array(1) { [0]=> object(stdClass)#12963 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 132

العلاقات الإقليمية و تطورات الملف النووي: تحجيم التهديدات الإيرانية في المنطقة

الخميس، 26 تموز/يوليو 2018

انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة دول ( 5 + 1 ) في الثامن من مايو من عام 2018م، القرار جاء متسقا مع حالة مستمرة ومتجددة من محاولات الرئيس دونالد ترامب لإعادة رسم السياسة الخارجية الأمريكية؛ لاسيما تلك المتعلقة بالاتفاقات الدولية التي انتقدها خلال حملته الانتخابية، وفى مقدمتها الاتفاق النووي مع إيران، واتفاقية باريس للمناخ، واتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي. حيث رأى ترامب أن الاتفاق وفر مظلة دولية لتمدد المشروع الإيراني في منطقة الشرق الأوسط وزاد من نفوذه في دولها، فضلا عن أنه لم يتطرق لمنظومة برنامج الصواريخ الباليستية التي استطاعت طهران تطويرها بقوة خلال العامين الماضيين، كما أنه يُمكّن طهران بصورة أو بأخرى من امتلاك قدرات تؤهلها لإنتاج أسلحة نووية في إطار قانوني معترف به دوليا. وقد اتبعت إدارة ترامب تلك الخطوة بفرض مجموعة من العقوبات الاقتصادية الشاملة على النظام الإيراني، مصحوبة بتهديدات للدول التي ستساعد طهران فى خرق العقوبات أو مساعدتها في استكمال امتلاكها سلاحا نوويا.

 

وقد مثل القرار انسحابا من جانب واحد فقط من بين ستة أطراف أبرمت الاتفاق الذى منحه مجلس الأمن فيما بعد اعترافا دوليا. حيث اعترضت الدول الأوروبية الشريكة في إبرام الاتفاق على هذه الخطوة، واعتبرتها خطوة غير محسوبة العواقب والتداعيات، لكونها توفر لإيران مبررا لاستئناف نشاطها في تخصيب اليورانيوم تمهيدا لامتلاكها سلاحا نوويا، وكان هذا التباين في الموقفين الأمريكي والأوروبي بشأن الاتفاق النووي مع إيران من أهم التداعيات التي لها انعكاساتها على مدى استمرار بقاء هذا الاتفاق قائما من عدمه. وعلى الجانب الآخر فقد لاقت الخطوة الأمريكية ترحيبا من بعض الدول وفى مقدمتها دول الخليج؛ التي تعتبر إيران مصدر التهديد الأول والرئيسي للأمن في المنطقة.    

 

الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي مع إيران يفرض عدة تساؤلات حول تداعياته وتأثيراته على مجمل العلاقات الإقليمية خاصة المتعلقة بسياسات إيران وتمددها في المنطقة؛ لاسيما في ملفات العراق وسوريا واليمن ولبنان، وكلها ملفات تتماس فيها المصالح الإيرانية مع نظيرتها الخليجية وتحديدا المصالح الإقليمية السعودية. كما يفرض تساؤلات بشأن مستقبل التباين في الموقفين الأمريكي والأوروبي فيما يتعلق بالاتفاق، ويطرح كذلك استفسارات بشأن طبيعة العلاقات الإقليمية القائمة في المنطقة، أو تلك التي ستترتب على حالة الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي.

 

أولا: تداعيات الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي مع إيران:

 

ثمة من يرى أن خطوة الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي الإيراني قد لا تكون مهددة بقوة للدور الإيراني في المنطقة، ولن تدفع إيران إلى الانسحاب من الاتفاق ردا على الخطوة الأمريكية، وبالتالي لن تتجه إلى استئناف نشاطها النووي. وفى المقابل هناك رأى يقول أن الخطوة تمثل ضربة قاصمة للاتفاق النووي الإيراني، وأن حالة التمسك الأوروبي بالإبقاء على الاتفاق لن تستمر طويلا، لاسيما وأن الولايات المتحدة تتحكم في النظام المالي والاقتصادي العالمي إلى حد كبير، ما يمكنها من فرض مزيد من العقوبات التي قد تطال الشركات الأوروبية نفسها حال عدم خروجها من إيران. أيا كان الرأي الذى سيفرض نفسه بشأن تفسير موقف الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي مع إيران على المديين المتوسط والطويل، فإن الواقع يشير إلى وجود تداعيات وتأثيرات على عدة مستويات يمكن رصدها في النقاط التالية:

