array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 129

العولمة واقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي: الفرص والتحديات

الإثنين، 02 نيسان/أبريل 2018

ماهية العولمة

مثل كل المفاهيم، تتعدد تعريفات وفهم العولمة باختلاف المناظير، والمنطلقات،حيث يعرفها رونالد روبرتسون بأنها اتجاه تاريخي نحو تلاشي المسافات، وزيادة وعي الأفراد والمجتمعات بهذا التوحد، بينما يعرفها مالكوم واترز بالمستجدات والتطورات التي تسعى إلى دمج سكان العالم في مجتمع عالمي واحد.

ومن المنظور الاقتصادي، تعرف العولمة بالعملية التي تسعى لجعل النشاط الاقتصادي حول العالم محكوما بقواعد موحدة، ومن العالم سوقًا متصلة، في مقابل الوطنية والإقليمية، من خلال إزاحة الأسوار والحواجز بين الدول وبعضها البعض، بما يسمح بتدفق السلع والخدمات وانتقال رؤوس الأموال دون حواجز، ومن ثم تتحقق التنافسية بين الدول وبين الشركات.

ويرتكز المنظور الشرقي عموما للعولمة على خلفيته التاريخية وتوجسه من كل ما يأتي من الغرب، ويعتبر العولمة محاولة من الدول الرأسمالية المتحكمة في الاقتصاد العالمي تبحث عن مصادر وأسواق جديدة، مما جعلها تسعى لتوسيع حدودها الاقتصادية، وإزالة الحواجز بين الدول، لتسهيل تدفق السلع والخدمات، وانتقال رؤوس الأموال، وفتح الحدود أمام أنشطة الشركات متعدية الجنسيات، Transnational Corporations TNCs ولضمان ذلك تسعى لطمس هوية وثقافة الدول النامية.

وكما كان موقف بعض الدول النامية من الرأسمالية، اتخذت هذه الدول نفس الموقف من موضوع العولمة، وكأن كل ما يأتي من الغرب مرفوض، ومشكوك فيه. وكما نعتت الرأسمالية بالتوحش، وترقب انهيارها الوشيك والمتوقع كلما لاح في الأفق بوادر أزمة مالية، نعتت العولمة بالمؤامرة، وبأنها صورة حديثة للاستعمار الجديد، ووسيلة لنهب خيرات البلدان النامية.

لكن الرأسمالية في جوهرها نظام اقتصادي طبيعي، قوامه ملكية الأفراد  لوسائل الإنتاج، والقيام بإنتاج السلع والخدمات، مستهدفين إشباع احتياجاتهم وتحقيق  الأرباح، ومن ثم فإن من أهم خصائصها، الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج وموارد المجتمع،  والسماح بتراكم رأس المال، من خلال المدخرات والاستثمارات،  وإتاحة حق العمل بأجر لدى الغير، والعمل في إطار من الأسواق التنافسية الحرة.

جذور العولمة

الرأي لدينا أن جذور العولمة قديمة بقدم وجود البشرية على الأرض، وسعيهم لاستغلال الموارد الطبيعية، وتحقيق حياة أفضل، من خلال التواصل والتبادل التجاري وانتقال الأفراد ورؤوس الأموال، وتستند في ثوبها المعاصر على أحد المبادئ الرئيسة للرأسمالية، وهو مزاولة الأفراد والمنشآت للأنشطة الاقتصادية في إطار من التنافسية، وكما أن جوهر الرأسمالية ينظر للحكومات وتدخلها الاقتصادي بحذر، فإن العولمة تتعامل مع أية تشريعات حمائية تضعها الحكومات باعتبارها تؤثر سلبًا على مستوى الرفاه العالمي من خلال وضع حواجز أمام انتقال الموارد بين البلدان.

ومن هنا يبين الاتساق بين مبادئ الرأسمالية، وبين التوجه نحو العولمة، فبما أن الرأسمالية، كنظام اقتصادي، تربط نجاح النظام في تحقيق الكفاءة في استغلال موارد الدولة بالحرية الفردية والتنافسية بين الأفراد والمنشآت داخل الدولة، تري فكرة العولمة أن نجاح العالم في استغلال موارده وتحقيق اعتبارات الكفاءة، مرهون بحرية انتقال السلع والخدمات بين الدول، وحرية العمل وانتقال رؤوس الأموال، وتحقيق قدر عال من التنافسية بين الأفراد والشركات على المستوى العالمي دونما تمييز.

