array(1) { [0]=> object(stdClass)#12963 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 132

المصالح الصينية والهندية أوراق إيرانية مهمة في إدارة أزمة الانسحاب الأمريكي

الخميس، 26 تموز/يوليو 2018

تمثل الدائرة الآسيوية مجالاً مهمًا للتحركات الإيرانية المتوقعة خلال المرحلة المقبلة، في إطار إدارتها لمرحلة من بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي. وترجع أهمية الدائرة الآسيوية في هذا المجال إلى عدد من المعطيات المهمة. الأول، يتعلق بوجود إحدى الدول الآسيوية المهمة ضمن الأطراف الدولية الخمس الموقعة على الاتفاق النووي، وهي الصين. المعطى الثاني، يتعلق بأهمية إيران كمصدر مهم للواردات الآسيوية من النفط. وقد تلى توقيع الاتفاق النووي الإيراني في يوليو ٢٠١٥م، تنامي المراهنات الآسيوية على سوق النفط الإيرانية، في اتجاهين أساسيين. الأول، هو تنامي فرص النفاذ إلى هذه السوق كمصدر مهم لواردات النفط والغاز، ومن ثم تنويع مصادر هذه الواردات وتخفيض حجم التبعية أو الاعتمادية على سوق واحدة. الاتجاه الثاني هو ما تضمنته مرحلة ما بعد توقيع الاتفاق ورفع العقوبات من فرص مهمة لنفاذ الاستثمارات والشركات الآسيوية إلى سوق الطاقة الإيرانية، بجانب قطاعات أخرى مثل قطاع البنية الأساسية.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن السوق الآسيوية تمثل المصدر الرئيس للصادرات النفطية الإيرانية، حوالي ١.٥ مليون برميل يوميًا، تستحوذ الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية على النسبة الأكبر منها. ومن ثم، فإن نجاح سياسة العقوبات الأمريكية على إيران، خاصة في مجال الطاقة، سيعتمد إلى حد كبير على مدى التزام القوى الآسيوية بهذه العقوبات.

المعطى الثالث، يتعلق بوجود مشروع آخر لبناء برنامج نووي (عسكري) داخل إحدى الدول الآسيوية الصغيرة، وهي كوريا الشمالية، يمر بمرحلة انتقال مهمة. وسيكون للمآل الأخير لهذا المشروع تأثيره المهم على مستقبل الاتفاق النووي الإيراني وطريقة إدارته. الهدف الإيراني هنا هو المراهنة على فشل العملية الجارية لإنجاز تسوية تاريخية لهذه الحالة. كان ذلك واضحًا في التحذيرات الإيرانية المتتالية لصانع القرار الكوري الشمالي بعدم الوثوق بأية تعهدات أمريكية.

لكن مع أهمية المعطيات الثلاث السابقة، والأهمية الإيرانية بالنسبة للقوى الآسيوية، ليس من المتوقع أن تسلك هذه القوى سياسات واحدة بشأن مسألة العقوبات ومرحلة ما بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق، لأسباب تتعلق بتباين الحسابات الحاكمة لكل منها. ويهدف هذا المقال إلى فهم هذه الحسابات.

من ناحية، من المتوقع حدوث تماهي كبير بين كل من اليابان وكوريا الجنوبية مع الولايات المتحدة، سواء لجهة طبيعة العلاقات التاريخية بين الدول الثلاث منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، أو لجهة طبيعة اللحظة الراهنة والتي قد تضطر اليابان وكوريا الجنوبية الالتزام بدرجة كبيرة من التنسيق مع الولايات المتحدة فيما يتعلق بالملف/ التهديد الكوري الشمالي الذي يمر بمرحلة شديدة الحساسية والغموض. وبعيدًا عن التفاصيل المعقدة، فإن ما يمكن التأكيد عليه هنا أن حالة الغموض التي تكتف مستقبل هذا الملف رغم التحولات الإيجابية المتسارعة التي يشهدها منذ يناير ٢٠١٨م، تعمق القلق لدى اليابان وكوريا الجنوبية حول إمكانية إقدام إدارة ترامب على إجراء تسوية لأزمة البرنامج النووي الكوري على حساب مصالح كل منهما. على سبيل المثال، كأن يتم تسوية البرنامج النووي دون تسوية مشكلة القدرات الصاروخية الكورية، أو على الأقل إنهاء القدرات الصاروخية طويلة المدي- الأكثر أهمية بالنسبة للولايات المتحدة- وتجاهل القدرات الصاروخية قصيرة ومتوسطة المدى، والتي تهم كوريا الجنوبية واليابان. وتتعمق هذه الشكوك لدى الدولتين على خلفية صدور بيان قمة ترامب- كيم بسنغافورة في ١٢ يونيو الماضي دون أي إشارة لمسألة القدرات الصاروخية الكورية. من ذلك أيضًا أن يتم تسوية أزمة البرنامج النووي الكوري دون تسوية لأزمة المخطوفين اليابانيين لدى بيونج يانج، وهي مسألة تحظى باهتمام كبير من جانب الحكومة اليابانية والرأي العام الياباني. ولعل ما يعمق هذا التخوف لدى طوكيو أيضًا ما أشار إليه بيان سنغافورة من تعاون واشنطن وبيونج يانج في التعرف على رفات الجنود الأمريكيين المفقودين خلال الحرب الكورية- الكورية، وتسليمهم إلى الولايات المتحدة.

