array(1) { [0]=> object(stdClass)#12963 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 127

مستقبل "هرمز": التحديات المفروضة والأولويات المرفوضة

الخميس، 15 شباط/فبراير 2018

وحدها هي المصالح التي تفرض الحروب، وهي نفسها من تعمل على إيقاف فتيل اشتعالها، ووحده أيضًا هو الدم المسفوك تحقيقًا لتلك المصالح بما يتبعه من كوارث ودمار ، وما بين المصالح والدم مسافات تحدد نقطة اشتعال تلك الحروب منذ البداية فيها والنهاية بالقدر الذي تتحدد فيها نسبة المصالح لتلك الدول على ميزان الربح والخسارة، ذلك الميزان الذي سيحدد أيضًا مستقبل مضيق هرمز ليس وفقًا لما تحدده دول المنطقة بمقتضى مصالحها وإنما وفقًا لما تقتضي به مصالح الدول الكبرى وذلك بمعايير القوة والتوازنات لما يمثله هذا المضيق من أهمية اقتصاديه وكيف لا  وهو من أحد أهم الممرات المائيـة فـي العـالم من حيث مساهمته في تطـوير التجـارة الدوليـة نتيجة لما يتمتع بـه مـن موقـع اسـتراتيجي  وخاصة  للجمهورية الإيرانية بالإضافة إلى الدول العربية المطلة على الخليج العربي .

إن أية محاولة لإغلاق مضيق هرمز من جانب إيران هي بمثابة الحرب القادمة التي تلوح إرهاصاتها بالأفق، حيث تعمل أمريكا ومن خلال أسطولها الخامس على المراقبة والإشراف ومتابعة كل ما يجري في هذا المضيق، ليس حفاظًا على مصالحها النفطية والاقتصادية فقط، وإنما من أجل دعم الاستراتيجية السياسية التي تهدف إلى التصدي للدب الروسي وحلفاءه، مع العمل على حماية أمن الكيان الصهيوني أيضا حيث نرى في الآونة الأخيرة  أن حدة التصريحات والتهديدات  قد زادت من وتيرتها منذ أن اقترحت لجنة برلمانية لشؤون الأمن القومي والسياسة الخارجية في إيران سن مشروع قانون لإغلاق مضيق هرمز من أجل منع مرور ناقلات تحمل النفط، وذلك ردًا على العقوبات الاقتصادية على طهران ، حيث بدأت تتوالى التصريحات حول ذلك والتأكيد على أن إغلاق المضيق هي سياسة معلنة من قبل إيران وخاصة إذا ما وقعت حرب في المنطقة بمشاركة الجمهورية الإسلامية ومنذ ذلك اليوم والتساؤلات حول السياسة الإيرانية فيما يخص مضيق هرمز يتم إثارتها كثيرًا حول ما إذا ما كانت تمتلك القدرات العسكرية لإغلاق هذا المضيق كما هدد بذلك كافة المسؤولين الإيرانيين، أم أن الأمر لا يعدو أن يكون ضربًا من الخُيلاء العسكرية وهذا الموضوع هو محور هذه الورقة، والإجابة على التساؤل الرئيس في محاولة منا لاستشراف مستقبل مضيق هرمز وهو:

هل يمكن القول إن أية محاولة إيرانية لإحكام السيطرة على مضيق هرمز وإغلاقه في ظل التحديات المفروضة أمام إيران، والأولويات الأمريكية المرفوضة من إيران هي من إرهاصات الحرب العالمية الثالثة لما تمثله تلك المحاولة من انعكاسات على دول المنطقة والعالم؟

إن الإجابة على هذا التساؤل الرئيس يتطلب الإجابة على العديد من الأسئلة الفرعية ومن بينها، بل أهمها: ما هو الوضع القانوني لمضيق هرمز وإذا ما كانت إيران تمتلك حق السيطرة على حركة الملاحة فيه؟ وهل التهديدات المتبادلة بالسيطرة على مضيق هرمز إشارة لبدء صراع عسكري خليجي عربي _ إيراني فارسي لمحاولة إنهاء سيطرة إيران على مضيق هرمز الحيوي؟ وما هو دور القواعد الأمريكية المتواجدة في قطر والكويت في حال سيطرة إيران على المضيق وإغلاقه؟ وما هي إمكانية التدخل الروسي أيضًا في حال بدء هذا الصراع؟

أسئلة كثيرة هي تلك التي يجب الإجابة عليها للوصول إلى الإجابة على التساؤل الرئيس، وفي مقدمة ذلك بحث المكانة القانونية لمضيق هرمز.

