array(1) { [0]=> object(stdClass)#12963 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 129

مجلس التعاون الخليجي والآسيان... غلبة العلاقات الاقتصادية الثنائية

الإثنين، 02 نيسان/أبريل 2018

شهدت الفترة التالية للحرب العالمية الثانية تدشين موجة من تجارب التكامل الإقليمي داخل الدول النامية، وقد اتسمت هذه الموجة بعدد من السمات المشتركة، كان أبرزها وجود دوافع أمنية مهمة وراء تدشين هذه التجارب، ارتبط بعضها بالحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، حيث استهدفت محاصرة واحتواء "التهديد الشيوعي" داخل بعض الأقاليم، بينما ارتبط بعضها الآخر بوجود تهديدات استراتيجية محددة داخل الإقليم. وفي جميع الحالات كان "التكامل الاقتصادي الإقليمي" هو أحد المداخل أو الشروط الأساسية لمواجهة التهديد المشترك، سواء تمثل في التهديد الشيوعي أو تهديد استراتيجي إقليمي. كما اتسمت هذه التجارب بالاستناد إلى عوامل التماسك الجغرافي والتشابه القومي، حيث ارتبطت بأقاليم جغرافية محددة. وأخيرًا، وليس آخرًا، فقد جمع هذه التجارب أنها قامت على نموذج "الإقليمية التقليدية" old regionalism، التي اتسمت بالاعتماد على مركزية دور الحكومات في تحقيق عملية التكامل الاقتصادي، وسياسات تحرير التجارة على أساس تمييزي discriminative trade liberalization، بمعنى تطبيق حزم متتالية ومتدرجة من سياسات تحرير التجارة البينية وقصر امتيازاتها على الدول الأعضاء دون الأطراف الخارجية، بدءًا من منطقة التجارة التفضيلية، ثم منطقة التجارة الحرة، ثم الاتحاد الجمركي، ثم السوق المشتركة، وانتهاءً بالاتحاد الاقتصادي، والتي تتضمن وجود عملة مشتركة وعملة واحدة.

وعلى الرغم من نجاح معظم هذه المشروعات التكاملية في تحقيق الهدف الأمني من إنشائها، خاصة وقف المد الشيوعي، إلا أنها لم تنجح في تحقيق أهدافها الاقتصادية. ولعب انهيار الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة دورًا بارزًا في الانكشاف الاقتصادي لهذه المشروعات، إذ لم تنجح النسبة الأكبر منها في تحقيق هدف التنمية الاقتصادية، أو تحقيق التكامل الاقتصادي بين أعضائها، حيث ظلت معدلات التجارة الإقليمية البينية محدودة إلى حد كبير بالمقارنة بحجم العلاقات التجارية مع العالم الخارجي.

