array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 154

تحول الموقف الأمريكي بـ "صفقة إنتاج النفط" مقابل خروج تركيا من المشهد

الإثنين، 28 أيلول/سبتمبر 2020

يواجه الأوروبيون مشكلة عويصة في ليبيا ومنطقة شرق المتوسط. فمن ناحية، تتم مطالبتهم بالرد على ما يعتبرونه انتهاكات للقانون الدولي من قِبل تركيا، ولا سيما اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، وإظهار التضامن مع اثنين من الدول الأعضاء هما: اليونان وجمهورية قبرص. كما صدرت ردود فعل من الاتحاد الأوروبي نتيجة لانتهاكات تركيا لمجال اليونان الجوي ومياهها الإقليمية، وعمليات المسح السيزمي (المسوح الزلزالية) والتنقيب في المنطقة الاقتصادية الخاصة بقبرص، وكذلك في المناطق التي تشملها مذكرة التفاهم المثيرة للجدل مع ليبيا.

من ناحية أخرى، أصبحت تركيا عنصرًا بارزًا في منطقة البحر المتوسط، ولا سيما في ليبيا، وهو الأمر الذي لا يمكن للأوروبيين تجاهله، بل وقد يكون في الإمكان توجيهه لصالح أوروبا. وقد تدخلت تركيا في ليبيا عسكريًا بطريقة أزعجت الاتحاد الأوروبي. وساهمت أنقرة بذلك في إضفاء المزيد من الطابع العسكري على الصراع، غير أنها قد أقدمت على ذلك لدعم حكومة الوفاق الوطني الضعيفة التي يرأسها فايز السراج والتي تدعمها الأمم المتحدة، وبالتالي تمكينها من المقاومة والرد في نهاية المطاف ضد هجوم خليفة حفتر على البلاد. وقد قضى تدخل تركيا على الأوهام التي كانت تراود البعض في أوروبا والشرق الأوسط بانتصار حفتر العسكري الصريح على طرابلس، إذ أوجد مأزقًا صعبًا لكلِ من الطرفين، الأمر الذي دفع إلى وقف إطلاق النار. وسرعان ما تبددت تلك الآمال بعد وقت قصير من مؤتمر برلين في يناير. ففي ذلك الوقت، كان حفتر وداعموه لا يزالون يعتقدون أن الفائز يمكنه أن يأخذ كل شيء، إذ تصاعدت العمليات العسكرية ولم تكن نتائج مؤتمر برلين قد جف حبرها. واليوم، لا يمكن لأي طرف أن يتغلب على الآخر، وجميع الأطراف الإقليمية: تركيا وروسيا والإمارات ومصر، وكذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يعرفون ذلك. وليس من قبيل المصادفة أن تم التوصل إلى وقف وطني لإطلاق النار الشهر الماضي، فيما فشلت كل المحاولات الأخرى.

بيد أن وقف إطلاق النار لا يعادل التوصل إلى تسوية سلمية، ناهيك عن حل الصراع، إلا أنه قد يمثل: إما نقطة انطلاق أساسية نحو إنهاء الصراع، أو أن يكون بمثابة حالة من الصراع الدائم شبه المتوقف. ولا يحتاج المرء إلا أن يفكر في القائمة المحزنة للصراعات في أوروبا الشرقية والقوقاز لتذكير نفسه، ليس فقط بمدى سهولة بلورة وقف إطلاق النار للصراع، ولكن أيضًا كيف أن هذا يمثل حجر الزاوية في سياسة روسيا الخارجية. إن مصالح موسكو في خنق إمكانات الغاز في شرق البحر المتوسط مع السماح بتفاقم الانقسام الخطير داخل الناتو واضحة وضوح الشمس. وتتوافق هذه الأهداف تمامًا مع وقف إطلاق النار الذي يؤدي إلى تجميد الصراع وقد يؤدي إلى تسريع التوجهات نحو تقسيم ليبيا. 

 وبعبارة أخرى، كانت تصرفات تركيا سببًا في وضع ليبيا عند مفترق طرق. وقد يمثل ذلك الخطوة الأولى على مسارٍ حميد في أي مأزق عسكري حيث يؤدي الجمود العسكري إلى وقف دائم لإطلاق النار، ثم يتم الاتجاه نحو التسوية السلمية والمصالحة. وبدلاً من ذلك، قد يصبح وقف إطلاق النار الأساس الذي يستند إليه صراع محدود الشدة، تستغله الأطراف الإقليمية متى شاءت لتوسيع نفوذهم وتعميق نقاط الضعف على جانب الاتحاد الأوروبي والأجنحة الجنوبية في الناتو.

وفي خضم الدوافع المتناقضة، فإن الاتحاد الأوروبي نفسه ممزق، مع قيام عدد من الدول الأعضاء بالشد والجذب في اتجاهات مختلفة، حيث تضغط اليونان وقبرص وفرنسا لصالح اتخاذ موقف أكثر تشددًا. ففي نوفمبر من العام الماضي، اعتمد المجلس إطارًا للتدابير التقييدية استجابة لأنشطة الحفر التركية في شرق البحر الأبيض المتوسط، وهو ما يدفع بإمكانية فرض حظر السفر وتجميد الأصول على الأفراد أو الكيانات المسؤولة عن هذه الأنشطة أو المشاركة فيها. وعلاوة على ذلك، فقد علق الاتحاد الأوروبي المفاوضات بشأن اتفاقية النقل الجوي الشاملة، وأجل مجلس الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا والمحادثات رفيعة المستوى بين الاتحاد الأوروبي وتركيا إلى أجل غير مسمى. كما خفض المجلس المساعدات فيما قبل انضمام تركيا للاتحاد، ودعا بنك الاستثمار الأوروبي إلى مراجعة أنشطة الإقراض في تركيا.

