array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 132

استراتيجية ترامب تركز على احتواء أذرع إيران الإرهابية ودعم المعارضة

الخميس، 26 تموز/يوليو 2018

يأتي الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي الإيراني كجزء من الاستراتيجية الأمريكية الجديدة تجاه إيران والتي تقوم على ممارسة أقصى الضغوط على النظام الإيراني لاحتواء الخطر الذي يمثله سواء في الملف النووي أو الصواريخ الباليستية أو دعم الإرهاب أو انتهاكات حقوق الإنسان. وهذه الاستراتيجية تمثل تحولاً جذريًا عن استراتيجية إدارة أوباما تجاه إيران, فقد اعتبرت إدارة ترامب أن سياسة الجزرة التي انتهجتها إدارة أوباما, أي الحوار والمفاوضات مع إيران وإبرام الاتفاق النووي معها قد أثبتت فشلها وأتت بنتائج عكسية, فعلى خلاف ما كانت تعتقد إدارة أوباما أن هذه السياسة ستجعل إيران دولة رشيدة وتندمج في المنظومة الدولية وتتوقف عن تخصيب اليورانيوم, إلا أن إيران قامت بتوظيف الاتفاق النووي المعيب لتعظيم دورها في المنطقة عبر دعم الإرهاب وأذرعها الإرهابية مثل مليشيا حزب الله في لبنان ومليشيا الحوثي الانقلابية في اليمن والجماعات الشيعية في العراق وسوريا مثل عصائب أهل الحق، وحركة النجباء، والزينبيون، والفاطميون، ولواء أبو العباس وغيرها من عشرات المليشيات التي أشرف عليها فيلق القدس بقيادة قاسم سليماني, الذراع العسكري للحرس الثوري الإيراني. من ناحية أخرى بدلاً من أن يقوم النظام الإيراني بتوظيف عشرات المليارات التي نجمت عن رفع العقوبات الدولية والإفراج عن الأرصدة المجمدة في الخارج في دعم التنمية وتحسين مستوى معيشة الشعب الإيراني الذى يئن تحت الفقر وتصاعد معدلات البطالة والتي تصل إلى 50% في بعض المحافظات وارتفاع نسب الشعب الإيراني الذي يقع تحت خط الفقر, وهو ما عكسته الانتفاضات الشعبية المتكررة ضد النظام الإيراني, وأبرزها الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في نهاية ديسمبر 2017م، في مختلف المدن الإيرانية وعلى رأسها معقل الحوزات الدينية في قم ومشهد ، ورفع المحتجون شعارات تندد بمرشد الثورة الإيرانية على خامنئي مثل "لا غزة ولبنان فداكي يا إيران", و"يسقط حكم المرشد", بدلاً من ذلك قام النظام الإيراني بتوظيف هذه الأموال في الإنفاق على وكلائه وأذرعه الخارجية حيث زاد النظام الإيراني من حصة تمويله لحزب الله من 200 مليون دولار إلى مليار دولار بنهاية عام 2017م, كما قام النظام بتوجيه الجزء الأكبر من موارده في تطوير برنامجه الصاروخي الباليستي, وتزويده لمليشيا الحوثي الانقلابية بهذه الصواريخ والتي استخدمتها في تهديد أمن المملكة العربية السعودية, حيث أطلق الحوثيون أكثر من 160 صاروخًا باليستيا على المملكة مستهدفًا المدن السعودية ووصل الأمر إلى حد استهداف الأماكن المقدسة في مكة المكرمة.

وكان قد سعى أوباما لتحقيق إنجازًا في السياسة الخارجية عبر التوصل إلى اتفاق هش مع إيران حول برنامجها النووي وتغاضى عن الاعتبارات الأخرى مثل دعمها للإرهاب وأذرعها الإرهابية في المنطقة وتغاضى عن برنامجها الصاروخي الباليستي, كما تغاضى أيضًا عن انتهاكات حقوق الإنسان التي يقوم بها النظام ضد الشعب الإيراني. لذلك اعتبر إدارة ترامب أنه لابد من تغيير الاستراتيجية الأمريكية تجاه إيران لاحتواء ومواجهة الخطر الإيراني المتصاعد.