المكانة القانونية لمضيق هرمز

 وفقًا للدكتور وسام الدين العكلة في  دراسته حول النظام القانوني للمضيق الدولي فإن مضيق هرمز يقع بين أراضي دولتين هما إيران وعمان، لذلك في هذه الحالة يكون خاضع لسيادة الدولتين واختصاصها ولكونه يربط بين جزأين من البحار العالية فإنَّه يخضع أيضا لمرور الملاحة الدولية (المرور العابر) دون الحاجة إلى أخذ إجازة مسبقة من إيران وعمان، غير أن إيران وسلطنة عمان تتمسكان بسريان نظام (المرور البريء) الذي يضمن لهما السيطرة على المضيق، وحماية أمنهما من الأخطار التي قد تنتج عنه، إلا أن بقية الدول الخليجية الأخرى تتمسك بحق المرور العابر الذي يقترب معناه من نظام المرور الحر، ويعني ذلك إتاحة الحق في المرور دون إعاقة وهذا ما أكدت عليه اتفاقية الأمم المتحدة الجديدة لقانون البحار حيث اعتمدت حق المرور العابر للسفن والطائرات في المضايق وهي المرور بشكل سريع، وبموجب هذا النظام فإن السفن والطائرات جميعها تتمتع ودون تمييز سواء أكانت تجارية، أم غير تجارية، أم حربية بحق المرور العابر السريع في المضيق، وهذا  ما نظمته المادة 39 من إتفاقية الأمم المتحدة الثالثة لقانون البحار إذﹾنصتتلكالمادة "علىضرورةأنتمضيالسفندونإبطاءخلالالمضيقأوفوقه،وتمتنععنأيتهديدبالقوةأوأياستعماللهاضدسيادةالدولةالساحليةالمطلةعلىالمضيقأوسلامتهاالإقليمية،وأيمخالفةلذلكﹸتعدانتهاكًاﹰلمبادئالقانون الدولي" .                                                         

بناءً على ما سبق إذا فإن مضيق هرمز يعتبر من الناحية القانونية مضيقا دوليًا وهو يخضع  بذلك لاتفاقية الأمم المتحدة لنظام المرور العابر ، وليس لنظام المرور البريء ما لم تجري أية تحركات تستهدف السواحل الإقليمية للجمهورية الإيرانية وسلطنة عمان، وعليه فإن كافة ما تقوم به إيران من إجراءات الإعاقة لحركة السفن، والتلويح بإغلاقه أيضًا هو موضع استغراب  لما في تلك الإجراءات والتهديدات من انعكاسات مباشرة ليس على الاقتصاد العالمي فقط ولا حتى على دول الخليج  العربي وإنما على جمهورية إيران نفسها، فما هي إذا انعكاسات إغلاق مضيق هرمز على المنطقة ودول العالم على ضوء ما تتمتع به من أهمية استراتيجية ؟ وهل من آفاق لاستخدام إيران ذلك الإغلاق رغم ما ستتعرض إليه إيران نفسها من انهيار اقتصادي نتيجة هذا الإغلاق؟ وماذا لو استخدمت أمريكا القوة في مواجهة التهديد الإيراني، وما هو حجم التدخل الأمريكي عند الرد على ما يمكن أن تقدم عليه إيران من تحركات بخصوص هذا المضيق؟ .