أولاً: عناصر تشابه بين رابطة الآسيان ومجلس التعاون الخليجي

وعلى العكس من الاتجاه العام لأداء مشروعات التكامل الإقليمي التي تأسست خلال مرحلة الحرب الباردة، تتعامل معظم أدبيات التكامل الإقليمي مع تجربتي دول جنوب شرقي آسيا (رابطة الآسيان ASEAN)، ودول الخليج العربي (مجلس التعاون لدول الخليج العربي GCC) كنموذجين للتجارب الناجحة داخل موجة "الإقليمية التقليدية". فمن ناحية، نجحت رابطة الآسيان، التي تأسست في أغسطس 1967م، في احتواء التهديد الشيوعي في منطقة جنوب شرقي آسيا، كما نجحت في تجميد النزاعات الحدودية البينية بين الدول الأعضاء، وتكريس عدد من المبادئ المهمة وعلى رأسها "عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء"، الأمر الذي حافظ في التحليل الأخير على حالة من الاستقرار الإقليمي في جنوب شرقي آسيا، ووقف التمدد الشيوعي بالإقليم واحتواء الدول ذات التوجهات الشيوعية. الأمر ذاته فيما يتعلق بمجلس التعاون الخليجي، الذي تأسس في مايو 1981م؛ فرغم أن "التهديد الشيوعي" لم يكن هو الباعث الرئيسي وراء تأسيس المجلس، لكنه نجح بشكل كبير في تحجيم "التهديد الإيراني"، وبناء "هوية خليجية" مشتركة في مواجهة المشروع الإيراني "الفارسي". كما نجح المجلس في الحفاظ على السمات الأساسية لأنظمة الحكم الخليجية في مواجهة المحيط الإقليمي المغاير، وتحجيم النزاعات البينية، بما في ذلك النزاعات الحدودية بين دول المجلس، وتحييدها طوال العقود السابقة. كذلك نجح المجلس في بناء نظام أمني جماعي في مواجهة الأطراف الثالثة (بمعنى منع أي عضو من الاعتداء على آخر، أو اشتراك أي عضو مع طرف ثالث في اعتداء على أي من الدول الأعضاء). ومثلت تجربة درع الجزيرة في وأد الاضطرابات التي شهدتها البحرين في عام 2011م، مثالاً مهمًا.

من ناحية أخرى، وعلى المستوى الاقتصادي، نجحت التجربتان في تعميق العلاقات الاقتصادية الإقليمية البينية، من خلال إزالة الحواجز أمام التجارة الإقليمية البينية، عبر تدشين مشروع منطقة الآسيان للتجارة الحرة ASEAN FTA في 1992م، والتي اتسعت لاحقًا لتشمل فيتنام ولاوس وميانمار وكمبوديا بعد انضمامها إلى الرابطة خلال الفترة (1995-1999م). بينما انتقلت دول مجلس التعاون الخليجي إلى مستوى الاتحاد الجمركي في عام 2003م، ثم تدشين مشروع السوق المشتركة في سنة 2008م.

وبمعنى آخر، فإن ما يجمع التجربتين هو نجاحهما في تطوير ما وصفه كارل دويتش بـ"مجتمع الأمن" security community، والذي يعني –وفقًا لدويتش-مجموعة من الدول التي طورت عبر فترة زمنية طويلة نسبيًا واقعًا من التكامل والتفاعل السلمي، يغيب فيه اللجوء إلى القوة في تسوية النزاعات والصراعات البينية.

ثانيًا: تطور العلاقات البينية

يمكن التمييز بين أكثر من مرحلة في تطور العلاقات البينية بين الآسيان ومجلس التعاون الخليجي. المرحلة الأولى، ما قبل عام 1990م، واتسمت خلالها العلاقات بين التنظيمين بالضعف الشديد، كنتيجة للانكفاء على مواجهة التهديد الإقليمي، وإدارة عملية التكامل الاقتصادي الداخلي. المرحلة الثانية، بدأت عقب عام 1990م، واتسمت ببدء التفاعل والانفتاح المتبادل بين التنظيمين. وجاء هذا الانفتاح نتيجة عوامل عدة. أولها، هو انتهاء الحرب الباردة وتراجع الأهمية النسبية للتهديد الشيوعي، الأمر الذي حرر رابطة الآسيان من "العبء الإقليمي"، المتمثل في مواجهة التهديد الشيوعي. ثانيها -ويرتبط بالأول-يتعلق باتجاه الآسيان إلى الانفتاح على القوى والترتيبات الإقليمية المناظرة، واستحداث صيغ جديدة للتعاون بين الآسيان وهؤلاء الفاعلين. فعلى مستوى الانفتاح على الفاعلين الإقليميين تم استحداث صيغة "10+3"، لتشمل دول الآسيان العشر بالإضافة إلى الصين واليابان وكوريا الجنوبية، وتوقيع سلسلة اتفاقات التجارة الحرة مع كل من الصين ACFTA (2010)، والهند AIFTA (2010)، وكوريا الجنوبية AKFTA (2010)، بالإضافة إلى اتفاق التجارة الحرة مع أستراليا ونيوزيلندا AANZFTA (2010م)، وإنشاء "منتدى الآسيان الإقليمي" ASEAN Regional Forum في سنة 1994م، كإطار معنى بمناقشة القضايا السياسية والأمنية ذات الاهتمام المشترك مع الفاعلين الإقليميين والدوليين المهمين في منطقة آسيا المحيط الهادئ. وعلى مستوى تطوير العلاقة مع الترتيبات الإقليمية المناظرة تم تدشين "القمة الآسيوية-الأوروبية" التي بدأت بالأساس بين الاتحاد الأوروبي (15 دولة) والآسيان (7 دول) في سنة 1996م، (بجانب الصين، واليابان وكوريا الجنوبية)، لكنها ما لبثت أو اتسعت لتشمل فاعلين آخرين من خارج الآسيان ودول أوروبية أخرى من خارج عضوية الاتحاد الأوروبي (51 دولة بجانب مفوضية الاتحاد الأوربي وسكرتارية الآسيان).

