array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 131

النساء وصياغة النظام الأمنيّ العربي المستقبليّ: حتمية التمكين

الأربعاء، 06 حزيران/يونيو 2018

دفعت التحوّلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الأخيرة عددًا من صانعي القرار إلى إعادة النظر في سياساتهم ومناويلهم الاقتصادية والتفكير في مواقعهم الجديدة، ورؤيتهم للمستقبل. ولم يتخلّف المفكّرون بدورهم عن إبداء الرأي فيما يحدث فانطلقوا في تحليل مختلف الانعكاسات التي ستترتّب عن هذه التغييرات مقترحين أدوات فهم مختلفة وبراديغمات جديدة. ولم يكن بوسع العرب أن يكونوا خارج هذا السياق التاريخي الذي يستدعي التفكيك ومحاولة الفهم ثمّ البحث عن الحلول والبدائل فتعدّدت تبعًا لذلك المؤلفات التي تسعى إلى اقتراح مجموعة من الإصلاحات الهيكلية.

       ولئن دأب المثقّفون والمتخصّصون في رسم السياسات المستقبلية على التركيز على المجالين السياسي والاقتصادي على وجه الخصوص، فإنّنا نعتبر أنّه لابدّ من تغيير عدسة البحث والاهتمام بالمجال الاجتماعي وفتح المجال للنساء حتى يكن شريكات في صياغة السياسيات التي من شأنها أن تحدّد ملامح النظام العربي المستقبليّ، وهي شراكة فعليّة قوامها الاعتراف بالتكافؤ في الفرص بين الجنسين في مواقع صنع القرار ووضع الخطط المستقبلية.

1- دور التمكين في التنمية

       لقد سعت الدول العربية، على اختلاف توجهات حكّامها وحجم مواردها الطبيعية والمادية والبشرية، منذ القرن الماضي، إلى انتهاج سياسة التمكين وتأصيل مفهومه من خلال البحث عن النماذج النسائية التي امتلكت خبرات وكفاءة وقدرات جعلت النساء يساهمن في بناء الحضارة العربية الإسلامية. وبناء على ذلك تعددت التعريفات. فالتمكين من منظور البعض هو توفير الدعم والإسناد اللازمين إلى الجنسين دون تمييز بين الاثنين في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية. ومن الدارسين من قصر التمكين على النساء دون الرجال باعتبارهن من أكثر الفئات التي تعاني التمييز فرأى أنّ تمكين المرأة هو تلك العملية التي تصبح المرأة من خلالها فرديًا وجماعيًا واعية بالطريقة التي تساعدها على اكتساب الثقة بالنفس والقدرة على التصدي لعدم المساواة بينها وبين الرجل. ومال آخرون إلى الدفاع عن برامج التمكين باعتبارها الحلّ الأمثل لمقاومة التمييز وتغيير حيوات النساء وتحسين ظروف عيشهن وضمان حقوقهن.

       وإذا اعتبرنا أنّ جوهر السلطة يتمثّل في القدرة على الاختيار فإنّ التمكين هو المسار الذي يخوّل للفئات الهشّة ممارسة حقّ الاختيار وذلكبعد تنمية قدراتها وتأهيلها وتدريبها على تحمل مختلف المسؤوليات.[1] وليس ثمة شكّ في أنّ وعي مختلف مكونات المجتمع المدني بأهميّة تمكين الفتيات والنساء قد ارتفع في العشرية الأخيرة لعدّة أسباب يعود بعضها إلى دور المنظمات النسائية والجمعيات النسوية في التعبئة والتظاهر وحشد الدعم من أجل المطالبة بالحقوق فضلا عن توفّر إرادة لدى بعض الساسة جعلتهم يعملون على تغيير سياساتهم الاجتماعية.

       والمطّلع على مختلف التجارب العربية في مجال تمكين النساء سرعان ما ينتبه إلى التغيير الحاصل في مستوى الإرادة السياسية والوعي المجتمعي وكذلك في درجة إصرار مختلف مكونات المجتمع المدني، وخاصة الجمعيات النسائية على نشر ثقافة دعم النساء والسعي إلى تطوير مهاراتهن وإثبات كفاءتهن في عدّة تخصصات. ولا نعدم أمثلة في هذا السياق تبرهن على النشاط النسائي المكثّف الذي تهدف الناشطات الحقوقيات أو الجمعاويات من خلاله إلى التأكيد على أهمية التمكين النسائي ودوره في تحقيق التنمية المستدامة. ومن ثمّة فإنّه ما عاد بإمكان أيّ مجتمع أن يتطوّر ويحقق الرخاء ونصفه معطّل، وخبرات النساء فيه مهمشّة.

