array(1) { [0]=> object(stdClass)#13009 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

التطورات السياسية العربية الأخيرة: هائلة وغير مسبوقة (2 – 3)

الأربعاء، 01 حزيران/يونيو 2011

في مصر، التي يبدو أن شعبها (الذي يعاني من مشكلة الاستبداد أيضاً) كان يتابع ما جرى في تونس باهتمام وترقب وتحفز. حيث عبّر المصريون عن إعجابهم بما جرى غرب حدودهم، وقرروا – كما بدا – أن يحذو حذو التونسيين.

كان قرار الشعب المصري سريعاً ومفاجئاً وحاسماً، إذ بعد أيام من رحيل الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي اشتعلت الثورة الشعبية المصرية السلمية ابتداءً من 25 يناير 2011 م، والتي تجسدت في خروج ملايين الشباب والشابات إلى الشوارع والميادين العامة في عدة محافظات مصرية للتظاهر السلمي، والاعتصام في الشوارع والميادين (وخاصة (ميدان التحرير) بالعاصمة القاهرة) متظلمين ومطالبين بـرحيل النظام ورأسه، ومرددين عدة شعارات معبرة عن مطالبهم وتطلعاتهم، لعل أهمها هتافهم (الشعب يريد إسقاط النظام).

 استحكام الاستبداد بما ينجم عنه من ظلم وقمع وفساد هو المسبب الأول لهذه الثورات الشعبية 

وسرعان ما جند النظام المصري البائد كل إمكاناته وقواه، وجهز أبواقه لمواجهة هذه الثورة الشعبية العارمة، غير المسبوقة في التاريخ المصري، بل في تاريخ كل المنطقة العربية، إلا بالثورة التونسية، مع كون الثورة الشعبية المصرية أكثر كثافة ومحورية، وأشمل مطالب، وتشتعل ضد واحد من أعتى وأخبث الأنظمة الدكتاتورية في التاريخ الحديث، وكان يمتد ضرره حتى خارج حدود مصر بكثير.

ولم تنفع نظام حسني مبارك الاستبدادي كل حيله وأدوات قمعه لتسكين الثوار، ومن ثم الالتفاف على الثورة، والتنكيل بقادتها. فتحت إصرار وضربات الثوار (السلمية) كان نظام مبارك يقدم (التنازل) تلو الآخر، والوعود بإجراء بعض الإصلاحات كأن لسان حاله يقول: نعم هذه الاستحقاقات صحيحة ومشروعة، وقد تجاهلتها في السابق، وسأحقق بعضها إن أعطيتموني مهلة إضافية.

لكن مع كل تنازل مباركي، كان الإصرار الشعبي يتزايد، بل يرفع سقف مطالبه الأساسية المشروعة  حتى ترنح النظام، وانهار بعد إعلان مبارك تخليه عن منصب رئيس الجمهورية، يوم 8/3/1432هـ (الموافق 11/2/2011 م) ومغادرته القاهرة، وتولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة مصر لفترة انتقالية قد تمتد إلى أكثر من ستة أشهر.

وعين المجلس العسكري الأعلى مؤخراً حكومة تصريف أعمال من أشخاص غير محسوبين على النظام السابق، وكوّن لجنة قانونية – سياسية لإجراء تعديلات ضرورية في الدستور المصري، وحلّ السلطة التشريعية السابقة بمجلسيها، الشعب والشورى. ووعد بالتخلي عن السلطة فور انتخاب سلطة تشريعية جديدة، ورئيس جديد (يترأس السلطة التنفيذية)، مؤكداً أن المجلس (ليس بديلاً عن خيارات الشعب المصري).

النظام الدكتاتوري غالباً ما يضحي بمصلحة بلاده في سبيل بقائه في السلطة

وشكلت في مصر لجنة وطنية لإجراء التعديلات اللازمة في الدستور المصري، وإعادة صياغته  بعد أن تفنن مبارك وأعوانه في تشكيل مواد الدستور المهمة بما يؤبد بقاءهم في السلطة الى ما لا نهاية. وعدلت تلك المواد بما تقتضيه الديمقراطية الحقة. ووافقت غالبية الشعب (حوالي 78 في المائة منه) على تلك التعديلات، في استفتاء شعبي جرى مؤخراً. ومازال بعض المفكرين المصريين يدعون إلى كتابة دستور مصري جديد  يقيم – في رأي بعضهم – نظاماً ديمقراطياً برلمانياً بدلاً من النظام الرئاسي (الديمقراطي).

وفي نهاية شهر مارس 2011 م، أصدر المجلس الأعلى قرارات بإجراء الانتخابات التشريعية في شهر سبتمبر المقبل، وأيضاً إجراء الانتخابات الرئاسية بعد ذلك بحوالي شهرين. وحتى يتم انتخاب (رئيس) جديد للبلاد سيمارس المجلس الأعلى العسكري بالتعاون مع السلطة التنفيذية صلاحيات الرئيس.