وعلى الجانب الآخر، جاء انفتاح مجلس التعاون الخليجي على الآسيان امتدادًا لانفتاح دول المجلس على القوى الآسيوية، في إطار ما يمكن وصفه بتطور سياسات خليجية للتوجه شرقًا looking east policy، عكستها تواتر الزيارات المتبادلة بين الدول الخليجية والآسيوية، وتنامي حجم العلاقات الاقتصادية الخليجية- الآسيوية، وحجم الاستثمارات الخليجية في قطاع الطاقة في عدد من الدول الآسيوية، خاصة دول الآسيان (منها على سبيل المثال لا الحصر الاتفاق الإماراتي- الماليزي في 2013م، لإنشاء خزانات للنفط بسعة 60 مليون برميل بولاية جوهو Johor الماليزية باستثمارات قيمتها 6.75 بليون دولار، والاتفاق الموقع بين شركتي أرامكو السعودية وبتروناس الماليزية في فبراير 2017م، لإنشاء مجمع للبتروكيماويات وتكرير النفط بماليزيا أيضًا، والذي وصف بأنه أكبر استثمار لأرامكو خارج المملكة).

والواقع أن السياسات الخليجية للتوجه شرقًا هي جزء من تحول عالمي، شمل الولايات المتحدة ذاتها، كنتيجة للتحولات المتسارعة في بنية النظام العالمي وتزايد الثقل النسبي للقوى الآسيوية داخل هذا النظام، الأمر الذي أدى إلى تزايد الأهمية النسبية لمصالح القوى والاقتصادات العالمية مع القوى والاقتصادات الآسيوية. وتزداد خصوصية هذا الوضع بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي بالنظر إلى تزايد الأهمية النسبية للطلب الآسيوي على النفط، وهو طلب متوقع أن يستمر في النمو بمعدل أسرع خلال السنوات القادمة بالنظر إلى ارتفاع معدلات النمو السكاني في عدد من الدول الآسيوية، وتسارع معدلات التحضر، ونمو الطبقة الوسطى، ما خلق مصلحة قوية لدى دول مجلس التعاون الخليجي للحفاظ على هذا الطلب والحفاظ على حصتها منه، كشرط رئيسي لتنويع أسواق الطلب واستدامة الطلب العالمي على مصادر الطاقة.

بمعنى آخر، فقد تطورت مصلحة مشتركة لدى رابطة الآسيان، ومجلس التعاون الخليجي في الانفتاح المتبادل، وتطوير العلاقات البينية، استنادا إلى مجموعة من المصالح المشتركة. في هذا الإطار، تم تدشين آلية الاجتماع الوزاري بين رابطة الآسيان ومجلس التعاون الخليجي في سنة 2009، والتي جاءت بمبادرة من الآسيان في يوليو 2008م، ولقيت استجابة سريعة من جانب مجلس التعاون الخليجي، حيث عُقد الاجتماع الوزاري الأول في (29-30) يونيو 2009م، في دولة البحرين. وقد أسس هذا الاجتماع لأجندة واسعة للتعاون المشترك، شملت مجالات الطاقة، والاستثمار، والعلاقات الاقتصادية والتجارية، والتعاون السياحي، ومحاربة القرصنة، وتشجيع التعاون بين القطاع الخاص من خلال "منتدى أعمال الآسيان-مجلس التعاون الخليجي"، والأمن الغذائي، والزراعة، بالإضافة إلى الحوار المشترك حول الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية وانعكاساتها على اقتصادات التنظيمين.

