array(1) { [0]=> object(stdClass)#13009 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

مستقبل عملية السلام بين المصالحة الفلسطينية والسياسة الإسرائيلية

الأربعاء، 01 حزيران/يونيو 2011

ليس من المبالغة القول إن ما تشهده منطقة الشرق الأوسط من تغيرات وتحولات خلال الآونة الأخيرة يثير العديد من التساؤلات والاستفهامات، ويطرح جملة من التكهنات والتفسيرات وربما التبريرات لما تشهده من أحداث، وما تعيشه من تغيرات، وما يتمخض عنها من تحولات، تؤكد جُلها أن ثمة خريطة شرق أوسطية جديدة يعاد في ضوئها رسم حدود دولها وتوجهاتها وسياساتها الداخلية والخارجية.

إذا كان صحيحاً أن ما يطلقه البعض عن أن ربيع البلدان العربية قد بدأ، فإنه من الصحيح أيضاً أن هذا الوصف يقتصر في التطبيق على حالتي تونس ومصر اللتين نجحتا في إسقاط أنظمتهما الحاكمة بطغيانهما وجبروتهما وفسادهما وإفسادهما، في حين ما زالت البلدان الأخرى كما هو الحال في ليبيا واليمن وسوريا تعيش في أحلك اللحظات وأدق الساعات في حياة شعوبها بتشبث قيادتها بمقاليد الحكم ورفضها ترك مناصبها، بل لجوءها إلى القوة العسكرية كتعبير عن مواقفها وردها على مطالب شعوبها المشروعة.

وفي خضم هذه الأوضاع المأساوية والمؤسفة التي تعيشها بعض الشعوب العربية، جاء توقيع اتفاق المصالحة الفلسطينية- الفلسطينية برعاية مصرية كبارقة أمل على أن ثمة تغيرات إيجابية سوف تشهدها المنطقة بفضل نجاح الثورات الشعبية التي أطاحت نظم حكمها البائدة. فإذا كان صحيحاً أن التوقيع على هذا الاتفاق مثّل خطوة أولية على الطريق الصحيح نحو إقامة دولة فلسطينية موحدة عاصمتها القدس الشريف، فإنه من الصحيح كذلك أن هذا الاتفاق جاء كثمرة لجملة من التغيرات وكثير من التحولات التي دفعت طرفيه إلى تقديم تنازلات كانت مرفوضة من جانبهما في مراحل سابقة شهدت جولات عديدة من المفاوضات لم تخرج بأية نتائج، بل ظلت الفجوة بينهما تزداد اتساعاً وصولاً إلى طريق مسدود لم يكن فيه بصيص أمل نحو التئام جرح وطني استغله العدو المشترك لسكب المزيد من الزيت عليه، ليزداد اشتعالاً واحتراقاً، من دون أن يُحمّل الطرف الخارجي أية مسؤولية عن إخفاقهما في التوصل إلى اتفاق يوحد الصف الفلسطيني في مواجهة العدو المشترك.

وفي ضوء ذلك، تُطرح جملة من التساؤلات حول الأسباب والدوافع التي حركت طرفي المصالحة للتوقيع علي بنودها وتحديداً التوقيع على ورقة القاهرة من جانب (حماس) وموافقة (فتح) على ملاحظات الحركة وأخذها في الاعتبار عند تنفيذ ما تم التوافق عليه؟ فهل يرجع ذلك إلى أسباب داخلية تتعلق بمصالح كل طرف؟ أم جاءت استجابة إلى التغيرات الإقليمية؟ وهل للعامل الدولي أثر في دفع الطرفين للتوقيع على الاتفاق؟ أم جاء نتيجة جملة كل ما سبق لتشكل فى مجموعها دوافع كانت مسؤولة عن توجيه إرادة الطرفين للإسراع بالتوقيع عليه؟ وما هو رد فعل الجانب الإسرائيلي؟ وما آثار هذا الاتفاق على مستقبل العملية السلمية؟ فهل يعنى انضمام حماس إلى أية حكومة أو مشاركتها في أية حكومة فلسطينية مستقبلية يمثل عائقاً لمسيرة المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي تطبيقاً عملياً لعدم اعتراف حماس بإسرائيل؟ وإلى أي مدى يمكن أن يكون هذا الاتفاق خطوة في طريق إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة؟