       وبالإضافة إلى النشاط النسائي على أرض الميدان لتوفير فرص التدريب وتعزيز القدرات، وضمان المشاركة النسائية في صنع القرار نلاحظ أنّ حجم الدراسات النسائية التي تعنى بالتعريف بمختلف أشكال التمكين قد تطوّر حتى أنّه بات من الصعب حصر القائمة البيبلوغرافية في هذا الصدد. وهي دراسات تروم تقديم التصوّرات والإحصائيات والبحوث المقارنة بين مختلف السياسات الإقليمية والعالمية والتقييم والنقد كلّ ذلك من أجل ضمان حظّ أوفر لجميع المواطنين بقطع النظر عن جنسهم وعرقهم ودينهم. ويمثّل هذا الإنتاج النسائي على وجه الخصوص وجها آخر من وجوه مشاركة النساء في التفكير في سبل تحقيق التنمية المستدامة وفي التفكير في البدائل المستقبلية.

       غير أنّ هذه الجهود المبذولة من أجل ضمان المشاركة الفاعلة للرجال والنساء معاً في بلورة برامج التنمية لا تزال في أغلب البلدان العربية محدودة. فالناظر في نسب مشاركة النساء في مختلف هذه المجالات ينتبه إلى التفاوت الواضح بين الفرص التي أفاد منها الرجال والفرص التي اتيحت للفتيات والنساء يكفي أن نشير في هذا الصدد إلى مشاركة النساء في المجال السياسي التي تعتبر محتشمة بالرغم من وجود نساء قياديات. وتعزى هذه الفجوة إلى عدّة عوامل لعلّ أهمّها البنى الذهنية التي دعمت ثقافة التمييز بين الجنسين وحافظت على الامتيازات الذكورية لارتباطها بمفهوم السلطة. وليس منع النساء من الخروج إلى الفضاء العام والمشاركة في الإنتاج والتنمية والإبقاء على الأدوار التقليدية وتوزيع السلط طريقة غير منصفة إلاّ علامة دالة على استمرار الرغبة في المحافظة على بنية اجتماعية تميزية.

       وبالرغم من هذه العوائق فإنّ ما يسترعي الانتباه في التحولات الإقليمية والتجارب التي مرّت بها بعض الدول في السنوات الأخيرة هو "مرئية النساء" visibility من خلال مقاومتهنوأفعالهن وأصواتهن وحضورهن في الساحات العامة بكثافة، ومساهمتهن في التغيير السياسي الاجتماعي. وقد أفضى هذا الحراك النسائي الذي يتجاوز منطق التصنيف حسب الطبقة الاجتماعية والسن والمستوى التعليمي،... إلى تحوّل المسألة النسائية إلى "المركز" وتحفيز واضعي السياسات على التفاعل مع مطالب النساء بطريقة إيجابية يكفي أن نشير في هذا الصدد، إلى ما تحقّق للمرأة السعودية من مكاسب، وما تحصّلت عليه النساء في المغرب وتونس وغيرهن من حقوق. ولكنّ التحولات الأخيرة كشفت النقاب أيضا عن التحديات الكبرى التي ستواجهها المجتمعات العربية في القادم من السنوات والتي لا تشمل الجانب الاقتصادي والاجتماعي فقط بل إنّها ذات وشائج بالمسألة الأمنية في جميع تجلياتها. فلا غرابة أن نلاحظ حركة وطيدة في المنطقة تشمل تطوير مراكز البحث والتنسيق بين مختلف البلدان والعمل المشترك من أجل صياغة نظام عربي مستقبلي يوفّر الأمن ويحفظ السلم.

