array(1) { [0]=> object(stdClass)#12963 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 131

تحديات النظام العربي: إمكانية بناء نظام فاعل محدد الرؤية والأهداف

الأربعاء، 06 حزيران/يونيو 2018

يواجه النظام العربي اليوم أزمات حادة ومثيرة ومقلقة تتصل بمتغيرات متداخلة ومتشابكة على الصعيد الداخلي والإقليمي والدولي، مع اشتدادها، يكاد أن يفقد صوابه والدخول في أتون متاهات يصعب الخروج منها بسهولة، لولا استنهاض المملكة العربية السعودية الهمم والانتباه إلى حساسية التحولات الجيو-سياسية التي بدأت ملامحها تتشكل في الخريطة العربية، وما تحمله من مخاطر باتت محدقة بالوطن العربي من محيطه الأطلسي إلى خليجه الهادر.

إن النظام العربي يواجه تحديات ضخمة سواء على مستوى بناء التنمية والإنسان ومكافحة حالة الضياع والفقر والتهميش كما يظهر في كثير من البلدان العربية، والتي قادت إلى أن تكون قاعدة ملائمة لتوليد الإرهاب بتوظيف واستغلال هذه الأحوال من قبل قوى مختلفة أغلبها تريد الشر للنظام العربي، فضلاً عن انبثاق ظاهرة الربيع العربي وما آلت إليه من نتائج عكسية. وعلى الصعيد الإقليمي يواجه النظام العربي مشاريع استعمارية بغطاء ديني أو تاريخي. أما على الصعيد الدولي أصبحت جغرافية النظام العربي مركزًا للصراع بين الشرق والغرب.

أزمات وتحديات تحدق بالنظام العربي:

يعيش النظام العربي في المرحلة الحالية أزمات عميقة على المستويات كافة، لعل أبرزها الأزمات والتحديات الأمنية التي تهدد الأمن العربي، وأخرى يطلق عليها بالغزو الناعم (الثقافي والأفكار الطائفية والمتطرفة ) وتأثيره في خلخلة البنى الثقافية والتاريخية العربية، كما أثرت وسائل الاتصال الحديثة في تغير القيم الاجتماعية والثقافية في المجتمع العربي، وانعكست آثاره بشكل كبير على أساليب التنشئة الاجتماعية فيه، فضلاً عما بات ينقل إلى المجتمع العربي من أفكار غريبة عنه تستهدف هويته وثقافته، فاستحوذت الأفكار الإرهابية والشعوبية والطائفية على عقول بعض الشباب العربي أدت إلى انقسامات عرقية وطائفية. شكلت مخاطر جدية على وحدة النظام العربي وهويته القومية متزامنة مع انتشار مظاهر العولمة التي أذكت الهويات الدينية والعرقية على حساب الهوية القومية الجامعة حتى أصبحت الأقليات المتعايشة مع العرب منذ أزمنة طويلة تطالب باستقطاع أجزاء من الأرض العربية دويلات مستقلة لها، وكأن هذه الأرض لا حارس ولا راعي ولا أهل لها. والشواهد على هذه التحديات كثيرة منها ما أصبح ماثلاً أمامنا اليوم بجلاء، فالسودان أصبح دولتين، والعراق وسوريا واليمن وليبيا ودول أخرى في شمال إفريقيا يهددها الانقسام والتقسيم، والعمل جار على قدم وساق تجاه مصر لضربها في وحدتها وثقافتها العربية، وتواجه أقطار الخليج العربية مخاطر وتهديدات إقليمية، ولا يكاد قطر عربي اليوم خارج لعبة ضياع الأرض العربية وتقسيمها. وينبغي الإشارة أن أسباب هذا الضعف ليس فقط بسبب العمل الخارجي إنما تعلب العوامل الداخلية أدوارها أيضًا، ويكفي أن نشير إلى ما تتركه الأوضاع القائمة في بعض البلدان العربية على فئة الشباب، والإشارة إلى الشباب هنا يأتي بعدهم القطاع الأكثر تأثرًا بالأوضاع المتردية في الكثير من البلاد العربية، وقد أشار تقرير التنمية الإنسانية لعام 2016 والصادر من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إلى أن الشباب العربي يتعرض إلى ضغوطات ومشكلات مختلفة نتيجة ما تتعرض بلدانهم إلى تحديات اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية والجدول التالي يوضح أهم التحديات في بلدانهم.

