array(1) { [0]=> object(stdClass)#12963 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 88

قراءة في المبادرة الخليجية لحل الأزمة في اليمن: الأبعاد والدلالات

الأحد، 01 كانون2/يناير 2012

شكلت المبادرة التي قدمها مجلس التعاون لدول الخليج العربية لحل الأزمة اليمنية واحدة من أبرز فرص الحل والتي حاولت احتواء الأزمة إقليمياً وعربياً وعدم الرغبة في تدويلها، كما حصل مثلاً مع الأحداث في ليبيا، وعلى الرغم من تعثر هذه المبادرة وتقديمها بصيغتين إلا أنها حققت وإلى حد ما رغم ما اكتنفها من سلبيات سوف نحاول توضيحها في ثنايا هذه الورقة والأهداف الخاصة بها والتي رمت أكثر ما رمت إلى تحقيق توازن بين مطالب الثورة الشبابية في البلاد وبين الحفاظ على وحدة اليمن وتحقيق قدر من السلم والوئام الاجتماعي.

لقد تضمنت المبادرة الخليجية جملةً من المبادىء والخطوات التي تخص وضع هذه المبادىء موضع التطبيق، ولعل أبرز المبادىء التي تضمنتها هذه المبادرة:

دعوة الحكومة اليمنية وأطراف المعارضة اليمنية ومن ضمنهم القيادات الشبابية التي أفرزتها الاحتجاجات التي تطالب بإقالة الرئيس علي عبدالله صالح إلى الاجتماع في المملكة العربية السعودية تحت رعاية مجلس التعاون لدول الخليج العربية طبقاً لجملة من المبادىء من بينها الحفاظ على وحدة اليمن واستقراره، وأن يلبي الاتفاق رغبة الشعب اليمني في التغيير والإصلاح، وأن يؤدي الحل إلى الحفاظ على وحدة اليمن واستقراره، وأن يلبي أيضاً طموحات الشعب اليماني بجميع فئاته والراغب في التغيير والإصلاح وإزالة مظاهر الفساد السياسي والإداري، وأن يتم نقل السلطة بطريقة آمنة تجنب وقوع اليمن في أتون الفوضى أو الحرب الأهلية، وأن تلتزم كافة الأطراف بإزالة مظاهر التوتر وأشكاله سواء على الصعيد السياسي أو الأمني، وإيقاف كل أشكال الملاحقة والمتابعة من خلال تعهدات وضمانات تعطى لكل طرف. وإذا كانت هذه هي المبادىء الخاصة بالمبادرة فإن آلياتها قامت على ضرورة أن يقوم الرئيس اليمني بنقل صلاحياته لنائبه كمرحلة انتقالية إلى حين الإعلان عن انتخابات جديدة، وأن تقوم قوى المعارضة بتشكيل حكومة توافق وطني برئاسة المعارضة لها الحق في تشكيل اللجان والإعلان عن موعد انتخابات جديدة، وصياغة دستورٍ جديد للبلاد. وكان رد فعل القيادات الشبابية المعارضة أن هذه المبادرة انحازت بشكل كبير للنظام القائم على حساب مطالب الثورة الشعبية.

