array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 132

العلاقات الإقليمية في الشرق الأوسط على ضوء تطورات الملف النووي الإيراني

الخميس، 26 تموز/يوليو 2018

منذ ثلاثة عقود والعالم يتابع المتاعب والتهديدات التي تتسبب بها الثورة الإيرانيةضد شعبها وشعوب المنطقة والعالم، وتحديدًا فيما تطلق عليه الجمهورية الإيرانية منذ نشأتها مبدأ تصدير الثورة، وكان من نصيب الشرق الأوسط أن يكون الميدان الأول التي تنطلق نحوه التهديدات الإيرانية الخارجية، بحكم الجوار الجغرافي والدواعي المذهبية الطائفية التي ترتكز عليها الثورة الإيرانية منذ نشأتها عام 1979م، وفي المقابل لم تتوقف جهود دول الشرق الأوسط المتضررة من هذه التهديدات من محاولة وقفها أو ردعها، أو محاولة إقناع النظام الإيراني الذي يتبنى هذه السياسات المتهورة والعدوانية بالتوقف عنها، بحكم حسن الجوار أولاً، وعدم إرهاق اقتصادها واقتصاديات المنطقة بهذه الأعباء التي يتحمل الشعب الإيراني قبل غيره نقمتها وويلاتها باستمرار، ولكن العقلية التي تقدمها القيادة الإيرانية أمام شعبها هي ادعاؤها أنها مستهدفة من أعداء الثورة في الخارج، وأن وسيلتها لحماية نفسها هو التسلح بكل أنواع الأسلحة التقليدية والمتطورة، مثل الصواريخ الباليستية بعيدة المدى والقابلة لحمل رؤوس نووية، وهذا ما يجعل المشروع الإيراني النووي تحت ضغوط دولية ومخاوف إقليمية، خشية تحول المنطقة كلها إلى سباق تسلح نووي دون استثناء، ولكن هذا الحرص الدولي لم يردع القيادة الإيرانية عن سياسة التسلح بل يزيدها عنادًا، كما جاء على لسان مرشدها الأعلى خامنئي باعتباره:" أن تشكيل تحالف دولي تتزعمه أمريكا ضد إيران هو دليل على قوة إيران"، في تصريح له أمام طلبة كلية دفاعية بتاريخ 30 يونيو/حزيران 2018م.

اتفاق (5+1) مع إيران حزيران 2015:

من أكبر الجهود الدولية التي بذلها العالم في العقد الأخير لمنع إيران من إنتاج أسلحة نووية هو الاتفاق النووي الذي وقعته إيران مع ستة دول كبرى في يونيو/حزيران 2015 م، وهذه الدول هي أمريكا وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين وهذه الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن والدول السادسة هي ألمانيا الاتحادية، ولذلك عرف الاتفاق في ذلك الحين باتفاق خمسة زائد واحد، ولكن حقيقته أن أمريكا ووزير خارجيتها السابق جون كيري هو من تولى التوصل لذلك الاتفاق، بحسب توجهات وقناعات الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، الذي كان يرى بأن الاتفاق هو السبيل الوحيد الذي سيمنع إيران من إنتاج أسلحة نووية، ولكن تغير الإدارة الأمريكية من الحزب الديمقراطي إلى الحزب الجمهوري برئاسة دونالد ترامب أدى إلى تغير الموقف الأمريكي، حيث كان الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران أحد شعاراته الانتخابية ديسمبر 2016م، وهو ما ألزم إدارته به بعد عام من توليه السلطة في أمريكا بالانسحاب من الاتفاق بصفة منفردة، بالرغم من معارضة الدول الخمس الأخرى لهذا الانسحاب علانية، بل إن الدول الأوروبية في حلف الناتو وهي فرنسا وبريطانيا وألمانيا مواصلة التزامها بالاتفاق النووي مع إيران خشية على المشاريع التجارية والمالية مع إيران وهي تقدر بعشرات المليارات من الدولارات، ولكنها لم تستطع أن تقنع أمريكا ولا إيران بذلك حتى الآن.