جدول أهم التحديات في بعض البلدان العربية (في المائة) ([1])

البلدان

الوضع الاقتصادي الفقر والبطالة وارتفاع الأسعار

الفساد المالي والإداري

تعزيز(تقوية) (الديمقراطية)

تحقيق الاستقرار والأمن الداخلي

أخرى

الجزائر

76.9

14.9

2.7

3.3

2.2

مصر

87.6

6.5

1.4

1.3

3.1

العراق

52.5

32.6

3.5

9.7

1.7

الأردن

81.0

14.0

11

0.7

3.3

الكويت

56.5

25.3

9.4

0.9

8.0

لبنان

60.6

24.4

3.5

7.1

4.3

ليبيا

23.1

32.3

2.3

0.7

41.6

المغرب

83.9

9.6

2.1

0.8

3.6

فلسطين

50.3

8.7

1.3

3

36.6

السودان

74.2

17.2

2.3

3.4

2.8

تونس

88.4

8.6

0.7

0.9

1.6

اليمن

74.6

17.1

3.9

2.8

1.6

ولعل ذلك يشير إلى أن المجتمع العربي يعاني من أزمات عدة، وهي تزاد ضخامة مع تزايد السكان في كثير من الأقطار العربية، الأمر الذي ينبغي أن يكون هناك توجه عربي جماعي على تمكين الشباب في بناء النظام العربي، وإلا تبقى حالة الوطن العربي فترة طويلة تعاني من مزيد من الأزمات، لاسيما إذا علمنا أن التنمية في البلدان العربية لا تزال دون الطموحإذا استثنينا دول الخليج العربية.

النظام العربي وضرورة المواجهة:

يستلزم التصدي للازمات والتحديات التي تواجه المجتمع العربي، بناء نظام عربي متكامل الأركان، اقتصاديًا وسياسيًا وثقافيًا وعلميًا وعسكريًا، وهذا لا يأتي بالخطابات أو بسياسة النأي بالنفس عما يجري من تحركات خطرة في المحيط العربي، بل بخطوات عربية شجاعة للتصدي لها، لحفظ الكرامة العربية.وهو يحتاج إلى قيادة عربية واعية للتعامل مع التغيرات الجيو-سياسية التي بدأت ملامحها تظهر في مناطق مختلفة من الوطن العربي لقوى خارجية معادية للعرب، والتي باتت تهدد أمنهم القومي دون تميز في نتائجه الكبرى بين دولة وأخرى، ولا بين نظام عربي وآخر.

ينبغي على أقطاب النظام العربي ،توفير مستلزمات مواجه الأوضاع الطارئة التي بدأت تتفاعل بشكل غير مسبوق على الأرض العربية، بالاعتماد على تأهيل وتفعيل القدرات البشرية والاقتصادية والطبيعة الذاتية، للشروع بتنمية معرفية ومن ثم الأخذ بزمام المبادرة للقيام بتنمية بشرية على وفق جدول زمني ينقل المجتمع إلى حالة الإنتاج الصناعي والزراعي لتحقيق الاكتفاء الذاتي، وهو لا يأتي إلا عن طريق التعليم والتدريب المهني والتأهيل المدروس لقدرات الإنسان العربي، إذًا الشعور بالمسؤولية الجماعية تجاه نهضة الأمة إحدى أهم المفاتيح الرئيسية لتأسيس مواقف عربية مشتركة في إدارة العلاقة مع الخارج وبناء مرتكزات راسخة لنظام عربي جديد .