بداية، يمكن القول إن اتفاق المصالحة الفلسطينية لم يكن الأول من نوعه بين الجانبين، فقد سبقه توقيع الطرفين على اتفاق مصالحة في المملكة العربية السعودية برعاية العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز في عام 2006م قبل إجراء الانتخابات البرلمانية التي فازت فيها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بأغلبية أعضاء المجلس الوطني لتشكل على أثرها الحكومة الفلسطينية التي سرعان ما شهدت رفضاً دولياً وإقليمياً ومحلياً أفرز انقساماً حاداً بين الفصيلين الفلسطينيين الرئيسيين لتبدأ أسوأ مراحل القضية الفلسطينية، فللمرة الأولى في تاريخ المقاومة الفلسطينية يصاب الجسد الفلسطيني بانشقاق داخلي يتبادل خلاله الطرفان الاقتتال الداخلي، لتتحول القضية برمتها من قضية مقاومة احتلال استيطاني بغيض إلى قضية خلاف أقرب إلى مفهوم الحرب الأهلية بين فصيلين من القوى الفلسطينية بل أكبر فصلين، لتظل القضية الفلسطينية برمتها في مأزق محلى وإقليمي ودولي لا يستفيد منه سوى المحتل الإسرائيلي ليمارس مزيداً من الانتهاكات والاعتقالات والاعتداءات على الأراضي الفلسطينية المحتلة ببناء المزيد من المستوطنات ورفض المفاوضات الجادة الرامية إلى التوصل إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية يقوم على مبدأ الدولتين. ومنذ ذلك الحين، بُذلت العديد من المحاولات العربية التي حاولت رأب الصدع بين طرفي النزاع الفلسطيني-الفلسطيني، إلا أنها لم تتمخض سوى عن إعلانات ولقاءات بروتوكولية شكلية لا تسمن ولا تغني من جوع، لتتحول القضية الفلسطينية من قضية العرب الأولى إلى قضية تعكس الانقسامات العربية والتوازنات الإقليمية، وظل الأمر كذلك حتى جاءت اللحظة الفارقة في حياة الشعوب العربية بانطلاق ثورات شعبية مباركة رأت أنه لم يعد في الإمكان تحمل انتهاكات لحقوقها، واعتداءات على حرياتها، وضياع مستقبلها، واللعب بمقدراتها، وسرقة مكتسباتها، لتفتح الباب سريعاً أمام تغير أضحى فرضاً على الجميع، كانت له انعكاساته على القضية الأولى لكل العرب وهي القضية الفلسطينية.

 المصالحة الفلسطينية.. الدوافع والأسباب:

في ضوء ما سبق، يصبح من الطبيعي القول إن ثمة عوامل داخلية وإقليمية ودولية مثلت الدوافع والأسباب المحركة للطرفين للتوصل إلى مصالحة تضع نهاية حاسمة لأكثر من خمس سنوات من الخلاف والاختلاف الذي وصل إلى حد تبادل إطلاق النار ووقوع ضحايا ومصابين من الجانبين. فعلى المستوى الداخلي، لم يعد من المقبول أن يظل الداخل الفلسطيني (مؤيدو الطرفين) بعيدين عن مسرح الأحداث منتظرين قادتهما لرسم مستقبل حياتهما، فما حدث بدءاً من تونس ومصر مروراً بليبيا واليمن وصولاً إلى البحرين وسوريا، مثّل دافعاً قوياً للشعب الفلسطيني للمطالبة بضرورة توحيد الصف رافعاً شعار (الشعب يريد وحدة النظام)، خاصة مع شعورهم بأن قضيتهم لم تعد تحتل البند الأول في جدول أعمال العواصم العربية التي باتت أمام جدول أعمال داخلي حافل. أما على المستوى الإقليمي، فلا شك في أن التغير الذي شهدته مصر بانهيار نظام حكم لم يبد أي ارتياح لوصول حماس إلى السلطة كما حدث في انتخابات 2006م، بل مارس ضغوطاً من أجل تأجيلها خوفاً من فوز الحركة، بما يمثل من وجهة نظره قيام (إمارة إسلامية) على حدوده الشرقية، فيما هو يخوض مواجهة دائمة مع حركة الإخوان المسلمين المحظورة على حد وصفه، فضلاً عن خشيته من وجود نفوذ إيراني على حدوده بسبب دعمها للحركة، فيما كانت القاهرة تقدم نفسها الشريك الأساسي في التسوية، مساندة موقف السلطة في مواجهة الحركة، إلا أن التغيير أفقد السلطة الداعم الرئيسي لتوجهاتها في المنطقة، خاصة بعدما أعلنت مصر الجديدة عن نيتها إعادة تطبيع العلاقات مع إيران، ووصل ما انقطع مع سوريا، وفتح معبر رفح بصفة دائمة، ما يخفف من وطأة الحصار، يضاف إلى ذلك غياب الدور الأردني الذي كانت تلجأ إليه السلطة أحياناً كثيرة، وذلك في خضم جهده الباحث عما يقيه الرياح العاتية التي تعصف بالمنطقة. وعلى الجانب الآخر، كان لما شهدته سوريا من أحداث يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن ثمة تغيرات سوف تشهدها سوريا وما يمكن أن ينعكس على ما تتمتع به الفصائل الفلسطينية من حماية سياسية وأمنية استظلت بها في السابق، واليوم تستشعر الخوف من قادم الأيام الذي سيحد من الامتيازات السابقة.

