array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 142

دول الخليج العربي وجمهوريات أسيا الوسطى: القوة الناعمة - والتوازن الإقليمي

الثلاثاء، 08 تشرين1/أكتوير 2019

كتب مستشار الأمن القومي الأمريكي الراحل زبجنيو بريجنسكي في مؤلف رقعة الشطرنج : " إن أوراسيا هي رقعة الشطرنج التي يتواصل فوقها الصراع من أجل السيادة العالمية. وبالرغم من أن الجيواستراتيجيا يمكن أن تقارن بالشطرنج، فإن رقعة الشطرنج الأوراسية بيضوية الشكل لا تشغل لاعبين اثنين بل عدة لاعبين يمتلك كل لاعب منهم كميات متباينة من القوة. يستقر اللاعبون الرئيسيون في الغرب، والشرق، والمركز، والجنوب". وتعتبر جمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية " بلقان أوراسيا"""Eurasian Balkans، ونعلم أن شبه جزيرة البلقان، اندلعت منها شرارة الحرب العالمية الأولى، وآسيا الوسطى تعتبر محور قلب اليابس في نظرية ماكندر التي أكد فيها أن من يسيطر على شرق أوروبا يسيطر على قلب اليابس ومن يسيطر على قلب اليابس يسيطر على جزيرة العالم، وبالتالي يسيطر على العالم، ولذلك كان ولا يزال الصراع الدولي والإقليمي على الجمهوريات الإسلامية بآسيا الوسطى، لأهميتها الاستراتيجية والاقتصادية والحضارية، فالجمهوريات الخمس: كازاخستان، أوزباكستان، تركمنستان، طاجيكستان، قرغيزستان، ومعها أذربيجان تتاخم حدودها دولاً إسلامية وهي: أفغانستان وباكستان وإيران وتركيا، ودولاً غير إسلامية مثل : الصين والهند وروسيا الاتحادية ، وحتى دولة كبرى الولايات المتحدة قفزت بكل قوتها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ، لإقامة قواعد عسكرية وتأكيد وجودها في منطقة آسيا الوسطى، فالغزو لأفغانستان 2001م، كان له أهدافه الاستراتيجية بعيدة المدى مستغلة أحداث 11 سبتمبر، كما أن بريطانيا العظمى كان لها تاريخها في اللعبة الكبرى في آسيا الوسطى وبالذات الصراع مع الامبراطورية الروسية، وتتحرك دول أخرى في الصراع لهذه المنطقة مثل إسرائيل التي تسعى بقوة لأن تكون دول آسيا الوسطى ضمن أستراتيجية الأطراف الإسرائيلية الجديدة للإحاطة بالعالم العربي ودول الجوار العربي الإسلامية.

صراع الدول الكبرى والدول الإقليمية

تحتوي جمهوريات آسيا الوسطى على البترول والغاز الطبيعي وغنية بالمعادن والزراعة ومنطقة عبور بين الشرق والغرب، فكازخستان وتركمانستان واوزباكستان تعتمد في اقتصادها على ما تصدره من مصادر الطاقة، وتأتي كازخستان كإحدى الدول الرئيسة المنتجة للبترول في أوروبا وأوراسيا بعد روسيا والنرويج، وتتفوق على أذربيجان في إنتاج البترول وتعتمد عليه في اقتصادها، رغم أنها منتج للغاز الطبيعي الذي يصدر عبر الأنابيب إلى روسيا وبعضه إلى الصين. أما تركمانستان فهي غنية بالغاز الطبيعي ومصدر له والسوق الرئيس له الصين حيث صدرت في عام 2016م، 37.3 بليون متر مكعب. وتصدر أوزباكستان الغاز الطبيعي إلى كازاخستان وروسيا والصين. توفر الطاقة يدفع الشركات العالمية للتنافس على الاستثمار في هذه الدول واستغلال المعادن فيها كما أن توفر موارد المياه جعل أراضيها ذات أهمية للإنتاج الزراعي؟