وبحسب وجهة النظر الأمريكية الجديدة فإن الاتفاق النووي السابق غير كاف لمنع إيران من إنتاج أسلحة نووية ولو بعد سنوات الاتفاق، والأخطر من ذلك أنه لم يشترط على إيران وقف إنتاجها للأسلحة الصاروخية الباليستية بعيدة المدى، كما لم يمنعها من تهديد المنطقة وتدخلها العدواني في شؤون دول المنطقة، فأصبحت هذه الخطوات أو الشروط هي المطالب الأمريكية الجديدة للتوصل إلى اتفاق جديد مع إيران، وتدعو أمريكا الدول الخمس ودول العالم إلى مساعدتها بالضغط على إيران لإبرام اتفاق نووي جديد يتضمن تلك الشروط الأمريكية، وهو ما تستصعبه تلك الدول الخمس أولاً، وهو ما ترفضه إيران حتى الآن رفضا باتًا ثانيا.

هذه الرؤية الأمريكية الجديدة نحو الاتفاق النووي الإيراني بخاصة، ونحو السياسة الإيرانية الداخلية والخارجية بعامة أوجدت تصورًا في العالم ولدى دول الشرق الأوسط بأن هناك هاجسًا أو خطرًا حقيقيًا في الشرق الأوسط اسمه إيران وثورتها وسياسة تصدير الثورة للخارج، وتدخلات إيران التدميرية في دول المنطقة في السنوات الأخيرة أكبر دليل على ذلك، كما حصل في العراق وسوريا واليمن ولبنان وبعض دول الخليج العربي وغيرها، أي أن إيران لا تستطيع أن تنفي أعمالها العدوانية في دول المنطقة وتسببها بأزمات دولية كبيرة من الهجرة القسرية لسكان العراق وسوريا ولبنان واليمن وغيرها، بل وارتكابها لمجازر دولية بحق الشعب العراقي والسوري واليمني واللبناني، فضلا عما ترتكبه من أعمال عدوانية في بعض دول الخليج والدول الإفريقية، بما يحدث اضطرابًا سياسيًا فيها، والأدلة على ذلك كثيرة وثابتة في ملفات القضاء والمحاكم في تلك الدول العربية وغيرها.

أخطاء الموقف الإيراني ومخاوفه من الانسحاب من الاتفاق النووي:

مما قد يمنح الموقف الإيراني حجة دولية في مسألة الاتفاق النووي هو حقها في امتلاك التكنولوجيا النووية لأسباب مدنية سلمية، وبالأخص في إنتاج الطاقة النووية في المستقبل بعد نضوب آبار النفط في يوم من الأيام، وهذا شأن توافق عليه معظم دول العالم أولاً، ومنظمة الطاقة الذرية ثانيًا، وهو ما لا تستطيع أمريكا أن تمنعه عن إيران، طالما أن إيران تعهدت بفتح مشاريعها النووية للتفتيش الدوري لمنظمة الطاقة الذرية وخبرائها المقيمين عبر كاميرات حديثة مثبتة في المفاعلات النووية الإيرانية، أو عبر زياراتهم الدورية إلى تلك المفاعلات دون إذن مسبق، وفي هذا المجال تنظر الحكومة التركية إلى حق إيران وكل دول العالم بإنتاج الطاقة النووية السلمية، بل ساهمت تركيا بتقريب وجهات النظر بين الدول الست وإيران في مرحلة المفاوضات الصعبة قبل توقيع الاتفاق النووي حزيران 2015م، واقترحت الحكومة التركية أن يتم تنفيذ بعض الشروط الدولية بالتقليل من كمية اليورانيوم المنضب قبل التزام إيران في الاتفاق على الأراضي التركية، وهو ما لم يتم حيث كانت الوجهة به إلى الأراضي الروسية، فروسيا هي صاحبة حقوق بناء المفاعلات النووية في إيران بأثمان باهظة أولاً، ولا يضر روسيا أن تأخذ اليورانيوم الذي صرفت عليه إيران أموالها وجهودها العلمية والتكنولوجية ثانيًا، فالموقف الروسي في الملف النووي الإيراني موقف مريب، سواء في مرحلة الانشاء والتصميم أو التنفيذ بل والكشف عن أسرار البرامج النووية عبر مخابراتها للأجهزة التي تخطط لمعرفة مواقع المفاعلات النووية وقصفها وتدميرها، وتدمير المفاعل النووي العراقي في الثمانينات من القرن الماضي، وتدمير المفاعل النووي السوري بعده وكلاهما في مراحلهما السرية ليس بعيد عن ذلك.