انعكاسات مضيق هرمز على دول المنطقة والعالم حال إغلاقه؟

إذا ما نظرنا إلي الأهمية الاقتصادية لمضيق هرمز فسنجد أنه ووفقًا لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية بأن إمدادات النفط عبر المضيق تشكل نحو (40%) من إجمالي النفط المتداول عالميا، وأن 90% من صادرات نفط دول الخليج تمر عبر هذا المضيق ، لذلك فإن إغلاق المضيق هرمز يأتي في رأس المخاوف المرتبطة بأمن الطاقة العالمية، حيث أن تلك الصادرات يتعين عليها أن تمر خلال هذا الممر المائي مقابل السواحل الإيرانية، ولذلك فإن أي احتمال لإغلاق المضيق سوف يؤثر بالسلب على الصادرات النفطية لدول الخليج العربي كافة ما يجعل الدول الكبرى ستكون علي استعداد للتدخل إذا ما تعرض أمنها الاقتصادي والقومي أيضا للخطر، ومن هنا فإن السؤال الذي يطرح نفسه في ضوء تلك الظروف والمعطيات ما هو الذي يدفع إيران إلى اتخاذ إجراء مناقض لمصالحها الاقتصادية؟ وهل تملك إيران الامكانات العسكرية اللازمة لشن حملة عسكرية في المضيق؟ وما الذي يتعين على القوات العسكرية الأمريكية فعله للدفاع عن المضيق في حال تدخل الإيرانيين هناك؟

الأسباب التي قد تدفع إيران إلى إغلاق مضيق هرمز

تصريحات عديدة صدرت عن المسؤولين الإيرانيين حول السيطرة على مضيق هرمز والتلويح بإغلاقه وذلك لأسباب عديدة، ومن بينها محاولة استباقية لمنع أي هجوم لتدمير المنشآت النووية الإيرانية مع المحاولة أيضًا تشكيل عامل ضغط من أجل تفادي عقوبات جديدة ومن بينها ما تلوح به الإدارة الأمريكية حول معاقبة الشركات الأجنبية التي تتعامل مع مصرف إيران المركزي.

ولذلك فإن المرشد "خامنئي" كان قد حدد الاستراتيجية الإيرانية حول مضيق هرمز بقوله " إيران لن تكون البادئة في الحرب، إلا إذا أقدمت أمريكا على معاقبة إيران أو مهاجمتها فعندئذٍ ستواجه عمليات شحن الطاقة في المنطقة خطرًا حقيقيًا" وهذا ما يقودنا إلى أن نتساءل إذا ما كان باستطاعة إيران القيام بتنفيذ تهديداتها فعلًا وخاصة فيما لو أقدمت واشنطن بصورة استباقية ومفاجئة على تدمير مواقع البحرية الإيرانية على الشواطئ الساحلية للمضيق وبالتالي نجاحها في شل القدرات العسكرية الإيرانية؟

يعتقد البعض بأن البحرية الايرانية ليست بالحجم الذي يسمح بالإغلاق المادي المستمر للمضيق، لكن لديها القدرة لإحداث بعض الأضرار بفعل ما تمتلكه من أسلحة بحرية، إلا أن الأسطول الخامس الأمريكي المتمركز في البحرين لا يتسامح مع أي تعطيل لمضيق هرمز أو الحاق الاضرار بحركة السير فيه، خاصة وأن لدي أمريكا بالمنطقة الإمكانات الكافية لتنفيذ التزاماتها  تجاه أصدقائهم وشركائهم من أمن وحماية، لأن منطقة الخليج ومضيق هرمز كما صرح بذلك العديد من قادة البحرية الأمريكية لهما حساسية خاصة،  فما هي إذًا السيناريوهات المتوقعة للسيطرة على مضيق هرمز؟ وما هي أشكال ردود الأفعال العربية والدولية؟ وهل يمكن أن تؤدي محاولات السيطرة المتبادلة على مضيق هرمز ونجاح الجانب الإيراني في إغلاقه إلى اشتعال الحرب العالمية الثالثة؟

 مضيق هرمز في ظل السيناريوهات المتوقعة

قد لا تكون إيران قادرة على إغلاق المضيق بشكل نهائي كما تحدثنا سابقًا، وقد لا تبادر إلى محاولة ذلك أيضًا إلا إذا ما عمدت أمريكا إلى شن حربًا حينها فقط  يمكن لها أن تستخدم مجموعة واسعة من التكتيكات التخريبية  بهدف مهاجمة حركة الملاحة البحرية من خلال استعمال أسلحة وسفن مضادة للشحن كالصواريخ والمدفعية والهجمات الجوية والغواصات وسفن الهجوم السريع والقوارب الصغيرة، والصواريخ طويلة المدى وقواعد الطائرات دون طيار التي يمكن استخدامها في اعتراض السفن الحربية والتجارية وناقلات النفط ومنعها أيضًا من المرور في المضيق، وهذا ما قامت به إيران في إطار تجهيزاتها استعدادًا لأي اعتداء أمريكي،  ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو إذا ما كانت أمريكا ومن خلال أسطولها الخامس ستبقى في حالة ترقب ومتابعة إلى تنجح  إيران فعلًا بإخضاع مضيق هرمز لها وتعمل على تنفيذ إغلاقه ؟ أم أنها ستبادر إلى هجوم استباقي على ضوء تلك التحركات والتحرشات الإيرانية، وخاصة بعد التهديد الإيراني بامتداد وجود قواتها البحرية قبالة شواطئ اليمن وسوريا؟