استراتيجية متكاملة:

ترتكز استراتيجية إدارة ترامب تجاه إيران على عدة محاور متكاملة وشاملة لمواجهة الخطر الإيراني وتتمثل في:

أولا: الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني باعتباره اتفاق معيب وبه ثغرات خطيرة وأبرزها ما يعرف ببند الغروب, أي أن الاتفاق مؤقت ومدته عشر سنوات تنتهى في عام 2025م, ويمكن لإيران بعدها استئناف عملية التخصيب بمعدلات عالية وزيادة أجهزة الطرد المركزي ومن ثم إمكانية امتلاك النظام الإيراني للسلاح النووي, خاصة أن الاتفاق لم يقم بنزع شامل للبرنامج النووي وإنما اقتصر فقط على تخفيض عمليات التخصيب وتقليل عدد أجهزة الطرد المركزي, وبالتالي حافظ على بنية البرنامج النووي الإيراني, وهو ما ظهر جليًا في تصريحات المسئولون الإيرانيين بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي بالتهديد باستئناف التخصيب مرة أخرى, كما أن الاتفاق لم يشمل المواقع العسكرية الإيرانية التي تحت الأرض وبها مواقع نووية, حيث ترفض إيران فتح تلك المواقع لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية, وبالتالي تستهدف إدارة ترامب التوصل إلى اتفاق جديد وشامل يقضي على هذه الثغرات ويضع قيود واضحة على إمكانية امتلاك النظام الإيراني للسلاح النووي.

ثانيا: ربط الملف النووي الإيراني بالملفات الأخرى خاصة البرنامج الباليستي التي تهدد أمن واستقرار المنطقة ودعم إيران للإرهاب ولأذرعها العسكرية والتي أدت لتقويض الاستقرار في الدول العربية وتعقيد التوصل إلى حل سياسي فيها مثلما هو الحال في اليمن حيث أدى الدعم الإيراني لمليشيا الحوثي إلى تحديها للمجتمع الدولي ورفض الحلول السياسية, إضافة إلى ملف انتهاكات حقوق الإنسان في إيران, ولذلك ترتكز الاستراتيجية الأمريكية الجديدة على التعامل مع تلك الملفات عبر حزمة واحد دون الفصل بينها, على خلاف الوضع في الوقف الأوروبي الذي يريد الفصل بين المسارات ويركز فقط على الملف النووي والحفاظ على الاتفاق لاعتبارات اقتصادية بحتة, حيث استفادت الشركات الأوروبية من الاتفاق النووي عبر الاستثمار في إيران, وبالتالي ترى إدارة ترامب أن احتواء الخطر الإيراني يكون عبر التعامل باستراتيجية متكاملة ترتكز على منع إيران من امتلاك السلاح النووي ووقف برامجها الصاروخية والباليستية ووقف دعمها للإرهاب وانتهاكات حقوق الإنسان.

ثالثا: حشد الدعم الدولي تجاه إيران وزيادة عزلتها الدولية عبر ممارسة الضغوط على الدول التي تتعامل مع إيران عبر سياسة العقوبات, وكشف الممارسات الإيرانية في مجال الصواريخ الباليستية ودعم الإرهاب أمام المجتمع الدولي وفى مجلس الأمن الدولي كما فعلت نيكي هيلي مندوبة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة بعرض نماذج الصواريخ التي أطلقتها مليشيا الحوثي تجاه المملكة والمصنوعة في إيران.

سياسة أقصى الضغوط على إيران:

ترتكز استراتيجية إدارة ترامب لاحتواء الخطر الإيراني بعد الانسحاب من الاتفاق النووي بشكل أساسي على انتهاج سياسة العصا وممارسة أقصى العقوبات والضغوط على إيران, والتخلي عن سياسة الجزرة التي انتهجتها إدارة أوباما, عبر عدة أمور:

أولها: العقوبات المشددة:

