array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 129

اليونسكو والعرب: المطالب المتبادلة.. والخلافات العربية المتصاعدة

الإثنين، 02 نيسان/أبريل 2018


تعد اليونسكو (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة) أحد أذرع الأمم المتحدة التى تشكل قوتها الناعمة فى العالم حيث يتركز نشاطها على مجالات التعليم والثقافات وحماية التراث العالمي، وهو ما جعل عملها بعيدًا إلى حد كبير عن الاستقطابات والتجاذبات السياسية العالمية والإقليمية، كما هو الحال فى مجلس الأمن الدولى والجمعية العامة للأمم المتحدة، التي تغلب عليها القضايا السياسية وينعكس عليها تفاعلات النظام الدولى والصراع بين القوى الكبرى فيه. 

أُنشئت اليونسكو عام 1945م، ويعمل بها ما لا يقل عن ألفي شخص فى مقر المنظمة فى باريس، يضاف إليهم 640 يعملون في 53 مكتبًا عبر العالم. وتقيم اليونسكو علاقات رسمية مع أكثر من 300 منظمة غير حكومية تعمل معها على برامج عديدة، جزء كبير منها يهدف إلى محاربة أزمة التعليم فى العالم وحماية التراث العالمي، الثقافي والطبيعي.

ومنذ إنشائها ساهمت بشكل كبير في حماية التراث العالمي وتعزيز الحوار الثقافي بين الشعوب والحضارات، وواجهت المنظمة في عملها تحديات كبيرة على رأسها التحدي المالي وضعف ميزانيتها، التى تصل إلى 653 مليون دولار، في ظل تزايد المخاطر والصراعات والحروب فى العالم وتدمير مدن بكاملها وزيادة أعداد الأميين والمتسربين من التعليم، وكذلك زيادة حدة الكراهية والصراعات الثقافية في العالم مع تصاعد التنظيمات الإرهابية المتشددة مثل داعش وجبهة النصرة وغيرها، وتصاعد في المقابل أحزاب وحركات اليمين المتطرف فى أوروبا والولايات المتحدة وتنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا وهو ما يلقي أعباءً كبيرة على منظمة اليونسكو فى دعم الأمن والاستقرار في العالم ومواجهة كل هذه التحديات.

وقد ألقت معركة اليونسكو الأخيرة فى أكتوبر من عام 2017م، لاختيار رئيس جديد للمنظمة خلفًا للبلغارية إيرينا بوكوفا، وعدم نجاح أيا من المرشحين العرب الخمسة في الحصول على المنصب كسيناريو تكرر أكثر من مرة، وفوز وزيرة الثقافة الفرنسية أودرى أزولاى, الضوء على علاقة العرب باليونسكو وماذا قدمت لهم تلك المنظمة وماذا قدم العرب لها وماذا ينتظر كل منهم من الآخر وما هو مستقبل العلاقة بين الجانبين.

اليونسكو والقضايا العربية:

المنظمة الدولية الأولى المعنية بقضايا ضمان وجودة التعليم والتعددية الثقافية والمحافظة على التراث، كانت من أكثر فروع منظمات الأمم المتحدة انحيازًا للعرب فى دعم حقوقهم الثقافية على خلاف مجلس الأمن الذي أدت توازنات القوى الكبرى فيه وحق الفيتو فى تعطيل المجلس عن القيام بمهامه في حفظ السلم والأمن الدوليين والدفاع عن القضايا العربية السياسية وعلى رأسها القضية الفلسطينية. فقد اتخذت المنظمة العديد من القرارات التى شكلت الحد الأدنى من الحفاظ على الحقوق الفلسطينية الضائعة تحت لعبة السياسة ومنطق الأمر الواقع الذى يفرضه الاحتلال الإسرائيلى عبر التهويد ونشر المستوطنات وقضم الأراضى الفلسطينية وتحدى قرارات الشرعية الدولية, وساعده في ذلك انحياز الولايات المتحدة، الراعي الرسمى لعملية السلام, للموقف الإسرائيلى مما ساعده على المضي في مخططاته، وجاءت قرارات اليونسكو بشأن القدس والأماكن الفلسطينية التاريخية لتؤكد هويتها العربية والإسلامية والفلسطينية وترفض إعطاء الشرعية القانونية على ممارسات الاحتلال.