في ظل هذه الحسابات، ليس من المتوقع أن تأخذ أي من طوكيو أو سيول مواقف تتناقض مع الموقف الأمريكي من أزمة الاتفاق النووي الإيراني. ومن ثم، من المتوقع أيضًا أن يكون هناك التزام كبير من جانبهما بسياسة العقوبات ضد إيران. ولعل ما يؤكد هذا التحليل التراجع في متوسط الواردات النفطية الكورية من إيران خلال عام ٢٠١٨م، وقبل الانسحاب الرسمي الأمريكي من الاتفاق النووي، إلى حوالي ٣٠٠ ألف برميل يوميًا بالمقارنة بمتوسط ٣٦٠ ألف برميل خلال العام ٢٠١٧م.

أما في حالة الصين والهند، وهما المستوردان الأكبر للنفط الإيراني، فإن الأمر يخضع لحسابات مختلفة. ففي حالة الصين، هناك عدد من المعطيات المهمة، أولها حجم الطلب الصيني الضخم على النفط، والحاجة إلى تأمين هذا الطلب لضمان استمرار معدل النمو الاقتصادي (تمثل الصين المستورد الأول للنفط الإيراني بمتوسط يزيد عن ٦٠٠ ألف برميل يوميًا خلال عامي ٢٠١٧/ ٢٠١٨م). المعطى الثاني، يتعلق بالسياق العام الجاري للعلاقات التجارية الصينية- الأمريكية، والذي يتسم بدرجة كبيرة من التوتر بسبب الرسوم الأمريكية على العديد من الصادرات الصينية إلى السوق الأمريكية. في هذا السياق "الصراعي" ليس من المتوقع أن تقدم الصين على الانصياع للقرارات الأمريكية بشأن إيران. أضف إلى ذلك، التمايز الكبير بين الملفين الكوري الشمالي والإيراني بالنسبة للصين، فعلى الرغم من الأهمية الكبيرة لهذا الملف بالنسبة للصين، فإن الأخيرة لازالت تمتلك العديد من الأوراق المهمة، ولازالت الولايات المتحدة في حاجة للصين لضمان الوصول إلى تسوية تاريخية ونهائية لهذا الملف. ورغم التوتر النسبي الذي شهدته علاقات بكين- بيونج يانج، خاصة خلال العام ٢٠١٧م، إلا أن المؤشرات تشير إلى عودة هذه العلاقات إلى طبيعتها، ووجود درجة كبيرة من التنسيق بين الجانبين (أبرز هذه المؤشرات قيام الزعيم الكوري كيم جونج أون بزيارة بكين ثلاث مرات خلال النصف الأول من العام الجاري ٢٠١٨م). المعطى الثالث، يتعلق بإمكانية اتجاه الصين إلى توظيف اختلافها مع الولايات المتحدة بشأن الاتفاق لتوصيل رسالة داخل المجتمع الدولي بوجود تباينات بين الرؤيتين الأمريكية والصينية في التعامل مع قضايا الأمن العالمي والأزمات الإقليمية.

