array(1) { [0]=> object(stdClass)#13009 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

نحو تجربة برلمانية خليجية رائدة

الأربعاء، 01 حزيران/يونيو 2011

تعني الديمقراطية في أجّل صورها الشفافية الكاملة التي يتفاعل خلالها المواطنون بطريقة تلقائية واضحة، كل شي مكشوف، ويتم التعامل بوجودها وفق القوانين المدنية التي تحفظ لهم حقوقاً كاملة غير منقوصة يعمل الجميع من أجل بناء مجتمع نظيف ومتطور لا أحد يستطيع التجاوز على حقوق الآخرين تحت أي صورة من الصور، وتؤدي الحكومة أدوارها وفق برنامج مطروح أمام الجميع، وهناك معارضة موجودة في البرلمان تراقب أداء الحكومة وتقويم أدائها خدمة للشعب مصدر السلطة.

لا تتوقف الديمقراطية على إجراء انتخابات والتصويت فحسب إنما تعني ممارسة سلوكية مستمرة يتعلمها الأفراد منذ الصغر عن طريق التنشئة الاجتماعية ابتداء من تعلم الأطفال كيف يرمون المخلفات كأكياس الشوكلاته وقشور البرتقال على سبيل المثال في سلة المهملات أو أماكن القمامة بطريقة تلقائية أو كيف يتصرف الأطفال في الحوار مع الآخر على أساس أدب الحوار واحترام الآخر؟ وكيف يحترم الصغار الكبار وكيف يعطف الكبار على الصغار؟ وكيف تتم مراعاة المرأة ومعاملتها باحترام كما وصى بذلك الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم؟ وكيف يحسن المرء العبارات الجميلة في تبادل الحديث من دون تجريح؟ وكيف يحافظ على البيئة؟ وكيف يحافظ على الممتلكات الخاصة والعامة؟ وكيف يرسم لنفسه مكاناً فاعلاً في عملية بناء البلاد؟ وكيف يصنع حياته اعتماداً على الإمكانات الداخلية لبلده من دون السماح لأي أحد من الأطراف الخارجية بالتدخل في ذلك ويكون أميناً على سلامة أمن مجتمعه بوعي؟

بناء تجربة ديمقراطية معاصرة يعد حاجة ملحة لاستمرار النظام الخليجي المميز في منطقة الشرق الأوسط

إذاً الديمقراطية تعني الحياة الكريمة والحرية الكاملة، ولذلك فإن التجربة البرلمانية الخليجية مؤهلة لتحقيق كل ذلك لاسيما أن الأسس الأخلاقية متوفرة وتدعمها الإمكانات المادية اللازمة لبناء مرتكزات تلك التجربة ومهما كانت أشكال العلاقات الاجتماعية أو بشكل أشمل البنى الفوقية، فعناصر تحقيق ذلك ممكنة إذا ما تمت معالجة كثير من أساليب التنشئة القائمة على أساس السلطة الأبوية التي جاءت نتيجة لمتغيرات ثقافية فاعلة في البنية القبلية التي أضحت تميل إلى فرض سلطة الفرد على الجماعة، وقد ترسخ ذلك مع تفاعل الثقافة الريفية مع الثقافة الحضرية وتكوين ثقافة مختلطة _ إن صح التعبير_ أي إن هناك تداخلاً واضحاً بين الثقافتين وهذا التداخل هو المسؤول عن هذا التعسف في العلاقات الاجتماعية، وكما يقال إذا أردت أن تبحث عن الديمقراطية الشفافة في التعاملات فإنك تجدها في مجتمعين طرفي نقيض، وتجدها أيضاً في المجتمع البدوي الخالص، حيث يكون شيخ أو رئيس القبيلة فرداً متفاعلاً مع جماعته من دون تكلف، فهو يأكل أكلهم ويلبس مثل ملابسهم ويتفاعل مع قضاياهم بشكل شفاف وتلقائي وبالتالي يكون اندماجهم معه أيضاً تلقائياً فهم يطيعونه من تلقاء أنفسهم، ويجد كل فرد منهم حريصاً على المحافظة على شفافية العلاقات الاجتماعية والسياسية الجارية في بنية القبيلة، الأمر الذي نلمس منه وجود شفافية ووضوح في التعاملات كافة، وكذلك يمكن أن تلمس الديمقراطية في المجتمع الحضري الخالص الذي يقوم على علاقات تعاقدية، ويكون كل شيء واضحاً وشفافاً والتعاملات تقوم على أساس الكفاءة والإنتاج واحترام الزمن، وتبقى الإشكالية في المجتمعات الوسيطة التي تظهر فيها العلاقات الإقطاعية والتسلطية بشكل واضح. وبهذا المعنى يستلزم ونحن نتحدث عن تجربة خليجية واعدة ورائدة، أن ننطلق من الواقع الثقافي الخليجي ومن طبيعة تركيب بنية المجتمع الخليجي التي تتعرض إلى عملية تحديث واسعة في عالم أضحى منفتحاً على كل شيء، وفي هذا السياق لا يمكن تجاهل التجربة الكويتية الرائدة في مجال الديمقراطية، وكيف تعامل أمراء الكويت معها منذ ستينات القرن الماضي حتى المرحلة الحالية حينما تفاعلوا فيها إيجابياً وبشكل مستمر حتى أثارت تلك التجربة في مراحل سابقة حفيظة بعض الأطراف الخليجية التي كانت تعيش حالة اجتماعية (محافظة) وكيف لمس العرب تلك التجربة في المطبوعات والفن والثقافة وفي العلاقات الاجتماعية بمستوياتها المختلفة وفي نواح أخرى، وقد كان مجلس الأمة تجربة حية متفاعلة في تاريخ المجتمع العربي عامة والمجتمع الخليجي خاصة.