فكان أبرز القرارات التاريخية لليونسكو في 23 نوفمبر 2011م، بقبول دولة فلسطين عضوًا بها وكانت بذلك أول وكالة في منظومة الأمم المتحدة، توافق على انضمام فلسطين دولة عضوًا، وهو ما أثار الولايات المتحدة وأوقفت عمليًا تمويلها لليونسكو منذ ذلك العام، وشكل هذا القرار دعمًا معنويًا وقانونيًا وسياسيًا لحقوق الفلسطينيين الثقافية التاريخية. ومع استمرار سياسة التهويد الإسرائيلية للقدس وأماكنها الإسلامية المقدسة والعمل على تغيير هويتها الإسلامية أصدرت اليونسكو قرارًا نهائيًا تاريخيًا فى 16 أكتوبر 2016م، بعد مصادقة المجلس التنفيذي، الذي يضم 58 عضوًا، يقضى بأن المسجد الأقصى المبارك تراث إسلامي خالص، نافية أي علاقة له باليهودية. وأيدت القرار 24 دولة مقابل رفض ستة دول، بينها الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وامتناع 26 عن التصويت.

وقد شكل هذا القرار نقلة نوعية مهمة فى دعم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي ورفض أي تغيير ديموغرافي في المدينة القديمة أو تغيير هوية معالمها، حيث تجاوز الإدانة إلى المطالبة بإلغاء الانتهاكات فى المسجد الأقصى والحرم القدسي الشريف وطالب بإنهاء الاحتلال وإلغاء القانون الذي سنته إسرائيل العام 1980م، والذي نص على ضم القدس الشرقية كعاصمة لدولة إسرائيل.

وأعاد هذا القرار التأكيد على الهوية العربية والإسلامية الأصيلة للقدس والمقدسات وأكد بطلان جميع انتهاكات وإجراءات الاحتلال منذ العام 1967م، قانونيا واعتبرها لاغية ويجب إبطالها وإلغاؤها فورًا. كما أكد هذا القرار على جميع قرارات اليونسكو السابقة والتى نصت فى بنودها على "أن المسجد الأقصى كامل الحرم القدسى الشريف وأنه مكان عبادة خاص للمسلمين، وأن طريق باب المغاربة وساحة البراق وقف إسلامى خالص وجزء لا يتجزأ من المسجد الأقصى المبارك، وأن الوضع التاريخى القائم في القدس هو الوضع القائم قبل احتلال القدس عام 1967. وأكد إدراج مدينة القدس القديمة وأسوارها، بناء على طلب الأردن، في قائمة التراث العالمي في عام 1981م، وفى قائمة التراث العالمي المعرض للخطر في عام 1982م، وبتوصيات وقرارات اليونسكو بشأن حماية التراث الثقافي، وكذلك بقرارات اليونسكو بشأن القدس.

كما أدرجت اليونسكو في 7 يوليو 2017م، مدينة الخليل في الضفة الغربية، على لائحة التراث العالمي الفلسطيني المهدد. وأضحى بذلك الحرم الإبراهيمي والبلدة القديمة في مدينة الخليل موقعان تراثيان وتاريخيان عالميان، بعد أن صوتت لجنة التراث العالمية التابعة للمنظمة على القرار بأغلبية 12 صوتا ومعارضة ثلاثة أصوات وامتناع ستة عن التصويت.

ورغم قرارات اليونسكو الداعمة للحقوق الفلسطينية إلا أنها تظل كبقية قرارات الأمم المتحدة خاصة قرارات مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة، حبرًا على ورق، في ظل استمرار إسرائيل لتحديها للمجتمع الدولى ولتلك القرارات واستمرارها فى تهويد القدس وتغيير طبيعتها الإسلامية والتضييق على سكانها المقدسيين والعبث بالمسجد الأقصى وتزايد الحفريات أسفله، ولذلك فإن قرارات اليونسكو حول القدس تحتاج إلى إرادة المجتمع الدولى لتنفيذها ولحماية المسجد الأقصى ومنع إسرائيل من المضي في مخططاتها.