ولأهمية هذه الدول الجيواستراتيجية والاقتصادية، نجد أن روسيا اعتبرتها ضمن مناطق نفوذها الاستراتيجي، ولذلك اعتبرت في  الاستراتجية الروسية "مبدأ مونرو الروسي"، ويعني أن يتبنى مبدأ الرئيس الأمريكي مونرو 1823م، عندما اعتبر أن أمريكا الجنوبية منطقة نفوذ أمريكي تحذر الدول الأوروبية من التدخل فيها، ولذلك حذرت روسيا الولايات المتحدة، عندما حاولت الأخيرة  إقامة قواعد عسكرية في بعض الجمهوريات، وضغطت روسيا على الجمهوريات لأن تطلب من واشنطن إغلاق قواعدها، كما في أذربيجان وقرغيزستان وأوزباكستان، وكانت واشنطن عقدت اتفاقيات لاستعمال القواعد الجوية في كازاخستان وطاجكستان، وخاصة عندما قامت باحتلال أفغانستان. ولكن الصين وروسيا حذرت واشنطن من استمرار وجودها، وبالفعل تم إغلاق القاعدة الأمريكية في أوزباكستان عام 2006م، وكذلك مراجعة عقد إيجار القاعدة الأمريكية في قرغيزستان.

أنشأت روسيا والصين منظمة شنغهاي للتعاون الاقتصادي لمواجهة واشنطن، ضمت إليها كازاخستان، أوزباكستان، طاجكستان وقرغيزستان، بالاضافة للهند وباكستان ودول مراقبة مثل أفغانستان وإيران وأخرى شريكة لها. إن منظمة شنغهاي ذات الوجه الاقتصادي لها بعد عسكري آخر أطلق عليها " ناتو الشرق " لإيجاد التوازن الاستراتيجي مع حلف الناتو، خاصة في مناطق حيوية كآسيا الوسطى والشرق الأوسط والخليج العربي؟

وكان دانيل فريد مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون أوراسيا قد بين الأهداف الاستراتيجية أمام لجنة الشؤون الخارجية للشرق الأوسط وآسيا الوسطى في 27 أكتوبر 2005م، المتمثلة " الأمن الأمريكي، والطاقة والتعاون الاقتصادي ونشر القيم الأمريكية تحت شعار الحرية، وتتناقض مصالح الدول لأن الأمن الأمريكي يتناقض مع أمن كل من الصين وروسيا فالقواعد العسكرية تهديد لهما، والتعاون الاقتصادي يعني الاستثمارات والتجارة سيأتي على حساب مصالح الصين وروسيا الاقتصادية، والرأسمالية الأمريكية واقتصاد السوق الحر يتناقض مع الأنظمة الشمولية في كل من الصين وروسيا وبعض دول آسيا الوسطى، ولهذا نجد أن الصين وروسيا دفعت لإغلاق القواعد الأمريكية كما فعلت في قرغيزستان، وتساعد الدولتان وبشكل خفي حركة طالبان في مقاومتها للوجود الأمريكي في أفغانستان لأن تكون فيتنام الولايات المتحدة الجديدة، ولذلك دعت روسيا قادة حركة طالبان للوساطة بين القيادات الأفغانية، فعدو الأمس أصبح صديق اليوم، لتغير الظروف والأحوال. وقال قائد القوات الأمريكية في أفغانستان جون نيكلسون في مقابلة له مع هيأة الإذاعة البريطانية BBC في 23 مايو 2018م، أن أسلحة روسية وجدت مع مقاتلي طالبان هربت عبر حدود طاجكستان، وتدخلت روسيا للوساطة بين طالبان والحكومة الأفغانية، وتردد أن وفدًا من طالبان زار موسكو، وكان آخرها بعد أن أعلن ترامب نهاية التفاوض مع طالبان، فقد وصل وفد طالبان إلى موسكو في 14 سبتمبر 2019م، والتقى مع ممثل بوتين إلى أفغانستان زامير كابولوف، إنها لعبة شطرنج جديدة تلعبها حركة طالبان وموسكو مع واشنطن؟