فرغم استمرار الاتفاق من الناحية النظرية نظرًا لاستمرار الأطراف الأخرى فيه, روسيا والصين وألمانيا وفرنسا وبريطانيا إضافة لإيران, إلا أنه من الناحية العملية فإن الاتفاق قد تم تفريغه من مضمونه وأصبح اتفاقًا هشًا نظرًا لأن الطرف الأساسي وهو الجانب الأمريكي انسحب منه, حيث أن الدول الأخرى كانت بمثابة ضامن للاتفاق كما أن إعادة فرض العقوبات الأمريكية على إيران وفرض عقوبات على الشركات والدول التي تستثمر في إيران ومطالبتها بالانسحاب من السوق الإيراني, أدى لتداعيات كبيرة على الاقتصاد الإيراني وأوجد حالة من عدم اليقين حول الاستثمار في إيران, حيث من الصعب على الشركات الأوروبية أن تستمر في السوق الإيرانية نظرًا للعقوبات الأمريكية التي تطال هذه الشركات, وهو ما انعكس في نزوح كبير للشركات الأوروبية خارج السوق الإيرانية, حيث انسحبت شركة توتال من عقدها للاستثمار في قطاع النفط والغاز في إيران بقيمة ثلاثة مليارات يورو,بعد أن فشلت في الحصول على إعفاء من العقوبات الأمريكية. كما أوقفت شركة إيرباص عقدها مع إيران والذى يقضي بتزويدها مائة طائرة مدنية مقابل عشرين مليار يورو إضافة إلى العديد من الشركات الأخرى مثل مجموعة بيجو ستروين المنتجة لسيارات بيجو، التي أعلنت أنها بدأت تعليق أنشطة مشروعها المشترك في إيران، لتجنب العقوبات الأمريكية بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي. كما ألغت كل من شركتي السيارات مازدا اليابانية، وهيونداي الكورية الجنوبية صفقات لهما مع شركات سيارات محلية في إيران, وأعلن بنك التجارة والاستثمار السويسري في مايو الماضي أنه علق جميع التعاملات الجديدة مع إيران وأنه سينهي أنشطته مع هذا البلد تدريجيًا, كما أن مصارف أوروبية عدة أعلنت استعدادها لوقف مشترياتها من النفط الإيراني بمجرد سريان العقوبات. إضافة إلى أن بعض الشركات الأمريكية مثل بوينج وجنرال إلكتريك لتصنيع الطائرات قد أعلنتا إيقاف استثماراتهما في إيران، الأمر الذى سيؤدي إلى إلغاء عقود توريد المعدات المتفق عليها مع إيران. كذلك أعلنت شركة البترول البريطانية بتروليوم إنهاء شراكتها الاستثمارية مع شركة النفط الإيرانية والتي من المفترض أن تبدأ أعمال التنقيب في أعماق البحار قبالة الساحل الاسكتلندي.

وقد اعترف المسؤولون الإيرانيون مثل محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني. وعباس عراقجي وكيل وزارة الخارجية الإيرانية, وعلاء الدين بروجردي، رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، بالتأثير الكبير للانسحاب الأمريكي من الاتفاق وإعادة فرض العقوبات.

ورغم إعلان الجانب الأوروبي الاستمرار في الاتفاق وانتقاده الانسحاب الأمريكي, إلا أنه غير قادر على حماية الشركات الأوروبية الموجود في السوق الإيرانية أو دفع تعويضات لها نتيجة للعقوبات الأمريكية, كما أنه غير قادر على تقديم الضمانات التي طالبتها إيران للاستمرار في الاتفاق والمتعلقة بحماية الشركات الأوروبية وعدم خروجها من إيران, ورغم إقرار المفوضية الأوروبية في 6 يونيو 2018م، تشريعًا يتيح التصدي للتأثيرات الخارجية للعقوبات الأميركية على الشركات الأوروبية الراغبة بالاستثمار والعمل في إيران بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي إلا أنه من الصعب تفعيل هذا التشريع على أرض الواقع, وهو ما دفع النظام الإيراني إلى التشكيك في جدوى الموقف الأوروبي وإمكانية صموده أمام الضغوط والعقوبات الأمريكية. ويسعى النظام الإيراني للمراهنة على روسيا والصين لتعويض خروج الاستثمارات الأوروبية, لكن هذا التعويض لن يحقق الهدف الإيراني في ظل العقوبات الأمريكية الصارمة ضد الشركات التي تستثمر في إيران,حيث ألمحت الولايات المتحدة الأمريكية بأن العقوبات قد تشمل كل من الهند والصين، حال لم تنسحب من السوق الإيرانية مثلما فعلت عدد من الشركات الأوروبية.