ولكن أيّ موقع للنساء في صياغة النظام الأمني العربي المستقبلي؟وما هودورهن في مكافحة التطرّف العنيف؟  

2-في أوجه أخرى من التمكين: أدوار النساء في مجال مكافحة التطرّف العنيف

       كتب الكثير عن فضائل تمكين النساء ومزايا تشريكهن في صياغة القرارات وتعدّدت المقاربات الاجتماعية والسياسية والثقافية وغيرها. ولكنّ اللافت إلى الانتباه هو التغاضي عن إثارة أسئلة تتصل بسبل تمكين النساء في مجال مكافحة التطرف العنيف، وتشريكهن في وضع البرامج وكيفيّة التعامل مع مبادراتهن في هذا السياق فضلا عن إيلائهن المنزلة اللائقة بهن في مراكز البحث وداخل الهياكل المسؤولة عن وضع السياسات وصنع القرارات. ولعلّ سبب تهميش هذه المسائل راجع إلى نظرة أصحاب القرار إلى النساء على أساس أنّهن المحميات والمصونات وأنّ الرجال هم المسؤولون عن توفير الحماية للجميع هذا بالإضافة إلى هيمنة النظرة الذكورية إلى المؤسسة الأمنية والمؤسسة العسكرية.

وبناء على ذلك يغدو التمحيص في أشكال تمكين الفتيات والنساء، في تقديرنا، من أوكد الواجبات المنوطة بعهدة الحكومات في السنوات المستقبلة. ويتفرّع هذا التمكين إلى محورين: أحدهما يُعنى بوقاية الفتيات من خطر التطرف العنيف وتوعية النساء، وتشريك الفاعلات في المجتمع المدني في البرامج المخصّصة للنهوض الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي. أمّا المحور الثاني فيكمن في الاعتراف بقدرات فئة من النساء المتخصصات في دراسات الإرهاب أو الدراسات الأمنية أو دراسات بناء السلام أو دراسات العنف وغيرها، وفتح المجال أمامهن حتى يساهمن في إبداء الرأي ورسم السياسات والاستراتيجيات الخاصة بمكافحة التطرف العنيف.

الوقاية من خطر التطرّف العنيف

       تشير بعض الدراسات الأمنية [2]إلى أنّ مفهوم الأمن يتسع ليشمل: أوّلا التصدي للمظاهر السلبية كالتهديدات، والهشاشة وغيرها، وثانيًا العناية بالجوانب الإيجابية كتنمية القدرات وتطوير المهارات ووفق هذا الطرح تتنزّل برامج تمكين الفتيات والنساء. فكلّما دعّمت البرامج التوعية والتعليمية قدرات الفتيات والنساء على الفهم والتحليل وممارسة الفكر النقدي صرن أكثر حرصا على ممارسة حقهن في الاختيار بطريقة مسؤولة وبتنّ أكثر قدرة على اتّخاذ القرارات السليمة. وهذا يعني أنّ برامج مقاومة الأميّة والحدّ من ظاهرة الانقطاع المبكّر للفتيات عن التعليم، وتغيير برامج التعليم هي الوسيلة الأمثل لحماية هذه الفئات الهشّة من خطر الاستقطاب. فقد أثبتت الدراسات التي اعتنت بالتمحيص في أسباب الافتتان بالفكر الجهادي والانضمام إلى الجماعات المتشددة أو الانخراط في الأعمال الإرهابية أنّ أغلب الفتيات والنساء تعوزهن القدرة على الإدراك وليست لهن ثقافة متينة تخوّل لهن فهم 'الأجندة' الخفية لهذه الجماعات المتشددة.

       إنّ هذه السياسات متى احكم وضعها، ستكون صمّام الأمان الحقيقي والضامن الرئيس لتطوير بيئة اجتماعية آمنة لاسيما وأنّ الدراسات المهتمة بالأمن الإنساني Human security تشير إلى ضرورة ربط الاستراتيجيات الأمنية بالسياسات الاجتماعية إذ لا مجال لتحقيق الأمن في ظلّ مجتمعات تكرّس التمييز وتضطهد النساء وتحوّلهن إلى كائنات خاضعة يسهل السيطرة عليها. كما أنّه لا يمكن لواضعي السياسات الخاصة بالوقاية من خطر التطرّف العنيف الاستمرار في تجاهل أهميّة الربط بين تحديد الاستراتيجيات الأمنية وتمكين الفتيات والنساء في كلّ مجالات الحياة، وتوفير الفرص لهنّ حتى يتحوّلن من فئات هشّة تسهل السيطرة عليها إلى فاعلات في مجتمعاتهن: مقاومات للجهل والاستغلال والاستقطاب.