وإذا كانت الدول الكبرى تتنافس وتتصارع في آسيا الوسطى، فإن الدول الإقليمية تسعى أيضًا لتحقيق مصالحها مثل تركيا وإيران وباكستان والهند. وتشكل الدول الإسلامية بآسيا الوسطى  مع تركيا وأفغانستان وباكستان وإيران منظمة التعاون الاقتصادي ECO ، وهي عشر دول إسلامية، وترتبط  تركيا بروابط لغوية وعرقية لأن دول آسيا الوسطى تتحدث اللغة التركية رغم الاختلافات البسيطة بينها في اللهجات ما عدا طاجكستان التي تتحدث الفارسية، كما أنها تنتمي إلى العرق التركي من تركستان حتى البلقان ولذلك تشكلت رابطة الشعوب التركية لتحقيق المصالح المشتركة وتقديم النموذج التركي لهذه الدول التي استقلت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991م، وتنشط تركيا مجالات التعليم والثقافة في هذه الجمهوريات عبر سلسلة المدارس والجامعات التركية، وجذب الطلاب من الجمهوريات الآسيوية للدراسة في الجامعات التركية في إطار الخطة الاستراتيجية للرئيس الراحل تورجوت أوزال لدعم الهوية والثقافة التركية في جمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية، فتركيا تركز على القوة الناعمة لتعزيز وجودها بالجمهوريات، وقد تبنت حكومة حزب العدالة والتنمية في عهدها " دبلوماسية بناء المساجد" وتدريس الطلاب من الجمهوريات في مدارس خطيب إمام التركية.

 أما إيران فحاولت تطبيق نموذجها لهذه الدول وتعميق علاقاتها، خاصة لمشاركتها بالحدود على بحر قزوين الغني بالبترول ومحاولة المشاركة في الاستثمار في الطاقة، وحشد الدعم السياسي لها من هذه الدول في مقاومة التطرف بالنسبة لإيران، ولها علاقات مع أذربيجان لأن شمال إيران تربطه علاقات عرقية مع أذربيجان. أما بالنسبة للهند القوة الصاعدة، فهي تعتبر آسيا الوسطى منطقة حيوية واستراتيجية، فنمو التيارات والأحزاب الإسلامية في آسيا الوسطى يقلقها، وخاصة مع صراعها مع باكستان حول قضية كشمير ، ولذلك تبنت الهند سياسة " الاتجاه شمالاً " ، وإقامة علاقة مع أفغانستان بعد سقوط حركة طالبان 2001م، ولكن عودة طالبان بقوة الآن أربكت حسابات الهند في آسيا الوسطى، خاصة أن منافستها باكستان تعتبر دول آسيا الوسطى العمق الاستراتيجي لها، وحيث مصادر الطاقة ونقل أنابيب البترول إلى موانئ باكستان، كما أن علاقة باكستان الاستراتيجية مع الصين تقلق الهند، ولكن دخولها في منظمة شنغهاي للتعاون، يخفف الصراع بين الدول الإقليمية المحيطة بآسيا الوسطى، وفي ظل خلافات الولايات المتحدة مع الصين وإيران وروسيا سيشكل نقطة ضعف للوجود الأمريكي في آسيا الوسطى، وفي ظل هذه الظروف الدولية والإقليمية تصبح آسيا الوسطى مناسبة للتعاون بين دول الخليج العربي بشكل خاص والدول العربية بشكل عام، لما تملكه دول المجلس من موارد مالية ومكانة في منظمة التعاون الإسلامي،  وهناك فرصة قوية للتعاون الاقتصادي والسياسي والثقافي.

دول آسيا الوسطى كنز استراتيجي لدول المجلس

إذا كان وزير الخارجية السوفيتي مولوتوف قد صرح عام 1940م،  أثناء الحرب العالمية الثانية، بأن العمق الاستراتيجي للاتحاد السوفيتي يمتد من جمهوريات آسيا الوسطى حتى الخليج العربي، فإن هذا التصريح يعزز أهمية الارتباط الاستراتيجي بين دول مجلس التعاون وبين الجمهوريات الإسلامية لآسيا الوسطى، والجدير بالذكر أنه منذ عهد روسيا القيصرية في القرن التاسع عشر وهي تسعى للوصول إلى البحار الدافئة، منطقة الخليج بحر العرب والمحيط الهندي، وأرسل السوفيت قنصلاً عامًا لهم للسعودية عام 1926م، كريم حكيموف، كما زار الأمير فيصل -الملك فيما بعد - الاتحاد السوفيتي عام 1932م، وكان الاهتمام السعودي المبكر بالمسلمين في آسيا الوسطى ومحاولة إيجاد توازن في علاقاتها بين موسكو ولندن. وإذا كان مولوتوف أشار للعمق الاستراتيجي، فإن العمق الاستراتيجي لدول الخليج العربي الآن يشمل جمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية بما تملكه من ثروات وموارد وموقع استراتيجي وروابط الحضارة الإسلامية، وأن 93% من سكانها من المسلمين وأغلبهم من المذهب السني في ظل صحوة إسلامية تشهدها هذه الدول، بعد زوال الشيوعية ونهاية الحكم السوفيتي واستقلالها. ويمكن أن تلعب دول المجلس دورًا حيويًا في تقديم التفسير الصحيح للإسلام ورسالته السمحه في مواجهة الحركات الأصولية المتطرفة ومواجهة المد الإيراني في آسيا الوسطى حيث تنشط في توزيع الكتب الدينية في طاجكستان لتحدث سكانها الطاجيك اللغة الفارسية .