مرتكزات النظام العربي الجديد:

         من ينظر إلى موقع الوطن العربي الاستراتيجي، سواء على مستوى الطرق البرية والملاحة الجوية والبحرية وتوسطه في منطقة حيوية من العالم، فضلاً عن ثرواته النفطية والغازية وقدرته على إنتاج الغذاء، وحجم سكانه الكبير، يدرك دوره الجيو-سياسي، على الصعيد الإقليمي والدولي، التي ينبغي استغلال هذه الإمكانيات في إرساء قوانين نظام عربي فعال تكون متوافقة مع قوانين النهضة التقنية والإلكترونية في العالم، وعليه فان أولى مرتكزاته تبني المعرفة الحديثة، وتحديث أدواتها باستمرار وتبني استراتيجية بعيدة المدى بهدف تأهيل النظام العربي الجديد ليكون في مصاف النظم الناهضة في العالم حتى تكون له القدرة على التفاعل معها حضاريًا، وفي الوقت نفسه يتمكن في ترسيخ الثقافة العربية، وقيمها الأصيلة بما يحفظ الهوية العربية في زمن العولمة، وأدواتها الاتصالية المتطورة، والتي باتت في متناول مختلف فئات المجتمع العربي، ولاسيما الشباب منها، والذي يعول عليها في بناء نظام عربي متطور يمد الإنسانية محبة وسلامًا، علمًا وعدلاً ،وهذا لا يأتي إلا بتحصين الشباب العربي ضد الأفكار الإرهابية والطائفية التي تستهدف النظام العربي بكاملة، والطريق إلى ذلك يتم عن طرق تنمية بشرية فعالة للقضاء على الثغرات التي يتسلل منها الأعداء. كذلك من مرتكزات النظام العربي الجديد الاهتمام بالإنسان العربي وتحسين حياته المعيشية وتحديثها في المجالات المختلفة، وما تطرحه المملكة العربية السعودية اليوم من مشروع تحديثي يمكن أن يكون مثالاً مناسبًا لبناء أساس للنظام العربي على وفق جدول زمني محدد، أيضًا من مرتكزاته صياغة علاقات عربية –عربية فاعلة تتجاوز كل العقبات، وتضع مصلحة العرب فوق كل اعتبار، فإذا ما تبلورت هذه الفكرة في النظام العربي، يمكن عندئذ القول أن الطريق أصبح سالكًا لبناء قوة عربية في المجالات المختلفة تكون قادرة على التعامل مع المحيط الإقليمي والدولي بثقة عالية. وعليه يمكن تلخيص مرتكزات هذا النظام، وكما يلي: في بناء معرفة عربية حديثة، وضع برنامج تربوي لمحاربة الأفكار المتطرفة، قيام حركة تحديث وتنمية مستدامة، بناء منظومة عسكرية دفاعية حديثة عربية متكاملة، بناء تصور سياسي عربي مشترك للتعامل مع العالم الخارجي، بناء مشروع عربي لمجابهة كل أشكال العنف الطائفي والعنصري، بناء منظومة عربية للدفاع عن النسيج المجتمعي العربي من خطر الانقسام، العمل على تأهيل نخبة مثقفة عربية تدافع عن الوجود الحضاري للنظام العربي وترسم ملامحه على وفق التفاعل مع الحضارة الإنسانية والقيم العليا للإسلام المتفاعلة مع مختلف الأديان واحترام الخصوصيات الثقافية في إطار النظام العربي ، ومقاومة أي مشاريع خارجية تتقاطع مع ذلك، وتهدد الأمن القومي العربي ، نشر ثقافة التسامح والمحبة وزرع الأمل في النفس العربية. ولا ينفصل ذلك عن ترسيخ مبادئ المساعدة الإنسانية الإغاثية للمناطق المنكوبة والتي تتعرض لمخاطر النزاع، وما ينتج عنها من حركة النزوح والهجرة.