ربما يظل فقط المتغير المهم في الحالة الصينية الذي يعمل في الاتجاه المعاكس، هو العلاقات الصينية المهمة مع دول الخليج العربي، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية. لكن لا توجد حتى الآن مؤشرات كافية للقول بإمكانية تغليب بكين لحساباتها ومصالحها مع دول الخليج العربي، خاصة في ظل عدم وجود تكلفة محددة على هذا المستوى، مقابل المكاسب الاقتصادية الصينية المتوقعة في حالة الالتزام بالاتفاق النووي الإيراني، مثل إمكانية حصول بكين على النفط الإيراني بتكلفة أقل نتيجة العقوبات، فضلاً عن صعوبة اتخاذ دول الخليج العربي قرارًا سلبيًا تجاه بكين في هذا المجال خوفًا من التأثير على السوق الصينية كوجهة أساسية للصادرات النفطية الخليجية.

وفي حالة الهند، ورغم العلاقات الاستراتيجية المهمة التي تربطها مع الولايات المتحدة، لكن يصعب القول أيضًا بحدوث تحول جوهري متوقع على المدى القريب في سياساتها تجاه إيران عقب الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي وبدء حزمة جديدة من العقوبات الأمريكية. يستند هذا الافتراض إلى عدد من العوامل. يتعلق أولها بالاعتماد الهندي على إيران كمصدر للواردات النفطية، حيث تعد الهند ثاني أكبر مستورد للنفط الإيراني بعد الصين (كما تعد إيران ثالث أكبر مصدر للواردات النفطية الهندية بعد العراق والمملكة العربية السعودية). العامل الثاني يتعلق بقدرة صانع القرار الهندي خلال العقود السابقة على خلق مساحة كبيرة من التمايز عن "الشريك" الأمريكي في عدد من ملفات السياسة الخارجية، وعلى رأسها الملف الإيراني ذاته. فقد استطاعت الهند تطوير علاقاتها السياسية والأمنية والاقتصادية مع إيران منذ بداية عقد تسعينيات القرن الماضي، وذلك رغم تأزم العلاقات الأمريكية- الإيرانية على خلفية ملفات عديدة، منها البرنامج النووي الإيراني. هناك عوامل عديدة تفسر هذا النجاح الهندي -ليست موضوع هذا المقال- لكن ما يمكن التأكيد عليه هنا أن هذه الخبرة الهندية قابلة للتكرار وإعادة الإنتاج مرة أخرى مع بدء فصل جديد من الأزمة الأمريكية- الإيرانية.

يتعلق العامل الثاني بوجود مصالح استراتيجية قوية لدى الهند مع إيران قد تحول دون قبول الأخيرة حدوث انتكاسة في حجم التقدم الذي شهدته العلاقات بين البلدين. وتستند هذه المصالح على مشروعات استراتيجية ضخمة، ترتبط في معظمها بالتوازنات والمنافسات الكبرى في آسيا، وعلى رأسها التنافس الهندي- الصيني الذي أخذ أبعادًا مهمة خلال السنوات الخمس الأخيرة. وعلى سبيل المثال، فقد تبع طرح الصين، خلال العام ٢٠١٣م، لمشروعها الضخم "مبادرة الحزام والطريق"، بشقيه البري (الحزام الاقتصادي لطريق الحرير) والبحري (طريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين)، وما يتضمنه من تعميق حالة التكامل والربط الاقتصادي بين الصين وأكثر من ٦٤ دولة تتوزع على أقاليم شرق، وجنوب، وجنوب شرق، وشمال، ووسط آسيا، والشرق الأوسط، وشرق أفريقيا، وأوروبا، من خلال بناء عدد من الممرات الاقتصادية وشبكات الطرق الدولية (البرية والبحرية) والسكك الحديدية، تبع ذلك تصاعد قلق كبير لدى الهند بشأن التداعيات الاستراتيجية للمبادرة بشكل عام، وبعض مكوناتها بشكل خاص. ومن أهم ما يثير القلق الهندي في هذا الإطار "الممر الاقتصادي الصين- باكستان"، والذي تضمن قيام الصين بتحديث ميناء جوادار الباكستاني (جنوب غرب)، وبناء شبكة من السكك الحديدية داخل باكستان بهدف ربط ميناء جوادار بميناء قاشجار البري (بإقليم شينجيانج الصيني)، بما يتضمنه ذلك من إمكانية تجنب مرور التجارة الصينية مع عدد من الأقاليم (خاصة منطقة الخليج العربي، وشرق إفريقيا) عبر المضايق والممرات التقليدية (خاصة مضيقا ملقا وتايوان، بالإضافة إلى منطقة بحر الصين الجنوبي)، بجانب الوفورات المتوقعة في تكاليف ومدد الشحن. كما يتضمن الممر أيضًا إنشاء مجموعة من المناطق الاقتصادية والصناعية، وبعض المشروعات المهمة الأخرى في مجالات الطاقة، والتنمية الزراعية، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وبناء المطارات.

