ويتم إطلاقها من الغواصات. أما القدرات النووية الإسرائيلية التكتيكية فالجيش الإسرائيلي لا يمتلك رؤوسًا حربية نووية تكتيكية أو تشكيلة من الأسلحة النووية بل يمتلك في الأساس أسلحة دمار شامل نووية الهدف منها الردع أو القيام بالرد على هجوم نووي سلاح يسمح للجيش الإسرائيلي بتوجيه الضربة النووية الثانية وليست الأولى. وهذا ما تؤكده حقيقة عدم إجراء إسرائيل لأي تجربة نووية أو على الأقل لم تؤكد القيام بمثل هذه التجربة لذلك وفي ظل غياب البنية التحتية التي تمكنها من إجراء التجارب النووية لا يمكنها تطوير تشكيلة متنوعة من الأسلحة النووية لذلك قصرت استثمارها على إنتاج قنابل من شانها أن تردع قيادة "العدو". وكلها معطيات تؤكد على أن الأسلحة النووية الإسرائيلية ليست مؤهلة وليست مخصصة للقتال الميداني , كما أنها لا تمتلك إستراتيجية منظمة للحرب النووية لامتلاك تشكيلة متنوعة من الأسلحة النووية والرؤوس الحربية النووية. [v]

تأثيرات نووي إسرائيل على التوازنات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط

تقوم نظرية الأمن الإسرائيلي على افتراض أن إسرائيل بلد صغير لا يملك عمقًا استراتيجيا وبالتالي فإن حدودها غير آمنة وأي هزيمة كبيرة لها ستعني إزالة هذا الكيان من الوجود، ومن ثم فلابد من وجود خلل في ميزان القوى في المنطقة لصالحها، وهو ما سعت لتحقيقه من خلال امتلاكها جيش قوي يتفوق على الدول المحيطة بها مجتمعة بما يمثل قوة ردع تمنع تلك الدول من شن أي هجوم على إسرائيل، وهو ما يتطلب تطوير برنامجًا نوويًا وتعزيزه. وقد استغلت تل أبيب ورقة ملفها النووي لتحقيق هذا الغرض عبر فرض ستار من التعتيم على قدراتها النووية فيما عرف بسياسة "الغموض النووي/الإيجابي" والتي تقوم على رفض إخضاع ترسانتها النووية للرقابة والتفتيش الدوليين بدعوى إنها لا تزال في حالة حرب مع دول في الجوار الجغرافي، وتفاديًا للضغوط الدولية. وهو ما يكرس مع رفض إسرائيل الدائم الانضمام إلى معاهدة حظر الانتشار النووي.

وعلى الرغم من علاقاتها بالدول الغربية التي ساعدتها في تطوير ذلك البرنامج مثل فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن إسرائيل أصرت على أن سلاحها النووي سلاحًا ذاتيًا لا تتحكم فيه سوى إرادتها فقط. [vi]

ويمكن القول أن توظيف إسرائيل لفكرة سلاح نووي يترك آثاره على توازنات القوى في منطقة الشرق الأوسط، عبر تكرس فكرة التفوق الإسرائيلي في المجال النووي على دول الشرق الأوسط، وهو ما يجعل المعطيات السياسية والعسكرية في المنطقة تدور في حلقة من انعدام التوازن الاستراتيجي بين الفاعلين الرئيسين في المنطقة. وهو ما يتجلى في عدد من القنوات، لعل من أهمها:

-        الردع عبر التهديد الواضح باستخدام الأسلحة أو التكنولوجيا النووية :

يرى المراقبون أن هناك عدد من  الحالات  التي من المحتمل أن تلجأ فيها إسرائيل لاستخدام الأسحة النووية، أولى هذه الحالات هي تعرض وجود إسرائيل للخطر  على نحو لا يمكن للقوة الإسرائيلية التقليدية التعامل معها، أما الحالة الثانية فتشمل الاستخدام العملياتي للاسلحة النووية، لاسيما وأن الترسانة  تشمل أسلحة نووية تكتيكية كقنابل النيوترون، فيما يقصد بالحالة الثالثة الحرب الوقائية وفيها توجه إسرائيل  ضربة نووية لدولة أو أكثر إذا ما كانت لديها مؤشرات بأن هذه الدولة تستعد لضربها، وبطريقة تقلل من فرص الرد عليها بالأسلحة التقليدية، وهناك أخيرًا حالة تعرض إسرائيل للهجوم بأسلحة غير تقليدية كالأسلحة البيولوجية والكيميائية.