اختلالات الربيع العربي والتوجهات الجديدة للنظام العربي:

ترك الربيع العربي خسائر فادحة انعكست على النظام العربي وأدى إلى خروج قوى عربية مؤثرة من دائرة التأثير ساهمت في تفكك النظام الجماعي العربي، وترك في بلدانه صراعات ونزاعات داخلية ولدت مجاميع مسلحة متصارعة تركت آثار سلبية على تلك البلدان وأخرجتها من دائرة التأثير في النظام العربي وفتحت الأبواب أمام القوى الخارجية الأجنبية في التدخل في شؤونها الداخلية وساهمت في تأجيج النزاعات والاقتتال الداخلي، لتحقيق مشاريعها ومصالحها على حساب النظام العربي بكامله، تجاوزت أهداف ما كان يطمح إليه الشباب في ربيعهم في أول الأمر، فلم يتحقق شيء بل أن مشكلاتهم الاقتصادية والاجتماعية والأمنية ازدادت سوءًا وتدهورًا. والشيء الأساسي هنا هو خسارة العرب إلى دول كانت تمثل منظومة داخلية جامعة لها بعض المحاسن على استمرارية النظام العربي العام، كما أن انهيار بعض النظم العربية الرسمية لم يتمخض عنه دول بمعنى الدول بل أصبحت معرضة للتقسيم وتراجعت مئات السنين إلى الخلف، وأن حالة العزل الذي أوجده الربيع العربي بين هذه الدول والقضايا العربية شجع أطراف إقليمية في الطمع بالأرض العربية وضرب النظام العربي، وتفتيت مرتكزاته الثقافية والاقتصادية والعسكرية لصالح مشاريعها التي تصب جميعًا في تقويض العمل الجماعي العربي وعزلهم بعضهم البعض، بل وإدخالهم في متاهات أيدلوجية وطائفية بعيدة كل البعد عن ثقافتهم وقيمهم . ولم يحصد الإنسان العربي فيها سوى إشاعة النعرات العرقية والطائفية والعشائرية، كما أفرز بؤرًا محمية للفساد نهبت ثروات الشعب.

وإزاء ما يشهده النظام العربي من مخاطر وتحديات حتى أصبح الأمر يتطلب صياغة نظام عربي يحفظ للعرب مكانتهم الإقليمية والدولية، ما يتطلب من الباحثين في شأن النظام العربي تحليل الأزمات والتي أضعفت النظام العربي، فالسودان أصبح دولتين، والعراق وسوريا واليمن وليبيا ودول أخرى في شمال إفريقيا يهددها الانقسام والتقسيم، والعمل جار على قدم وساق تجاه مصر لضربها في وحدتها وثقافتها العربية، وتواجه أقطار الخليج العربية مخاطر عديدة، ولا يكاد قطر عربي اليوم خارج لعبة ضياع الأرض العربية وتقسيمها. إلا أن الأمر الذي يمكن أن يعقد عليه الأمل في صياغة نظام عربي جديد فعال ،يكمن في كاريزمات البناء الاجتماعي العربي التي تعمل على إعادة بناء النظام العربي من جديد بعد تعرضه إلى صدمات كبيرة، وما يمكن أن تؤديه هذه القوى الذاتية في البناء المجتمعي العربي من العمل على استيعاب التغيرات ومن ثم الوصول إلى حالة التوازن ،ثم الوصول أيضًا إلى حالة الاستقرار، أي أن النظام العربي يمتلك قوى ذاتية تعمل على إعادة تشكله من جديد، وتبرز فاعلية ذلك، طالما هناك ما يمكن أن نسميه استشعار الخطر على النظام العربي وهويته، وإزاء ذلك لابد أن يتشكل واقع عربي بعملية تحديثية وبتوجه معرفي للأجيال الجديدة التي ستتميز تجربتهم بسمات جديدة من الإبداع والقدرة على قراءة الواقع قراءة موضوعية دقيقة .

