array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 130

الجزائر والرياض: استراتيجية المصالح ودبلوماسية المواقف

الأحد، 13 أيار 2018

يٌنسب إلى وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر قوله إن الدبلوماسية هي فن تقييد القوة .. وهما مفهومان اختلط فيهما الحابل بالنابل حول أيهما غاب و أيهما حضر في الخلافات التي عرفتها المنطقة العربية في السنوات الأخيرة على إثر اجتياح موجة الثورات أو التي عرفت بثورات الربيع العربي، و ما آلت إليه المنطقة من التغيير الكامل في موازين القوى والتحالفات، فبعضها اشتد إلى حد القطيعة وراوحت أخرى في دور الخصومة، حتى وفق أصحاب النوايا الطيبة في إرساء الصلح وإرضاء المتخاصمين .. ففي وقت تصاعدت فيه الأزمة الخليجية بين أشقاء البيت الواحد دخلت العلاقات الخليجية ـ الخليجية في مواجهات غابت فيها الدبلوماسية العربية تقريبًا ولم تجسم أمر هذه الأزمة.. بينما ظهرت مواجهة من نوع آخر أكثر هدوءًا وقوة وما ميزها هو ظهورها السريع واختفاؤها الأسرع رغم استثمار العديد من أصحاب المصالح الضيقة في النفخ بالرماد لشق حبال الوصل بين أهم دولتين عربيتين هما المملكة العربية السعودية والجزائر، اللتان تشكلان ركيزتا العالم العربي، الذي يراهن على بقائه اليوم بالغالي والنفيس أمام تحديات الإرهاب والتقسيم واللا أمن ...

ولكن في هذه الفترة التي تجتاح فيها المنطقة موجة غبار كثيفة تعيق الرؤية نجحت الرياض والجزائر في الوصول إلى أرضية تفاهم صلبة تستوعب كلاهما بكل ما تعنيه كل دولة من ثقل تاريخي وديني ودبلوماسي وسياسي واقتصادي وكيف سيساهم ذلك في دعم اللحمة العربية المتآكلة.

لا يخفى على أحد أن تلك التوترات التي كانت تظهر بين الفينة والأخرى بين الجزائر و المملكة العربية السعودية كانت مرتبطة بالرؤية الخاصة لكل منهما لمجرى الأحداث في المنطقة، والمواقف التي يجب تبنيها تجاه هذه الأحداث وما مدى استعداد كل منهما للانخراط في النزاعات العربية بشكل جزئي أو كامل. فالجزائر التي تمتلك تجربة زاخرة في مكافحة الإرهاب بدت أكثر تحفظًا في تعاطيها مع التصدعات العربية ورفضت التدخل في شؤون أي دولة تشهد نزاعًا بين السلطة والمعارضة حتى على حدودها في ليبيا ومالي، ليس فقط اعتمادًا على ما ينص عليه دستور البلاد في مادته الـ 31 من فصل الدولة الثالث، وإنما للقناعة التي اكتسبتها من تجربتها الطويلة خلال فترة التسعينيات في مكافحة الإرهاب الداخلي ومواجهة محاولات التدخل لعدد من الدول في دعم المتمردين كما حدث مع إيران والسودان وأفغانستان.

وكل ذلك جعلها تنأى بنفسها عن المشاركة في تشكيل القوة العربية المشتركة التي تقرر إنشاؤها في الدورة الـ 26 لمؤتمر القمة العربية المنعقد بشرم الشيخ المصرية، وجاء ذلك في قرار رسمي و نهائي من الجزائر لا يقبل التفاوض والاكتفاء بالتعهد بتقديم الدعم اللوجستيكي المتمثل في التمويل والتدريب و التعاون الاستخباراتي، و كانت الجزائر قد رفضت أيضًا الانخراط في عاصفة الحزم لاستعادة السلطة الشرعية في اليمن، في ظل امتناع قاطع لتحريك جيشها الوطني خارج حدود الدولة، مفضلة مسلك الحوار والتفاوض لتحقيق السلام و درء النزاعات على مستوى بؤر التوتر العربية كافة، وهي إلى اليوم تدافع بكل إصرار لصالح الحل السلمي السياسي في إطار المصالحة الوطنية بين كل أطياف البلد الواحد، بعيدًا عن أي تدخل خارجي لصالح أي طرف أو لصالح مصلحة اقتصادية أو سياسية كانت لدولة ما سواءً عربية أو أجنبية وسعيها في ذلك كان جليًا في ليبيا ومالي على تخومها رغم أنها تعتبر المستهدفة الأولى و الخاسر الأكبر من التدخلات العسكرية الأجنبية التي شهدها البلدان، كما ناشدت في كل المنابر العربية والأممية التعقل لدعم مواقفها فيما يخص سوريا واليمن، وأيضًا التدخل في ليبيا عسكريًا و سياسيًا، في حين ثمنت كل توجه يرمي لنشر السلم في الأقطار العربية كما حدث في مصر بعد تنحية الدكتور محمد مرسي عن السلطة وتولي المشير عبد الفتاح السيسي مقاليدها، و قد توجت مجهودات الجزائر الحثيثة في مسعاها في اعتماد الأمم المتحدة يوم 16 مايو يومًا عالميًا للعيش معًا في سلام بمبادرة من الجزائر .. في المقابل نجد أن المملكة العربية السعودية، الدولة المفصلية والأهم بمنطقة الخليج و الشرق الأوسط، لم تتوان في اتخاذ المواقف الواضحة والأكثر حزمًا في التعامل المباشر مع النزاعات العربية رغبة منها في إنهاء الأزمات التي تدور في الدول المأزومة.