ويتوزع القلق الهندي من مكونات هذا الممر بين المكاسب الاقتصادية المتوقعة لاقتصاد باكستان –العدو التقليدي والتاريخي للهند- خاصة فرص تطوير البنية الأساسية ومعالجة أزمة الطاقة، والتداعيات الاستراتيجية المتمثلة في تعميق الروابط الاستراتيجية بين الصين وباكستان، وانتقالها إلى مستويات نوعية، وتحول باكستان إلى نقطة ارتكاز أساسية للاستراتيجية الصينية في إقليم جنوب آسيا، فضلاً عن التأثير المتوقع للممر على مستقبل إقليم كشمير المتنازع عليه بين الهند وباكستان، وذلك على خلفية تضمين الممر بعض أجزاء الإقليم الواقعة تحت السيطرة الباكستانية (منطقة جلجيت- بلتستان). ذلك أن تعميق ربط الإقليم بالاقتصاد الباكستاني وباقي الأقاليم الباكستانية عبر شبكة السكك الحديدية المخططة، من شأنه خلق واقع جيو- اقتصادي جديد بالإقليم يعزز الموقف الباكستاني في هذا النزاع، وخلق مصلحة لدى سكان الإقليم في الارتباط بالدولة الباكستانية.

وبشكل عام، فإن مبادرة "الحزام والطريق" بمكوناتها المختلفة، باتت تثير قلقًا هنديًا واسعًا حول تنامي حجم النفوذ الصيني في الأقاليم الآسيوية التي شهدت تناميًا للنفوذ والحضور الهندي، خاصة في جنوبي آسيا الذي يمثل جزءًا من المجال الحيوي للهند، ومنطقة المحيط الهندي (على خلفية عمليات التحديث التي تشهدها القدرات البحرية الهندية، والدور المهم للهند داخل تجمع دول المحيط الهندي للتعاون الإقليمي IOR-ARC)، وما سيستتبعه ذلك من تغيير متوقع في التوازنات الإقليمية وتدشين ما يطرحه البعض احتمالات تطور "المباراة الكبرى الثانية" The New Great Game بين الصين والهند (تمييزًا لها عن التنافس البريطاني- الروسي على الهيمنة على أفغانستان والأقاليم المجاورة في وسط وجنوب آسيا، والتي امتدت خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر إلى أوائل القرن التاسع عشر، والتي عرفت آنذاك بالمباراة الكبرى).

في هذا الإطار، جاء الدور الهندي النشط خلال السنوات الأخيرة –بالتعاون مع إيران وروسيا- لإحياء وتسريع مشروع "ممر الشمال الجنوب" International North- South Transport Corridor (INSTC)، الذي يقوم على ربط الهند بأقاليم غرب آسيا وشمال وغرب أوروبا وآسيا الوسطى عبر إيران وبحر قزوين، أو إيران والبحر الأسود، استنادًا إلى عدد من الدراسات التي تؤكد على الوفورات المادية والزمنية التي يوفرها هذا الممر بالمقارنة بطرق التجارة التقليدية. ويتضمن المشروع ثلاثة بدائل أو مسارات فرعية. الأول، ويعرف بالمسار الغربي، حيث يبدأ من ميناء مومباي الهندي وصولاً إلى ميناء بندر عباس على مضيق هرمز، ثم المسار البري داخل إيران (طرق برية وسكك حديدية) وصولاً إلى معبر استارا الإيراني، ليبدأ بعدها مسارًا بريا بمحاذاة غرب بحر قزوين وصولا إلى استراخان Astrakhan (الروسية) ثم موسكو ثم شمال أوروبا، أو من معبر أستارا إلى أذربيجان والبحر الأسود وجورجيا إلى غرب أوروبا. المسار الثاني، يبدأ من ميناء مومباي الهندي، ثم إلى ميناء بندر عباس الإيراني على مضيق هرمز، ليبدأ بعد ذلك المكون البري داخل إيران وصولاً إلى ميناء أمير آباد على بحر قزوين، ليبدأ بعد ذلك مكون بحري داخل بحر قزوين، وصولاً إلى استراخان الروسية، ثم إلى موسكو ثم إلى شمال أوروبا. المسار الثالث، ويعرف بالمسار الشرقي، ويبدأ من مومباي إلى ميناء بندر عباس، ثم المكون البري داخل إيران وصولاً إلى ميناء أمير آباد، مرورًا بشرق بحر قزوين، وتركمنستان، وصولاً إلى روسيا، ثم شمال أوروبا.