ولما لم تسفر هذه المبادرة عن خطوات عملية تضمن تنفيذ بنودها ولا سيما استقالة الرئيس اليمني أو نقل صلاحياته إلى نائب الرئيس مع استمرار مسلسل العنف الدموي في أغلب المدن اليمنية تم تعديل هذه المبادرة بحيث أضحت تشمل البنود التالية: دعوة رئيس الجمهورية المعارضة لتشكيل حكومة وفاق وطني وبنسبة 50 في المائة لكل طرف على أن تُشكل خلال مدة لا تزيد على سبعة أيام من تاريخ التكليف، وتبدأ الحكومة المُشكلة بإزالة مظاهر التوتر على الصعيدين الأمني والسياسي، وتضمنت المبادرة برنامجاً يقضي بأن يقر مجلس النواب في اليوم التاسع والعشرين من بدء تنفيذ المبادرة الخطوات الخاصة بعدم ملاحقة الرئيس علي عبدالله صالح وبعض أقطاب حكمه ومنحهم الحصانة اللازمة التي تفضي إلى عدم ملاحقتهم قانونياً وقضائياً وهو الأمر الذي عدته قوى المعارضة نقطةً سلبية في برنامج المبادرة. أما في اليوم الثلاثين من دخول المبادرة حيز التنفيذ وبعد أن تعطى وتقر الضمانات الكافية واللازمة للرئيس يقدم الأخير استقالته لمجلس النواب ويصبح نائب الرئيس هو الرئيس الفعلي بالإنابة بعد مصادقة مجلس النواب على استقالة الرئيس. ومن ثم يقوم الرئيس الجديد بالدعوة إلى تشكيل لجنة تقوم بإعداد دستور جديد للبلاد والدعوة إلى انتخابات رئاسية تجرى في البلاد خلال 60 يوماً من دخول المبادرة حيز التنفيذ، وفي حالة اكتمال صياغة الدستور يتم عرضه على استفتاء شعبي وإجازته بالاستفتاء الشعبي يتم وضع جدول زمني لإجراء انتخابات برلمانية خلال مدة يحددها الدستور الجديد، وبعد الإعلان عن نتائج الانتخابات يطلب رئيس الجمهورية من رئيس الحزب الفائز في الانتخابات تشكيل الحكومة، وبموجب هذه المبادرة تكون كافة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي شهوداً على هذا الاتفاق.

تلقت قوى المعارضة اليمنية المبادرة الخليجية بقدر من الترحيب الذي يخالطه بعض الحذر

لقد تلقت قوى المعارضة اليمنية ولا سيما القوى الشبابية التي كانت طليعة الاحتجاجات المطالبة برحيل علي عبدالله صالح وأركان نظامه المبادرة الخليجية بقدر من الترحيب الذي يخالطه بعض الحذر ولاسيما على صعيد الاتفاق على تشكيل اللجنة العسكرية والتوافق على أعضائها والتي سوف توكل إليها إعادة هيكلة القوات المسلحة اليمنية وإيقاف الصراع بين الأجنحة الموالية للرئيس صالح والأجنحة العسكرية المنشقة عليه. ومن المعروف أن تشكيل هذه اللجنة العسكرية يعني فيما يعنيه سحب الصلاحيات الخاصة بالرئيس علي عبدالله صالح كقائد أعلى للقوات المسلحة اليمنية، ولقد بدا للبعض أن تأخير تشكيل اللجنة يأتي من زاوية الحاجة لوجود اتفاق أو توافق وطني بشأن أعضاء اللجنة، الأمر الذي يعني تأخير تشكيلها إلى حين تشكيل حكومة الوفاق الوطني، تجنباً لحدوث خلافات بين حزب المؤتمر الحاكم وأحزاب اللقاء المشترك المعارضة.

لقد أشارت بعض قوى المعارضة إلى أن المبادرة قد تكون نجحت في نزع فتيل الحرب الأهلية التي كانت قاب قوسين أو أدنى للاندلاع في اليمن، لكنها وفي الوقت ذاته لم تعطِ تطمينات وافية وناجعة حول مستقبل أسرة الرئيس علي عبدالله صالح ودور نجله أحمد صالح الذي يتولى مهمة قيادة الحرس الجمهوري ومدى إمكانية أو عدم إمكانية توليه لمنصب سيادي أو عسكري، وبالتالي عودة مشكلة التوريث من باب المبادرة الخليجية. كما انتقدت قوى المعارضة المبادرة من زاوية عدم معالجتها للملابسات التي سوف ترافق الفترة الانتقالية لا سيما أن اليمن حالياً يعيش برئيسين مع استمرار الرئيس علي عبدالله صالح بممارسة صلاحياته الكاملة كرئيس. كما انتقدت المعارضة عدم تطرق المبادرة إلى مسألة تغيير الطاقم الرئاسي ولاسيما جهاز الأمانة العامة للرئاسة التي اتهمتها قوى المعارضة بأنها تدير البلاد من وراء ستار. وإذ امتدحت أطراف عديدة تضمين المبادرة فقرة تتعلق بتفسير موادها ومبادئها فإنها أكدت احتمال أن تقوم الأطراف المتصارعة في اليمن بتفسير محدد لنصوص المبادرة يضمن مصالحها، وبالتالي قد يخرج المبادرة عن مضمونها، ويجعلها هي الأخرى سبباً مضافاً إلى أسباب الصراع الموجود في اليمن.