إن القادم من الزمن ستتمخض عنه أجيال أكثر التصاقًا بالمعرفة الفنية أو التقنية ومخزن للمعلومات التقنية أي سيكون له دراية دقيقة بتكنولوجيا المعلومات وزيادة وعي المؤسسات في الدولة على توظيف الآليات الالكترونية في العمل الإداري وقدرتها على التميز في التنظيم والإبداع في إدارة الدولة، أي أن الأجيال الجديدة ستمتلك آليات متطورة في إدارة الدولة، وبناء مؤسساتها الإنتاجية والإدارية على أساس الأساليب الالكترونية التي تخلص العمل الإداري من الروتين والأساليب التقليدية التي تستغرق وقتًا طويلاً، وسيكون احترام الزمن من أبرز قيمها الحضارية، وبهذا سيكون النظام العربي قادرًا على تجاوز البنى التقليدية في الإدارة والتعامل الكترونيا في إنجاز مهام المؤسسات والذي سيقود إلى التميز التنظيمي، الأمر الذي يجعل النظام العربي يتفاعل مع التجارب العالمية في مجال التنظيم الإداري واستخدام التكنولوجيا ببنية عقلية تحديثيه يعول عليه في مشاريع تحديثية عربية واعدة تساعد النظام العربي على الانتقال إلى مرحلة جديدة من الإبداع يقودها جيل يتسلح بالمعرفة وتطبيقاتها في المجالات كافة لتتشكل ثقافة جديدة نابعة من الواقع العربي متجاوزة كل الأيدلوجيات المستوردة أو المقلدة ليؤسس نظامه بتوجهات معرفية وتربوية وتكنولوجية ونظم إدارية متطورة ،فالنظام العربي القادم سيكون أكثر قدرة على التعامل مع المتغيرات المؤثرة في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية، سواء الإقليمية أم الدولية بطريقة تخدم الإنسان العربي وتضع مصالح بلدانه في مقدمة الأولويات. كما أن ذلك لا يمكن أن ينفصل عن التوجهات نحو بناء قوة أو تحالف عربي وتكامل اقتصادي عربي سواء على مستوى الأقاليم العربية كما هو واقع دول الخليج العربي أو كما هو عليه الحال في المغرب العربي، فضلاً عن استقطاب قوى عربية كمصر والسودان وغيرها لتكون فاعلة فيه، كذلك ينبغي بناء مؤسسات سياسية قادرة على إدارة الأزمات بكفاءة والعمل على بناء سياسة إعلامية عربية تصب في توعية الإنسان العربي بأهمية النظام العربي واستنهاض القدرات والهمم لمواجهات المخاطر بأنواعها المختلفة، لاسيما وأن الوطن العربي يمتلك موقعًا جيو –سياسيًا مهمًا في قلب العالم، فضلاً عن قدراته الاقتصادية الهائلة التي بها يمكن مواجهة كل التحديات القادمة من الخارج ومعالجة المشكلات الاقتصادية من الداخل من خلال بناء استراتيجية التكامل التنموي المميز لنظام عربي فاعل، وهو قادم لا محال.

النظام العربي وعلاقاته المستقبلية مع محيطه الإقليمي والدولي:

           إذا سلمنا بان كل ما يحصل اليوم، هو في جوهره صراع بين محاور المصالح الاقتصادية والسياسية، الإقليمية والدولية على مناطق النفوذ الحيوية التي تتحكم بمشارق الأرض ومغاربها، فإن ذلك لا يخرج عن مسألة جوهرية هي أمن إسرائيل التي لا تختلف تلك المصالح بشأنه، وأن تحقيق ذلك لا يمكن أن يكون دون ضرب الثقافة العربية الإسلامية في صميمها، فعلى المستوى الدولي هناك المحور الأمريكي والغربي الذي يعمل على تقويض نفوذ الصين وحلفائها وتمددها المتزايد في إفريقيا وبلدان آسيوية أخرى، وبوابته المنطقة العربية، يقابله المحور الروسي والصيني مقابل تمدد النفوذ الأمريكي الغربي في الشرق الأوسط وفي أوروبا ولاسيما ما يعرف بنطاق الحدود التقليدية لروسيا ،وبوابته المنطقة العربية أيضًا، مع التسليم أن لكل من الصين وروسيا أهدافًا قد تبدو مختلفة عن بعضهما، إلا أنهما يبحثان عن مناطق نفوذ تمكنهما الحد من التمدد الأمريكي الغربي ابتداء من أوروبا، ولاسيما ما يتصل بأوكرانيا والصواريخ الاستراتيجية في أوروبا، إلى حافات البحر الأبيض المتوسط وشواطئ الخليج العربي، فضلاً عن مصالحهما في آسيا وإفريقيا، وهو صراع مدخله الأساسي اقتصادي بامتياز ، بعضها يتعلق بالسيطرة على مناطق النفوذ للسيطرة على مصادر الثروة كالنفط والغاز والأسواق في المنطقة العربية وفي بحر قزوين وغيرها، ما ينذر بسباق نووي جديد بين الشرق والغرب.