 

* على مستوى منطقة الشرق الأوسط :

 

ثمة احتمالات تقول بأن الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي الإيراني قد يدفع إيران - وتحت وطأة وشدة العقوبات الاقتصادية والمالية واستمرارها - إلى العودة لعملية تطوير قدراتها على تخصيب اليورانيوم، وبالتالي تطوير برنامجها النووي دون أن يكون خاضعا للإشراف الدولي حال خروجها منه، أو حال خروج الدول الأوروبية منه. وأن هذا الاحتمال يعنى تهديدا مباشرا لأمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط ككل خاصة دول الخليج وإسرائيل، ويدفع إلى سباق تسلح حاد في المنطقة. هذا إلى جانب تصعيد حدة الحروب بالوكالة من ناحية، وتصاعد حدة المواجهات العسكرية المباشرة من ناحية أخرى لاسيما بين إيران وإسرائيل في الساحة السورية. هذا تحقق في الواقع بعد ساعات من الانسحاب الأمريكي؛ حيث وجهت إسرائيل ضربات عسكرية ضد البنية التحتية الإيرانية فى الجنوب السوري، بينما قام وكلاء إيران في اليمن باستهداف الحدود الجنوبية السعودية عبر صواريخ باليستية.

 

هذه الاستهدافات تكررت مرات عدة في أعقاب الخطوة الأمريكية بصورة دفعت إلى القول بأن الحرب في منطقة الشرق الأوسط ستكون وشيكة جدا. لكن الواقع يشير إلى أن خيارات الحرب بمعناها الواسع لم تكن هدفا للإدارة الأمريكية الحالية، بالرغم من خطابها التصعيدي التهديدي. وإنما تظل الاستهدافات النوعية العسكرية من حين لآخر، والمواجهات العسكرية عبر الوكلاء هي الآليات الأكثر تعبيرا عن خطاب تلك الإدارة تجاه أعدائها في منطقة الشرق الأوسط. فكل ما تريده واشنطن من انسحابها من الاتفاق هو دفع إيران إلى قبول وجهة النظر الأمريكية الرامية إلى الدخول في مفاوضات جديدة؛ هدفها الوصول إلى اتفاق مختلف يضع مسارا يضمن أن لا تكون إيران مصدرا مهددا للأمن الإقليمي في الشرق الأوسط؛ أي أن واشنطن حاليا ليست بصدد خوض حربا مباشرة مع إيران التي ستتجه إلى إتباع سياسة أكثر تشددا في المنطقة؛ لاسيما تجاه ملفات التماس مع دول الخليج وتحديدا مع السعودية التي تعتبرها إيران عدوها الإقليمي الأول. في هذا السياق يمكن تفسير حالة الضغط الأمريكي التي تُمارس على إيران للخروج من سوريا ككل وليس منطقة الجنوب السوري فقط، فضلا عن حالة التباين في المواقف بين روسيا وإيران بشأن توسع الأخيرة في إقامة العديد من قواعد البنية العسكرية في سوريا على مدى العامين الماضيين، ومحاولة الرئيس الأمريكي الضغط على نظيره الروسي فلاديمير بوتين لحمله على اتخاذ موقف تجاه استمرار بقاء القوات الإيرانية في سوريا، ويأتي في سياق ذلك الطرح الذى أشارت إليه الإدارة الأمريكية بشأن إمكانية سحب قواتها من سوريا مقابل أن تحل قوات عربية محل تلك القوات. [1]

 