ويبدو أن جميع أطراف الصراع السياسي في اليمن ومنهم قوى اللقاء المُشترك تثق بشخصية نائب الرئيس عبدربه منصور، وتميل في حالة عدم التوافق إلى إعطائه صلاحيات السلطتين التشريعية والتنفيذية، وبالتالي قد يعدُ هو الضمانة لتنفيذ بنود المبادرة والعبور بالمرحلة الانتقالية إلى بر الأمان.

لقد عابت قوى المعارضة اليمنية على المبادرة عدم إشراكها قوى المعارضة الأخرى مثل شباب التغيير والحوثيين وكذلك الحراك الجنوبي في حكومة الوفاق الوطني، ولكنها أشارت إلى ضرورة مشاركة هذه الفئات والجماعات في الحوار الوطني الذي يسبق الانتخابات، وبطبيعة الحال فإن إهمال هذه الفئات من المشاركة في الحكومة سوف يؤدي بها إلى اتخاذ موقفٍ سلبي من المبادرة ومن الوضع الذي سوف يفضي بعد تنحي علي عبدالله صالح وبالتالي قد يعني ذلك عودة الوضع إلى مرحلة التأزم.

المبادرة الخليجية بينت الرغبة الإقليمية والدولية في ضرورة بقاء اليمن موحداً ومستقراً

لقد بينت بعض الآراء المعارضة والمنتقدة للمبادرة أن الهدف الأساسي للمبادرة قد رمى إلى إنقاذ نظام الرئيس علي عبدالله صالح والحيلولة دون حدوث تغييرات إقليمية قد تطال بعض الدول المجاورة لليمن أو الخشية من امتداد الأحداث في اليمن وما تؤديه من بروز قوى متطرفة كـ (القاعدة) لكي تلعب دوراً محورياً ومؤثراً في مسيرة الأحداث في اليمن لا سيما في حالة انهيار بنى ومؤسسات الدولة وهو ما تسعى المبادرة إلى المحافظة عليه.

أما أهم مزايا وإيجابيات المبادرة فهي إجبار الرئيس علي عبدالله صالح على التنحي وتسليم مقاليد الحكم لنائبه وهو ما كانت تطالب به قوى الشباب والمظاهرات الشعبية التي عمت اليمن، وفي الوقت ذاته تعطي لصالح مخرجاً مشرفاً لتوديع المشهد السياسي في بلاده، كما أن المبادرة بينت الرغبة الإقليمية والدولية في ضرورة بقاء اليمن موحداً ومستقراً ومنحت الشرعية الدولية للتدخل ضد أي طرف يسعى إلى الإخلال ببنود المبادرة أو إخراجها عن المديات التي رمت إلى تحقيقها. وبتقليص سلطات وصلاحيات علي عبدالله صالح انتظاراً لتوديعه كرسي الرئاسة بشكل نهائي في يناير 2012 تكون المبادرة قد حجمت قدرته أو إمكاناته في تفجير الوضع السياسي في اليمن وأوقفت بذلك نزيف الدم الذي كان يتصاعد بشكل يومي في أغلب مدن البلاد.

المبادرة الخليجية لقيت ترحيب قادة الدول الكبرى ومنها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي

وإذ أبقت المبادرة على حزب المؤتمر الشعبي الحاكم كأحد الأحزاب السياسية المشاركة في الحياة السياسية، فذلك يعكس الرغبة في ضرورة عدم إلغاء أحد الأطراف السياسية في اليمن ومن ثم انتظار ما تسفر عنه الانتخابات النيابية المقبلة والتي سوف تعطي لكل الأحزاب المشاركة في الانتخابات حجمها الحقيقي، وبالتالي تجنيب اليمن مخاطر الانقسام السياسي والاتهامات المتبادلة بين أحزاب المعارضة وحزب المؤتمر وعدم دخول البلاد في خضم من التصفيات والانتقامات المتبادلة ما يعني نزع فتيل أزمة قد تؤدي إلى اقتتال داخلي، وعودة الأوضاع إلى سابق عهدها.

كما ورد نص في المبادرة يقضي بضرورة أن تكون الشخصيات المترشحة لنيل المناصب الوزارية على درجة عالية من النزاهة والكفاءة والالتزام بحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، الأمر الذي يعطي ضمانة أكيدة للشباب بعدم ترشح أي من أقطاب النظام السابق ولاسيما المتهمين بارتكاب مجازر ضد الشباب المعتصمين في ساحات الاعتصام السلمية.