وعلى نطاق المدار الإقليمي للمنطقة العربية تنشط المشاريع الإقليمية ومنها الإيرانية والتركية والإسرائيلية، لكل منهم أهدافه، وهي كلها تسبح في بحر المصالح الدولية. أما العرب فهم الخاسرون لأنهم وقعوا بين أفكاك هذه القوى، ولا خلاص لهم إلا ببناء نظامهم العربي القادر على التعامل مع هذه الأطراف بما يحفظ مقدساتهم ويصون أرضهم.

لا يمكن رسم ملامح العلاقة بين النظام العربي والأطراف الإقليمية والدولية إلا بوعي النظام العربي بمخاطرالتحديات التي تواجهه، ويمكن العرب من التصدي الجماعي للمشاريع الإقليمية والدولية ووضع حد لكل الأطماع الأجنبية والتي لا ترحم أحدًا من العرب سواء المتهاون أو المتعاون منهم معها أو الذي يلوذ بالصمت و ينأى بنفسه عن كل ذلك، وهنا تكمن الخطورة إذا ما تفاقمت الأمور، ولم يمسك العرب بزمام المبادرة دفاعًا عن النفس، ما يجعل قيام نظام عربي واع أمرًا ضروريا، على كل العرب عدم التهاون بشأن بنائه.

إن التوقعات المستقبلية لعلاقات النظام العربي مع المحيط الإقليمي والدولي مرهونة بمسألتين رئيستين، الأولى مدى قدرة العرب على الاعتماد على أنفسهم في بناء قدراتهم الإنتاجية والبشرية والاقتصادية والسياسية والعسكرية والمعرفية. والثانية مرتبطة ما يجري في المرحلة الحالية من صراع في المنطقة العربية بعد إلغاء الولايات المتحدة الأمريكية المفاعل النووي الإيراني وما سيتمخض عنه من نتائج. وعلى الرغم من أهمية المسألة الثانية ، إلا أن المسألة الأولى تبقى هي الأكثر فائدة وأهمية على المستوى الاستراتيجي .فبناء نظام عربي رصين وقوي يمكن أن يكون مدخلاً مهمًا في بناء علاقات متوازنة مع دول الجوار قائمة على المصالح المتبادلة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وهذا التصور يمكن أن يكون واقعًا إذا امتلك النظام العربي عناصر وآليات القوة وهو لا يأتي إلا بفهم العرب لواقعهم وقراءته قراءة نقدية دقيقة والقناعة بان الانقسامات التي تشهدها الساحة العربية من مشرقها إلى مغربها لا تخدم إلا أعداءهم، كما أن بناء نظام عربي جديد يرتبط ارتباطًا محوريًا ببناء قوة إقليمية عربية محورية تمتلك عناصرها المتكاملة تمكنها من استقطاب العرب إليها، ولعل المملكة العربية السعودية أكثر الأطراف العربية تأهيلاً في تكوين النظام العربي ذات شأن ووزن في منطقة الشرق الأوسط يجمع حوله العرب في إدارة العلاقات مع دول الجوار بما يحفظ مصالح العرب وكرامتهم.

 

[1]-جدول 1.1 تقرير التنمية الإنسانية لعام 2016ا(الشباب في المنطقة العربية ، آفاق التنمية الإنسانية في واقع متغير) والصادر من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي- المكتب الإقليمي للدول العربية.

مجلة آراء حول الخليج