انسحاب الولايات المتحدة إذن من الاتفاق النووي مع إيران بالكيفية السابقة يشير إلى تأثيرات جمة على ملفات الانخراط الإيراني في منطقة الشرق الأوسط : ففي العراق بإمكان إيران دفع حلفائها هناك، لاسيما هيئة الحشد الشعبي، إلى استهداف الوجود العسكري الأمريكي خاصة بعد أن تحولت الهيئة إلى كيان سياسي أحرز نتائج يعتد بها في الانتخابات البرلمانية الأخيرة (مايو 2018م) تمكنها أن تكون رقما مهما في معادلة الحكومة العراقية الجديدة. هذا فضلا عن التأثير الديني القوى الذى تمتلكه طهران وتوظفه بنجاح كبير في إدارة علاقة التبعية التي تتخذها العديد من القوى السياسية الشيعية العراقية عنوانا للعلاقة مع إيران على مدار السنوات الماضية، وتحديدا منذ الانسحاب الأمريكي في نهاية عام 2011م. أما في سوريا فكانت انعكاسات الموقف الأمريكي من الاتفاق النووي الإيراني أكثر وضوحا حيث المواجهة المفتوحة مع إسرائيل في الجنوب السوري، في ضوء رفض إسرائيل أي وجود عسكري إيراني أو لحزب الله اللبناني في منطقة الجنوب حيث الحدود مع الجولان المحتل. فضلا عن احتمالات أن تستهدف الميليشيات الإيرانية الموجودة في سوريا القواعد الأمريكية في شرق وشمال شرق سوريا. وكذلك الأمر بالنسبة لليمن ولدور التحالف الذى تتزعمه السعودية فيها فبالرغم من عدم اعتراف إيران بالمشاركة العسكرية إلى جانب الحوثيين، لكنها تقوم بدعمهم بالسلاح والصواريخ التي تطلقها تلك الجماعة على حدود السعودية. وعكست تطورات أزمة الاتفاق النووي الإيراني والانسحاب الأمريكي منه تجاه إيران إلى رفع مستوى دعمها العسكري والمادي للحوثيين، والذى قوبل بتصعيد سعودي إماراتي على الساحة اليمنية وتحديدا في صعدة معقل الحوثيين. هذا يعنى أن الخطوة الأمريكية بالانسحاب من الاتفاق النووي تبعه تصعيد مباشر وغير مباشر في ساحات المواجهات العسكرية بين إيران وبين مناوئيها الإقليميين. [2]  

  

* على مستوى العلاقات مع الحلفاء الأوروبيين:

 

خطوة الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي الإيراني مقابل تمسك الدول الأوروبية الموقعة على الاتفاق به، أدت إلى توتر العلاقات الأمريكية الأوروبية التي كانت تتمتع بقدر من التماهي والاستقرار في العديد من القضايا الدولية. هذا التوتر جاء نتيجة لفشل محاولات قادة العديد من الدول الأوروبية وتحديدا فرنسا وألمانيا وبريطانيا في إقناع الرئيس الأمريكي بعدم اتخاذ خطوة سلبية تجاه الاتفاق عند حلول موعد المراجعة له. وهو ما يعنى استهداف مباشر للشركات الأوروبية العاملة في إيران في مختلف المجالات عبر العقوبات الاقتصادية والمالية التي فرضتها واشنطن على إيران. هذا بخلاف أن تلك العقوبات ستهدد مباشرة العلاقات الاقتصادية الأوروبية الإيرانية، والتي تزايدت معدلات نموها بعد توقيع الاتفاق النووي في مايو 2015م. فالدول الأوروبية لا ترغب في الدخول من جديد في مفاوضات قد تستغرق سنوات بشأن الاتفاق النووي الإيراني، فضلا عن عدم اقتناعها بموقف الإدارة الأمريكية بشأن الاتفاق. وتعتبر الدول الأوروبية أن الخطوة الأمريكية تقوض فعليا مساعي حكوماتها للاستفادة من السوق الإيراني عبر شركات الاستثمار الأوروبية المختلفة. [3]        

 