أما الحجة الإيرانية الثانية التي تتمسك بها بالدفاع عن اتفاقها النووي مع الدول الست هو أن أمريكا قد تفاوضت مع إيران حول الاتفاق النووي لسنوات طويلة، وقد أخضعت إيران لشروط قاسية بسلاح العقوبات الدولية القاسية، وحجزت لها أكثر من مائة مليار دولار في البنوك الأمريكية، والتي هي في الأصل ثمن صفقات بين النفط الإيراني وغيره، وكانت إيران تأمل أن يتم الإفراج عن هذه الأموال أولاً، ثم تتوالى الشركات الأمريكية والأوروبية للاستثمار في إيران، وهو ما ذكره وزير الخارجية الإيراني عراب ذلك الاتفاق من الجانب الإيراني جواد ظريف عند توقيع الاتفاق، وهو أن إيران قد كسبت ثقة الغرب عند توقيها هذا الاتفاق يونيو/حزيران 2015م، وهذا تصريح غريب من وزير خارجية دولة تدعي الثورية، ثم وزير خارجيتها يعتبر أن أكبر مكسب من ذلك الاتفاق مع الدول الست أن إيران كسبت ثقة الغرب.

وما تتمسك به الدول الخمس الموقعة على الاتفاق مع إيران باستثناء أمريكا هو أن ذلك الاتفاق هو اتفاق دولي، تم الاعتراف به من برلمانات تلك الدول، بما فيها البرلمان الإيراني والكونغرس الأمريكي نفسه، فالكونغرس الأمريكي أقر ذلك الاتفاق، بل وأقرته المنظمات الدولية المختصة، بما فيها مؤسسات الأمم المتحدة ذات الصلة، فكان انسحاب أمريكا منه منفردة هو بمثابة خروج أمريكي عن القانون الدولي، حيث أن خمسة دول كبرى موقعة على هذا الاتفاق، وقد عبر الموقف التركي عن نفس تلك الرؤية، حيث جاءت تصريحات الحكومة التركية غير مرحبة بالانسحاب الأمريكي منه، وحجتها أي الحكومة التركية أن هذا الاتفاق هو اتفاق دولي ملزم للدول الموقعة عليه، ما لم يتم مخالفة بنوده نفسها، بينما ما قدمته الحكومة الأمريكية بإدارة ترامب هو أن هناك شروطًا كان ينبغي على إيران أن توقعها قبل التوصل لذلك الاتفاق، ولذلك فإن ترامب لا يمتنع عن تحميل المسؤولية لسلفه الرئيس الأمريكي السابق بارك أوباما، الذي اعتبره بعض رجال إدارة ترامب بانه أي أوباما عاشق لإيران وثقافتها وحضارتها الفارسية، وأوباما أيضًا كاره للعرب وثقافتهم وحضارتهم، وأن أوباما فضل الانحياز السياسي والثقافي إلى الجانب الإيراني في قضايا منطقة الشرق الأوسط، وأنه هو من سمح لها أن تتمدد في الشرق الأوسط، وبالأخص في سوريا لتهديد تركيا، وسمح لإيران التمدد في اليمن لتهديد السعودية ودول الخليج العربي.