ترى العديد من الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا الإضافة إلى بعض الدول العربية أن التحرك الإيراني وتلك التصريحات حول إغلاق المضيق لا تخرج عن نطاق الاستعراض لإثبات الذات، وأشاروا إلى أن إيران تلجأ إلى متل هذه الاستعراضات  كلما تعرضت فيه لضغوط دوليه بفعل برنامجها النووي في محاولة لإثبات الحضور العسكري والسياسي في آن واحد، وإن طهران لا تجرؤ على استفزاز واشنطن مما يدفعها ذلك حتما إلى التفكير والتروي وتقييم الأمور قبل القيام بأية خطوات عملية وهذا الافتراض كان الرئيس الإيراني نفسه قد أكد على صحته عندما استدرك تهديده بمنع النفط عبر مضيق هرمز إذا ما فرضت عقوبات على صادرات إيران النفطية لقوله أن إيران "لا ترغب في استعداء أي طرف، وتمد يد الصداقة والأخوة إلى الجميع".

من هنا يمكن الاستنتاج، ووفقًا لما جاء على السنة القادة الإيرانيين رغم ما حملته من تهديدات بأن إيران لن تبادر إلى إغلاق المضيق طالما أنها لم تتعرض إلى اعتداء مباشر, وأن تحركاتها وإن تمت ما هي إلا خطوات استباقية لحماية أراضيها من أي اعتداء قد تقوم به أمريكا وأن تلك الخطوات وفقا لرؤيتها لن تتعارض مع معاهدة 1982م، حول  قانون البحار والتي تجيز لإيران بعدم السماح بعبور أي سفينة تحاول تهديد الأراضي الإيرانية ، فهل تبادر واشنطن لإعلان الحرب على إيران لتدمير منشآتها دون انتظار لذريعة إغلاق مضيق هرمز طالما أن طهران قد أعلنت استراتيجيتها حول موضوع الإغلاق؟

 

الخيار العسكري الأمريكي وانعكاساته

يشار إلى أن أمريكا والدول الأوروبية تفرض عقوبات على إيران بسبب برنامجها النووي، فهل تبادر واشنطن لإعلان الحرب على إيران بذريعة حماية المضيق في الوقت الذي تستهدف فيه منشآتها النووية جنبًا إلى جنب مع القوات الجوية لإسرائيل التي طالما هددت بذلك؟ وهل من مصلحة دول الخليج العربي اندلاع حرب أمريكية إيرانية؟ وما هي انعكاسات هذه الحرب على تلك الدول؟

تسعى الخليج العربي جاهدة لدرء أي عمليات عسكرية قد توجه ضد إيران ما لم تكن تلك العمليات تستهدف تغيير النظام بشكل مباشر وبخطة سريعة تساهم في تنفيذ اتفاقات جديدة قائمة على تبادل المصالح وحسن الجوار ما بينها والنظام الإيراني الجديد حال نجاح الولايات المتحدة في اسقاط النظام الحالي، كما تعلم إيران نفسها بأن اتخاذ قرار بشن الحرب على أية دولة خليجية هو بمثابة إعلان حرب دولية عليها، بسبب تضرر العديد من الدول الكبرى من نقص الطاقة التي تسعى في المقام الأول للسيطرة عليها عند اندلاع الحرب بالمنطقة وكما تعلم أيضا بأن إغلاقها لمضيق هرمز هو بمثابة حرب شاملة عليها وهي بذلك لن تجرؤ على القيام بذلك لأسباب داخلية وخارجية وفقًا لما سنتحدث عنه في حينه.