الطاقة والخبرات العلمية مجالات للتعاون

إن دول آسيا الوسطى غنية بالبترول والغاز الطبيعي والثروات الزراعية والمعدنية وتوفر المياه، مما يوفر مجالاً واسعًا لدول مجلس التعاون الخليجي والجمهوريات الآسيوية للتعاون فيما بينها، خاصة في مجال إنتاج البترول والغاز الطبيعي والتحكم في الأسعار، والالتزام بقواعد الإنتاج لمنظمة أوبك رغم أنها ليست عضوًا فيها، كما تنسق روسيا في مسألة الإنتاج مع منظمة أوبك. وتأتي أهمية التعاون العلمي ضرورة للاستفادة من خبرات الجمهوريات الإسلامية، حيث ورثت هذه الدول قدرات وخبرات نووية عالية الكفاءة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وتملك قاعدة ضخمة وكبيرة من العلماء والمتخصصين في كثير من المجالات الحيوية منها الفيزياء والكيمياء وصناعة الأسلحة بأنواعها.

وقد أثار ذلك حفيظة الدول الغربية، الولايات المتحدة وإسرائيل خوفًا من انتقال الخبرات العلمية للدول العربية خاصة التي لديها الإمكانيات المالية، وسارعت واشنطن وإسرائيل إلى اختراق الجمهوريات الإسلامية لمنع التعاون العربي وخاصة دول المجلس أو دول عربية من استقطاب الخبرات النووية إليها، كما حدث عندما تم استقطاب العلماء الألمان بعد هزيمة ألمانيا النازية وكانت مصر في الستينات قد استقطبت بعضهم لتطوير صناعة الصواريخ فيها. وتعتبر أوزباكستان أكبر دول آسيا الوسطى ووصل عدد سكانها إلى 24 مليون نسمة وهي الثانية بين دول آسيا الوسطى في مستوى التقدم الصناعي والعلمي والتقني بعد دولة كازاخستان، وأوزباكستان سادس دول العالم في إنتاج الذهب ورابعة في احتياطي خام الفضة. وكان رئيس أوزباكستان أول من زار الدول العربية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي للبحث عن التعاون الاقتصادي وجلب الاستثمارات العربية إلى أوزباكستان. وقد زار رئيس كازاخستان نور سلطان نزارياييف الإمارات في مارس 2019م، كما زار في نفس الفترة رئيس أوزباكستان شوكت ميرضيائيف دبي ووقع مذكرات تفاهم واتفاقيات بين صندوق أبو ظبي للتنمية ووزارة الاستثمار والتجارة الخارجية الأوزبكية ومذكرة تفاهم بين موانئ دبي العالمية لتعزير العلاقات الاقتصادية مع الإمارات العربية المتحدة.