هذه الرؤية تؤمن بها إدارة ترامب، ولذلك تتكرر تصريحات إدارة ترامب بتهم تحميل إدارة أوباما مسؤولية المخاطر التي أحدثتها إيران في منطقة الشرق الأوسط، وأنها هي المسؤولة عن التهديدات التي قامت بها إيران في العراق وسوريا واليمن ولبنان وغيرها، وهذا وإن كان صحيحًا من حيث الواقع، ولكنه ليست سببًا قانونيًا لانسحاب أمريكا من الاتفاق النووي مع إيران، وإنما هي ذريعة لانسحاب أمريكا من الاتفاق فقط، وكذلك مطالبة إيران بإخضاع أسلحتها الباليستية لشروط ذلك الاتفاق، فهذه ذريعة أيضًا، ولذا ينبغي البحث عن الأسباب الحقيقية وراء انسحاب أمريكا من ذلك الاتفاق، وقبل الإجابة لا بد من التسليم بأن إيران هي حليف عسكري لوزارة الدفاع الأمريكي أكثر من أية دولة من دول الشرق الأوسط، بما فيها تركيا أو أحد من الدول العربية، ولا يتم استثناء دولة من دول الشرق الأوسط إلا الدولة الإسرائيلية فقط.

مما هو معلوم ومشهور أن اللوبي الإيراني في أمريكا أقوى من اللوبيات العربية والإسلامية غير العربية أيضًا، وأن اللوبي الإيراني في أمريكا تعاون مع اللوبي الإسرائيلي الصهيوني اليهودي في أمريكا في التخطيط لغزو أمريكا لأفغانستان عام 2001م، وأن اللوبي الإيراني والصهيوني قد حرضا الحزب الجمهوري واليمين الأمريكي المتطرف بغزو العراق عام 2003م، وأن التعهدات التي قدمتها لإيران لمساعدة الجيش الأمريكي في احتلال العراق كانت راجحة في تبني وزارة الدفاع الأمريكي (البنتاغون) لهذا الغزو المتهور للعراق، وما الجيش الطائفي الذي أعدته إيران على أراضيها للمشاركة في احتلال الأراضي العراقية بعد القصف الجوي الأمريكي للعراق سوى دليل قاطع على هذا التحالف، فقد قامت إيران وجيشها بدوره على أكمل وجه، فتولى هو القيادة العملياتية على الأرض قبل الجيش الأمريكي بعد إسقاط النظام العراقي السابق، وأن هذا الجيش الإيراني قام بتصفية كل المنظومة العسكرية والاستخباراتية للجيش العراقي السابق، بل وتقديم التسهيلات للموساد الإسرائيلي لاغتيال علماء العراق وتدمير مؤسساته العلمية ومشاريعه التكنولوجية، فهذه معلومات موثقة ولا يجهلها دارس لتاريخ العراق منذ قيام الجمهورية الإيرانية عام 1979م،فأمريكا اعتمدت على إيران لتدمير العراق ومن قبله تدمير أفغانستان، وقد واصلت هذا التحالف في تدمير سوريا واليمن وتعطيل لبنان وتقويضها وتسليمها لمليشيات حزب الله الشيعي اللبناني، والرئيس الأمريكي ترامب وإدارته لا يجهلون ذلك، ولا يعملون ضده ولا إلغائه، بل الأرجح أن أمريكا تعمل للتعاون مع إيران لتدمير باقي دول الوطن العربي، وقد وجدت في المليشيات الإيرانية وأتباعها ضالتها بالهمجية المطلوبة لتدمير الوطن العربي بما فيه دول الخليج، دون أن تتحمل أمريكا وزر ذلك ولا كلفته المالية ولا قتل جندي أمريكي واحد، ولكن إيران تعتبر أنها أخذت ثمن تدمير العراق وتدمير سوريا وتدمير اليمن بتوقيع الاتفاق النووي السابق وأنها كسبت ثقة الغرب كما قال جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني.