وزاد من معدلات التوتر الأوروبية الأمريكية، على هامش الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي الإيراني، أن هذا الانسحاب قد أضر بالمصالح الاقتصادية الأوروبية مقابل تعزيز مصالح الشركات المماثلة التابعة للصين وروسيا. حيث روجت طهران إلى إمكانية استبدال الاستثمارات الأوروبية الأمريكية بأخرى روسية صينية. وبالرغم من النجاح الذى أحرزته طهران في هذا السياق، إلا أن تلك الدول تجاوبت نسبيا مع العقوبات الأمريكية حتى لا تضع علاقتها مع الولايات المتحدة في دائرة الاستهداف غير المحسوب لقرارات الإدارة الأمريكية الحالية. [4]

 

في إطار الرؤية الأوروبية الرافضة للانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي مع إيران، يمكن القول أن ثمة احتمالات مستقبلية قد تشكل مسار العلاقات الأوروبية الإيرانية بشأن الاتفاق بعضها يشير إلى إمكانية تعاون الدول الأوروبية مع كل من الصين وروسيا في الضغط على إيران لحملها على العودة لمفاوضات جديدة تتعلق بالاتفاق النووي وفقا للمطلب الأمريكي. ووفقا لهذا الاحتمال فمن الممكن أن تمارس روسيا بالتحديد ضغوطا وازنة على إيران قد تدفعها مستقبلا إلى الدخول في مفاوضات جديدة بشأن برنامجها النووي. وربما حالة الخلاف الروسية الإيرانية الآخذة في التصاعد حول الدور الإيراني الحالي في سوريا، ومدى ما يمثله من ضغوط على روسيا وانجازاتها هناك يفسر هذا الاحتمال. وهو ما يعنى تدشين اتفاقا جديدا لا يتوقف عند حدود تقويض القدرات النووية والباليستية الإيرانية، وإنما يتعداها ليشمل تقويض الدور الإيراني الإقليمي بالأساس الذى بات مهددا لأمن دول المنطقة ككل. والبعض الثاني من هذه الاحتمالات يشير إلى مخاوف أوروبية من اندلاع حرب إقليمية شاملة في الشرق الأوسط بين إيران وإسرائيل تكون ساحتها سوريا، لاسيما بعد الاستهدافات الإسرائيلية للميليشيات الإيرانية وللبنية العسكرية الإيرانية في الجنوب السوري، وفى مناطق الوسط حمص وحماة ودمشق. وبالتالي فإن إيران وتحت وطأة الداخل وضغوط الخارج ستتجه إلى البحث عن مخرج لتدخلاتها السياسية والعسكرية في ملفات المنطقة كلها. لكن حظوظ هذا الاحتمال تبدو ضعيفة على خلفية الإصرار الإيراني باستمرار التورط في العراق واليمن وسوريا. أما البعض الثالث من هذه الاحتمالات فتشير إلى أن سطوة العقوبات الأمريكية، وانتقادات الدول الأوروبية للدور الإقليمي الإيراني المزعزع لاستقرار المنطقة من شأنه دفع إيران للدخول لمفاوضات جديدة حول نشاطها النووي ودورها الإقليمي، بهدف الحفاظ على استقرار الداخل الإيراني وحمايته من السقوط، لاسيما وهو يواجه حاليا سلسلة من الاحتجاجات الشعبية.[5]        

 

ثانيا: التأثيرات على دول الخليج:

 

تباينت ردود فعل ومواقف دول الخليج العربي على قرار الرئيس الأمريكي ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، حيث أيدت القرار كل من السعودية والإمارات والبحرين، بل دعوا إلى إعادة صياغة وتقييم الاتفاق من أساسه في ضوء سياسات إيران في المنطقة. وأبدت كل من قطر وسلطنة عمان موقفا محايدا من الانسحاب الأمريكي. بينما أعلنت الكويت رفضها للقرار. حالة التأييد السعودي الإماراتي البحريني كانت ولازالت مدفوعة بعدة أسباب منها: [6]