ورغم أن فكرة المشروع تعود إلى اتفاق موقع في سبتمبر 2000م، بين روسيا وإيران والهند، انضم إليه لاحقًا عدد من دول آسيا الوسطى والقوقاز والخليج العربي والشرق الأوسط، إلا أن طرح مبادرة الحزام والطريق –بجانب عوامل أخرى تخص إيران ودول آسيا الوسطى- لعب دورًا رئيسًا في سعي الهند إلى تسريع تنفيذ هذا المشروع. وبالإضافة إلى هذا الاتفاق والذي يمثل الإطار القانوني المباشر المنظم لإنشاء هذا "الممر"، هناك اتفاق آخر يعمل بشكل مكمل يتمثل في "معاهدة عشق آباد"، وهي معاهدة تهدف إلى إنشاء شبكة من الطرق عابرة الحدود، بهدف تسهيل التجارة بين إقليمي آسيا الوسطى والخليج العربي اعتمادًا على الموانئ الإيرانية والعمانية، تم توقيعها في أبريل سنة 2011م، بين كل من أوزبكستان، وتركمنستان، وإيران، وعمان، وقطر (انسحبت من المعاهدة سنة 2013م). وأصبحت المعاهدة نافذة في أبريل 2016م، وانضمت إليها لاحقـًا كل من كازخستان وباكستان في سنة 2016م، ثم الهند في فبراير 2018م.

وفي محاولة لموازنة مشروع الصين للنفاذ إلى ميناء جوادار الباكستاني، قام رئيس الوزراء الهندي أثناء زيارته لإيران في مايو ٢٠١٦م، بتوقيع اتفاق مع إيران يتضمن التزام الهند باستثمار ٥٠٠ مليون دولار لتطوير ميناء تشابهار الإيراني. أكثر من ذلك، وفي إطار محاكاة السياسة الصينية في هذا المجال، وكما قامت باكستان في نوفمبر ٢٠١٥م، بنقل إدارة ميناء جوادار إلى "الشركة الصينية القابضة المحدودة لموانئ عبر البحار"، حصلت الهند هي الأخرى بموجب اتفاق تم توقيعه مع إيران في فبراير ٢٠١٨م، على نقل إدارة المرحلة الأولى من ميناء تشابهار إلى الجانب الهندي.

وهكذا، وفي ضوء التحليل السابق لكل من "الحزام والطريق"، و"ممر الشمال- الجنوب"، يمكن القول إن إيران بالنسبة للهند لم تعد مجرد مصدر تقليدي للواردات النفطية، بقدر ما أصبحت ركيزة أساسية في استراتيجية هندية متعددة الأبعاد، تهدف في أحد أبعادها إلى موازنة النفوذ الصيني المتنامي في الأقاليم الآسيوية الرئيسية (خاصة في جنوبي آسيا، والمحيط الهندي، وآسيا الوسطى، وغربي آسيا). وتهدف في بعد ثاني إلى موازنة المبادرات الصينية الضخمة عابرة الحدود والأقاليم. وتهدف، في بعد ثالث، إلى تأمين النفاذ الاقتصادي والتجاري الهندي إلى الأقاليم الأساسية المرتبطة بالممر المقترح. كما تهدف، في بعد رابع، إلى موازنة النفاذ الصيني المتنامي إلى الموانئ البحرية. بمعنى آخر، فكما باتت باكستان تمثل إحدى نقاط الارتكاز الأساسية في الاستراتيجية الصينية للنفاذ الاقتصادي والنفوذ الاستراتيجي، فإن إيران تلعب الدور ذاته تقريبًا بالنسبة للهند.