وكما تقدس الرأسمالية، كنظام اقتصادي، الملكية الفردية، وتفتح الطريق أمام كل إنسان لاستغلال قدراته وزيادة ثروته، وعدم الاعتداء عليها، من خلال سن القوانين اللازمة لنموها واطرادها، وعدم تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية، فإن العولمة تقدس حرية العمل وعدم تدخل الحكومات بإجراءات حمائية أو غير حمائية تحول دون ذلك، وكما تقوم الرأسمالية على حرية المنافسة والمزاحمة في الأسواق المحلية، تدعو العولمة لحرية المنافسة وعدم تدخل الحكومات بإجراءات تفضيلية، تميز بين الأفراد والشركات على المستوى العالمي، وكما تضمن الحكوماتحرية تحديد بحسب قوى العرض والطلب وفق متطلبات اقتصاد السوق، واعتماد السعر أساسًا للمنافسة، وترويج السلع والخدمات داخل الدولة، تدعو العولمة إلى ضمان حرية الأسعار العالمية كأساس للمنافسة بين الدول، ضمان عدم تدخل الحكومات في آليات عمل الأسواق، أو تقديم معاملة تفضيلية على أسس محلية.

ولما كان ظهور الحكومات في الدولة القومية، نتيجة للحاجة إلى سلطة فوقية داخل حدود الدول لضمان توفير مبادئ الرأسمالية، وتنظيم الحياة الاقتصادية، وحفظ حقوق الملكية، وإنفاذ القانون، كانت هناك حاجة لسلطات فوق الدول، تضمن إنفاذ ووضع قواعد اللعبة على المستوى العالمي، فكان التفكير في المنظمات الاقتصادية العالمية متعددة الأطراف، كي تقوم على حفظ النظام على المستوى العالمي، ممثلة في ثالوث منظمة التجارة العالمية، بجانب صندوق النقد الدولي، ومجموعة البنك الدولي.

ويعتبر التفكير في إنشاء مؤسسات اقتصادية متعددة الأطراف بمثابة استجابة لنقص تنسيق السياسات بين الدول خلال فترة الكساد الاقتصادي العظيم في ثلاثينيات القرن العشرين، حيث عانت العلاقات التجارية الدولية من جراء الأزمة المالية، وزاد من حدتها التخفيض المتعمد لقيمة العملات الرئيسية وإقامة الحواجز التجارية، فضلاً عما تبعها من تزايد عدد الفقراء وانتشار البطالة والتشرد، مما حدا بالكثير من الاقتصاديين البارزين أمثال جون ماينارد كينز، والسياسيين، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، المناداة بضرورة التعامل مع السياسات الاقتصادية الوطنية كمسألة مشتركة الاهتمام بين دول العالم، وإدخال ضوابط على هذه السياسات لتفادي التنافس في تخفيض قيمة العملة الوطنية، ومكافحة السياسات الحمائية والتوسع المتوازن في التجارة الدولية، وخلق بيئة عالمية مواتية للنمو الاقتصادي المستدام على المستوى العالمي.

من هنا جاء الاقتراح بإقامة ثلاث منظمات اقتصادية متعددة الأطراف، لتكون أعمدة هذه البيئة متمثلة في صندوق النقد الدولي لتحقيق التعاون النقدي والمالي بين دول العالم، ومنظمة التجارة الدولية للتعاون في مجال تحرير التجارة الدولية، والبنك الدولي لإعادة إعمار أوروبا بعد الحرب وتعزيز التنمية الاقتصادية في الدول النامية، الأمر الذي تم الشروع فيه في أعقاب الحرب العالمية الثانية.

وتعمل المنظمات الثلاثة بتعاون تحت الغطاء المؤسسي الذي تقدمه الأمم المتحدة، تحت شعار "التماسك" Coherence، وهو مصطلح نشأ وفق القرار الخاص بتحقيق قدر أكبر من التماسك في صنع السياسات الاقتصادية العالمية، واتفق عليه في الاجتماع الوزاري للمنظمة في مراكش، أبريل 1994م، مما يبين أن عملية صنع السياسات الاقتصادية العالمية تتضمن ترتيبات التعاون الرسمية والمحددة لمنظمة التجارة العالمية مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وأن نظام منظمة التجارة العالمية هو جزء واحد فقط من مجموعة أوسع من الحقوق والواجبات الدولية التي تربط بين أعضاء منظمة التجارة العالمية، وتشملها مواثيق البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.