-         تطورات الدور الإيراني في المرحلة التي أعقبت التوقيع على الاتفاق النووي (مايو2015م) والذى تقبلته دول الخليج بحذر، قد عكست تهديدا إيرانيا واضحا لها ولمصالحها في المنطقة، وأن ما روجته الإدارة الأمريكية في عهد أوباما من كون الاتفاق سيقلل من التهديدات الإيرانية لجيرانها، على اعتبار أن هذا الدور هدفه الحصول على مكتسبات بشأن البرنامج النووي، ما هي إلا محض خيال، والعكس هو ما أثبتته التطورات. حيث طورت إيران من تهديداتها للحدود الخليجية مباشرة عبر الساحة اليمنية بإمدادها العسكري للحوثيين. وقد كان الاتفاق النووي سببا في ذلك؛ حيث أن العقوبات التي تم رفعها عن طهران بتوقيعها الاتفاق النووي أعاد الحياة لاقتصادها الوطني، الأمر الذى استغلته الحكومة الإيرانية في تطوير قدراتها الصاروخية الباليستية تطويرا هائلا في غضون ثلاثة أعوام. هذا بخلاف زيادة دعمها المادي والتسليحي للجماعات الشيعية الموالية لها في كل من اليمن والعراق وسوريا، كما لازالت تدعم سياسيات حزب الله في لبنان المقوضة لمؤسسات الدولة اللبنانية. أي استمرار حالة تمددها الإقليمي، بل وتزايدها عما كانت عليه منذ عام 2015.م.

 

-         ترى دول الخليج أن ضغوطا وازنة يمكن للإدارة الأمريكية ممارستها على طهران حاليا، عبر إعادة فرض وتشديد العقوبات الاقتصادية، بما قد يؤدى إلى انكشاف الداخل الإيراني بصورة تساهم في تحجيم الدور الإيراني المهدد للأمن والاستقرار في المنطقة. وذلك على سبيل الاستفادة من الحالة التي وصل إليها الاقتصاد الإيراني المنهك بفعل انخراطات الحكومة في الخارج، وضخ مبالغ هائلة لدعم وكلائها في العراق وسوريا واليمن.

 

-         قناعة دول الخليج بأن الاتفاق النووي لم يؤد إلى إنهاء النشاط النووي الإيراني، وإنما حجمه إلى حد ما. حيث لا تزال تمتلك إيران بنية قادرة على أن تكون نواة لقوة نووية مستقبلا. بما يعنيه ذلك من تهديد لأمن دول الجوار الخليجي تحديدا.

 

-         رغبة دول الخليج في كبح جماح التهديدات الإيرانية الدائمة للداخل البحريني عبر سياسات الحشد الطائفي التي ظلت تمارسها في البحرين والعراق وسوريا. وكان الضغط الخليجي على الرئيس ترامب بضرورة اتخاذ موقف تجاه تلك السياسات أحد أهم المدخلات التي شكلت قرار الانسحاب الأمريكي من الاتفاق.

 

-         ازدياد قلق الحكومات في الخليج من نجاح إيران في توظيف أدوات تهديد جديدة ضدها؛ وأبرزها هو التأسيس لميليشيات مسلحة ذات طبيعة عقائدية. والتي تتمتع بدعم كامل من مؤسسة الحرس الثوري الإيراني عبر فيلق القدس المنخرط في الخارج، والذى يقوم بتوفير الدعم المالي والتسليحي واللوجيستي لكافة الجماعات التي تدين بالولاء المذهبي العقائدي لإيران.          

 

ثالثا: التأثيرات على العلاقات الإقليمية:

 