وقد أثارت قرارات اليونسكو بشأن القدس والأماكن الفلسطينية حفيظة وغضب إسرائيل التي اتهمت المنظمة بالانحياز للفلسطينيين وزعمت اتخاذها موقفًا عدائيًا ضدها وإنكار الرابط التاريخى بين اليهود والمدينة المقدسة، كما اتخذت الولايات المتحدة قرار بالانسحاب من اليونسكو فى 12 أكتوبر 2017م، وقبل انتخاب مدير المنظمة الجديد، وفي ظل وجود أكثر من مرشح عربي، باعتبار أن رئاسة اليونسكو كانت مخصصة للمنطقة العربية هذه المرة، تحت زعم مخاوف الولايات المتحدة من تزايد ديون اليونسكو وضرورة إجراء إصلاحات جذرية في المنظمة ومن استمرار الانحياز ضد إسرائيل، وهو ما شكل ضغطًا كبيرًا في محاولة لمنع اختيار مرشح عربى لرئاسة المنظمة والضغط من أجل إنجاح المرشحة الفرنسية من أصل يهودي أودري أوزلاى، كما أن الانسحاب الأمريكى شكل ضربة كبيرة لدور المنظمة ومصادر تمويلها باعتبار أن الولايات المتحدة تساهم بخمس ميزانية المنظمة، وضربة للتعدية الدولية كما قالت المديرة السابقة بوكوفا، وإضعاف العمل الجماعي الدولي وتخلي الولايات المتحدة عن مسؤولياتها العالمية كقوى عظمى تقف على رأس النظام الدولي، خاصة بعد انسحابها من العديد من الاتفاقيات الجماعية الدولية الأخرى مثل اتفاقية التغير المناخي وغيرها.

ورغم الضغوط الأمريكية والإسرائيلية لمنع نجاح مرشح عربي لرئاسة اليونسكو إلا أن خسارة العرب لهذا المقعد يعود بشكل أساسي إلى العرب أنفسهم، وترشح أكثر من مرشح عربى فى نفس الدورة مما أفقدهم المنافسة، ودون التنسيق على اختيار مرشح واحد يتم الدفع به من خلال جامعة الدول العربية لكسب معركة اليونسكو، وهو ما أظهرته جولات اختيار مدير المنظمة خلال العقدين الأخيرين،ففي جولتي 1999 و2009م، تشتتت أصوات الدول العربية في اليونسكو بين المرشحين العربيين. في عام 1999م، تنافس المرشح المصري إسماعيل سراج الدين مع المرشح السعودي غازي القصيبي، وفى 2009م، تنافس المرشح الجزائري محمد بجاوي مع المرشح المصري فاروق حسنى وفى جولة 2013 ساءت الحالة العربية حيث تشرذمت الأصوات العربية بين المرشحين الثلاثة، العرب وغير العرب، بسبب فوضى الاختيار وفوضى التوقيت، وتنافس المرشح اللبناني جوزيف مايلا مع المرشح الجيبوتي رشاد فرح.

وتكرر نفس السيناريو مرة أخرى، حيث تنافس 9 مرشحين، منهم أربعة من الدول العربية هم المرشحة المصرية مشيرة خطاب، والمرشحة اللبنانية يرا خورى لاكويه، والمرشح القطري حمد بن عبد العزيز الكواري، والمرشح العراقي صالح الحسناوي، وهو ما حرم العرب من فرصة مهمة لقيادة المنظمة فى هذه الظروف الصعبة التي تعيشها الأمة العربية، وإبراز دورهم على الساحة العالمية، كما أن اختيار المرشحة الفرنسية أودري أزولاي أثار العديد من المخاوف حول دور المنظمة في دعمها للقضايا العربية خاصة القضية الفلسطينية، في ظل السياسة الإسرائيلية المتواصلة في القضاء على ما تبقى من القضية الفلسطينية.