صحيح بأن استخدام القوة العسكرية ضد المحاولة الإيرانية قد لا يكون بالأمر الهين ولذلك فإن الإدارة الأمريكية لن تتعامل مع ردة الفعل الإيرانية،  وصحيح أيضًا بأنه لا يمكن لإيران أن تبادر بإغلاق هرمز  ذلك لأن الرد الأمريكي المدعوم دوليًا حينئذ سيكون قاسيًا ولدرجة أنه سيحرم إيران من فرصة الرد على النيران الأمريكية، ويمكن القول إن احتمالات الحرب فيما بين إيران وأمريكا مستبعدة في الوقت الراهن ليس من أجل تفادي انعكاسات إغلاق المضيق على مصالح كل منهما فقط ، وإنما على ضوء ما يستجد من تحديات أمام مصالح كل منهما ، وإعادة النظر في ترتيب أولوياتهم التي يمكن التوافق عليها ضمنيا بعد أن كان كل منهما يرفض أولويات الأخر .

التحديات المفروضة أمام إيران والأولويات الأمريكية

كثيرة هي التحديات المفروضة أمام إيران، والتي تجعل إيران تراوح من اجل التفكير قبل الاقدام على تنفيذ اية خطوة أو تحركات، ومن بينها التفكير جديا بإغلاق مضيق هرمز وكثيرة أيضا تلك الأولويات التي على الإدارة الامريكية إعادة ترتيبها من اجل الإبقاء على مصالحها دون حرب او صدام، فما هي التحديات المفروضة على إيران على المستويين الداخلي والخارجي؟ وما هي أيضا الأولوية الاستراتيجية الامريكية في المنطقة بالوقت الراهن أو على ضوء ما يستجد في المنطقة؟

التحديات المفروضة أمام إيران

من البديهي القول إن في مقدمة التحديات التي تواجه طهران أن إغلاق مضيق هرمز يتعارض مع القانوني الدولي واتفاقات قانون البحار، وهو بمثابة  دعوة حقيقية  تتقدم بها إيران نفسها لدول العالم أجمع بمن فيها أصدقائها الصين واليابان وربما روسيا أيضًا من أجل استخدام الخيار العسكري الحاسم ضدها، تماما كما حدث عند تحرير  الكويت، حيث أن إغلاق هرمز ودون مبررات يشبه الخطوة التي قام بها صدام حسين عند احتلاله الكويت، فسوف يحدث إغلاق المضيق أزمة نفطية دولية حادة تدفع ثمنها جميع دول العالم بلا استثناء بما فيها إيران ما يجعل الرأي العام الدولي الرسمي والشعبي يتخذ موقفًا حازمًا ومساندًا  للإجراءات الأمريكية – الأوربية  ضد إيران رغم ضراوتها.

لذلك فإن إيران فإنها لن تجرؤ على أن تكون البادئة في ارتكاب متل تلك الحماقات وأن ما تقوم به من تهديد وتحركات لا يخرج فعلا عن نطاق الاستعراض وممارسة سياسة الخديعة التي تمارسها إيران منذ سقوط نظام الشاه، وخاصة في ظل ما تواجهه  الآن من تحديات داخلية  من حالة اضطراب وغليان بفعل الأوضاع الاقتصادية السيئة التي يعيشها الشعب الإيراني، وبدء حالة التململ بفعل ما ألحقه النظام بها من تنكيل بحقوقه الأساسية خاصة في صفوف الأقليات كالسنة والبلوش والأكراد وعرب الأحواز وغيرهم، ومع ذلك فإن أمريكا هي التي تحدد إذا ما كانت إيران تستمر في ممارسة سياسة الخديعة من خلال تصريحاتها، أم أنها ستتجه نحو المقامرة والتصعيد رغم ما تعيشه من تحديات وذلك وفقًا لما تفرضه أمريكا من سياسات وتحركات ليس على مضيق هرمز فقط ، وإنما على منشآتها النووية أيضًا، وعليه ما هي الأولويات الأمريكية المرفوضة من إيران والتي على واشنطن إعادة ترتيبها لإحداث نوع من التوافق غير المباشر فيما بينهما من أجل تحقيق المصالح الأنية لكل منهما في الوقت الراهن؟