 

إذن فالعولمة ليست وليدة اليوم، لكنها تطور طبيعي وامتداد للفكر الرأسمالي، بل هي مطلب من متطلبات الرأسمالية العالمية، لضمان نشر قواعد اللعبة على المستوى العالمي، وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص، بين الدول، أو إن شئت بين الأفراد والمنشآت على المستوى العالمي، ونشر مبادئ اقتصاد السوق، بإشراف منظمات دولية هي منظمة التجارة الدولية، ومساندة من الضلعين الآخرين البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.

  

ما الذي ساعد على تحقق العولمة وتوحد العالم وانكماشه حتى صار قرية صغيرة؟

رأينا كيف تمثل العولمة من المنظور الاقتصادي تنامي الاقتصادات العالمية الحرة، والقصد منها إزالة الحواجز الوطنية، وربط الاقتصادات العالمية ببعضها، بحيث تتنامى مع الزمن، وتكتسب زخمًا جديدًا، بفضل ثورة المعلومات، والاتصالات، والانترنت، وتقود الاقتصادات العالمية نحو مزيد من الاعتماد المتبادل بين بعضها البعض، من خلال المنظمات الثلاث الدولية متعددة الأطراف بما لديها صلاحيات ملزمة للدول باتباع القواعد التي يتم الاتفاق عليها.

وفي سعينا لرصد القوى الدافعة وراء هذه الظاهرة يأتي في طليعتها ضرورة التعامل مع السياسات الاقتصادية الوطنية كمسألة مشتركة الاهتمام بين دول العالم، وإدخال ضوابط على هذه السياسات بما يحقق التنافسية بين الدول، من خلال تخفيض وإزالة القيود التجارية على تدفق السلع والخدمات ورؤوس الأموالبين الدول، والتخلص من السياسيات التمييزية للمنتجات والنشطة المحلية، وقد ساعدت قوى أخرى كثيرة على التسريع بالعولمة، يأتي في طليعتها ثورة الاتصالات، وانخفاض تكاليف النقل، والنمو المتسارع في استخدامات الانترنت، ونمو الشركات متعددة الجنسيات، والتطور الذي حدث في التكتلات التجارية الإقليمية.

ورغم أهمية كل هذه العوامل في تحقيق العولمة، إلا أننا نبرز من بينها دور تحرير التجارة العالمية في توحيد العالم وتقاربه، دون أن نقلل من أهمية العوامل الأخرى، التي نعتبرها بمثابة قوي مساعدة، أدت إلى تسريع توحد العالم وتقاربه وتشبيهه بالقرية الصغيرة التي على تواصل واتصال مستمرين.

وبالتالي يمكن القول أن اتفاقية الجات 1947م، وما تلاها من مفاوضات خاصة بتحرير التجارة العالمية في جولات ومفاوضات طالت حتى إعلان جات 1994م، وقيام منظمة التجارة العالمية مطلع 1995م، تعد علامات بارزة في تدشين العولمة، حيث أسفرت عن تخفيض الحماية الجمركية وغير الجمركية، والتخلص من معوقات حركة التجارة العالمية، وتمكين الدول من استغلال ميزاتها التنافسية.

ويكفي أن نشير هنا إلى أنه في أعقاب جولة مفوضات أورجواي التي تعد أطول جولات المفاوضات متعددة الأطراف، والتي استمرت من 1986-1994م، تثمل نقطة انطلاق التجارة العالمية في السلع والخدمات، حيث أدت إلى نمو غير مسبوق في حجم التجارة العالمية بنحو 50% خلال 6 سنوات فقط أعقبت نهاية تلك الجولة من المفاوضات، وقيام منظمة التجارة العالمية حتى عام 2000م.