ورغم أن مديرة اليونسكو أودري أزولاي أكدت على أن مهمتها الرئيسة الحفاظ على وحدة المنظمة ودعم دورها في تعزيز الحوار الثقافي بين الشعوب ومحاربة التمييز العنصرى ومواجهة التطرف والإرهاب بسلاح الفكر، إلا أن توجهات المنظمة في الفترة المقبلة بشأن العرب وقضايا لن تكون بنفس وتيرة التوجهات السابقة والدور الذي لعبته اليونسكو في دعم قضاياهم وعلى رأسها القضية الفلسطينية.

اليونسكو والتراث العربي:

الحفاظ على التراث العالمي وحمايته يعد من المهام الأساسية لمنظمة اليونسكو، وقد وُضعت قائمة التراث العالمي بموجب اتفاقية التراث العالمي الثقافي والطبيعي التي وقعتها مئة وتسعون دولة في عام 1972م، تنص هذه الاتفاقية على أن بعض مواقع العالم لها "قيمة عالمية استثنائية" ويجب أن تشكل جزءًا من التراث المشترك للبشرية. وضمت قائمة التراث العالمي في عام 2016م، تسعمائة واثنين وستين موقعًا فى مئة وسبعة وخمسين بلدا، منها سبعمائة وخمسة وأربعين موقعًا ثقافيًا، ومئة وثمانين موقعًا طبيعيًا، وتسعة وعشرين موقعًا مختلطًا.

وقد ساهمت اليونسكو في حفظ وحماية التراث العربى حيث وضعت العديد من مواقع التراث العربية ضمن قائمة التراث العالمي، وساعدت اليونسكو في إنقاذ وحماية العديد من المواقع الأثرية والتراثية العربية، فقد تعاونت اليونسكو مع مصر لإنقاذ آثار معبدي أبو سمبل وجزيرة فيلة من الغرق وقت إنشاء السد العالي، المعروفة بحملة إنقاذ آثار النوبة، وهي أول حملة دولية أطلقتها المنظمة في هذا المجال لإنقاذ هذه الآثار وتغطية نفقاتها. كما قدمت منظمة اليونسكو كل ما تملكه من صور الدعم المالي والفني لإعادة ترميم متحف الفن الإسلامي فى القاهرة ومقتنياته، بعد أن تعرض للتدمير نتيجة العملية الإرهابية التى تمت خارجه، كما ساهمت المنظمة فى إحياء مكتبة الإسكندرية الشهيرة "ألكسندرينا"، والتى دمرت منذ ما يزيد عن 2000 سنة مضت، بوصفها مركزا للتنسيق فى مجالات الثقافة والتربية والعلوم، ويعتبر مثالاً حيًا آخر لهذا التعاون الفكري.

وقامت اليونسكو، منذ سنة 1975م، بحماية المواقع الأثرية العجيبة فى المغرب والتى تحظى بقيمة استثنائية من طرف الإنسانية، خاصة في المدينة العتيقة بتطوان التى مازالت تحتفظ برونقها الفريد المتشعب بفضل المزيج الثقافي الأندلسي والعربي مما جعلها تأخذ مكانها ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي.

وقد أدرجت اليونسكو العديد من المواقع التراثية في السعودية في قائمة التراث العالمي مثل: مدائن صالح، التي أُدرجت عام 2008م، وحي طريف بالدرعية الذي أدرج عام 2010م، وجدة التاريخية التي أُدرجت عام 2014م، وحائل التي أُدرجت عام 2015م.