هذه العوامل والحسابات الاستراتيجية، الصينية والهندية، السابق تناولها، تجعل التغير في مواقف هاتين القوتين الآسيويتين المهمتين بشأن الموقف من إيران، خاصة العقوبات الاقتصادية والمالية، أقل مرونة وأقل حساسية واستجابة للسياسة الأمريكية في هذا الصدد. وبالإضافة إلى هذه الحسابات والمصالح، هناك عامل آخر مهم سيساهم بشكل كبير في استقرار الموقفين الصيني والهندي، يتمثل في الموقف الأوروبي المتمسك بالاتفاق النووي مع إيران. أهمية الموقف الأوروبي هنا أنه يوفر "غطاءً" دوليًا للمواقف الدولية المشابهة، ما يضمن عدم انكشاف الموقفين الصيني والهندي. وأخيرًا، تجدر الإشارة إلى وجود مصلحة هندية- أمريكية مشتركة في احتواء النفوذ الصيني، بما في ذلك النفوذ المتنامي على أرضية مبادرة الحزام والطريق، التي لازالت واشنطن تتمسك برفضها لتداعياتها الإٍقليمية والدولية المحتملة، الأمر الذي قد يضطر الولايات إلى غض الطرف عن مجالات التعاون الهندي- الإيراني، كجزء من عمليات تقوية اقتصاد الهند وتوسيع نفوذها، وهو أحد العوامل التي يمكن أن تفسر لنا غض الولايات المتحدة الطرف عن سياسة الانفتاح الهندي على إيران خلال مرحلة ما قبل توقيع الاتفاق النووي. وهناك مؤشرات مهمة على هذا التوجه الأمريكي المحتمل، أبرزها إشارة وزير الدفاع الأمريكي، جيمس متيس، في إحدى جلسات الاستماع بمجلس الشيوخ إلى ضرورة إيجاد آلية خاصة للتعامل مع الحلفاء فيما يتعلق بمسألة العقوبات الأمريكية الجديدة على إيران، وكان صريحًا في الإشارة إلى حالة الهند. وقد تبنى عدد من أعضاء الكونجرس موقف ماتيس.

هذه الحسابات والمصالح الصينية والهندية تمثل أوراق إيرانية مهمة في إدارة أزمة الانسحاب الأمريكي من الاتفاق. وقد قرأ صانع القرار الإيراني –على ما يبدو- هذه المصالح بدقة. وجاءت الجهود الإيرانية بنتائج إيجابية في هذا الإطار، كان أبرزها تصريحات وزير الخارجية الصيني في المؤتمر الصحفي المشترك مع نظيره الإيراني أثناء زيارة الأخير لبكين خلال الأسبوع الأول من شهر يونيو ٢٠١٨م، في إطار جولة شملت روسيا والصين وعدد من الدول الأوروبية للترويج للتمسك بالاتفاق. إذ ذهب وزير الخارجية الصيني، وانج يي، إلى أن "الاتفاق جاء نتيجة عمل شاق، وأن الصين ستتبنى موقفًا موضوعيًا وعادلاً ومسئولاً، وستحافظ على تواصلها وتعاونها مع جميع الدول والأطراف المعنية، من أجل الحفاظ على الاتفاق".

في هذا الإطار، وبالإضافة إلى الدفاع السياسي المتوقع عن الاتفاق النووي الإيراني، من المتوقع أن تلجأ هذه الدول إلى بعض الآليات لتجاوز موجة العقوبات الجديدة، مثل الدفع باليورو، بدلاً من الدولار، عن طريق بعض البنوك الأوروبية داخل الدول المتمسكة بالاتفاق، أو استخدام العملات المحلية في تسوية المعاملات الاقتصادية الثنائية، والتأمين المباشر على شحنات النفط المتجهة من إيران إلى هذه الدول من خلال الحكومتين الصينية والهندية، وهي إجراءات تم استخدامها إبان الموجة السابقة من العقوبات. أضف إلى ذلك المرونة الأمريكية المتوقعة في تطبيق العقوبات على حالة الحلفاء، ويصدق ذلك على الهند، وربما ينسحب أيضًا إلى حالتي كوريا الجنوبية واليابان. 

مجلة آراء حول الخليج