لكن في ظل التدخلات الخارجية والإقليمية تجاه هذه طال أمد الصراعات في هذه الدول، ففي سوريا مثلاً اقتربت الحرب من عامها السابع دونما نهاية ترى لها، وفي اليمن الحرب المفتوحة تدخل عامها الرابع دون انتهاء الصراع ومازالت جماعة الحوثي على موقفها.

في ظل هذه الأحداث تتجه المملكة العربية السعودية نحو تحديث مؤسساتها الداخلية وتحديث اقتصادها وتطوير أداء القطاع الخاص، وتطوير البنية الثقافية والترفيهية، بل والفكرية، واتخاذ خطوات مهمة وإيجابية على صعيد سياستها الداخلية والخارجية يقف خلفها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي العهد في المملكة الأمير محمد بن سلمان ما جعل من التغيير عنوانًا لمنهجها الجديد على كل المستويات، وهذا يكشف لنا أن المملكة العربية السعودية تمر بمرحلة جديدة واضحة بين ما سبق وما سيكون.. من هذا المنطلق نجد المشهد متغيرًا، حيث نجد الجزائر المحافظة، والسعودية المتجددة، تنظران من زاويتين مختلفتين للمشهد العربي ما أوجد نظرتين غير متطابقتين أحيانًا تجاه تطورات بعض الملفات العربية، خاصة الملفات التي تمس أحد الأطراف بشكل مباشر مثل ملف الصحراء بالنسبة للجزائر، فعندما قررت قمة مجلس التعاون الخليجي دعم المغرب خاصة الدعم الاقتصادي والاستثماري، ردت الجزائر بزيارة لوزير خارجيتها للشؤون المغاربية والإفريقية وقتها عبد القادر مساهل لدمشق في إعلان صريح لدعم الأسد، و كان قد سبق هذا مسألة التصنيفات الإرهابية التي رفضت الجزائر مجاراة الأشقاء الخليجيين والعرب فيها، كتصنيف حزب الله جماعة إرهابية و جماعة الإخوان المسلمين، كما أوجد موقف الجزائر من الأزمة مع قطر حساسية...

لكن، كل ما سبق كان مجرد سحابة صيف ثقيلة ولم يستثمر فيها إلا أصحاب المصالح الضيقة وغير المجدية، لأن رصيد البلدين الزاخر بمواقف الدعم والثبات و التكافل حتمت على الجزائر و المملكة العربية السعودية إعادة قراءة المشهد مرة أخرى وهذه القراءة المتأنية سمحت لكليهما بتوجيه دفة العلاقات المتميزة و الأصيلة بينهما إلى العودة سريعًا إلى مجراها الطبيعي الذي اتسمت به لعقود طوال، وتجسد ذلك في الاتفاق التاريخي لدعم أسعار النفط في اجتماع منظمة أوبك بالجزائر سبتمبر 2016م، و الذي لم يكن لينجح لولا الانخراط التام للمملكة العربية السعودية أكبر منتجي النفط في العالم لإنجاحه في ضيافة الجزائر كما يعد الالتزام المتكرر بهذا القرار منذ ذلك الحين نجاحًا آخر يتوج التعاون الجزائري السعودي، الذي يدعم بشكل دوري من خلال انعقاد اللجان المشتركة للتعاون و الشراكة وكان آخرها في الدورة الـ 13 المنعقدة بالرياض في شهر أبريل المنصرم، ومنتدى رجال الأعمال المشترك بين البلدين في دورته الحادية عشرة.

.. يقدر الجزائريون كثيرًا المملكة العربية السعودية قبلة المسلمين وحاضنة الحرمين الشريفين، وكذلك لطالما بقيت وستبقى الجزائر ممتنة و مقدرة بشكل كبير للمملكة و لكل الدول العربية التي ساهمت في دعم ثورة التحرير المجيدة، والمملكة تتفهم من جانبها أن الجزائر ذات تاريخ نضالي مشرف ولها باع طويل في الكفاح من أجل الحرية، وعليه فإن هذا الرصيد العظيم لكلا البلدين يجعلهما يشكلان قاطرة قوية للدفع بالمقصورة العربية إلى بر الأمان بعيدًا عن هواجس التقسيم والحرب والإرهاب، و إذا ما كان تعاونهما على المستوى الثنائي قد تعافى و ارتقى و درأ كل الشوائب فإن تعاونًا أوسع في مجال الصالح العربي سيكون مثمرًا أكثر بالاعتماد على ثقل كل منهما في مجاله، واتخاذ مواقف قوية مستندة في أساسها إلى احترام مبادئ القانون الدولي وسيادة الدول و حق الشعوب في الحرية و الحياة .. تعاون يقود إلى إعادة تشكيل الخارطة العربية بما يخدم المصالح العربية المشتركة شعوبًا وحكومات، ويفتح المجال لإصلاح هياكل العمل العربي والارتقاء بها لتمثيل عربي حقيقي يتعدى المحيط الخليجي للمملكة والإفريقي للجزائر ليكون تمثيلاً أمميًا يحسب له حساب. إن ما يجمع الجزائر و المملكة العربية السعودية والعالم العربي أكثر بكثير مما يفرقهم، ففي وقت نجح فيه الأوربيون رغم ما بينهم من خلافات واختلافات إلا أن ذلك لم يمنعهم من التناغم والوحدة و العمل المشترك الأمر الذي يجعلنا حقًا نخجل من خلافاتنا الضيقة التي تتسبب في توهاننا اليوم بين الخصومات و القطيعة

إننا نأمل أن تعود الأمة العربية بجناحيها في آسيا وإفريقيا للوحدة والاتحاد وتجاوز الخلافات البسيطة من أجل أهداف أعظم وأجل من كل اختلاف مهما كانت أسبابه ودواعيه، خاصة أن ما يجمع دول الأمة العربية أكبر مما يفرقها.

مجلة آراء حول الخليج