وساهمت اليونسكو أيضًا في حماية التراث غير المادي، حيث أقرت اليونسكو اتفاقية صون التراث الثقافي اللامادي في عام 2003ودخلت حيز التنفيذ في 20 أبريل 2006 م. وتم إدراج العديد من المواقع العربية في قائمة التراث اللامادي، ومنها العديد من المواقع السعودية مثل فن الصقارة 2012م، والمجالس 2015م، والقهوة العربية 2015، والعرضة النجدية 2015، والمزمار الحجازى 2016. وفى 6 ديسمبر 2017م، أعلنت اليونسكو إدراج فن "القط العسيري" (فن تزيين جدران المنازل في منطقة عسير)، فى القائمة التمثيلية الخاصة بالتراث الثقافي غير المادى لدى اليونسكو.

لكن في المقابل لم يكن هناك دورًا فاعلاً لليونسكو في حماية وإنقاذ التراث العربي الذى تعرض للتدمير في العديد من الدول العربية، ففى العراق تم تدمير العديد من الأماكن والمواقع الأثرية في الموصل وغيرها نتيجة للحرب بين القوات العراقية وتنظيم داعش الإرهابي، كما تعرضت العديد من المدن الأثرية والمواقع في سوريا مثل مدينة تدمر وقلعتها التاريخية التي دمرت بالكامل كذلك الحال في مدينة حلب التي هدمت أغلب مواقعها الأثرية ومنها قلعة حلب القديمة، وذات الحال في ليبيا في مدينة صبراتة التي تحوي العديد من الآثار الرومانية المهمة، وفى ظل اندلاع الحروب الأهلية والصراعات في الدول العربية مثل العراق وسوريا واليمن وليبيا، لم يكن هناك دورًا دوليًا ممثلاً فى منظمة اليونسكو فى حماية تلك المواقع، وهذا يعود فى جزء منه إلى الحروب المستعرة التي حالت دون الحفاظ على تلك المواقع، وإلى الفكر المتشدد لدى الجماعات المتطرفة التي قامت بتدمير تلك المواقع كما حدث في تدمر، وكذلك لضعف الإمكانيات المالية للمنظمة، لكن العامل الأساسي هو أن حماية التراث العربي لم يحظ بأولوية في أجندة المجتمع الدولي، خاصة في ظل تصاعد الأزمات الإنسانية في تلك الصراعات والاهتمام الدولي بها مما جعل قضية الحفاظ على التراث تتوارى في الاهتمام الدولي.

اليونسكو وحوار الثقافات والحضارات:

تعمل اليونسكو على إيجاد الشروط الملائمة لإطلاق حوار بين الحضارات والثقافات والشعوب على أسس احترام القيم المشتركة. فمن خلال هذا الحوار يمكن للعالم أن يتوصل إلى وضع رؤى شاملة للتنمية المستدامة، تضمن التقيد بحقوق الإنسان والاحترام المتبادل والتخفيف من حدة الفقر، وكلها قضايا تقع في صميم رسالة اليونسكو وأنشطتها.

وخلال العقدين الأخيرين خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر عام 2001م، في الولايات المتحدة, تصاعدت ظاهرة الإسلاموفوبيا في الغرب وتشويه صورة العرب والمسلمين والربط بينهم وبين الإرهاب وازدادت شوكة اليمين المتطرف في الغرب ضد العرب والمسلمين، وقد زادت هذه الموجة بعد انتفاضات الربيع العربي في عام 2011م، وتزايد التفجيرات التي قامت بها الجماعات الإرهابية مثل داعش والقاعدة في العديد من الدول الأوروبية، كذلك تزايد أعداد اللاجئين والمهاجرين العرب والمسلمين إلى الغرب نتيجة للصراعات والحروب في الدول العربية وقاد ذلك إلى تزايد حالة الكراهية بين الثقافات والشعوب واتجه العالم نحو مزيد من التوتر والتعصب ورفض الآخر، وهو ما يعكس فشل منظمة اليونسكو في أداء دورها الأساسي في تعزيز الحوار بين الحضارات والثقافات ونزع فتيل ألغام التوتر والكراهية ضد العرب والمسلمين في الغرب, والخلط بين المسلمين المعتدلين الذين يمثلون الإسلام الوسطي المعتدل الذي يعتنقه أكثر من مليار ونصف مليار مسلم، وبين التنظيمات الإسلامية الإرهابية التي لا يزيد عددها عن بضع عشرات الآلاف، تقوم بتوظف الدين الإسلامى الحنيف لأغراضها السياسية وأجندتها في الوصول إلى السلطة وتجنيد الشباب، وهو ما ساعد في تشويه صورة العرب والمسلمين لدى الغرب.