خلاصة القول أنه إذا كانت السلطة تشعر بأنها فقدت سنداً بسقوط نظام مبارك فى مصر وانشغال النظام الأردني بإعادة ترتيب البيت من الداخل، فإن حماس تشعر بالقلق مما يحدث في دمشق، وهو ما دفعهما إلى التقارب والبدء في المصالحة حماية لمواقفهما. أما على المستوى الدولي، فقد مثّل استحقاق سبتمبر المقبل (2011م) الذي جعلته السلطة الفلسطينية بمثابة موعد لحمل القضية الفلسطينية إلى منظمة الأمم المتحدة، المحرك الرئيسي لسعي السلطة إلى تأهيل ذاتها لهذا الاستحقاق من النواحي الإدارية والفنية والسياسية والتي لن تكتمل سوى بعقد المصالحة، ليصبح التوجه إلى العالم بوحدة فلسطينية، وأن الأرض الموعودة بإعلان الدولة المستقلة لم تعد مشطورة بين قطاع وضفة، فقد بات الطرفان على قناعة راسخة بأن هذه الوحدة هي من الثوابت لبقاء قضيتهم حية، ولدفع العالم إلى الاعتراف بقيام دولتهم.

 إسرائيل واتفاق المصالحة:

واجهت إسرائيل موقفاً داخلياً منقسماً حيال تقييم عملية المصالحة وأثرها على مستقبل العملية السلمية طبقاً للمصلحة الإسرائيلية، ففي الوقت الذي عبر فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن رفضه لاتفاق المصالحة بل رفع حياله شعار (خطر الإرهاب على إسرائيل)، مسرعاً باتخاذ خطوات عملية تعبر عن هذا الرفض، حيث اتخذ قراراً بتجميد أموال الضرائب التي تجبيها إسرائيل من الجمارك والتي يدفعها التجار الفلسطينيون في الموانئ والمطارات الإسرائيلية وتحولها إسرائيل إلى السلطة الفلسطينية وفق اتفاقات أوسلو وملحقاتها، كما قام بجولة أوروبية لتقويض المواقف الأوروبية الداعية إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس على أساس حدود 1967م مع تعديلات طفيفة، بحجته الواهية عن مشاركة حماس في أية حكومة تدير الدولة الفلسطينية، وقد سانده في ذلك موقف وزارة الخارجية الإسرائيلية الذي سارعت إلى إصدار تقرير سري يحذر من أن (اتفاق المصالحة الفلسطيني سيؤدي إلى انهيار السياسة الأمريكية وسيشكل ضربة لمصالح كل من تل أبيب وواشنطن في المنطقة، وسيؤدي أيضاً إلى إفشال مخططات الإدارة الأمريكية لإحياء المفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية)، إلا أن الموقف الأوروبي لم ينسجم مع المسعى الإسرائيلي، حيث يرى الأوروبيون أن (الاتفاق يمثل مناسبة تفتح فيها الطريق للاعتدال في حركة حماس ويجب تشجيعها على ذلك). لكن، تظل الدهشة والاستغراب من الموقف الأمريكي الذي هدد بمعاقبة السلطة وقطع المساعدات، فإذا كان مفهوماً موقف الحكومة الإسرائيلية ورد فعلها، إلا أنه من غير مفهوم الموقف الأمريكي المغاير لما أعلنه الرئيس الأمريكي أوباما في خطابه في جامعة القاهرة عقب فوزه في الانتخابات الرئاسية وتعهده بقيام الدولة الفلسطينية، ولا يصبح ثمة تفسير في هذا التغير إلا قرب موعد الانتخابات الرئاسية وسعيه إلى إعادة انتخابه من خلال إرضاء الأصوات اليهودية واللوبيات الصهيونية التي ما زالت متحكمة في تشكيل القرار الأمريكي.