منتدى الاقتصاد والتعاون العربي ودول آسيا الوسطى الإسلامية

كانت المملكة العربية السعودية ومصر هما السباقتان لتوطيد العلاقة مع جمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية على المستوى الثقافي والسياسي والاقتصادي، وتوجت هذه العلاقة بإعلان منتدى الاقتصاد والتعاون العربي ودول آسيا الوسطى بالإضافة لدولة أذربيجان التي تعتبر من دول القوقاز ، وقد عقد المنتدى في دورته الأولى في 11 مايو 2014م، في مدينة الرياض، وكان قبل ذلك بشهر عقد في أبريل 2014م، بالرياض أيضًا ، اجتماع الغرف والاتحادات العربية ومثيلاتها بجمهوريات آسيا الوسطى وأذربيجان، وتم الاتفاق على تشجيع الاستثمارات المتبادلة وتشجيع رجال الأعمال بين دول المنتدى للاستثمار وتفادي ازدواج الضريبة وتطوير قطاعات النقل البري والبحري والسكك الحديدية، وتنسيق التعاون بينها في القضايا الاقتصادية والتجارية والتعاون مع الأطراف الدولية والإقليمية. عقد المنتدى دورته الثانية في أكتوبر 2017م، في مدينة دوشنبة عاصمة طاجكستان، حضره وزراء الخارجية والاقتصاد والمال وهي خطوة متقدمة للتبادل والتعاون، فالإمارات العربية مثلاً بلغ التبادل التجاري مع طاجكستان عام 2016م، حوالي 40 مليون دولار، وقد وقعت مجموعة مبادلة للاستثمار الإماراتية  ثلاثة اتفاقيات مع حكومة أوزباكستان في مارس 2019م، في قطاعات توليد الكهرباء والطاقة المتجددة والنفط والغاز والصناعات الغذائية ويعتقد أن تصل هذه الاستثمارات إلى عشرة مليارات دولار، وقد وقع الاتفاقيات عن أوزباكستان وزير الاستثمار والتجارة الخارجية  ساردور امورزاكوف.

 وقد تجاوز التعاون والتبادل التجاري بين دول المجلس ودول آسيا الوسطى إلى تعزيز الإرث الحضاري وتطوير برنامج الثقافة والترجمة وإقامة المعارض المشتركة والأيام الثقافية المتبادلة، وهي وسيلة هامة لتعزيز الروابط بين شعوب هذه الدول والروابط بين مراكز البحوث والدراسات والمراكز العلمية وتبادل البعثات العلمية، خاصة أن هناك إرث حضاري قوي يربط الدول العربية وخاصة دول الخليج ومصر والشام للهجرات مع شعوب هذه الدول التي قدمت من دول آسيا أثناء الاحتلال الروسي لآسيا الوسطى والاضطهاد في العهد الشيوعي.

                 منظمة التعاون الإسلامي: المظلة الجامعة

بعد استقلالها مباشرة، انضمت دول آسيا الوسطى الإسلامية وأذربيجان إلى منظمة التعاون الإسلامي ( منظمة المؤتمر الإسلامي سابقًا)، وحيث أن منظمة التعاون تتبنى برامج التعاون الاقتصادي بين دول المنظمة، فقد تبنت المنظمة مبادرة دولة كازاخستان لإنشاء منظمة للأمن الغذائي وتكون تحت مظلة منظمة التعاون الإسلامي والبنك الإسلامي للتنمية، فدول آسيا الوسطى غنية بمصادر المياه وأراضيها الخصبة الصالحة للزراعة، وأن الزراعة تحتاج إلى التمويل للمشاريع، فهذه الجمهوريات كانت تنتج 96% من إنتاج القطن و78% من إنتاج الصوف في الاتحاد السوفيتي المنحل، وكازاخستان لوحدها كانت تنتج 33% من إجمالي إنتاج الاتحاد السوفيتي من القمح، وأن أوزباكستان لوحدها تأتي في المرتبة الثانية في العالم من حيث إنتاج القطن ومنتجاته كزيت بذرة القطن، ولهذا تستطيع دول الخليج العربي أن تستثمر في المجال الزراعي لتوفير حاجياتها والتصدير كمشاريع استثمارية زراعية مع الجمهوريات الآسيوية الإسلامية. وأخذت التجارة تنمو بين السعودية وأوزباكستان، فقد بلغ حجم التجارة بينهما 279 مليون ريال سعودي عام 2016م، وكان فائض لصالح أوزباكستان 197مليون ريال.

كما وقعت السعودية عددًا من مذكرات التفاهم ووضع خارطة للعلاقات التجارية مع كازاخستان، في أكتوبر 2016م، بقيمة 182 مليون ريال، وتسعى كازاخستان لاستثمار دول الخليج في قطاع الزراعة والبتروكيماويات إضافة لقطاع التعدين.