       ولا يمكن لهذه السياسات أن تنجح ما لم تتسّع قاعدة الفاعلين ذلك أنّ مسؤولية توفير الأمن لابد أن تلقى على عاتق الأفراد والجماعات، المسؤولين في القطاع الأمني والفاعلين في مختلف مكونات المجتمع المدني، على حدّ سواء. وينجم عن تشريك النساء في سياسات مكافحة التطرف العنيف تغيير نظرة المجتمع إليهن. فهن لسن 'ضحايا' ولا يمثلن الفئة الهشة في المجتمع التي تتطلب الحماية بل إنّ من النساء فئة مناصرة للسلام وعمولات من أجل التصدي للمخاطر التي تهدد الأمن الاجتماعي والإنساني. وهكذا يتغيّر مفهوم الأمن ليشمل بُعد المقاومة وتتحول النظرة إلى الفتيات والنساء تبعًا لذلك من الاستنقاص والدونية والتبخيس إلى الإقرار بوجود نساء فاعلات وذوات كفاءة متميّزة.

                وبالاطلاع على بعض التجارب في البلدان التي عانت من ويلات التطرف العنيف ننتبه إلى أهمية التمكين بالنسبة إلى النساء اللواتي يعشن في مناطق يهيمن عليها المتطرفون كباكستان وأفغانستان وسيريلانكا وغيرها. وقد تأسست جمعيات كثيرة تعمل على توعية الأمهات البسيطات وتثقيفهن من أجل مكافحة الفكر المتطرف. وقد وضعت استراتيجيات لإشراك الأمهات في مكافحة التطرف العنيف بناء على الاعتقاد السائد بأنّ الأم هي المسؤولة عن الأخلاق والقيم التي يكتسبها الأطفال وعن غرس الشعور بالمسؤولية تجاه الوطن وإقامة علاقات إنسانية إيجابية في محيط الأسرة والمجتمع.وعلاوة على ذلك قدّمت بعض الجمعيات الدعم اللازم لبعض النساء اللاتي كنّ يتعاملن مع المتطرفين بحكم عوزهن وحاجتهن إلى المال فيقدمن المؤونة أو يسدين بعض الخدمات. وما إن انطلقت الدورات التدريبية لتعليم النساء مهارات تخول لهن العيش بكرامة حتى صرن أكثر ثقة في أنفسهن ومن أشد المناصرات لبرامج مكافحة التطرف العنيف. وأفضت الدورات التكوينية إلى تمكّن النساء من رصد السلوك والتغيير الحاصل والتعرف على علامات التطرف العنيف لدى الأفراد وفي مجتمعاتهن المحلية ثم مقاومتها من خلال الحوار والتوعية وغيرها من الوسائل.

        ويتمثل الدرس المستفاد من مختلف هذه التجارب في" أن المرأة تستطيع المشاركة بفعالية شديدة في تغيير النزاعات ومعالجة مسائل التطرف العنيف، شريطة أن تملك القدرة الاقتصادية والدراية بتلك المسائل والمهارات اللازمة في مجالي المناقشة والتفاوض، وتؤدي أفرقة السلام النسائية، مثل مجموعات أمهات تولانا، دور عناصر التغيير من خلال أنشطة التوعية ومنع التطرف ودعم النساء الأخريات، وعن طريقالدعوة وممارسة الضغط من أجل إشراك المرأة في هياكل السلام والأمنالرئيسية واللجان، بما فيها الهياكل واللجان ذات التأثير على القوانين والسياسات.  وتقدم مجموعات أمهات تولانا المعنية بالسلام إسهامات ضخمة في تحقيق المصالحة المجتمعية ومعالجة الصدمات وكفالة الاستقرار في مناطقها أثناء هذه الأوقات العصيبة والمضطربة، بفضل ثقة السكان في أنها تمارس البناء داخل مجتمعاتها المحلية. وتعمل هذه المجموعات بمعية لجان إدارة المدارس ومع المعلمين والآباء في نشر رسائل السلام."[3]

       تثبت هذه التجارب وغيرها أنّ بإمكان الفتيات والنساء أن يتحوّلن إلى فاعلات في الواقع وأن يكنّ في الصفوف الأمامية دفاعًا منهن عن حق الحياة بسلام وترسيخًا للمواطنة المسؤولة.