وقد شكلت العقوبات الأمريكية الجديدة ضغوطًا كبيرة على الاقتصاد الإيراني خاصة أنها تطال عصب الاقتصاد الإيراني مثل قطاع الطاقة من النفط والغاز والمصرف المركز الإيراني, حيث قامت وزارة الخزانة الأمريكية بفرض عقوبات على قطاع النفط في إيران وحظرت على الدول الأخرى استيراد النفط الإيراني, وقامت بممارسة الضغوط على الدول التي تستورد النفط من إيران مثل اليابان والهند والصين, ورغم تأثر تلك الدول من وقف استيرادها للنفط الإيراني إلا أنها في نهاية المطاف رضخت للضغوط الأمريكية, كما فرضت وزارة الخزانة الأمريكية في 10 مايو 2018م، عقوبات جديدة على ستة أشخاص وثلاثة كيانات إيرانية، لديهم ارتباطات مع الحرس الثوري الإيراني والتعامل مع كيانات في الإمارات للحصول على أموال بالدولار الأمريكي لتمويل الأنشطة الخبيثة لفيلق القدس، بما فيها تمويل وتسليح وكلاء له في المنطقة.

كذلك فرضت الولايات المتحدة عقوبات مشددة على إيران تتعلق ببرنامجه الصاروخي الباليستي, حيث صوت مجلس النواب الأمريكي في 26 أكتوبر 2017 م، بالإجماع تقريبًا، على فرض عقوبات جديدة على برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية في إطار جهود لتضييق الخناق على إيران, والذي عرف بـ "قانون الصواريخ الباليستية الإيرانية وإنفاذ العقوبات الدولية". وطالب القانون الرئيس الأمريكي بإبلاغ الكونجرس في شأن سلسلة الإمداد الإيرانية والدولية لبرنامج الصواريخ الإيراني وفرض عقوبات على الحكومة الإيرانية أو الكيانات الأجنبية التي تدعمها.

ثانيها: احتواء أذرع إيران:

ترتكز استراتيجية إدارة ترامب بالتزامن مع ممارسة أقصى الضغوط على النظام الإيراني, عبر العقوبات, على احتواء أذرع إيران الإرهابية مثل حزب الله ومليشيا الحوثي الانقلابية والمليشيات الإيرانية في سوريا والعراق: العقوبات الأمريكية على حزب الله: شكل حزب الله اللبناني أحد الأذرع العسكرية الرئيسية لإيران في زعزعة الاستقرار بالمنطقة, حيث وظفه النظام الإيراني في تنفيذ أجندته عبر تدخله في سوريا للقتال إلى جانب قوات النظام السوري ضد المعارضة, كما تدخل حزب الله لمساعدة الحوثيين في اليمن, وترتكز الاستراتيجية الأمريكية على مواجهة واحتواء حزب الله عبر سياسة العصا وفرض العقوبات عليه, ففي 11 أكتوبر 2017م، أعلنت الخارجية الأمريكية عن مكافأة مالية تصل إلى 12 ملايين دولار للحصول على معلومات تؤدى لتحديد أو اعتقال أو إدانة اثنين من كبار قادة حزب الله, وهما طلال حمية وفؤاد شكر, واتهمتما بأنهما شاركا في هجمات إرهابية ضد أمريكيين، بما في ذلك التفجيرات الانتحارية التي استهدفت السفارة الأمريكية في بيروت في أبريل 1983م، وثكنات البحرية الأمريكية في بيروت في أكتوبر 1983م، وملحق السفارة الأمريكية في بيروت في سبتمبر 1984م، واختطاف طائرة تي دبليو آي في عام 1985م.