وتجدر الإشارة إلى تزايد الاهتمام العالمي بقضية تحرير التجارة العالمية، وما يترتب عليها من مزايا، وما يمكن أن يعتريها من مثالب، ففي حين طبقت 23 دولة فقط اتفاقية الجات 1947م، عندما بدأ العمل بها عام 1948م، وبعد 60 عاما تلت ذلك كانت هناك 153 دولة عضوًا في منظمة التجارة العالمية، تستفيد من مزايا تحرير التجارة على أساس مبدأ المزايا التنافسية، وزاد حجم التجارة العالمية من 5% من الناتج المحلى الإجمالي، عام 1948م، إلى أكثر من 25% من الناتج المحلى الإجمالي عام 2008م.

تأثير العولمة على التجارة العالمية

أكدت التجارب العالمية العلاقة بين عملية الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية وبيئات الأعمال المحلية الخاصة بالحكومات المنضمة، وأن الانضمام إلى المنظمة والالتزام بمبادئها، يحسن من مناخ الأعمال ويجلب الكثير من رؤوس الأموال من الخارج، الأمر الذي تدركه الكثير من دول العالم التي تسعى لأن تصبح عضوًا في منظمة التجارة العالمية، بسبب الفوائد التي ستجلبها عضوية منظمة التجارة العالمية إلى اقتصاداتها. ويبلغ عدد الدول الأعضاء في المنظمة 164 دولة حتى يوليو 2016م، يشكلون نحو 98% من التجارة العالمية، وهناك أكثر من عشرين (20) دولة تتفاوض للاتحاق بعضوية المنظمة، حيث يشترط على الدول التي تطلب العضوية أن تتوافق سياساتها التجارية والاقتصادية مع قواعد منظمة التجارة العالمية، وأن تتفاوض بخصوص شروط انضمامها مع الدول الأعضاء في المنظمة.

وقد تزايد حجم التجارة العالمية منذ الحرب العالمية الثانية، أسرع من معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي بمرة ونصف المرة (1.5 مرة) حتى العام 2016م، وارتفعت القيمة الإسمية، للتجارة العالمية في السلع والخدمات التجارية منذ إنشاء منظمة التجارة العالمية في عام 1995 حتى العام 2016 بنسبة 225 ٪، وبمعدل نمو سنوي متوسط ​​قدره 5.8 ٪، وزادت تلك القيمة بعد استبعاد أكبر عضو وفق القيمة التجارية (الصين) ، بنسبة 600٪، أو بمعدل نمو سنوي متوسط ​​قدره 9.7٪. خلال نفس الفترة.

وأصبح نصيب الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية من تجارة البضائع العالمية نحو 98.2 ٪ ،تستحوذ آسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية 88٪ من هذا المجموع، وزادت التجارة السلعية لأعضاء منظمة التجارة العالمية إلى 15.4 تريليون دولار عام 2016م، بزيادة من 11.7 تريليون دولار أمريكي في عام 2006م، وهو ما يعني أن دول العالم قد أصبحت تعتمد على بعضها البعض، وأن التجارة العالمية وحصيلة الصادرات تساهم بأنصبة أكبر في توليد الناتج المحلي الإجمالي، والدخل، والتشغيل، وزادت أهمية مضاعفة التجارة الخارجية في التأثير على النشاط الاقتصادي ومعدل النمو الاقتصادي متأثرة بما يحدث في بقية دول العالم.

كما زادت الصادرات العالمية من السلع المصنعة من 8 تريليون دولار أمريكي في عام 2006 إلى 11 تريليون دولار أمريكي في عام 2016م، وزادت الصادرات العالمية من المنتجات الزراعية بنسبة 70 ٪ منذ عام 2006م. حتى عام 2016م، بمعدل نمو سنوي بلغ 5 ٪ سنويًا، كما بلغ إجمالي الصادرات العالمية للخدمات التجارية نحو 4.8 تريليون دولار أمريكي في عام 2016 م، بالمقارنة مع 2.9 تريليون دولار أمريكي في عام 2006م.

وعلى مستوى اتفاقيات التجارة الإقليمية يواصل الاتحاد الأوروبي واتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (النافتا) الهيمنة على التجارة بين الاتفاقيات التجارية الإقليمية، حيث تمثل التجارة داخل الاتحاد الأوروبي 63٪ من إجمالي صادرات الاتحاد الأوروبي في عام 2015م، وفي منطقة نافتا، والأسيان، والسادك، والميركوسور، بلغ إجمالي التجارة البينية 50٪، 24٪، 18٪ و14٪ على التوالي.