وفي هذا الإطار لم تلعب اليونسكو دورًا فاعلاً وإيجابيًا في تدعيم وتعزيز الحوار والتقارب بين الدول العربية والثقافة والحضارة العربية من ناحية وبين الدول الغربية والثقافة والحضارة الغربية من ناحية أخرى, ورغم أن اليونسكو رعت مؤتمرًا مهمًا للحوار الثقافى بين أوروبا والعالم العربي في نوفمبر 2016م، في مقر الجامعة العربية إلا أن حجم ومستوى غياب الثقة ونزعات الكراهية تحتاج إلى مزيد من المؤتمرات التي تجمع ممثلين عن العرب والغرب لتحقيق التعايش بين الثقافات والحضارات وتوسيع الدائرة المشتركة بين الجانبين والعمل المشترك لمواجهة النزعات اليمينية المتطرفة فى الغرب وتصحيح صورة العرب والمسلمين في العالم.

اليونسكو والتعليم في العالم العربي:

إذا كان التعليم هو أحد الأهداف الأساسية لليونسكو، فإن إسهام اليونسكو في هذا المجال في المنطقة العربية لم يكن أيضًا بنفس المستوى المطلوب في ظل تزايد أعداد الأمية في العالم العربى وتزايد أعداد المتسربين من التعليم والمحرومين من الحصول على فرص التعليم خاصة فى ظل الأزمات المستعرة التى شهدتها الدول العربية مثل سوريا والعراق وليبيا واليمن، نتيجة لتدمير المدارس والجامعات، ولم تنل أجيالاً كاملة حظها من التعليم بسبب المعارك العنيفة التي شهدتها تلك الدول ووجود ملايين من اللاجئين تعيش في مخيمات قاسية الظروف وتفتقر للخدمات الأساسية ومنها التعليم، وفى تقريرها السنوي أشارت اليونسكو إلى أن نحو 43% من الأطفال فى الدول العربية يفتقرون إلى المبادئ الأساسية للتعليم سواء كانوا في المدارس أو خارجها.

وفي ظل ضعف الإمكانيات المالية لليونسكو فمن الصعوبة أن تلعب دورها في نشر التعليم في الدول العربية التي شهدت صراعات وحروب طاحنة، حيث تحتاج إلى مليارات الدولارات لإعادة بناء المدارس والجامعات وإعادة اللاجئين إلى مدنهم وقراهم.

في المقابل خصصت اليونسكو يومًا للغة العربية في 18 ديسمبر 2012م، يتم الاحتفال به كل عام باعتبار اللغة العربية أحد اللغات الرسمية للأمم المتحدة ويتحدث بها ما يقارب 300 مليون عربي، كما تساهم اليونسكو في دعم التعليم العالي في الدول العربية عبر ما يُعرف بمشروع كراسي اليونسكو الجامعية الذي يكتسب أهمية كبيرة كونه يمثل شراكات علمية على مستوى العالم، كما يهدف إلى تطوير التعاون العلمى والبحثى ونقل التجارب بين الجامعات. وقد بلغ عدد الكراسى الجامعية لليونسكو حتى عام 2010م، حوالي 671 كرسيًا و86 شبكة لبرنامج توأمة الجامعات تشترك فيه 127 دولة عضوًا إلى جانب 790 مؤسسة مختصة في التعليم العالي حتى عام 2010م. وعند مقارنة وضع الدول العربية بالنسبة لعدد الكراسي الجامعية مع الدول الغربية وفق تقرير نشرته منظمة اليونسكو لعام 2009م، أظهر التقرير بأن عدد كراسي اليونسكو في الدول العربية تشكل 9% من عدد الكراسي الكلية أي حوالي 44 كرسيًا جامعيًا في جميع الدول العربية، وهو ما يتطلب مزيدًا من زيادة عدد كراسى اليونسكو في الدول العربية.