الأوضاع الإقليمية التي كانت سائدة قبيل الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي تقر بموازين قوى لصالح إيران ووكلائها في المنطقة، لاسيما بعد حالة السيطرة على الوضع في سوريا ميدانيا عبر ميليشياتها من فيلق القدس التابع للحرس الثوري، والعديد من الميليشيات الشيعية العراقية واللبنانية والأفغانية، وإقرار روسيا بأهمية الدور الإيراني في محاربة الإرهاب في سوريا، بالرغم من وجود خلافات واضحة بين الطرفين بشأن طبيعة هذا الدور في المرحلة الحالية وموقعه من التسويات المحتملة للأزمة في إطار العلاقات الأمريكية الروسية. فضلا عن حالة الصعود السياسي لحزب الله حليف إيران الرئيسي في لبنان، والتي انعكست بوضوح في نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة (6 مايو 2018م). بخلاف حالة الهيمنة والنفوذ على الساحة السياسية في العراق طوال السنوات الماضية وفى ظل حكومات شيعية دانت بالولاء لنظام الولي الفقيه وإن بدرجات تتراوح بين الولاء التام ( حكومتي نورى المالكي رئيس وزراء العراق 2006- 2014م)، وبين محاولة التوازن بين مصالح إيران وحاجة العراق للوجود الأمريكي (حكومة حيدر العبادي 2014- 2018م). وإن تعرضت حالة الهيمنة الإيرانية على السلطة في العراق لهزة قوية على وقع نتائج الانتخابات الأخيرة ( 12 مايو 2018م) والتي أسفرت عن تقدم تحالف سائرون لمقتدى الصدر والحزب الشيوعي، وهى النتائج التي ستمكن سائرون من تشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر تمهيدا لتشكيل الحكومة.    

 

أما فيما بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي مع إيران فليس من المتوقع أن يحدث تغيير "حاد وسريع" في حالة الأوضاع الإقليمية السائدة، ولكن من المفترض أن يؤدى ذلك إلى تغيير إقليمي على المدى الطويل، باعتبار أن تأثيرات القرار والعقوبات اللاحقة له من شأنها أن تؤدى إلى تعثر الدور الإقليمي لإيران، وتدفعها إلى الانكفاء على وضعها الداخلي في ضوء الاحتجاجات المستمرة التي يواجهها النظام، نتيجة لتردى الأوضاع القائمة، والتي يرجعها المحتجون إلى الانخراط الخارجي لحكومتهم في بؤر التوتر الساخنة لاسيما سوريا والعراق. ومن المتوقع أن تنعكس نتائج قرار الانسحاب الأمريكي على الساحة اليمنية باعتبارها مصدر تهديد مباشر للمنطقة. فمن المحتمل أن تتراجع معدلات الدعم الإيراني المادي والعسكري للحوثيين على المدى الطويل بفعل تشديد العقوبات على إيران. ومن المتوقع أيضا أن تولى الولايات المتحدة اهتماما باليمن عبر مواجهة غير مباشرة مع إيران من خلال تقديم دعم فعال سياسي واقتصادي وعسكري للحكومة الشرعية في اليمن عبر المزيد من التنسيق مع التحالف. [7]

 

وهناك اتجاه مغاير لهذه الرؤية يقول بأن قرار الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي الإيراني لن يؤد إلى انحسار سريع للنفوذ الإيراني في المنطقة، بل من شأنه دفع الأوضاع الإقليمية لمزيد من الصراع والتوتر، خاصة وأن استراتيجية العقوبات الأمريكية بعد هذا القرار تقوم على استهداف كافة أذرع إيران الإقليمية وفى مقدمتها الميليشيات الحوثية في اليمن، التي تمثل تهديدا كبيرا لجيرانها عبر صواريخ باليستية مصدرها إيران، وتمثل كذلك تهديدا للمصالح الأمريكية في منطقة البحر الأحمر، فضلا عن أهمية محاربة الجماعات الإرهابية. وبالتالي فإن إيران – ووفقا لهذه الرؤية - ستتجه إلى ممارسة مزيد من الانخراط في ملفات الإقليم ولن تتنازل عن دورها الإقليمي لأن لديها من الجماعات على أرض الصراع في سوريا واليمن ما يمكنها من استكمال خريطة مصالحها هناك، فضلا عن أذرعها في البحرين والعراق. وازدياد انخراطها سيكون بهدف استخدام هذا النفوذ كورقة ضغط فى حالة العودة إلى مفاوضات جديدة حول برنامجها النووي وفقا لما تريده الولايات المتحدة، أو لدفع الأخيرة للعدول عن قرار الانسحاب من الاتفاق. ووفقا للرؤية السابقة فمن المحتمل أن تتجه إيران لانتهاج خيارات أكثر تصعيدا كاستئناف تخصيب اليورانيوم بمعدلات عالية، لكن هذا الاحتمال سيظل احتمالا إيرانيا مؤجلا طالما ظلت الدول الأوروبية الموقعة على الاتفاق حريصة على البقاء فيه، بالرغم من أن التيار المتشدد في إيران يرى أن الاتفاق لم يعد له أهمية بعد الانسحاب الأمريكي منه. [8]