تكافؤ الفرص بين الجنسين وإدماج النساء في مواطن صنع القرار

       نادرًا ما يتحدّث واضعو السياسات الأمنية عن الكفاءات المهنية "بتاء التأنيث" ذلك أنّ الخطاب الرسمي لا يعترف إلا بوجود رجال الأمن، ورجال الحماية المدنية، ورجال المطافئ وغيرهم والحال أنّ القطاع الأمني أدمج النساء في عدد من الاختصاصات فصارت لدينا الشرطة المجتمعية النسائية، والنساء الأمنيات وغيرهن ولكن تبقى اللغة ذكورية الهوى تحدّ من مرئية النساء. ولا تكمن المفارقة في مستوى الخطاب فقط بل إنّنا نجدها في مستوى آخر إذ نادرا ما تفتح المؤسسة الأمنية والمؤسسة العسكرية الأبواب أمام النساء اللواتي أثبتن قدراتهن في مجال تحليل التطرف العنيف ومقاربته من زوايا متعددة حتى يشاركن في تحديد الاستراتيجيات وصياغة الخطط والسياسات. ويترتب عن ذلك التهميش وقصور النظر هدر الطاقات والوقت وضياع فرص إثبات الذات.

       ولا معنى لتمكين النساء، في نظرنا، إذا ما اقتصر على تطوير قدراتهن في مجال مكافحة التطرف العنيف إذ ثمة علاقة عضوية بين التمكين (برامج تنمية المهارات وتوفير الموارد ...) من جهة، وفسح المجال أمام الفتيات والنساء لإثبات ذواتهن والفعل في الواقع من أجل تغيير بنية العلاقات التمييزية المبنية على هيمنة طرف على آخر، من جهة أخرى. ولا تعقد الصلة بين التمكين وأداء الفاعل النسائيagencyفحسب بل ثمة وشائج بين هذه المفاهيم والاستحقاقاتachievments إذ ما الجدوى من التمكين إن لم تستطع النساء تغيير واقعهن، وإن لم يتحصّلن على حق العمل في مواقع صنع القرار؟

       إنّ إحلال سياسات إدماجية قائمة على مبدأ تكافؤ الفرص بين الجنسين في تحصيل المعرفة وتنمية المهارات والعمل في مراكز صنع القرار داخل مختلف المؤسسات التربوية والاقتصادية والثقافية والسياسية ولاسيما الأمنية والعسكرية من أجله أن يحقّق للنساء مكاسب جديدة على قاعدة الجدارة والكفاءة لا العطاء والمنّ. وإذا ما علمنا أنّ تغيير مكانة النساء في مختلف المجالات بإمكانه أن يساهم في تغيير البنى الذهنية أمكن لنا القول إنّ إدماج النساء في وضع سياسات مكافحة التطرف العنيف من شأنه أن يحقق نتائج أفضل على صعيد الأمن الإنساني نظرًا إلى المساهمات القيمة للنساء.

       فإن رجعنا إلى الدراسات الأخيرة التي أنجزتها مجموعة من الباحثات النسويات الغربيات في مجال الدراسات الأمنية، ودراسات الأمن والسلام وغيرها بانت لنا العلاقة بين العنف المسلط على النساء والتطرف العنيف إذ غالبًا ما تستغل الجماعات المتطرفة ضحايا العنف الأسري فتوهمهن بأنّها ستوفر لهن الملجأ الآمن وهكذا تتحول الضحية من قبضة الأهل إلى قبضة الجماعات التكفيرية المسلحة.[4] وما كان للمتخصصين في مجال الدراسات الأمنية التفطن إلى هذه الوشائج بين مختلف أشكال العنف لولا إجراء عدد من الباحثات هذه الدراسات الميدانية.

       ويعزى الفضل أيضًا إلى الباحثات المتخصصات في الدراسات النسائية في كشف النقاب عن الصلة المتينة بين مظاهر اللامساواة بين الجنسين في المجال الاقتصادي مثلا، واستشراء التطرف العنيف. فالدعاية التي أنجزتها "داعش" على سبيل المثال تأسست على فكرة تمكين النساء من فرص أفضل للعيش بكرامة في "دولة الخلافة' تلك التي حرصت على توفير الحماية للنساء والكسب 'الشرعي'. والمطّلع على الشهادات والنصوص المنتشرة في شبكة الأنترنت يتفطّن إلى أنّ قيادات 'داعش' باتت تغري الفتيات والنساء بفرص لاختبار ذواتهن إذ أنّها فتحت المجال لذوات الكفاءة والمهارات لاحتلال مناصب هامة وقيادية. فإن كان الأمر كذلك مع 'داعش' فحريّ بكافة الجهات المسؤولة عن وضع السياسات مراجعة تصوراتها وخططها التنموية وسياساتها الأمنية.