أي ان إيران في الغالب تعلم بأنها لا تستطيع بلع الوطن العربي بعقليتها السوداء الحاقدة، فقد عجزت عن ابتلاع سوريا وحدها، لأن أمريكا لم تكن إلى جانبها مباشرة كما فعلت معها ذلك في العراق، وربما أدركت أن أمريكا ورطتها في سوريا لاستدراجها لحرب استنزاف ترهقها وترهق شعبها واقتصادها وجيشها، وهو ما جعل إيران وبتشجيع أمريكي من جون كيري وزير الخارجية الأمريكي السابق في عهد أوباما يعملان على توريط روسيا في المستنقع السوري، وهدف أمريكا أن يتولى الجيش الروسي تدمير المدن السورية ويقتل شعبها بعد أن تولت أمريكا ذلك في العراق، فكانت خسارتها باهظة، وهدف إيران أن يتولى الروس تحميل الجيش الروسي وزر هذا القتل من العرب والمسلمين السوريين وغيرهم، لأن إيران عجزت عن مواصلة ذلك في سوريا، فضلاً عن إداركها أي إيران أن أمريكا شريك غير آمن، وقد خدعها في العراق وسوريا واليمن ولبنان بالمتاعب أكثر من المكاسب، فهو يشجع إيران بالسر ولكنه يدعي عدائها بالعلن، وهذا أمر مرهق لإيران وحكومتها المنتخبة، وكانت حكومة روحاني تأمل من نجاح الاتفاق النووي تحويل إيران إلى دولة مقبولة في المجتمع الدولي، وهذا ما فشلت به، وهو ما يهدد منصب الرئيس روحاني الآن، ويطالبه بالاستقالة لفشله في تحقيق ذلك.

هذا يعني أن الرؤية الأمريكية الجديدة هي انتهاء حاجتها إلى إيران إلا إذا وافقت إيران الدخول في حرب مع الدول العربية بصورة مباشرة، وبالأخص الدخول في حرب مع دول الخليج العربي، وبصورة أكثر دقة الدخول في حرب مع المملكة العربية السعودية، وهذا ما سوف يوفر لأمريكا تنفيذ خططها التاريخية في الشرق الأوسط، وهذا الأمر تعلم القيادة الإيرانية خطورته، لأنه سيجعلها دولة متورطة في حروب خارج حدودها أكثر من حكمها لشعبها، وهذا ثقل كبير لن يقوى الجيش الإيراني ولا الحرس الثوري الإيراني القيام به، وبالتالي سيوفر فرصة إمكانية سقوط نظام الملالي بسهولة من المعارضين الإيرانيين في الداخل، فضلاً عن أنه سيكون الفصل الأخير من تاريخ هذه الطائفة على الأرض، لأنه سيجعل منها أخبار للتاريخ فقط، وهذا ما دفع المرشد الإيراني خامنئي بإصدار فتوى حرمة سب الصحابة وأمهات المؤمنين قبل شهر، لأنه يريد أن يعطي الانطباع قبل ساعة الرحيل بأننا مسلمون وجزء من الأمة الإسلامية، وأن الشيعة من أتباع الدين الإسلامي، على أمل أن يشفع له ذلك بشيء من الرحمة لدى المسلمين يوم محاسبته وزبانيته على ما ارتكبوه بحق الإسلام والمسلمين في السنوات الأخيرة من جرائم لم يعرفها التاريخ الشيعي في التاريخ.

ولذا فإذا كان خامنئي صادقًا في تحريم سب الصحابة وأمهات المؤمنين وأنه يبتغي بذلك وجه الله تعالى ووحدة المسلمين، فإن عليه أن يبدأ بنفسه عهدًا جديدًا في خطبه ومؤتمراته العلمية والشعبية بذكر الصحابة وأمهات المؤمنين والترضي عليهم كما يفعل كل المسلمين في الأرض، هذا ما يجب عليه إن كان صادقًا هو وكافة أتباعه من أصحاب العمائم السوداء والبيضاء، وأن يرفعوا أصواتهم بالترضي على صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأزواجه رضي الله عنهم أجمعين، وإلا فإن فتواه سياسية فقط، ويدرأ بها مخاوف قادمة من تحالف الدول العربية والإسلامية مع أمريكا ودول الغرب في إعلانها لحرب ستكون مدمرة على منطقة الشرق الأوسط بما فيها إيران، وهذا ما يوجب الحذر من دعوات ترامب لتشكيل تحالف عسكري ضد إيران، فنتائجه المدمرة ستلحق بكل دول المنطقة، لأن إيران لن تتوانى عن قصف مدن عربية وفي دول الخليج العربي بالصواريخ كما هدد بذلك جنرالات إيران قبل أيام، فهذه التهديدات ينبغي أخذها بعين الاعتبار والحسبان الدقيق.