 

يمكن القول أن الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي مع إيران بدا حقيقة قائمة لها مبرراتها وتداعياتها على مجمل العلاقات الإقليمية من ناحية، ومجمل العلاقات الأمريكية الأوروبية من ناحية ثانية. ويبقى التساؤل حول مدى صمود الاتفاق بعد الانسحاب الأمريكي منه تساؤلا له وجاهته؛ في ضوء حرص الدول الأوروبية الموقعة عليه على استمراره من ناحية، وإعلان طهران وفقا لهذه الخطوة عن تمسكها بالاتفاق من ناحية ثانية. فمن المتوقع أن تجتهد الدول الأوروبية في الحفاظ على ديمومة الاتفاق من باب أنه كابح لتطلعات إيران النووية، لكن هذا الحرص سيظل مرهونا بمدى تأثير العقوبات الأمريكية على الشركات الأوروبية التي باتت في مرمى الاستهداف الأمريكي حال خرقها للعقوبات على إيران. وعلى الجانب الآخر فمن المتوقع أن تتجه الولايات المتحدة لتشكيل خطة عمل متكاملة هدفها التعامل مع إيران في مرحلة ما بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق، خاصة ردود أفعالها الإقليمية في منطقة الخليج العربي وهى المنطقة التي من المتوقع، ووفقا لخطوة الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي الإيراني، أن تشهد تحجيما فعليا لتهديدات الأمن والاستقرار بها والتي مصدرها الرئيسي إيران.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

 

[1] - منصور عطية، بعد انسحاب “ترامب”.. الحرب تطرق أبواب الشرق الأوسط، 9 مايو 2018، http://thelenspost.com/2018/05/%D8%A8%D8%B9%D8%AF-%D8%A7%D9%86%D8%B3%D8%AD%D8%A7%D8%A8-%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D9%85%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D8%A8-%D8%AA%D8%B7%D8%B1%D9%82-%D8%A3%D8%A8%D9%88%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B4/

[2] - معمر فيصل خولي،الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي والرد الإيراني عليه، مركز الروابط للبحوث والدراسات الإستراتيجية، 12/5/2018 .

[3] - عمرو عبد العاطي، تداعيات الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي الإيراني، السياسية الدولية،www.siyassa.org.eg/News/15649.aspx، 20/5/2018.

[4] - د. محمد عباس ناجي، كيف ستتعامل إيران مع قرار ترامب بالانسحاب من الاتفاق؟، 09 مايو 2018، مركز المستقبل للابحاث والدراسات المتقدمة.

[5] - ما هي سيناريوهات المشهد بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي ؟،وكالة أنباء الشرق الأوسط، 14/5/2018.

[6] - د. أمل صقر، دوافع دول الخليج الداعمة للانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 10/5/2018. أنظر أيضا: هل تدفع دول الخليج فاتورة الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي؟ الخليج أون لاين،9/5/2018.

 

 

[7] - محمد الشرقاوي، ما بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي.. قطع أذرع إيران في المنطقة، صوت الأمة،18 مايو 2018.

[8] - محمد الشرقاوي، المصدر السابق. أنظر أيضا: عماد حسن، النووي الإيراني .. معادلات إقليمية قد تتغير بعد خروج أمريكا،https://www.dw.com/ar/%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%88%D9%88%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D9%85%D8%B9%D8%A7%D8%AF%D9%84%D8%A7%D8%AA-%D8%A5%D9%82%D9%84%D9%8A%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D9%82%D8%AF-%D8%AA%D8%AA%D8%BA%D9%8A%D8%B1-%D8%A8%D8%B9%D8%AF-%D8%AE%D8%B1%D9%88%D8%AC-%D8%A3%D9%85%D8%B1%D9%8A%D9%83%D8%A7/a-43722135

 

مجلة آراء حول الخليج