       ومن النتائج التي توصلت إليها المتخصصات في الدراسات الأمنية أن الشعور بالإحباط والقهر والإحساس بالضعف وانسداد الأفق هو الذي يدفع عددًا من الفتيات والنساء إلى العزلة فيسهل استقطابهن والتلاعب بعقولهن واستغلال حاجتهن إلى الأمن النفسي. ويتضح من خلال الدراسات التي أنجتها الباحثات على اختلاف اختصاصاتهن، أنّ إدماج الجيل الجديد من الباحثات العربيات في مراكز البحث وصياغة الاستراتيجيات الأمنية بات أمرًا ضروريّا ومبرّر ذلك أنّه ما عاد بالإمكان تهميش هذه الكفاءات إذ من حقّ الجميع المشاركة في بناء الوطن كلّ من موقعه كما أنّ المواطنة المنشودة والتي تعتبر أس مشروع النهوض العربي تتأسس على المساواة وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية وغيرها من القيم.

الخاتمة

       إنّ تفسير الواقع المعقّد الذي تهيمن عليه الصراعات والحروب والعنف بأدوات تحليل مختلفة ومتنوّعة يسمح للمجتمعات المعاصرة بأن تعيد النظر في تصوراتها وممارساتها ونماذجها السياسية والاجتماعية والثقافية ومناويلها الاقتصادية ورؤيتها للعالم. ونذكر من بين هذه الأدوات التحليلية التي لم تشق طريقها بعدُ في العالم العربي: مقاربة النوع الاجتماعي التي توفّر لنا جهازًا اصطلاحيًا ومفهوميًا يسمح لنا بتفكيك بنية العلاقات الاجتماعية ومختلف التمثلات والأحكام السائدة ويمكننا من فهم طرق بناء الأنوثة والذكورة وغيرها من المسائل. وانطلاقًا من هذه الرؤية التحديثية التي تقرّ بالتقاطع intersectionality بين مختلف الاختصاصات يتسنّى للمؤسسات الأمنية والعسكرية الإفادة من هذه المكاسب المعرفية الجديدة وتوظيف مختلف المقاربات في صياغة السياسات المستقبلية.

       وليس تبنّي سياسات تحديثية وإدماجية على قاعدة المواطنية والديمقراطية التشاركية إلاّ الحلّ الأمثل في نظرنا، لحماية الشعوب من مخاطر التطرف العنيف والفقر والجهل وغيرها وابتداع مواقع جديدة في النظام العالمي الجديد. فالاستعداد للتفكير بالأزمنة الآتية وبموقع إنسان القرن الواحد والعشرين يتطلّب الانفتاح على مقاربات ومناهج جديدة من جهة، والإقرار بأهمية العمل المشترك على قاعدة الكفاءة لا الجنس، والعنصر، والسن وغيرها من المعايير. أمّا المقاومة والممانعة والضغط من أجل إبقاء الحال على ما هو عليه فإنّها ستؤدي بنا إلى مواجهة تحديات كبرى وستجعلنا خارج التاريخ.

 

[1] Kabeer(Naila), Gender equality and women’s empowerment: a critical analysis of the third Millennium Development Goal, Gender and Development Vol. 13, No. 1, March 2005,p13.

[2]Hoogensen,) Gunhild(. Gender, Identity, and Human Security: Can We Learn Anything from the Case of Women Terrorists?. Canadian Foreign Policy 2005; Volume 12 (1). ISSN 1192-6422.s 119 - 140.

3-مشاركة المرأة في تحويل النزاعات وحالات التطرف العنيف،لعدد 4 من المجلد الثاني والخمسين 2015

 نشر بموقع الأمم المتحدة ، بتاريخ 12-5-2016، تاريخ الاطلاع 30-5-2018.

https://unchronicle.un.org/ar/article/2174

[4]يمكن الرجوع إلى كتابنا : آمال قرامي، ''النساء والإرهاب'' دراسة جندرية (بمساهمة الصحفية منية العرفاوي)،مسكلياني للنشر، تونس 2017.

مجلة آراء حول الخليج