 أولاً: التجربة البرلمانية الخليجية المعاصرة:

 لا يمكن الحديث عن هذه التجربة خارج إطار تأثير متغيرات أساسية لا يمكن الانفكاك منها، أبرزها ثقافة النظم القبلية وحالة التفاوت بين مستويات حضرية بين دول الخليج العربية، كذلك الثقافة الدينية السائدة وما ظهر حديثاً على الساحة السياسية الخليجية من تيارات دينية ومتغيرات ثقافية متصلة بالثقافة الوافدة عبر وسائل الاتصال المختلفة، فضلاً عن تأثير المؤسسات التعليمية بمستوياتها المختلفة، وكذلك المؤسسات الاقتصادية والثقافية وغيرها، كل تلك المتغيرات وغيرها باتت تؤثر في السلوك الاجتماعي، مما يؤكد أن هناك تغيرات اجتماعية متسارعة في منظومة القيم والعادات الاجتماعية، وأن الصراع بين نمط الحياة التقليدي وبين نمط الحداثة بلغ مرحلة من الذروة، لاسيما بين ثقافة الأجيال الجديدة التي أخذت ترسم خريطة ثقافية لها طابعها الميز في التعبير عن مطالبها وطرح مفاهيم اجتماعية خليجية متجددة لا تخرج عن إطار الثقافة العربية الخليجية الأصيلة التي أصبحت تجدد نفسها وفق مفاهيم العصر وبين مفاهيم تقليدية تحاول الدفاع عن نفسها، مما يؤشر بشكل لا يقبل الشك إلى أن مظاهر الحياة الحضرية المعاصرة باتت متوغلة في كل ناحية من نواحي حياة المجتمع الخليجي سواء على مستوى المعمار الحديث وتنظيم المدن وتخطيطها، أو على مستوى تأسيس الأسواق الحديثة ومراكز التجارة الكبرى إلى ما تتسم فيه مظاهر الحياة من حداثة، الأمر الذي يؤشر إلى أن دولة حديثة بدأت تظهر وتتطلب أنظمة حديثة في بناء علاقات تعاقدية في مؤسسات المجتمع المختلفة، فضلاً عن الحاجة إلى بناء تجربة ديمقراطية تنقل العلاقات الاجتماعية والسياسية إلى مستوى تلك الحداثة وإلا أصبح البناء المادي الحضاري مجرد هياكل في الهواء، ولذلك فإن بناء تجربة ديمقراطية معاصرة هو حاجة ملحة وأساسية لاستمرار النظام الخليجي المميز في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، لاسيما أن هنالك نضجاً سياسياً وثقافياً في التعامل مع المتغيرات الإقليمية والدولية، وكذلك هناك فهم لضرورة مواكبة الحاجات المتجددة للمواطن الخليجي.