وقد أقرت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي بالإجماع في 28 سبتمبر 2017م، مسودة قانون تسمح بتشديد العقوبات على حزب الله، عبر تضمينه إجراءات إضافية للحد من مصادر تمويله. وتضمن مشروع القانون والمعروف باسم "قانون منع التمويل الدولي لحزب الله" إلزام الرئيس الأمريكي بفرض عقوبات على الحزب تطال كل شخص يدعم أو يرعى أن يقدم تمويلاً مهمًا أو موادًا أو دعمًا تقنيًا لعدد من الكيانات، ومن بينها بيت المال وجهاد البناء وهيئة دعم المقاومة الإسلامية، وقسم العلاقات الخارجية، والمنظمة الأمنية التابعة لحزب الله في الخارج، بالإضافة إلى قناة المنار وإذاعة النور والمجموعة اللبنانية للإعلام. كما شملت العقوبات تجميد الأصول وحجب التعاملات المالية ومنع إصدار تأشيرات السفر إلى الولايات المتحدة. وتضمن القانون أيضًا إمكانية فرض عقوبات على دول أجنبية في حال قامت بتقديم دعم عسكري أو مالي لـحزب الله أو أحد الكيانات المرتبطة به. وفرض مجلس النواب الأمريكي في 26 أكتوبر 2017 م، عقوبات جديدة على حزب الله حيث تم إقرار ثلاثة قوانين, يتضمن القانون الأول عقوبات جديدة على أي كيانات يثبت دعمها للجماعة من خلال إمدادها بالأسلحة. ويفرض القانون الثاني عقوبات على إيران وحزب الله لاستخدامهما المدنيين كدروع بشرية. ويطالب القانون الثالث الاتحاد الأوروبي بتصنيف حزب الله تنظيمًا إرهابيًا. وفرضت وزارة الخزانة الأمريكية في 2 فبراير 2018 م، عقوبات جديدة على حزب الله حيث أضافت عددًا من الشخصيات والكيانات التابعة للحزب بقائمة العقوبات التي تستهدف النشاطات التجارية للحزب. وقد ضمت القائمة أسماء أربع أشخاص مقيمين في لبنان، هم كل من جهاد محمد قانصو وعلي محمد قانصو وعصام أحمد سعد ونبيل محمود عساف، وكلاً من عبد اللطيف سعد ومحمد بدر الدين وكلاهما مقيم في العراق, وأدرجت الخزانة الأمريكية أسماء سبعة كيانات متمثلة بكل من شركة الإنماء للهندسة والمقاولات ومجموعة بلو لاجوون في سيراليون وشركة قانصو للصيد المحدودة وشركة ستار ترايد في غانا وشركة دولفين التجارية في ليبيريا وشركة سكاي التجارية وغولدن فيش في كل من ليبيريا ولبنان. وبموجب هذه العقوبات المفروضة فإن أصول هؤلاء الشخصيات والكيانات الموجودة في الولايات المتحدة الأمريكية تخضع للتجميد، كما ويُحظر على الأمريكيين التعامل معهم.

كما تضمنت الخطة الأمريكية الجديدة، تجفيف منابع تمويل حزب الله في أمريكا اللاتينية، وضرب مصالح الحزب ومراكز نشاطه فيها وتحييد الشخصيات النافذة في هذه الدول التي شكلت غطاءً داعمًا ومساندًا سياسيًا ولوجستيًا للحزب، عبر مختلف الدول مثل المكسيك، وفنزويلا، وكولومبيا، والبرازيل، وجزر العذراء البريطانية. وحسب تقرير سري للأجهزة الأمريكية، نجح حزب الله بفضل شبكة علاقاته في أمريكا اللاتينية، في تبييض ما يتراوح بين 600 و 700 مليون دولار، بين 2014 و2016م. ونشرت وزارة الخزانة الأمريكية في 16 فبراير 2017م، قائمة بأملاك نائب الرئيس الفنزويلي طارق العصيمى الذي تتهمه واشنطن بدعم وتمويل حزب الله اللبناني تحديدًا. كما أكدت الولايات المتحدة الأمريكية والأرجنتين في 5 فبراير 2018م، أنهما ستعملان معا بشكل وثيق لوقف شبكات تمويل حزب الله اللبناني في أمريكا اللاتينية، وعدم السماح للجماعات الخارجية بتعريضها للخطر. واتهمت الولايات المتحدة حزب الله بالإتجار بالمخدرات والبشر والتهريب وغسل الأموال في أمريكا اللاتينية.

وبالتزامن أيضًا ترتكز الاستراتيجية الأمريكية على مواجهة مليشيا الحوث الانقلابية في اليمن وإنهاء الانقلاب الذي قامت به في عام 2015م، عبر تشديد الحصار على السواحل اليمنية ومنع إيران من تهريب الأسلحة إليها, وكان من أبرز نتائج ذلك الهزائم الكبيرة التي تعرض لها الحوثيين في اليمن وأخرها معركة الحديدة.