القوة الناعمة الخليجية

إن التعاون بين دول مجلس التعاون ودول آسيا الوسطى يمكن أن يحقق توازن قوى إقليمي، حيث يؤدي إلى توازن مع إيران وتركيا في الجمهوريات الإسلامية بما يحقق الاستقرار الإقليمي والاستقرار الداخلي في مقاومة الإرهاب ونشر الإسلام المعتدل خاصة لمكانة المملكة العربية الدينية. أسهمت المملكة في بناء المدارس في الجمهوريات الإسلامية واستقبلت طلاب العلم في الجامعات السعودية. وإن التعاون في المجالات الإسلامية ذات أهمية لتعميق العلاقات من خلال القوة الناعمة بفتح المراكز الثقافية لدول المجلس في هذه الدول وتدريس اللغة العربية التي تجد إقبالا من شعوب آسيا الوسطى لغة القرآن، وإحياء ذكرى علماء المسلمين في هذه يكون بادرة قيمة، وأسهمت مدن إسلامية في آسيا الوسطى بشكل كبير في الحضارة الإسلامية، فبخارى (أوزباكستان) موطن الإمام البخاري، وفاراب (كازاخستان) موطن العالم الفارابي وخوارزم (أوزباكستان) موطن الريحاني البيروني وسمرقند(أوزباكستان) بلد الإمام السمرقندي صاحب السنن وأبي منصور الماتريدي إمام أهل السنة والجماعة وترمذ (أوزباكستان) موطن الإمام الترمذي صاحب الجامع الصحيح، ولهذا فإن إقامة المؤتمرات العلمية حول تراث هؤلاء العلماء يقرب شعوب الدول، وتعمق العلاقة بين دول المجلس ودول الجمهوريات الآسيوية، فالثقافة عامل مهم في علاقات الدول، فالدول الكبرى تنفق على مراكزها الثقافية في الخارج ولغتها لأنها وسيلة لتحقيق مصالحها وتعزيز نفوذها. وقد أعلنت منظمة التعاون الإسلامي أن مدينة "ألما أتا" المدينة الكبرى في كازاخستان بأنها عاصمة الثقافة الإسلامية لعام 2015م، وهي بادرة مهمة في التعاون الثقافي بين الدول الإسلامية.

تملك دول مجلس التعاون الخليجي أوراقًا سياسية واقتصادية وحضارية متعددة لتوسيع نفوذها ومكانتها مع دول آسيا الوسطى، ونجد الزيارات المتكررة لزعماء هذه الدول للبحث عن استثمارات وعلاقات تجارية، وإن تشجيع السياحة وتبادل البعثات العلمية والاعتماد المتبادل كفيل التعاون السياسي والاستراتيجي، ولمكانة المملكة العربية السعودية الدينية عند الشعوب الإسلامية لآسيا الوسطى أهمية في تعزيز العلاقات بدول الخليج، وفي ظل التنافس على هذه الدول، فإن للعلاقة مع دول آسيا أهمية في تحقيق التوازن الإقليمي لتبادل المصالح.

إن الصحوة الإسلامية التي شهدتها دول آسيا الوسطى كانت مقلقة لروسيا الاتحادية والولايات المتحدة، لأنها خشيت تحول هذه الصحوة إلى واقع سياسي، فكما الباحثة جلنار كندارباليف في مقالة لها عن استقلال هذه الجمهوريات الإسلامية المستقلة في مجلة Asian Affairs 1993م، أن تشكيل فيدرالية لهذه الدول الخمس وجمع المسلمين في كومنولث الدول المستقلة والدول الإسلامية المجاورة لها يمكن أن تشكل تكتل جيواستراتيجي يواجه النظام الاقتصادي الانجلوسكسوني، وهذا ما أقلق الولايات المتحدة لتبنيها نظرية سبيكمان " حافة اليابسة Rim-land " منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، أن لا تكون هذه المنطقة من غرب الصين، تركستان الشرقية ودول آسيا الوسطى الإسلامية مرورًا حتى دول مجلس التعاون الخليجي ووادي النيل والمغرب العربي ( الهلال الأخضر الإسلامي)، أن لا تكون منطقة تحت سيطرة قوة واحدة، وتستطيع دول الخليج الاستفادة من المزايا الاستراتيجية لدول آسيا الوسطى الإسلامية وصحوتها الدينية وتقديم نموذج الإسلام المعتدل وقوتها الناعمة لخدمة مصالحها وتعزيز الأمن الخليجي خاصة والأمن العربي عامة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أستاذ العلوم السياسية في جامعتي الحسين بن طلال والملك عبد العزيز سابقًا

مقالات لنفس الكاتب