الأولويات الأمريكية المرفوضة من إيران

انطلاقًا من أهمية شحنات النفط بالنسبة لاستقرار الاقتصاد العالمي، فإن المصالح الحيوية لأمريكا تفرض وجودها  لحماية منطقة الخليج، ومن أجل حماية تدفق البترول من دول الخليج إلى دول العالم، وعليه فإنه لا يمكن للقوات الأمريكية القيام بضربة استباقية للقوات البحرية الإيرانية  ما لم تبادر طهران إلى إغلاق المضيق وهذه هي أهم أولويات الإدارة الأمريكية في الوقت الراهن للمحافظة على مصالحها الاقتصادية من ناحية، وتجنب الظهور بموقف القرصنة الدولية من ناحية ثانية، حيث لا مبرر لها حينئذ بالتدخل العسكري طالما حافظت إيران على السير الطبيعي لمضيق هرمز، وهنا يمكن أن تتوافق الأولويات الأميركية مع السياسة الإيرانية  من حيث ضبط النفس  وعدم التعارض مع ما جاء في القانون الدولي الذي حدد  واجبات السفن في أثناء مرورها في مضيق هرمز حسب القانون الدولي.

  تعلم الإدارة الأمريكية أن ضرب المنشآت الإيرانية سيكون لها عواقب وخيمة في الوقت الراهن ،وفي مقدمة هذه العواقب هو إغلاق مضيق هرمز لأن إغلاق المضيق حينئذ نتيجة الاعتداء الأمريكي سيجعل حالة من التغيير في التوازنات و الاصطفافات فيما بين الدول وذلك على قاعدة المصالح خلافًا لما قد يحدث نتيجة إغلاق إيران المضيق دون مبرر ، مع إمكانية تدخل القوى الإقليمية الأخرى التي لها أطماع في المنطقة و نقصد هنا روسيا و الصين و التي ستتدخل من أجل حماية مصالحها أو تعظيمها من خلال استغلال هذا الموقف لصالحها،  ولذلك ستكتفي واشنطن كأولوية لها الآن بتأمين مضيق هرمز ومنع إيران من إغلاقه أو تهديد حركة الملاحة عبره ، حيث لا يمكن الاقدام على ضرب المنشآت الإيرانية دون الاقدام على تدمير كافة الدفاعات الإيرانية وتحصين مضيق هرمز من آية ردة فعل إيرانية  مع إنهاء القدرات العسكرية لحزب الله اللبناني الموالي لإيران أولًا  لما يمتلكه الحزب من قوة صاروخية يمكن أن تطال إسرائيل وهذا ما لا يمكن تحقيقه الآن في ظل نظام بشار الأسد الذي لا يرتبط بمعاهدة استراتيجية مع إيران  فقط، وإنما في ظل ما يتمتع به من دعم من الأسطول الروسي المتواجد قبالة الشواطئ السورية لحماية  هذا النظام وعدم السماح بإسقاطه ناهيك عما يجري في اليمن وما تتمتع به إيران، لذلك لا يمكن لأمريكا في الوقت الراهن ضرب المنشآت الإيرانية وبالتالي لا يمكن لإيران إغلاق مضيق هرمز ، وإنما سيبقى الصراع باردًا ، مع الاعتماد الأمريكي على عامل الزمن في اشتعال الثورة الإيرانية من الداخل لإضعاف القدرات الإيرانية.

انطلاقًا مما سبق، فإنه  لا يمكن  لإيران في الوقت الراهن على الأقل أن تبادر بإغلاق مضيق  هرمز نتيجة ما تتعرض له من تحديات داخلية وخارجية، كما أنه لا يمكن لأمريكا ووفقا لأولوياتها المرفوضة من إيران ومن بعض حلفائها أن تشن حربًا عسكرية على إيران حتى ولو كانت خاطفة وذلك لأن ضرب المنشآت النووية الإيرانية لن يؤدي إلى إغلاق مضيق هرمز وما يحدثه هذا الإغلاق من تداعيات على دول العالم المنتجة منها  للنفط والمستهلكة  فقط ، وإنما لاشتعال حرب عالمية ثالثة في ظل ما يحدث من عدم استقرار الأمور في اليمن وسوريا وتزايد  قدرات حزب الله ، ولذلك فإن المصلحة الاستراتيجية المقبلة للولايات المتحدة هي تحقيق مصالحها في إطار الحرب الباردة  كما أسلفنا سابقًا  إلى حين حسم الأمور في المنطقة لصالح سياساتها ، وهذا ما يجب أن تتفهمه دول الخليج العربي من أجل إبقاء الجسور مفتوحة على قاعدة المصالح المتبادلة و النأي بنفسها عن المواجهات.

مجلة آراء حول الخليج