إن إيران وهي تحاول تجنب الخروج من الاتفاق النووي إنما لتحمي نفسها من بناء تحالف دولي ضدها، وهذا ما صرح به الرئيس الإيراني حسن روحاني قبل أيام، فهي لا يهمها بقاء الاتفاق النووي إذا لم يترتب عليه تحالف دولي ضد إيران، وتمسك إيران بالدول الخمس التي تطالب إيران التمسك بالاتفاق النووي هو رغبة مشتركة بعدم التورط في حروب مدمرة للمنطقة، فأوروبا جربت نفسها في الحروب الصليبية ضد المسلمين تاريخيًاوعادت بخفي حنين، ولا تريد الدخول في حروب كونية تكون هي الخاسرة منها ولو تم تدمير بلاد المسلمين، وهي أي أمريكا تعلم أن الجيش الإيراني سيتولى هذه المهمة القذرة، وسيقوم بإطلاق آلاف الصواريخ نحو المدن الخليجية إذا أصبحت إيران أمام شعبها مستهدفة بصواريخ من دولة عربية، وستعتبر نفسها أمام شعبها أنها في حرب دفاعية، وسوف ترد على الصاروخ، طالما كان مصدر الصاروخ دولة عربية، بينما لو قامت أمريكا أو إسرائيل باستهداف إيران فلن تقوم إيران بالرد إطلاقًا، لأنها تعلم أن الرد عليها سيكون مدمرًا عليها أكثر ، وهي تعلم قدرة الجيش الأمريكي والإسرائيلي على إحداث دمار كبير في إيران، ولذا فقد ترد إيران على أي صاروخ أمريكي أو إسرائيلي على أهداف عربية وخليجية، بحجة وجود تحالف عسكري بينهم.

مسؤولية دول الشرق الأوسط وحماية شعوبها:

إن الدول العربية مطالبة أن تنظر إلى المخاطر الإيرانية على أنها مخاطر كبيرة وحقيقية وقابلة للزيادة في الخطورة والتدمير، وأن إيران لا تردعها أخلاق ولا قوانين دولية ولا شرائع سماوية، فإيران أثبتت في السنوات الماضية أنها على استعداد أن ترتكب أكبر المجازر البشرية ضد العرب والمسلمين، ولذا فإن دول الشرق الأوسط العربية والإسلامية مطالبة أن تفكر كثيرًا بالطرق السلمية لإيقاف هذا الجنون الإيراني، ومنع تكراره في مدن عربية أخرى، مع أن الدخول في حرب مع إيران سيؤدي إلى خسارة إيران للحرب ونهاية النظام الإيراني، ولكن سيكون ثمنه كبيرًا على الدول العربية، بينما المطلوب هو نهاية هذا النظام الإيراني العدواني دون تدمير مدينة عربية واحدة، ومهما كانت الوعود الأمريكية بحماية الدول العربية فإنها ستكون وعود كاذبة، كما كانت وعود أمريكا كاذبة للمعارضة السورية، وكما كانت الوعود الأمريكية خادعة للحكومة التركية بشأن شمال سوريا، بل إن وعود أمريكا بصد العدوان الإيراني على المنطقة كانت أدنى من ضعيفة في خطاب الرئيس الأمريكي ترامب في كلمته أمام رؤساء خمسين دولة إسلامية في الرياض العام الماضي، فقد طالب الدول الإسلامية أن تحارب إيران بنفسها، ولم يتعهد بمحاربة أمريكا لإيران إطلاقًا، وبذلك ينبغي فهم الدعوات الأمريكية لتشكيل تحالف ضد إيران أن أمريكا تريد من الدول العربية أن تخوض هذه الحرب بالنيابة عن أمريكا، وهذا خطر استراتيجي على الدول العربية يمكن إيجاد بدائل أفضل وأقل خطرًا.