ثم جاء التطور الأكثر وضوحا مع انتقال الأطراف إلى طرح فكرة توقيع "اتفاق الآسيان-مجلس التعاون الخليجي للتجارة الحرة" ASEAN-GCC Free Trade Agreement.

وبالإضافة إلى هذه التطورات المهمة، فقد شهدت العلاقات البينية اتجاها إلى التحول بعيدًا عن صيغة "الغذاء مقابل النفط"، والتي هيمنت على هذه العلاقات لفترة غير قليلة، حيث مثلت دول مجلس التعاون الخليجي مصدرًا رئيسًا للواردات النفطية لدول الآسيان، بينما مثلت الأخيرة مصدرًا رئيسًا لواردات دول المجلس من الغذاء. فقد شهدت السنوات الأخيرة، خاصة بعد تدشين آلية الاجتماع الوزاري، حدوث تنوع كبير في طبيعة العلاقات البينية، لتشمل تزايد حجم الاستثمارات البينية، خاصة تنامي استثمارات دول المجلس في قطاعات النفط داخل دول الآسيان.

ثالثًا: استمرار ضعف الإطار الجماعي في مواجهة الأطر الثنائية

لكن مع التطورات المهمة التي شهدتها العلاقات بين مجلس التعاون الخليجي والآسيان، لازالت هناك بعض الإشكاليات التي تواجه انتقال هذه العلاقات إلى مستوى أكثر تقدمًا أو مستوى الشراكة الاستراتيجية المستدامة.

الإشكال الأول، يتعلق بعدم وجود علاقة واضحة بين إدارة العلاقات بين الجانبين على مستوى الكيانات الإقليمية، من ناحية، وإدارة هذه العلاقات على المستويات الثنائية، من ناحية أخرى. ففي الوقت الذي تم فيه استحداث آلية الاجتماع الوزاري لإدارة العلاقة بين التنظيمين، لازالت العلاقات الثنائية تسير بمعدل أسرع من تطور العلاقات المماثلة على مستوى التنظيمين الإقليميين. ويأخذ المستوى الثنائي هنا شكلين. الأول، هو العلاقات الثنائية بين دول الآسيان ودول المجلس، والثاني، هو العلاقات بين بعض دول المجلس ورابطة الآسيان، أو العكس، والتي وصلت إلى حد توقيع اتفاق للتجارة الحرة بين إحدى دول الآسيان ومجلس التعاون (اتفاق التجارة الحرة بين سنغافورة ومجلس التعاون الخليجي الذي دخل حيز النفاذ في سبتمبر 2013م).

وعلى الرغم من أن تطور العلاقات على المستويات الثنائية يلعب دورًا بلا شك في تعزيز العلاقات بين دول المجلس ودول الآسيان، ورغم أن اتفاق التجارة الحرة الذي تم توقيعه بين مجلس التعاون الخليجي وسنغافورة يمكن أن يمثل نموذجًا لاتفاق التجارة الحرة المطروح بين الآسيان والمجلس، إلا أن تكرس هذا المسار الثنائي بشكل عام، بشقيه، يمكن أن يمثل بديلاً للإطار أو الصيغة الجماعية، ويفقد الصيغة الأخيرة أهميتها النسبية، أو جدواها.