وهو ما ينم بوضوح عن ارتباك الإدارة الأمريكية فى اتخاذ موقف واضح ومحدد يعبر عن توجهات ثابتة فى القضية المركزية فى المنطقة، ويدلل على ذلك ما ورد في خطاب أوباما الأخير في التاسع عشر من مايو 2011م والذي أكد فيه على إقامة الدولة الفلسطينية بحدودها عام 1967م، من دون الدخول في التفاصيل حول كيفية إقامتها خاصة في ظل الموقف الإسرائيلي المتعنت الذي عبر عنه نتنياهو خلال زيارته الأخيرة في أواخر مايو الماضي إلى الولايات المتحدة. وليست مبالغة القول إن الارتباك لا يقتصر على الجانب الأمريكي فحسب، بل تواجه الإدارة الإسرائيلية حالة من الارتباك، خاصة في ظل رفض قطاع من الرأي العام الإسرائيلي للنهج الذي سلكته الحكومة الإسرائيلية حيال اتفاق المصالحة، حيث رأت أن موقف نتنياهو متسرع في رفض المصالحة، وقد يأتي بالنتيجة العكسية على إسرائيل، داعية إلى التريث وانتظار التطورات الفلسطينية، انطلاقاً من أن المصالحة ليست مضمونة وقد تنتهي إلى فشل ذريع، كما حصل مع سابقاتها في السنوات الأخيرة، ومن أبرز أنصار هذا الرأي بعض قادة الجيش والمخابرات السابقين، حيث يرى الرئيس السابق لحركة (ميرتس)، يوسي بيلين أن (أن الواجب الأخلاقي يحتم على الحكومة الإسرائيلية أن تعطي فرصة لحكومة الوحدة الفلسطينية بمشاركة حماس. فإذا كانت تلك حكومة إرهاب وعدوان، يرفضها ويرد عليها كما يشاء. لكن إذا كانت تلك حكومة تفاهمات وتعاون تواصل المفاوضات، فقد تتحول إلى فرصة). وفي الإطار ذاته يرى داني ياتوم، الرئيس السابق لجهاز الموساد، أن نتنياهو يدير سياسة مدمرة لإسرائيل، وذلك بقوله (يلعب لعبة مكشوفة للجميع لكنه يواصل اللعب فيها من دون أن يشعر بأن الجميع يعرفها ومن دون أن يدرك أن الناس أذكى منه)، محملاً نتنياهو مسؤولية ما وصلت إليه الأوضاع بقوله (إن العقبة الأساسية هي أن نتنياهو يعرقل المفاوضات. والجمود في المفاوضات هو الذي أدى بالرئيس الفلسطيني إلى أن يتوجه إلى حماس ويسعى إلى التصالح معها. ويعني هذا أن نتنياهو هو السبب في المصالحة).

 استحقاق سبتمبر 2011م ماذا بعد؟

رغم أهمية الاستحقاق الدولي الذي جعلته السلطة الفلسطينية كأنه فاصل بين تاريخ وتاريخ أو بين مرحلة ومرحلة، لما جعل الوضع الفلسطيني متعلقاً بهذا التاريخ، إلا أنها لم تحدد ماهية ما بعد ذلك، أو إعداد الذات لكافة الاحتمالات أو السيناريوهات المطروحة، خاصة في ظل ما أعلنته إسرائيل بأنها غير معنية بهذا الاستحقاق، مؤكدة أن المفاوضات هي المرجعية الوحيدة لعملية التسوية، رغم سياساتها وأنشطتها الاستيطانية لاسيما في القدس، والهادفة إلى إيجاد واقع سياسي جديد في الضفة، من خلال انسحابات أحادية من بعض المناطق لنقلها إلى السلطة، واعتبار ذلك بمثابة انسحاب وبيان حسن نوايا أمام العالم. ومما يزيد الأمور صعوبة أمام القيادة الفلسطينية مواقف القوى الدولية والإقليمية تجاه هذه القضية، حيث يظل المستقبل مفتوحاً على كافة السيناريوهات الصعبة من دون أن تملك السلطة إجابات واضحة عنها، فماذا يمكن أن يكون عليه المستقبل في حالة فشلها في الحصول على الاعتراف الدولي وانحازت غالبية الدول إلى الجانب الإسرائيلي؟ ويأتي السؤال الأكثر صعوبة ماذا يمكن أن تكون عليه الأوضاع إذا نجحت القيادة الفلسطينية في حشد دولي وإقليمي للاعتراف بالدولة الفلسطينية، فما الذي يمكن أن يتمخض عن هذا الوضع في ظل التعنت الإسرائيلي؟ بمعنى أكثر تحديداً ما هو المشروع الوطني الفلسطيني المطروح فيما بعد سبتمبر 2011م؟