لقد قامت طائرات مجهولة بقصف مواقع للنظام السوري قبل أيام في منطقة البوكمال الحدودية مع العراق، وقيل إن خسائر النظام السوري تعد بالعشرات من القتلى، وقد ادعى إعلام النظام السوري أن الجيش الأمريكي هو من قام بهذا الهجوم، وبعد يوم واحد قام الحشد الشعبي العراقي بالاعتراف بأن القتلى هم من الحشد الشعبي العراقي ومعهم عناصر من ميليشيات حزب الله اللبناني، وقامت عناصر من الحشد العراقي بتهديد أمريكا بالانتقام لعناصرها، مما اضطر جنرالات البنتاغون إلى كشف سر هذه الطائرات بأنها طائرات حربية إسرائيلية وليست أمريكية، وكأن أمريكا تريد دفع الشبهة عنها كليًا، وأن المقاتلات الإسرائيلية هي من قتلت الحشد الشعبي العراقي، فأمريكا دفعت التهمة عن نفسها، حتى لو اضطرت للكشف عن دولة صديقة لها مثل إسرائيل، والشاهد في ذلك أن أمريكا تخشى على تحالفاتها مع إيران وميليشياتها العراقية مثل الحشد الشعبي أن يتأثر بذلك، أي أن أمريكا لا تجرؤ على قصف موقع للجيش الإيراني، لأن جنود أمريكا في العراق وسوريا والخليج العربي سيكونون في تهديد مباشر على أرواحهم، وهو ما لا تحتمله إدارة ترامب، ولذلك تسارع أمريكا للبراءة من قتل عنصر واحد من الحشد الشعبي العراق، فهل تفكر أمريكا بعد ذلك باستهداف إيران عسكريًا؟

إن الدول العربية والإسلامية في الشرق الأوسط مطالبة بأن تواصل مخاطبة القيادة الإيرانية وشعوبها وصناعة رأي عام داخل إيران بضرورة خروجها من الأراضي والدول العربية قبل فوات الأوان، وعدم التذرع بطلب حكومات تلك الدول الهشة لها بحمايتها، بموجب اتفاقيات دفاع مشترك بينهما، وقد أصبحت تلك الاتفاقيات منخورة وباطلة باستخدامها لقتل الشعوب العربية نفسها، وقتلها لشعوب تلك الدول التي وقعت هذه الاتفاقيات الدفاعية لحمايتها يبطل تلك الاتفاقيات، فإيران مخطئة بإرسالها لجنودها إلى البلاد العربية لمناصرة أنظمة أو ميليشيات طائفية تابعة لها، لأن إرسالها لهذه الجيوش أو القوات أو المليشيات أو المتطوعين هو عدوان مباشر على الشعب العربي المسلم، وهو ظلم وفساد ولو لم يصحبه قتل وسفك دماء، فكيف وقد ارتكبت إيران المجازر وهتكت الأعراض وشردت المستضعفين أطفالا ونساءً وشيوخًا خارج بلادهم وداخلها، وما دعوى مقاتلة الإرهابيين إلا أكذوبة كبرى، فكل دولة هي الكفيلة بمحاربة الخارجين عليها بحق أو بباطل، فليس من مسؤولية إيران مقاتلة المعارضة السورية بجيشها وحرسها الثوري وميليشياتها العربية والأعجمية باسم محاربة الإرهاب.