من ناحية أخرى، فإن ضعف صيغة العمل الجماعي بالمقارنة بالصيغ الثنائية، وهيمنة الأخيرة على العلاقات بين مجلس التعاون الخليجي ورابطة الآسيان، أدى بدوره إلى تحرر دول الآسيان من اتخاذ سياسات موحدة تجاه القضايا أو الأزمات الخليجية. صحيح أن الحقيقة ذاتها تنطبق على حالة رابطة الآسيان، حيث لم تصل الأخيرة بعد إلى مستوى تبني سياسة موحدة تجاه القضايا الخارجية، أو تنسيق السياسة الخارجية لدول الرابطة، لكن ضعف تعامل دول مجلس التعاون الخليجي ككتلة موحدة مع رابطة الآسيان أضعف من القدرات التساومية لدول المجلس في مواجهة دول الآسيان. كان ذلك واضحًا في مواقف دول الآسيان من الأزمة القطرية-الخليجية الراهنة. ففي ظل هذا الواقع السياسي، استطاعت قطر استغلال علاقاتها مع عدد من دول رابطة الآسيان لتخفيف العزلة المفروضة عليها، وهو ما نجحت فيه بالفعل أثناء زيارة أمير قطر لماليزيا وسنغافورة وإندونيسيا خلال شهر أكتوبر 2017م، وذلك رغم أن الزيارة كانت مخططة قبل بدء الأزمة. ونجحت الدول الثلاث في توقيع عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم وعقود الاستثمار مع قطر أثناء هذه الزيارة. ونجح أمير قطر، في المقابل، في انتزاع تصريحات داعمة للموقف القطري في هذه الأزمة، كان أبرزها إدانة رئيس الوزراء الماليزي، نجيب رزاق، بالدور القطري في محاربة الإرهاب، مؤكدًا اختلافه مع موقف دول المقاطعة فيما يتعلق بالاتهامات الموجهة لقطر، ما دفع –على ما يبدو-خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز، بدء جولة آسيوية في فبراير 2018م، شملت ماليزيا، وإندونيسيا، وبروناي، والمالديف، والصين، واليابان، كان من بين أهدافها بالتأكيد موازنة تأثيرات زيارة أمير قطر.

الأمر ذاته يمكن أن ينسحب على قضايا خليجية أخرى مهمة، مثل قضية العمالة الآسيوية بدول الخليج، والتي تأتي نسبة مهمة منها من دول جنوب شرقي آسيا؛ ففي ظل ضعف الإطار الجماعي وهيمنة الأطر الثنائية، من المتوقع أن تظل القدرة التساومية للمجلس في مواجهة الأسيان ودوله الأعضاء ضعيفة. وسيؤثر ذلك بالطبع على قدرة دول المجلس على فرض مواقفها بشأن هذه القضية حالة حدوث خلافات مستقبلية بشأنها.

الإشكال الثاني، يتعلق بضعف المكون الأمني في العلاقات بين المجلس والآسيان. وتأتي أهمية تطوير المكون الأمني في هذه العلاقات لأكثر من سبب، نشير إلى اثنين منها. الأول، يتعلق بصعوبة تطوير سياسة حقيقية للتوجه شرقًا من جانب المجلس تجاه القوى الآسيوية بشكل عام، ورابطة الآسيان بشكل خاص، دونما تطوير خطاب وموقف خليجي واضح بشأن القضايا الأمنية الآسيوية، جنبًا إلى جنب مع قضايا الاقتصاد والتجارة. ويصبح تطوير هذه السياسة ضرورة في ظل تسارع التحولات الاستراتيجية في مختلف الأقاليم الآسيوية، والصعود الصيني وما يفرضه من تداعيات، فضلاً عن الاهتمام الأمريكي المتزايد بالأقاليم الآسيوية بشكل عام، ومن ضمنها إقليم جنوب شرقي آسيا. العامل الثاني، يتعلق بالعلاقة القوية بين المصالح الخليجية والأمن الإقليمي في الأقاليم الآسيوية، سواء في جنوب شرقي آسيا أو الأقاليم المرتبطة به، خاصة في منطقة بحر الصين الجنوبي، وذلك بالنظر إلى اعتماد استمرار تدفق النفط الخليجي إلى الاقتصادات الآسيوية بشكل عام، ومن ضمنها اقتصادات الآسيان، بضمان الأمن الإقليمي في هذه الأقاليم، خاصة في المضايق البحرية وطرق التجارة. كذلك، لا يمكن الحديث عن علاقات استراتيجية مستدامة بين التنظيمين بدون تنوع هذه العلاقات وشمولها مختلف المجالات السياسية والأمنية بجانب المجالات الاقتصادية والتجارية.