ثالثها: دعم قوى التغيير في إيران:

يمثل دعم المعارضة الإيرانية أحد أدوات الاستراتيجية الأمريكية تجاه إيران فيما بعد الانسحاب من الاتفاق النووي, من خلال الضغط على النظام الإيراني من الداخل, حيث دعمت الإدارة الأمريكية مؤتمرات المعارضة الإيرانية في الخارج والتي تطالب بتغيير النظام الإيراني الذي يمارس أقصى الانتهاكات ضد الشعب الإيراني. وشارك أعضاء من الكونجرس الأمريكي ومستشار الرئيس للأمن القومي جون بولتون في مؤتمر المعارضة الإيرانية بباريس تحت عنوان "إيران: آفاق التغيير في عام 2018.. سياسة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بشأن إيران"، حيث طالب المشاركون الدول الغربية بالوقوف إلى جانب الشعب الإيراني ورغبته في إقامة الديمقراطية

وقد تجسدت التحركات الإيرانية الداخلية ضد النظام في احتجاجات ديسمبر 2017م، والذي سعى لسحقها حيث قام الحرس الثوري وقوات الباسيج بسحل المحتجين في شوارع المدن الإيرانية وعمل على شيطنة تلك الاحتجاجات ووصفها بأنها مؤامرة خارجية, بينما هي انعكاس للديكتاتورية الدينية والعسكرية للنظام الإيراني. وقد استمرت المظاهرات في إيران خاصة في إقليم الأحواز العربي وقام النظام بسحقها, ثم اندلعت احتجاجات تجار البازار في طهران في نهاية يونيو الماضي ضد تدهور الأوضاع الاقتصادية وانخفاض قيمة العملة الإيرانية, الريال حيث هوت أمام الدولار الأمريكي إلى مستويات تاريخية لم يصلها من قبل، إذ بلغت قيمة الدولار الواحد نحو 90 ألف ريال إيراني.وتمثل احتجاجات البازار مؤشرًا مهما على زيادة الضغوط على النظام الإيراني لأن تجار البازار هم من الطبقة الوسطى التي كانت متحالفة مع النظام الإيراني لعقود طويلة.

رابعها: كوريا الشمالية نموذجا للتعامل مع إيران:

ترتكز الاستراتيجية الأمريكية تجاه إيران على الربط بين ملفها النووي والملف النووي لكوريا الشمالية, حيث انتهجت إدارة ترامب استراتيجية سياسة العصا وممارسة أقصى الضغوط على نظام كوريا الشمالية بقيادة الرئيس كيم جونج أون عبر العقوبات الدولية من مجلس الأمن على خلفية إجرائها التجارب النووية وإطلاق الصواريخ الباليستية, كذلك العقوبات الأمريكية الانفرادية المشددة تجاه كوريا الشمالية, وهو ما ساهم في دفع النظام الكوري الشمالي إلى القبول بالمفاوضات والدخول في حوار مع الولايات المتحدة لنزع أسلحته النووية بشكل شامل, وهو ما جسدته قمة ترامب وكيم في الثاني عشر من يونيو الماضي بسنغافورة, حيث اتجهت الإدارة الأمريكية إلى تبني سياسة الجزرة مع كوريا الشمالية من خلال الحوار والتفاوض وتطبيع العلاقات ورفع العقوبات عبر اتفاق شامل يقضي بنزع السلاح النووي لكوريا الشمالية مقابل رفع العقوبات. وبالتالي تريد الإدارة الأمريكية تقديم نموذج كوريا الشمالية على نجاح سياسة العصا أولاً ثم الجزرة ثانيًا مع كوريا الشمالية وتطبيقه مع إيران, حيث أن الاتفاق مع كوريا الشمالية يقضي بنزع وتفكيك برنامجها النووي بشكل شامل ولا رجعة فيه, بينما نجد أن الاتفاق النووي الذي وقعه أوباما مع إيران ومعه الدول الكبرى في مجلس الأمن إضافة لألمانيا لم يتضمن نزع وتفكيك البرنامج النووي لإيران وإنما تعليقه لفترة مؤقتة, ومن ثم رأت إدارة ترامب أن ذلك كان بمثابة ترحيل للمشكلة لما بعد عام 2025م، وليس حلها من جذورها وهو ما دفعها إلى تغيير استراتيجيتها وتبني سياسة العصا الغليظة مرة أخرى وممارسة أقصى الضغوط تجاه إيران لكى تقوم بإبرام اتفاق جديد يقضي بنزع وتفكيك برنامجها النووي ومنع امتلاكها للسلاح النووي على غرار كوريا الشمالية, كما استهدفت أيضًا تفكيك العلاقات السرية بين كوريا الشمالية وإيران خاصة في مجال الصواريخ الباليستية.