كما أن على الدول العربية والإسلامية أن تتبع كل وسائل العقوبات السياسية على النظام الإيراني دون أن يؤثر ذلك على المستضعفين من أبناء الشعب الإيراني، ولو أدى ذلك لقطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران من كل دول منظمة التعاون الإسلامي، حتى تخرج إيران جنودها وميليشياتها من البلاد العربية والإسلامية، وأن تدع الشعوب العربية لتقرير مصيرها بنفسها، بإشراف أممي ودولي فقط، أما غدر أمريكا بالمعارضة السورية وتخليها عنهم فهو دليل على أن أمريكا لا تريد بالعرب والإيرانيين خيرًا، وإنما تهدف إلى استمرار القتال والتدمير في البلاد العربية والإسلامية، فلم تطفئ أمريكا حربًا في المنطقة منذ أشعلتها باحتلال أفغانستان عام 2001م، بل زادت في إشعالها نارًا وقتلاً وذبحًا ودمارًا وتشريدًا في الأرض، وإذا ما نجحت أمريكا بإشعال الحرب بين إيران ودول الخليج فلن تسعى لوقفها ولو بعد عقود، بل لن تسعى لينتصر بها طرف على طرف كما فعلت في أفغانستان والعراق وسوريا ولبنان واليمن وليبيا وغيرها، بل لن تسمح لأحد لوقفها، والشاهد دليل على القادم.

إن إيران تمر بأزمة اقتصادية كبيرة، وباضطرابات شعبية واسعة، وعودة العقوبات الأمريكية والدولية على إيران في الشهر القادم سيزيد من معانتها، وهي أقرب إلى السقوط بنفسها دون حرب ولا قتال، بل إن افتعال الحرب معها سيطيل من عمرها، فكل برامج روحاني وظريف السياسية والاقتصادية والاستثمارية في مهب الريح بعد انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي، وكل الوعود التي قطعها الرئيس حسن روحاني على نفسه أمام المحافظين والمتشددين الإيرانيين أصبحت عبئًا عليه وعلى وزير خارجيته، وعودة إيران إلى البرنامج النووي سيحملها عبئًا اقتصاديًا أكبر ، ومخاطر تعرضها لعمل عسكري مؤلم، وكذلك تدخلها في الدول العربية سيجعل منها عرضة للسقوط بشكل أسرع، ولولا التدخل العسكري الروسي في سوريا سبتمبر 2015م، لكانت إيران الآن غارقة بأزماتها الداخلية أكثر، وربما لكانت قد تهاوت في الفتن والحروب الأهلية منذ ثلاث سنوات، فالحرس الثوري الإيراني يراهن على قتل ملايين الإيرانيين قبل سقوطهم من السلطة، كما فعل بشار الأسد وحزبه وجيشه، ولكن إطلاق الرصاصة الأولى لأي نظام مستبد ضد شعبه إنما هي الرصاصة الأولى التي يوجهها إلى صدره ونظامه فلا يقوم بعدها أبدا وإن بقي يقاتل لسنوات، ولكنه لن يعود للسلطة كما كان إطلاقًا.

لن تستطيع الدول العربية والإسلامية في الشرق الأوسط منع أمريكا أو إسرائيل من ضرب النظام الإيراني متى شاءوا، فهم لهم أهدافهم وخططهم، ولكن الدول العربية والإسلامية غير معنية أن تكون أداة فقط في عمل عدواني على الشعب الإيراني في بلاده، وإذا كانت أمريكا صادقة بضرب إيران ومنع تمددها فلتعمل على إخراجهم من العراق وسوريا واليمن، فإخراجها من دولة واحدة مدحورة سوف يؤدي إلى سقوط النظام الإيراني في بلاده أولاً، وسيؤدي أيضًا إلى تحرير البلاد العربية من هذا الشر المستطير ، ولكن دفع أمريكا للدول العربية والإسلامية أن تكون في مقدمة الحرب على إيران غير مفهوم ومريب وقد كانت أمريكا نفسها هي المتسببة بهذا التمدد الإيراني العدواني في البلاد العربية باعترافات أمريكية محضة، ولذا فإن على أمريكا وقد اعترفت بأخطائها بالسماح لإيران بالتمدد الاجرامي في البلاد العربية منذ سنوات، فإن من مسؤوليتها أي أمريكا أن تصحح بنفسها أخطائها بما لا يعود على المنطقة بالدمار ولا بالخراب ولا بالقتل ولا بالهرج.

مجلة آراء حول الخليج