على الجانب الآخر، لا يقتصر التحدي على الجانب الفلسطيني فحسب، بل أصبحت إسرائيل هي الأخرى في محك الاختبار والتحدي في ظل التغيرات والتحركات التي تعيشها المنطقة، فمن الصعوبة بمكان أن تظل إسرائيل بعيدة عن التأثر بالتحولات الإقليمية المتسارعة في المنطقة، وحدوث تغيرات سياسية ذات مغزى في بعض البلدان العربية، وهو ما يطرح بدوره تساؤلات حول مستقبل الموقف الإسرائيلي فيما بعد سبتمبر 2011م، هل تظل متمسكة بصمتها، ثابتة على سياساتها،طبقاً لما اعتدنا عليه في الذهنية الإسرائيلية، التي كانت ترى الأمور على الدوام بعقلية المنتصر الأبدي، الذي يواجه عدواً أصم وأخرس وأعمى وغير قادر على قراءة الواقع؟ وتأتي الإجابة من داخل الحراك الإسرائيلي الذي يتزايد يوماً بعد آخر في ظل انقسامات في الرؤى وتباين في المواقف واختلاف في التوجهات، فلا شك في أن التظاهرات التي وقعت من قبل أنصار اليسار الإسرائيلي في تل أبيب في 21 إبريل 2011 م تأتي ضمن إطار القراءة المتأنية لبعض النخب الإسرائيلية لمسار الأحداث، واستشعاراً منها لما هو مقبل في ظل الاهتزازات المتتالية التي بدأت منذ بداية العام الحالي وهي تضرب المنطقة العربية من أقصاها إلى أقصاها، حيث طالبت بإقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967، وذلك ضمن وثيقة وقع عليها المشاركون بلغ نحو ثلاثمائة من النخب الفكرية والسياسية والعسكرية والأمنية السابقة، بينهم 21 فائزاً بجائزة (إسرائيل) (وهي أعلى الجوائز في مجال الفنون والعلوم والآداب). وفي الإطار ذاته، تأتي الخطوة التي قام بها كبار الضباط والسياسيين في إسرائيل في مارس 2011 م بتقديم (مبادرة السلام الإسرائيلية) إلى حكومة نتنياهو، مستندة إلى مبادرة السلام العربية في معظم جوانبها، وطالبت في حيثياتها الحكومة الإسرائيلية بالبدء بمحادثات سلام إسرائيلية - عربية. ولم يقتصر الأمر على ذلك فحسب، فعلى الجانب المقابل، طالب أنصار اليمين الإسرائيلي فيما عرف بـ (أسرة فلسطينيي الضفة الغربية)، وهي دعوة لمنح فلسطينيي الضفة الغربية الجنسية الإسرائيلية حفاظاً على سلامة أرض إسرائيل الكاملة طبقاً لمنطقهم ورؤيتهم، ويتصدر هؤلاء وزير الدفاع الأسبق موشيه أرينز من حزب الليكود.

خلاصة القول، أن المأزق الذي تواجهه عملية السلام الفلسطينية-الإسرائيلية وإن ظل راجعاً إلى التعنت الإسرائيلي وتصلف مواقفها وسياساتها في المقام الأول، إلا أنه يخفي تحت الرماد مآزق أخرى ترتبط بالطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، في ظل غياب رؤية واضحة ومحددة لكل طرف تجاه حسم القضايا الخلافية والمؤجلة وسعي كل منهما إلى إرضاء الناخب الداخلي أو الداعم الخارجي سواء أكان إقليمياً أم دولياً.

 

مقالات لنفس الكاتب