التاريخ الذي صنعه الخليجيون في مختلف المجالات جدير بالاهتمام والتقدير والدراسة

ويتطلب هذا الواقع من النظم السياسية الخليجية وضع استراتيجية لفهم تطلعات الأجيال الجديدة التي بدأت تكون ثقافة جديدة معاصرة تختلف عن ثقافة أجيال الآباء، وأن فاعليتها بدأت الآن بالتفاعل وستكون بعد جيلين أو ثلاثة أجيال قادرة على رسم خريطة جديدة للعلاقات الاجتماعية والثقافية والسياسية لا تقبل بأن تكون منصاعة لسلطة شخص أو لنظم سياسية قائمة على أفراد بقدر ما تكون مستعدة للتفاعل مع نظم مؤسساتية مدنية تحت نظام الدولة المدنية التي تكون السلطات فيها منفصلة عن بعضها بعضاً، الأمر الذي يتطلب من النظم الخليجية أن تتحول إلى نظم ملكية دستورية وحسب ظروف كل دولة من حيث التوقيت، وأن تنطلق تجربة ديمقراطية رائدة تحفظ النظم الاجتماعية والسياسية الخليجية استمرارها لقرون مقبلة وتتحول رموزها إلى عناوين راسخة في التاريخ السياسي والثقافي الخليجي لاسيما أن هذه الرموز استطاعت في تاريخها الحديث أن تبني نماذج فريدة في الاقتصاد والحداثة، وتحافظ على التراث العربي والإسلامي، ومن أجل ذلك ينبغي التعامل مع المتغيرات الجديدة بذكاء لاسيما أن الثقافة المعاصرة تشهد ثورة عارمة في المفاهيم وفي آليات التطور التقني، وتبتعد تدريجياً أحياناً ومفاجئة أحياناً أخرى عن الثقافة التقليدية في نمطها الاستهلاكي إلى نمط جديد يؤسس لقيم الإنتاج والتطور الذاتي القادر على ترجمة التراث الثقافي الخليجي إلى لغة الابتكار والتجدد بما يسمح بطرح نموذج اجتماعي وثقافي إنتاجي قد يفوق النموذجين الياباني والصيني ليجد مساحة واسعة من الديمقراطية النابعة من رحم الثقافة الخليجية العربية المتجددة والتي لا تقبل أي تدخل خارجي قد يسيء إلى التوجه الاجتماعي في الأوساط الخليجية في بناء تجربة ديمقراطية برلمانية قادرة على التفاعل بمسؤولية مع حاجات الإنسان الخليجي المعاصر.

 ثانياً: ضرورة الانتقال إلى مرحلة متقدمة من التحول الديمقراطي:

ينبغي ألا يتم الفصل في الحديث عن التجربة البرلمانية الخليجية عن التحولات الجوهرية السائدة في المنطقة العربية اليوم، الأمر الذي يتطلب وضع تصورات جديدة لمرحلة الانتقال الديمقراطي بطريقة منهجية مدروسة نابعة من الحاجات المتجددة في الحياة الخليجية المعاصرة، لأن هناك تحولات وتغيرات حقيقية باتت تتفاعل في ثقافة الأجيال الجديدة التي يطلق عليها البعض (أجيال الانترنت)، هذه الأجيال التي أضحت تتعامل مع مفردات الحياة ليس بنهج سياسي بقدر ما تسعى إلى التعبير عن حياتها بطريقة تشعر بأن حريتها مصانة وطرق تعبيرها محترمة ومعترف بها بعيداً عن منهجة تلك الحياة وفق مفاهيم تقليدية لم تعد تهمها بقدر ما تكون المؤسسات الرسمية وغير الرسمية تعبر عن تطلعاتها الحياتية التي لا تدخل في إطار السياسة أو شكل النظم الحاكمة إذا ما استطاعت هذه المؤسسات والنظم أن تترجم حاجات الإنسان بطريقة تحفظ كرامته وتدفعه إلى التطور الإيجابي الذي يعبّر عن ثقافة مجتمعه، وتكون أيضاً جزءاً من عملية التحول الثقافي والديمقراطي المتسارع في المنطقة العربية في المرحلة الحالية وما يمكن أن ينتج عن هذا التحول من إرادات جديدة قد تغير من معادلات الشرق الأوسط بكامله. لكن المسألة الأساسية هنا والتي تدور حولها نقطة البحث هي ما مدى قدرة النظم الخليجية على تحقيق تجربة برلمانية معاصرة؟ فالمؤشرات الواضحة على الساحة السياسية الخليجية أنه على الرغم من الجهود التي بذلت وتبذل في بعض دول الخليج العربية لتطوير التجربة البرلمانية الخليجية فإنها لا تزال تحتاج إلى المزيد من التطوير ليس عن طريق الإصلاحات البرلمانية أو زيادة تمثيل المرأة على سبيل المثال، إنما الأمر يحتاج إلى ترسيخ قيم جديدة إيجابية عن طريق التنشئة الاجتماعية ومن بدون ذلك سوف تكون كل المحاولات الجارية غير قادرة على تحقيق التطور المطلوب.

