array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

اليمن الذي أضعناه خليجياً

الإثنين، 01 آب/أغسطس 2011

عندما نتحدث عن اليمن خليجياً، فإننا لا نتحدث عن مجرد بلد عربي جار فقط، بل نتحدث عن بلد يتداخل ويمتزج مع دول الخليج تاريخياً وحضارياً واجتماعياً وثقافياً، عوضاً عن كونه أصلاً لكل القبائل العربية التي تقطن دول الخليج اليوم، كما يشكل بموقعه الجغرافي المتميز خاصرة الجزيرة العربية والبعد الاستراتيجي الفريد لدول الخليج.

ولذلك فإنه يعتصرنا الألم عندما نرى بعض مدّعي العلم والثقافة في بلداننا يحاولون الانتقاص من شأن هذا البلد العظيم ومن تاريخه الفريد وتصويره بأنه عالة على دول الخليج لمجرد أنه يمر بظروف سياسية واقتصادية صعبة، متناسين أنهم يتحدثون عن اليمن السعيد، يمن بلقيس ومأرب وحضارة سبأ، يمن جرهم وقحطان، يمن الأوس والخزرج، يمن الصحابي الجليل عمار بن ياسر، اليمن الذي دعا له النبي صلى الله عليه وسلم مراراً بالبركة، ووصف أهله بمصدر الإيمان والحكمة حين قال عليه الصلاة والسلام (الإيمان يمان والحكمة يمانية)، إنه اليمن الذي صمدت قبائله في وجه حروب الردة، وقدمت دعمها ونصرتها للخليفة الصديق ليبقى الإسلام عزيزاً كريماً، وظل اليمن على الدوام مصدراً ووقوداً للفتوحات الإسلامية، كما ظل على مدى التاريخ عزيزاً كريماً يعطي الدروس تلو الدروس في كيفية الصمود بوجه المحتلين والطامعين من الغزاة الذين لطالما تحطمت أحلامهم وأمانيهم على صخرة صمود هذا الشعب العنيد رغم تعدد أجناس وأهداف وأساليب هؤلاء الغزاة. وصدق شاعر اليمن المتميز عبدالله البردوني حين قال:

نحن اليمانين يا (طه) تطير بنا *** إلى روابي العلا أرواح أنصار

إذا تذكّرت (عمّاراً) وسيرته *** فافخر بنا: إنّنا أحفاد (عمّار)

إن عزاءنا الوحيد أن هؤلاء الجاهلين بتاريخ ومكانة اليمن هم القلة القليلة من أبناء الخليج، فالغالبية العظمى تعلم جيداً مكانة وعراقة هذا البلد، وتعلم جيداً أيضاً مدى أهمية أن يأخذ مكانه وموقعه الحقيقي في منظومة التعاون الخليجي ليس لمصلحة اليمن فقط، بل لمصلحة دول المنظومة بأكملها، فالمواقف والتجاذبات السياسية والاختلاف في وجهات النظر لا تكفي سبباً لإقصاء ومعاقبة بلد وشعب عريق كالشعب اليمني.

لقد سعى اليمن جاهداً للانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي، وقدّم أول طلب رسمي في هذا الشأن في القمة السابعة عشرة التي عقدت في الدوحة عام 1996، أي بعد ست سنوات على غزو النظام العراقي السابق للكويت، وهي الكارثة التي أفقدت اليمن الكثير من حظوظه في الاندماج الكلي في المنظومة الخليجية بسبب مواقفه المؤيدة للنظام العراقي في ذلك الوقت. والآن وعلى الرغم من مرور ما يزيد على عشرين عاماً على هذه الأزمة، ومرور ما يزيد على ثلاثين عاماً من قيام مجلس التعاون الخليجي في 1981، لا يزال اليمن بعيداً كلياً عن الاندماج الكامل في المنظومة الخليجية ما يعني خسارة جميع الأطراف لمكاسب جمة تكشفت عنها الأيام اللاحقة. ويعد التقدم الوحيد الذي تحقق في هذا المجال وفي علاقة اليمن بمجلس التعاون الخليجي هو ما أقرته القمة الخليجية الثانية والعشرون التي عقدت في مسقط عام 2001 بقبول ضم اليمن إلى بعض هيئات مجلس التعاون، وهي مجلس وزراء الصحة، مجلس وزراء العمل والشؤون الاجتماعية، ومكتب التربية العربي لدول الخليج، ودورة كأس الخليج العربي لكرة القدم، وهي الهيئات التي تعتبر ثانوية. ويحسب للمملكة العربية السعودية سعيها الحثيث لتحقيق هذا التقدم رغم معارضة بعض الدول الخليجية الأخرى لهذا السعي.

لقد سنحت الفرصة مراراً وتكراراً لدول الخليج لإدماج اليمن في منظومتها التعاونية، أو على الأقل تسريع الإجراءات اللازمة لهذا الغرض، إلا أن البطء في الإجراءات، وتشدد بعض الأطراف الخليجية في بعض التفاصيل، أديا إلى تفويت الفرصة التي كانت سانحة بشكل مثالي بعد الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003، حيث كانت دول الخليج أحوج ما تكون لليمن، الذي كان في أفضل حالاته للاندماج، وقابلاً لتصحيح أوضاعه السياسية والاقتصادية بأقل التكاليف، حيث لم تكن هناك تدخلات أجنبية أو إيرانية بهذا القدر، ولم يكن هناك أيضاً حديث قوي عن حراك جنوبي للانفصال، كما لم يكن هناك نفوذ لتنظيم القاعدة كما هو اليوم، وكذلك لم يكن هناك سخط شعبي عارم على القيادة اليمنية وصل إلى حد الاغتيال.

إن الفرص السانحة في عالم السياسة قليلة، وأظن أن دول الخليج لم تغتنم الفرص الكثيرة التي كانت متاحة لاحتواء اليمن وإبعاده عن الصراعات العالمية والإقليمية بما يضمن سلامة اليمن وسلامته بالدرجة الأساس، ولعل المبادرة الخليجية الأخيرة بخصوص اليمن (المتأخرة كثيراً) جاءت لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وللإقرار الخليجي بالتقصير في مسألة احتواء اليمن وإغلاق منافذ التسرب الخارجي إليه ومن ثم إليها.

لكن وعلى الرغم من كل ذلك يبقى الأمل موجوداً في عدم ضياع اليمن خليجياً، ما دامت الإرادة اليمنية والخليجية موجودة، أو النيات الطيبة متوفرة بين الطرفين، وهذا الشيء الوحيد الذي يمكننا أن نؤكده.

مقالات لنفس الكاتب