التكتلات الاقتصادية الإقليمية

تمثل التكتلات الاقتصادية الإقليمية مجموعة من الدول تزيل الجمارك والحصص أمام التبادل التجاري فيما بينها، وقد تصاحب في بعض الحالات بفرض رسوم جمركية على الدول غير الأعضاء، ورغم ما يثار حولها خاصة، فيما يتعلق بتوجهاتها الإقليمية بعيدًا عن العولمة، إلا أنها قد شكلت اتجاهًا عامًا بين الدول وشجعت على مزيد من التبادل التجاري خاصة بين الدول الأعضاء، وتزايد توجهات الدول في مختلف المناطق نحو إقامة تلك التكتلات، فبينما تلقت الجات 124 إخطارًا بخصوص التكتلات الاقتصادية الإقليمية ما بين عامي 1948م، وعام 1994م، فقد بلغت هذه الإخطارات 240 إخطارًا منذ عام إنشاء المنظمة ، وحتى عام 2008م، وتضمنت تلك الإخطارات قيام تكتلات إقليمية جديدة، وانضمام دول إلى تكتلات قائمة، كما حدث في الاتحاد الأوربي الذي زاد عدد دوله من 15 دولة إلى 27 عام 2004م.

انخراط متزايد لدول الخليج العربية في العولمة

اندمجت دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بشكل متزايد في الاقتصاد العالمي منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي، بعد أن فتحت أبوابها تدريجيًا للتجارة العالمية تصديرًا واستيرادًا في السلع والخدمات والاستثمار الأجنبي المباشر، خاصة بعد أن انضمت تلك الدول بعد ذلك تباعًا إلى منظمة التجارة العالمية، وتزايدت درجة انكشافها على العالم الخارجي، حيث تجاوزت نسبة التجارة الخارجية إلى الناتج المحلي الإجمالي أكثر من 100% في كل من الإمارات والبحرين، وكانت أقلها السعودية.

وبقيت الإمارات العربية المتحدة من أكثر بلدان المنطقة انفتاحًا على الخارج عام 2015م، وبلغت نسبة انفتاحها التجاري على الخارج 167.7%، تلتها البحرين 105.5%، حيث تجاوزت النسبة أكثر من 100% بسبب كثافة إعادة التصدير في كلا البلدين، ثم عمان 87.3% فالكويت 74.6%،وقطر65.3%، وبلغت هذه النسبة في السعودية 57.9%، وهي الأقل بين دول الخليج، ومع ذلك تظل معبرة عن نسبة انكشاف عالية على العالم الخارجي.

وليس أدل على ذلك من أن المملكة أصبحت منذ انضمامها لمنظمة التجارة العالمية أواخر عام 2005م، واحدة من أهم مناطق العالم جذبًا للاستثمار الأجنبي المباشر حيث قفز نصيبها من الاتفاقات الداخلة من قرابة 2 مليار دولار عام 2004، قبيل انضمامها للمنظمة، قفز إلى أكثر من 12 مليار دولار في العام 2005، وهو عام الانضمام، ثم قفز إلى 18.3 مليار دولار في العام الأول للانضمام، واستمر في الصعود حتى بلغت ذروته عام 2008م، بنصيب بلغ قرابة 40 مليار دولار.

وتعتبر تدفقات الاستثمار الأجنبي أحد أهم المظاهر الرئيسة لحركة العولمة الاقتصادية، كما تعتبر هذه الاستثمارات بالنسبة لجميع الدول النامية إحدى أهم مصادر التمويل الخارجي لمشروعاتها الداخلية، بما تحمله من تقنيات حديثة، وخبرات في الإنتاج والتسويق.

كما يعتبر الاستثمار الأجنبي أحد أهم المؤشرات على نجاح الدول في ارتباطها بالاقتصاد العالمي، إذ أن توفير المناخ المناسب للشركات متعددة الجنسيات هو السبيل الأفضل لجذب الاستثمارات الخارجية، فقد أصبحت لهذه الشراكات أدوار كبيرة في الاقتصاد العالمي وزيادة تكامله، كما تساهم عبر نقلها للتقنيات الحديثة في رفع كفاءة الإنتاج في الدول المضيفة، وبالتالي زيادة القدرة التنافسية ورفع قدراتها التصديرية، خاصة في المنتجات السلعية، التي نتجت عن فتح الأسواق وتحرير التجارة وانتقال رؤوس الأموال.