وفي مارس من هذا العام، اتخذ الاتحاد الأوروبي خطوة إضافية، حيث أطلق عملية إيريني التي تهدف إلى تطبيق حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على ليبيا. وصرح الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية مرارًا وتكرارًا أن العملية لا تستهدف أي طرف. وفي الحقيقة، فقد كشفت عملية إيريني عن سفن تحمل أعلامًا مختلفة وتنقل أسلحة للفصائل المتحاربة في ليبيا. ومع ذلك، تم النظر إلى العملية العسكرية للاتحاد الأوروبي في أنقرة وطرابلس بوصفها أحادية الجانب، مما أدى إلى معارضة حكومة الوفاق الوطني الليبية. وعلاوة على ذلك، فإن التوجه نحو موقف أكثر حزمًا تجاه تركيا لم ينته بعد. ومع ارتفاع سخونة الأحداث إلى آفاق جديدة في شرق البحر المتوسط ​​خلال هذا الصيف، عاد الجدل من جديد حول فرض عقوبات على تركيا مرة أخرى. وبدأ مجلس الشؤون الخارجية في أغسطس الماضي، يماطل مرة أخرى في وقت لاحق من شهر سبتمبر الماضي، حيث من المفترض أن يقرر ما إذا كان سيتحرك نحو عقوبات جادة على تركيا.

وعلى الجانب الآخر، تعارض دولاَ أخرى، وبخاصة ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا المواجهة الصريحة، ويحاولون جديًا فتح قناة للتفاوض بديلاً عن المواجهة وبعيدًا عن الفكر الأيديولوجي، ففي الحقيقة، فإن المواجهة ببساطة لن تكون مفيدة، ومن غير المعقول مقارنة العقوبات المفروضة على بيلاروسيا (بغض النظر عن حجز الرهائن) بالعقوبات على تركيا. وعلاوة على ذلك، ففي حال فرض عقوبات جادة على تركيا، فمن السذاجة الاعتقاد بأن هذا سوف يردع أنقرة، بل هو سيزيد من جرأتها في المنطقة. إن الصراع في شرق المتوسط لا يدور حول الاقتصاد، ولا يتعلق حتى بالطاقة، بل إنه صراع طويل الأمد على السيادة والأمن ولن يتحقق بالصدام المتبادل بين الأطراف. ولذلك، في أحسن الأحوال، يمكن للسياسات العنيفة أن تولد حالة من الجمود الضار المتبادل مما يردع المواجهة العسكرية المباشرة. وفي أسوأ الأحوال، قد ينزلق التعقيد الجغرافي والموضوعي للصراع الممتد حاليًا عبر البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط بدون قصد إلى عنف خارج عن السيطرة.

وقد كانت لسياسات أوروبا المنقسمة بالفعل آثارًا سلبية. فقد أدت هذه السياسات إلى تفاقم العلاقات المتوترة بالفعل بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، وقاد إلى تضييق الخناق داخل الناتو، ودفع أنقرة إلى التقارب مع روسيا. ومن خلال القيام بذلك، فقد زادت احتمالية أن تكون ليبيا في مفترق الطرق حاليًا، وستسلك الطريق المؤسف نحو صراع شبه مجمّد.

وبدلاً من المواجهة البسيطة، ينبغي أن تتجه أوروبا نحو تعاون مؤكد مع تركيا يقوم على قواعد راسخة. وقد يكون تنفيذ ذلك هو السبيل الوحيد لنزع فتيل الأزمة، بين ردع التوجه الخطير لتركيا في شرق البحر المتوسط من جانب، والعمل مع أنقرة لضمان وجود استقرار حقيقي في ليبيا من جانب آخر. إن الهدفين متناقضان في الظاهر، لكنهما متوافقان من الناحية العملية. إن شرق البحر الأبيض المتوسط، ​​الذي لا تستحوذ فيه تركيا على أية حصة، هو ببساطة لا يتوافق مع استقرار ليبيا، وإيطاليا تدرك هذا جيدًا. وبالنظر إلى الجغرافيا السياسية للمنطقة، ستحتاج أنقرة دائمًا إلى صديق في طرابلس لكسر دائرة الإقصاء التي تم بناؤها حولها.

لقد باتت قائمة إعادة ضبط العلاقات مع تركيا معروفة منذ وقت ليس بقليل. وهي تشمل المضي قدمًا في تشكيل اتحاد جمركي حديث، والذي قد يعتبر هدية لكل من تركيا وللاتحاد الأوروبي (قد يمثل أهمية أقل بالنسبة للرئيس التركي)، ليكون الانطلاق من هذا الأساس التعاقدي الجديد لخلق سبل تعاون منظم بين الجانبين في مجالات الطاقة والأمن والهجرة. وقد يُنظر إلى ليبيا في هذا التعاون الجديد كأول ميدان اختبار رئيسي.

مقالات لنفس الكاتب