مستقبل العلاقة بين العرب واليونسكو:

مستقبل العلاقة بين اليونسكو والعرب تتوقف على ماذا يريده كل طرف من الآخر وما الذي يمكن أن يقدمه للآخر. العرب يريدون من اليونسكو أن تكون منظمة عالمية تمثل كافة الشعوب والثقافات والحضارات فى إطار من أن الاختلاف سنة والتعايش واجب، وأن تقوم بدورها فى تعزيز قيم التسامح والتلاقى بين الثقافات المختلفة، وأن تتعامل مع الثقافة والحضارة العربية باعتبارهما رافدًا أساسيًا في مسيرة الحضارة البشرية حيث إسهاماتهما التاريخية في مجالات المعرفة والثقافة والعلوم بكل أشكالها وأن تميز اليونسكو بين الحضارة العربية والإسلامية المعتدلة وبين مجموعة من الأفراد الذين حاولوا اختطاف تلك الحضارة وتطويعها لخدمة أهدافهم مما ساهم في تشويه صورتها في الغرب ولدى الثقافات الأخرى، ومن هنا تبرز أهمية اليونسكو في تدعيم الحوار بين الثقافات.

يريد العرب من اليونسكو أن يكون لها دور مستقبلي في المساعدة في ترميم الجراح التي خلفتها الحروب الأهلية العربية بين أبناء شعوبها، لإعادة اللحمة مرة أخرى للنسيج المجتمعى ونبذ ثقافة الكراهية والتعصب ونفي الآخر لتحل محلها ثقافة التعايش والمواطنة التي تساوي بين الجميع في الحقوق والواجبات.

يريد العرب من اليونسكو أن تساعد فى استيعاب وتأهيل أجيال عديدة من الأطفال الذين شردتهم الحروب ومنعوا من الحصول على فرصة للتعليم تنير لهم حياتهم وتمكنهم من العيش فى حياة طبيعية كريمة. يريد العرب من اليونسكو أن يكون لها دورًا أكثر فاعلية في الحفاظ على تراثهم وحمايته وإعادة ترميم ما دمرته الحروب الأهلية منذ سنوات.

في المقابل تريد اليونسكو من العرب أن يتوحدوا وينبذوا الخلاف والشقاق وأن يكون لهم دور في تمويل المنظمة ماليًا لدعم أنشطتها في المنطقة العربية في ظل الأزمة المالية الخانقة التي تعيشها المنظمة بعد انسحاب الولايات المتحدة الممول الأكبر لها. تريد اليونسكو من العرب وقف حروبهم وصراعاتهم ووقف نزيف الدماء والدمار الذي يخلف القتلى واللاجئين، وأن يتم تسوية الأزمات العربية بطريقة سلمية. تريد اليونسكو من العرب استعادة دورهم الثقافي والحضاري الحقيقي والإسهام في مسيرة التطور العالمي لتصحيح صورتهم لدى الغرب والعالم والتى شوهتها الحروب والصراعات والتطرف والتنظيمات الإرهابية، وأن يساعدها العرب في تمكينها من أداء دورها في خدمة قضايا التعليم والثقافة والعلوم والتراث في المنطقة العربية.

وإذا كان العرب فشلوا في الحصول على أعلى منصب في اليونسكو بسبب خلافاتهم وعدم اتفاقهم، فهذا لا ينبغي أن يؤثر على طبيعة العلاقة بين العرب واليونسكو والتى يجب أن تكون في إطار التفاعل المتبادل والتعاون المشترك من أجل خدمة القضايا العربية وتعزيز اندماج العرب في الثقافة العالمية في إطار من العطاء والتفاعل والـتأثير المتبادل.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*خبير العلاقات الدولية في الأهرام

 

مجلة آراء حول الخليج