هناك مؤشرات عدة على أن القيادة الإسرائيلية فكرت في استخدام السلاح النووي مرتين على الأقل، خلال الأيام الأولى من حرب 1973م، عندما شعرت إسرائيل بالهزيمة الحقيقية، والثانية خلال حرب الخليج 1991م، في مواجهة احتمالات التصعيد العراقي ضد إسرئيل بعدما هدد العراق بضرب إسرائيل بالأسلحة النووية. وبصفة عامة يروج الإسرائيليون إلى فكرة أن معظم الدول العربية بها ما بين 3-5 أهداف ذات قيمة استراتيجية عالية ويكفي أن تمتلك إسرائيل 30-40 قنبلة نووية استراتيجية ذات قوة تتراوح ما بين 20-60 كيلو طن من أجل تدمير كافة الأهداف التي تتصورها إسرائيل في كل من مصر وسوريا والعراق وليبيا والسعودية والأردن بصورة قد تعيد هذه الدول إلى العصور الوسطى.

-          استخدام الملف النووي كعنصر تفاوضي:

بهدف التأثير في توجهات الطرف الآخر خلال عملية المساومة، فالقوة بشكل عام تؤثر في التفاوض.حيث تدفع إسرائيل الدول العربية إلى الاستنتاج بأنه لا يوجد احتمال للانتصار على إسرائيل ويدفعها من ثم إلى البحث في طرق التسوية السياسية وهذا ما يتأكد مع ما يردده قادة إسرائيل باشتراط توقيع سلام مع جميع الدول العربية قبل التباحث في السلاح النووي، وهي صورة من صور الاستخدام السياسي للسلاح النووي بهدف الوصول للسلام دون التزام باستحقاقاته، كإعادة الأرض والسماح بعودة اللاجئين وتفكيك المستوطنات ... إلخ.

وفي هذا السياق تشير الكثير من  التحليلات إلى وجود قناعة متجذرة في إسرائيل بدور ترسانتها النووية في دفع الدول العربية للتوقيع على معاهدات سلام معها. وقد عبر عن ذلك بشكل واضح، شمعون بيريس، حيث قال " السلام لن يأتي بنفسه، ولن يأتي بتأثير قوى غيبية، لكن إسرائيل أدركت أنه بإمكانها أن تحقق السلام إذا نجحت في إقناع العرب أنه بواسطة التقدم العلمي (يقصد تطوير المشروع النووي) فإن إسرائيل قادرة على أن تقضي على أي فرصة للعرب لتهديد وجودها".[vii]

-          التأثير على الطابع العام لاقتصادات المنطقة:

ساهم التفوق العسكري الإسرائيلي (لاسيما في الجانب النووى) في تكريس سباق تسلح في المنطقة بحيث أصبحت دولها المستورد الأول للسلاح في العالم وهو ما من شأنه التأثير على التنمية في الدول العربية.

الخيارات المتاحة للدول العربية

يرى المتابعون لشؤون منطقة الشرق الأوسط أن الخيارات المطروحة أمام الدول العربية للتعاطي مع فكرة التفوق النووي لإسرائيل تشمل عددًا من الأمور، لعل أبرزها الدخول تحت مظلة نووية دولية بحيث تتعهد الدولة التي تملك الأسلحة النووية بمد القوة الرادعة لتشكل درعًا لدول لا تملك أسلحة نووية ولكنها طرف في تحالفات او ترتيبات معينة  وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى رسو سفينة سوفيتية محملة برؤوس نووية أثناء حرب أكتوبر في الإسكندرية، مما اعتبره كثيرون بمثابة توفير مظلة نووية سوفيتية لمصر  تمنع إسرائيل من استخدام سلاحها النووي.

أما ثاني هذه الأطروحات فيشمل ضرورة انضمام الدول العربية للتشريعات الدولية ذات الصلة، فغالبية الدول العربية بانضمامها لمعاهدة منع انتشار السلاح النووي تتمتع باضمانات التي توفرها الأمم المتحدة مثل قرار مجلس الأمن 255 و 484 بيد أن هذه الضمانات لا توفر الحماية من مخاطر هذه الأسلحة.

تتناول ثالث هذه الخيارات ضرورة سعي الدول العربية إلى تطوير الرادع النووي، وهو إن كان صعب فهو ليس مستحيل، وذلك بغية إنهاء الاحتكار النووي الإسرائيلي. وإن لم يتيسر ذلك فعلى الدول العربية  امتلاك الرادع فوق التقليدي كالأسلحة البولوجية والكيماوية الجرثومية  وغيرها من أسلحة دمار شامل، وهو خيار ضروري ولو بشكل مؤقت، مع التأكيد على إمكان القيام بضربة ثانية وثالثة ورابعة بحيث تكون هذه الضربات من القوة لدرجة تمنع العدو من توجيه ضربات أخرى، فضلا عن القدرة على امتصاص تأثير الضربة الأولى.