وقد بادرت دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية منذ وقت مبكر في ترتيب أولوياتها للاستفادة من فرص العولمة والحصول على أكبر قدر من المكاسب، التي أكدتها دراسات تمهيدية لقيام منظمة التجارة العالمية، وتسعى هذه الدول لتأهيل اقتصاداتها للوصول إلى الكفاءة الإنتاجية والحصول على حصة مناسبة من التجارة العالمية، وأصناف أفضل من المنتجات بأسعار تنافسية، فضلاً عن قدرتها على اجتذاب الاستثمارات الأجنبية والتقنية المتطورة والمعلوماتية وصولاً إلى رفع مستوى الإنتاج.

وتتمثل أهم سبل استقطاب الاستثمار الأجنبي المباشر في إعادة صياغة السياسات الاقتصادية بما يوفر بيئة تنافسية وجاذبة للاستثمارات الأجنبية فضلاً عن إعادة هيكلة اقتصاداتها وإعطاء دور أكبر للقطاع الخاص، وهو ما تتجه له تلك الدول في الوقت الحالي بعد انتهاء الحقبة البترولية، ومع متطلبات تنويع هياكل الإنتاج، وتقليل الاعتماد على الدور الحكومي في قيادة الأنشطة الاقتصادية.

وتطبق حاليًا معظم دول الخليج سياسات وبرامج صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في تقليص دور الحكومة في النشاط الاقتصادي، وتقليل الإنفاق العام واللجوء إلى حشد الموارد الوطنية من خلال السياسات الضريبية السيادية كما هو حال بقية دول العالم، فضلاً عن تحرير الأسواق وزياد الاعتماد على آليات السوق وجهاز الإتمان في تخصيص الموارد، وتحقيق اعتبارات الكفاءة.

هناك فرق بين أن تكون هناك مخاوف من تأثير العولمة على الثقافة الوطنية والقيم الاجتماعية، وبين الانخراط في الاقتصاد العالمي، والانفتاح على العالم الخارجي، فتأثير العولمة على الثقافة الوطنية بالسالب يجب العمل على مواجهته، حيث لا تناقض بين الحفاظ على الهوية، والتمسك بالقيم الوطنية، وبين الانخراط في العولمة، فليس من قواعد اللعبة تغيير الهوية، كما أنه لم يعد متاحًا اليوم للغرب أن يمارس دور الهيمنة الثقافية بطرق قسرية، كما كان في الحقبة الاستعمارية، التي أعقبت الثورة الصناعية في أواخر القرن الثامن عشر، لكن التواصل والتأثير المتبادل وارد في كل الأحوال، وكما نتأثر يمكن أن نؤثر، بل إن فرصة الدول العربية، والخليجية أوسع، فالغرب لم يعد لديه تجمعات بشرية في الشرق، بل العكس صحيح، حيث تملك الدول العربية، جاليات ومصالح، لدى الغرب، تحمل معها موروث القيم والثقافات الشرقية.

 

 

 

 

 

 

 

 

درجة انكشاف الاقتصادات الخليجية على العالم الخارجي

نسبة التجارة الخارجية إلى الناتج المحلي الإجمالي عام 2015

 

UAE

SA

Qa

Om

Ku

Bah

 

77.6

26.8

19.4

41.5

27.1

52.6

الواردات

90.1

31.2

45.9

45.7

47.4

52.9

الصادرات

12.5

4.4

26.6

4..2

20.3

0.3

الميزان التجاري

167.7

57.9

65.3

87.3

74.6

105.5

التجارة الخارجية

67.8

12

2.7

13.6

21.9

23,9

نصيب الفرد من قيمة التجارة بالألف دولار

1996

2005

1996

2000

1995

1995

تاريخ الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية

البيانات مصدرها منظمة التجارة العالمية التقرير السنوي 2017

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أستاذ الاقتصاد جامعة المنوفية ــ المستشار الاقتصادي السابق جامعة الملك عبد العزيز السعودية

 

 

 

 

 

مجلة آراء حول الخليج