الخيارات الإيرانية المحدودة تجاه الاستراتيجية الأمريكية:

تبدو الخيارات الإيرانية تجاه الاستراتيجية الأمريكية الجديدة بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي, محدودة ومكلفة جدًا, وتتمثل الخيارات الإيرانية في:

-خيار الانسحاب الإيراني من الاتفاق النووي, فإيران دخلت الاتفاق لاعتبارات اقتصادية تستهدف رفع العقوبات الدولية عليها, وبعد الانسحاب الأمريكي وإعادة فرض العقوبات الأمريكية عليها مرة أخرى وفرض عقوبات جديدة مشددة من الصعب أن تستفيد إيران من مزايا الاتفاق الاقتصادية في ظل صعوبة تعويض الأطراف الأخرى, خاصة أوروبا وروسيا والصين, للعقوبات الأمريكية وفشل أوروبا في تقديم ضمانات حقيقية لإيران بشأن استثماراتها فيها, ومن ثم قد تلجأ إيران إلى الانسحاب وإعادة التخصيب بمعدلات أعلى, كما هدد المرشد الأعلى على خامنئي, لكن هذا الخيار سيكون مكلفًا جدًا لإيران, فمن ناحية فإن انسحابها يعنى انهيار الاتفاق تمامًا ويفقدها تعاطف الأطراف الأخرى التي ستتجه صوب الموقف الأمريكي, كما أن استئناف التخصيب بمعدلات أعلى وزيادة أجهزة الطرد المركز سيعيد العقوبات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن مرة أخرى, وسيدفع باتجاه فرض عقوبات جديدة وهو أمر لا يتحمله الاقتصاد الإيراني الذي يعانى من تدهور كبير قد يهدد بسقوط النظام الإيراني ذاته.

-خيار الاستمرار في الاتفاق النووي مع الأطراف الأوروبية وروسيا والصين دون الطرف الأمريكي وهو خيار يواجه بصعوبات أيضًا في ظل تأثير العقوبات الأمريكية على الشركات الأوروبية ومطالبة الولايات المتحدة الدول الأخرى بوقف استيراد النفط الإيراني, وهو ما يدفع بانهيار الاتفاق في نهاية المطاف.

- استمرار الضغوط والعقوبات الأمريكية وتداعياتها السلبية على إيران قد تدفعها للقبول بمقترح فرنسا بالتوصل إلى ملحق مكمل للاتفاق الأصلي يقضى بإطالة أمد الاتفاق وفتح مواقع التفتيش الإيرانية العسكرية لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية ووضع قيود على برنامج إيراني الصاروخي الباليستي, ووقف دورها في دعم الإرهاب في المنطقة, لكن هذا السيناريو يواجه بتحديات أبرزها رفض النظام الإيراني تعديل الاتفاق الأصلي ورفض ربط برنامجها النووي بالبرنامج الصاروخي ورفض تقليص نفوذها ودورها في المنطقة بعد أن أنفقت عليه عشرات المليارات وكانت تنتظر جني ثمار تدخلها في سوريا والعراق واليمن, كما أن الإدارة الأمريكية لن تقبل بحلول أوسط أو اتفاق تكميلي وإنما اتفاق جديد وشامل يتناول كل الملفات الإيرانية, وهذا ما سترفضه إيران, وهذا بدوره يدفع في اتجاه استمرار الاستراتيجية الأمريكية لتشديد الضغوط على إيران وفرض أقصى العقوبات عليها. كما أن استمرار النظام لسياسة التحدي ودعم الإرهاب وأذرعه الإرهابية سيزيد من الضغوط عليه في ظل المشكلات الاقتصادية الكبيرة التي يواجهها.

وفي ظل الضغوط الداخلية المتصاعدة واستمرار الضغوط الخارجية, أصبح النظام الإيراني في مأزق كبير فهو بين مطرقة الداخل وسندان الخارج وهو ما يدفعه في نهاية المطاف إلى القبول بالمطالب الأمريكية والمتمثلة في إبرام اتفاق نووي جديد يعالج ثغرات الاتفاق السابق ويضع قيودًا صارمة على برنامجه الصاروخي ودوره في دعم الإرهاب لأن الخيار البديل سيكون سقوط النظام ذاته. وفي كل الأحوال فإن الاستراتيجية الأمريكية الجديدة تجاه إيران والقائمة على ممارسة أقصى الضغوط والعقوبات ستساهم في احتواء الخطر الإيراني سواء في المجال النووي أو الصواريخ الباليستية أو دورها في دعم الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط حتى وإن استغرقت بعض الوقت.

مجلة آراء حول الخليج