من المهم كذلك تفعيل الجهود العربية الهادفة إلى إخضاع البرنامج النووي الإسرائيلي للرقابة الدولية، وذلك من خلال مساع لنزع أسلحة إسرائيل النووية وإنشاء منطقة خالية من السلاح النووي بهدف دعم الاستقرار والأمن في المنطقة، وهو ما يجب أن يتضمن ضغوطًا لانضمام إسرائيل لمعاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، وتفعيل سياسة منع انتشار النووي من جانب الوكالة الدولية للطاقة الذرية وفق معايير عادلة وعبر خلق آليات واقعية وشفافة تستجيب للحاجات الأمنية للدول المراد نزع أسلحتها.

كما يجب النظر في العمل الجماعي بين الدول العربية والتوجه نحو التعاون مع القوى الأخرى في المنطقة بهدف تنسيق المواقف، إذ تعدد الدول الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط التي تمتلك أو قد تمتلك الأسلحة النووية، ويقصد بذلك كل من إيران وتركيا التي تتطلع لحيازة الأسلحة النووية فهنالك جهود تركية لإنشاء عشرة مفاعلات نووية بحلول ٢٠٢٠م، وأهمها اكويو جنوب تركيا، وتحصل أنقرة على مساعدات بهذا الشأن من جمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية التي كانت تحت نفوذ وسلطة الاتحاد السوفيتي السابق. ورغم إصرار تركيا على الإعلان بعدم رغبتها في تطوير الأسلحة النووية وأن هذه المفاعلات لأغراض توليد الطاقة سلميًا، بيد أن محاولات تركيا مازالت مستمرة في إنجاز برامجها النووية.  يجب أن تكون الدول العربية مستعدة لاستغلال الفرص في هذا السياق مثلما حدث مع توتر العلاقات بين إسرائيل وتركيا على خلفية ضرب إسرائيل لاسطول الحرية التركي الذي كان متجهًا لفتح حصار قطاع غزة ويحمل معه المساعدات الإنسانية وذلك في ٣١ ايار ٢٠١٠م، وقد ساءت العلاقات بين البلدين بحيث وصلت لحد تخفيض التمثيل الدبلوماسي والتبادل التجاري. إن ذلك قد يعيد حسابات تركيا في أن تكون دولة إقليمية لها وزن كبير وذلك من خلال حصولها على الحيازة النووية في المنطقة وبذلك سوف تكون هنالك دولتان هما تركيا وإيران تسعيان للحاق بالركب الإسرائيلي في مجال القدرة النووية وهذا ما يخلق ترتيبات جديدة في منطقة الشرق الأوسط وخللاً في المعادلة الأمنية التي تحاول إسرائيل قدر المستطاع الحفاظ عليها. وفي السياق ذاته يشير البعض هنا إلى إمكانية استغلال أزمة الملف النووي الإيراني وربطه بالملف النووي الإسرائيلي والمساومة عليه بحيث تسير الترتيبات المتعلقة بتسويتهما بشكل متوازي على نحو ما.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*خبير العلوم السياسية بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية ـ مصر

 

 

 

 

المراجع:

[i] صباح كنعان (ترجمة) ، "البرنامج النووي “الإسرائيلي” سر مكشوف"، جريدة الخليج الإماراتية،30/12/2010

[ii] المرجع السابق

[iii] د. إسراءشريفالكعود، التسلحالنوويالإسرائيليوأثرهفيالشرقالأوسط، مجلة دراسات دولية، العددالخامسوالأربعون، جامعةبغداد.،  ص ص 21-34 

[iv]  المرجع السابق

[v] ما هو الحجم الحقيقي للترسانة النووية الإسرائيلية؟، وكالة معًا الإخبارية، 11/11/2014  

http://www.maannews.net/Default.aspx،

[vi]وائل العبد درويش، البرنامج النووي الإسرائيلي وتأثيره على الأمن القومي العربي (1991-2000)، جامعة الأزهر- غزة– رسالة ماجستير – 2010.

[vii]"البرنامج النووي الإسرائيلي ..مسوغات " الغموض الإيجابي" تتآكل"، الجزيرة نت  1/2/2005

 

مجلة آراء حول الخليج