لقد رجحت بعض التحليلات والدراسات أن هنالك سيناريوهات ثلاثة تنتظر مصير المبادرة الخليجية وهي أولاً توافق أغلب الأطراف السياسية على المبادرة وما تمخضت عنه من خروج للرئيس علي عبدالله صالح من سدة الحكم، ما يعني انتصاراً لمطالب الثورة الشعبية. أما السيناريو الثاني فيتجلى برفض أحد الأطراف أو التفافه على بنود المبادرة، الأمر الذي يعني عدم وصول البلاد إلى مرحلة من الانتخابات الحرة والديمقراطية، وفي هذه الحالة توفر المبادرة قدرة للأطراف الدولية على التدخل وإجبار الطرف الذي أخلّ بتنفيذ بنود المبادرة على الالتزام إما عن طريق التدخل العسكري أو فرض عقوبات شخصية أو منعٍ من السفر أو تقديم دعم لوجستي في حالة حصول مواجهات مسلحة بين الطرف الذي أخلّ بتنفيذ بنود المبادرة والأطراف الأخرى، وحصول مثل هذا السيناريو يعني فيما يعنيه سقوط نظام الرئيس علي عبدالله صالح بشكل نهائي إذا ما قامت قوى المعارضة وتحديداً قوى اللقاء المشترك والقوى الشبابية بالحفاظ على تماسكها ووحدتها.

أما السيناريو الثالث الخاص بمخرجات المبادرة الخليجية فيتجلى بسقوط نظام الرئيس علي عبدالله صالح وخروجه من دائرة السلطة، ولكن مع بقاء نظامه الأسري متحكماً في بعض مفاصل الأمن والدفاع في اليمن، وبالتالي قد يمثل قوة مضادة لإرادة التغيير ويقوم بعرقلة تنفيذ بنود المبادرة الأخرى، وهو الأمر الذي يستدعي اتخاذ جملة من الإجراءات لعل من بينها إقالة الأمانة العامة لرئاسة الجمهورية والطاقم الرئاسي بكامله وإعادة هيكلة الحرس الجمهوري وتفعيل آليات المحاسبة والمراقبة وإحالة القيادات العسكرية التي ثبت تورطها بإراقة الدم اليمني للمحاكم المختصة. وبطبيعة الحال فإن توحيد القيادة العسكرية في هذه المرحلة على الأقل أو في المرحلة التي تلي تنفيذ كامل بنود المبادرة يعد ضرورة ملحة من أجل عدم عودة الأوضاع في اليمن إلى المربع الأول.

ولا بد من التذكير بأن المبادرة الخليجية لقيت ترحيب قادة الدول الكبرى ومنها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وأشادت بالجهود الخليجية التي رمت إلى إيقاف نزيف الدم في اليمن وعدم أيلولة الأوضاع إلى مخرجات قد تؤدي إلى حرب أهلية أو سيطرة قوة متطرفة على مقاليد الحكم.

ولا بد أن نشير هنا إلى أن هذه المبادرة تمثل تطوراً في النشاط الدبلوماسي الخليجي وقدرته على حل النزاعات الإقليمية وإمكانية حل القضايا والصراعات التي تواجه المنطقة العربية بجهود عربية خالصة من دون تدخل من قوى دولية أخرى، ومحاولة لم شعث ما تمزق من عرى الوحدة الوطنية في البلدان التي تعرضت إلى حالة من الاضطراب السياسي ولاسيما البلدان التي نشبت فيها ثورات (الربيع العربي)، والسعي لتهدئة الأوضاع بعد تغيير الأنطمة السياسية وبشكل يضمن مصالح الأطراف المتصارعة ويفضي إلى عبور البلاد لحالة لا تؤدي إلى نشوب صراع مستقبلي وذلك بإيجاد آليات تستند إلى أسلوب العدل والاحتكام للقانون في محاكمة من أساء في المرحلة السابقة من دون اللجوء إلى أسلوب الثأر الشخصي والانتقام وبما يوفر حالة من الانسجام المجتمعي والاستقرار الذي يبعد عن اليمن شبح الحرب الأهلية التي لن يستفيد أي طرف من اندلاعها.

مجلة آراء حول الخليج