هنالك نضج سياسي وثقافي خليجي واضح في التعامل مع المتغيرات الإقليمية والدولية

إذاً المسألة ليست سياسية بالدرجة الأولى بقدر ما كانت مسألة ثقافية، لذا ينبغي بناء استراتيجية تنموية تؤكد على الإنسان وإيجاد السبل المناسبة لتطويره في البيئات الخليجية المختلفة على أسس جديدة أكثر قدرة على الاستجابة للتحولات الحضارية في العالم اليوم، وينبغي الخروج من إطار المنهج التقليدي المحكوم بالإرث الثقافي، أي ينبغي تحقيق نقلة جديدة من خلال تجربة برلمانية متماسكة تؤسس في إطار مجتمع خليجي يسعى إلى التوحد، ويضع على عاتق الإنسان الخليجي مسؤولية الحفاظ على هويته الثقافية أولاً، وأن يكون حريصاً على ترسيخ قيم الديمقراطية في أسرته وسلوكه الاجتماعي ثانياً.

 ثالثاً: التجربة البرلمانية الخليجية.. بناء ومنهج:

 لا يمكن الحديث عن بناء تجربة برلمانية خليجية من دون الحديث عن تاريخ المجتمع الخليجي وكيف استطاع أن يحقق إنجازات عصرية مذهلة في فترة زمنية قياسية؟ ولبيان حجمها يمكن افتراض قصة عرضها على شكل شريط سينمائي خيالي أمام الإنسان الخليجي في بداية أو منتصف القرن العشرين لوجودها ضرباً من الخيال لا يمكن تصديقه، فالتاريخ الذي صنعه الخليجيون في مختلف المجالات جدير بالاهتمام والتقدير والدراسة، إذ لم يكن إنشاء الدولة الخليجية المعاصرة بفعل النفط فقط إنما بوجود إرادة الإنسان الخليجي ورجاحة عقول رموزه، ويكفي أن نستدل على صحة ذلك من خلال مقارنته بدول عربية أخرى امتلكت كميات هائلة من النفط، لكنها لم تستطع بناء نماذج حضارية أو تحقق لشعوبها قدراً من الحرية والكرامة، بل إنها ولدت سلطات دكتاتورية تتصف بالجهل والخيال، ولذلك فإن السبيل إلى بناء تجربة برلمانية خليجية منهجية، ينبغي ألا يتم فيه تجاهل التضحيات والكفاح الشعبي الخليجي في تحقيق فرص التفاعل مع العالم بطريقة أذهلت المؤسسات الغربية في إدارة الاقتصاد والاستفادة من الخبرات المحلية والأجنبية لبناء صرح حضاري يتفاعل في كل لحظة مع قنوات العولمة، كما تفاعلت خلال تاريخها الحديث مع أيديولوجيات عالمية، ونظم عالمية منوعة، كما أنه ممثل بدوله الحديثة، التي لا تزال تزاول دور دبلوماسي يتسم بالعقلانية.

وكل ذلك جدير بأن يتوج بنظم برلمانية حقيقية قائمة على دستور متكامل يلبي طموحات الإنسان الخليجي ويعطيه حقه التاريخي، فلابد من تفاعل التاريخ مع التجربة البرلمانية، لأنه من دون ذلك التفاعل ستتحول النظم الخليجية الرسمية، في نظر الإنسان الخليجي، إلى مجرد نظم عائلية حاكمة في الوقت الذي بذلت تلك العوائل جهوداً تاريخية في بناء الدولة وسط عالم معقد، لاسيما بعد الحرب العالمية الثانية وما شهده من صراع بين الشرق والغرب، الأمر الذي يفرض على النظم الخليجية فتح باب الديمقراطية وفق دستور يعطي الإنسان مكانة مميزة، وبالتالي يكسب هذه النظم احترامها واستمرارها في عالم عربي يتغير بسرعة، ولا يمكن التنبؤ بسهولة بمدياته المستقبلية، فهذه النظم مطالبة اليوم بمطلبين أساسيين أولهما: الثبات والتصرف بذكاء مع المتغيرات الجارية في المنطقة العربية بالحكمة ذاتها التي صمدت أمام التحديات إبان الستينات وما تلاها. وثانيهما: ضرورة تحقيق التحول الديمقراطي الذي يستحقه الإنسان الخليجي بطريقة منهجية وجعل التنمية والديمقراطية وحقوق الإنسان منهاجاً حقيقياً في عملية التحول الثقافي التاريخي في دول الخليج العربية.

 

مجلة آراء حول الخليج