في هذا السياق، يمكن طرح عدد من القضايا الأمنية التي يمكن أن تشكل أساسًا ضروريًا لتطوير العلاقات الأمنية بين المجلس والآسيان. يأتي في مقدمة هذه القضايا "الحرب على الإرهاب"، بدءًا من التعاون المعلومات والاستخباراتي، والعمل على تطوير مواقف مشتركة بشأن التنظيمات الإرهابية والسياسات الداعمة للإرهاب. وتأتي أهمية قضية الإرهاب بالنظر إلى طبيعة الموجة الراهنة من التنظيمات الإرهابية التي تتسم بالاعتماد على تجنيد الأجانب، وتجنيد العناصر غير المعروفة أمنيًا، فضلاً عن طابعها العابر للحدود والأقاليم. كذلك، تمثل قضية أمن المضايق والممرات البحرية من الموضوعات شديدة الأهمية بالنسبة للجانبين، الأمر الذي يفرض ضرورة تطوير رؤية مشتركة للتعامل مع هذه القضية، خاصة مضيق ملقا وبحر الصين الجنوبي، ومضيق هرمز.

لكن تجدر الإشارة إلى أن تطوير مثل هذه السياسة الخليجية تجاه القضايا والتحولات الأمنية ذات الصلة بالآسيان وإقليم جنوب شرقي آسيا يحتاج إلى درجة كبير من التوازن ومراعاة حالة النزاعات الحدودية، والصراعات، والاستقطابات القائمة بالإقليم والأقاليم المرتبطة بها. بمعنى آخر، فإنه إذا كان غياب مثل هذه السياسة قد يضر بمصالح العلاقات بين دول المجلس والآسيان، فإن وقوعها في فخ الاستقطابات والصراعات القائمة سيلحق أضرارًا أكبر.

وأخيرًا، واستنادًا إلى وجود مصلحة قوية لدى دول رابطة الآسيان في استقرار إقليم الشرق الأوسط وأمن المضايق المرتبطة بالخليج العربي، تجدر الإشارة إلى إمكانية تعامل مجلس التعاون الخليجي مع رابطة الآسيان باعتبارها مساحة لحصار السياسات الإيرانية، من خلال التأكيد على السياسات الإيرانية باعتبارها عامل عدم استقرار في الإقليم.

وبشكل عام، تتأكد حالة التداخل والاعتماد المتبادل بين المصالح الاقتصادية والأمنية لمجلس التعاون الخليجي ورابطة الآسيان على خلفية التطورات الجيو-سياسية والجيو-اقتصادية الكبرى عابرة الأقاليم، وعلى رأسها "مبادرة الحزام والطريق"، المطروحة من جانب الصين، بمكونيها البري والبحري، والتي تتضمن إنشاء عدد من الممرات الاقتصادية والشبكات عالية الكفاءة من الطريق البرية والحديدية، بجانب سلسلة من الموانئ البحرية والبرية وشبكات نقل النفط والغاز، و"محور الشمال- الجنوب" الذي تقف خلفه الهند وإيران وروسيا، حيث تقع منطقة الخليج بالمعنى الواسع، أو أجزاء منها، على خرائط هذه المبادرات.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

خبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية متخصص في الشؤون الآسيوية

 

مجلة آراء حول الخليج