ولسنا هنا بصدد تسجيل زمني لأحداث تونس ومصر، لكن لزمت هذه الإشارات  كتمهيد للحديث عن أسباب حصول ما حصل كتطورات سياسية هائلة وغير مسبوقة في تاريخ الأمة العربية الحديث، وتداعيات هذه الأحداث على مجمل الوضع السياسي العربي الحالي. فما هي أهم الأسباب يا ترى؟ وما أبرز النتائج والتداعيات؟ هذا ما سوف نحاول التطرق إليه بإيجاز فيما يلي.  

  • أهم الأسباب

أضحت معظم حكومات العالم تقسم إلى نوعين رئيسيين: الأول غير تمثيلي (دكتاتوري)، وتمثيلي (ديمقراطي). الثاني نقيض الأول ومعكوسه، وهو البديل الوحيد للدكتاتورية بأنواعها التي أصبحت مرفوضة على كل المستويات المحلية والإقليمية والعالمية.

وقد هبت رياح الحرية والديمقراطية على الغالبية العظمى من بلاد العالم، وظلت الدكتاتورية المقيتة في قلة من دول العالم، وبخاصة في العالم العربي. إذ ما زالت غالبية (وليس كل) الدول العربية تقبع تحت نير الاستبداد السياسي. والأمثلة على ذالك الاستبداد: الحكم الذي كان سائداً في كل من تونس ومصر، وكذلك الحكم في ليبيا واليمن.

إن الدكتاتورية هنا تعني انفراد فرد أو قلة من شعب بلد ما بالسيطرة المطلقة على السلطة في ذلك البلد. وفي أغلب النظم الجمهورية العربية الدكتاتورية، نجد فرداً وقد هيمن على السلطة بطرق غير مشروعة أصلاً، وأساليب ملتوية وباطلة. وحول ذلك الفرد نشأ (نظام) مكون من مجموعة من المحيطين الداعمين للدكتاتور، والمشاركين له في استبداده وتسلطه والمستفيدين مما يعتبرونه غنائم.

وينفرد الدكتاتور وأعوانه بالسلطة، ويهيمنون على إمكانات البلد ومقدراته وثرواته وموارده، ويستخدمون تلك الإمكانات والموارد لخدمة مصالحهم الخاصة، وتدعيم قبضتهم على السلطة لأطول فترة ممكنة وبكل الوسائل الممكنة، بما في ذلك استعباد وإذلال الشعوب، وقمع أي معارضة لسلطتهم، والتنكيل بمن يتجرأ على الوقوف في وجه طغيانهم ومصالحهم ضاربين بعرض الحائط المصلحة العامة للبلاد، ومستخفين بحاجات الناس ومطالبهم وحقوقهم. وفي سبيل استمرار سلطتهم لا يتورعون عن النهب والقتل والتزوير والكذب وسلب الحريات والكرامة ورهن بلادهم لإرادة أعدائها.

وغالباً ما يحتضن أولئك الأعداء والطامعون الأجانب النظام الاستبدادي  مقدمين له النصرة والدعم، مقابل أن يستعبد شعبه، ويسخر إمكاناته لخدمة الطامعين  حتى يصل الأمر إلى استعمار خفي للبلد، يجلبه ذلك الدكتاتور الذي غالباً ما يضحي بمصلحة بلاده في سبيل بقائه في السلطة واستمرار تسلطه ومن معه.

وفي ظل النظام الاستبدادي، تحصل أزمة كبرى  تتجسد في قيام صراع (خفي ومعلن) بين النظام وغالبية شعبه، حيث يمكن تقسيم الشعب، الواقع تحت الاستبداد، إلى فئات أربع هي : أ - المستفيدون من وجود النظام. ب - الذين ينافقون ويتملقون النظام  طمعاً ورهباً. جـ - الذين يجهلون حقيقة ما يجري. د - الذين لا يستفيدون ولا ينافقون ويعرفون حقيقة الوضع، لكنهم يخشون التصريح برفضه. ويحدث الانفجار الشعبي عندما تصبح الفئة الأخيرة هي الغالبية الساحقة، وتنتفض مطالبة بالتغيير. أما الفئات الثلاث الأولى فهي الداعم المحلي الأكبر (المباشر وغير المباشر) للنظام الجمهوري الدكتاتوري. هذا ما يقوله (علم السياسة) الحديث، وتؤكده نظرياته العلمية.

إن المسبب الأول لهذه الثورات الشعبية إذن هو استحكام الاستبداد، بما ينجم عن سيادته من ظلم وقمع وفساد وتصاعد قبضته مع مرور الزمن عكس ما كان يجب أن يحصل، وهو التحول عن الاستبداد عبر الإصلاحات السياسية اللازمة، والتي ترغبها الشعوب لأن تلك الإصلاحات تخفف عنها عناء وقسوة الحياة، وتيسر سبل العيش الكريم. وفي المقال المقبل لنا وقفة مع أهم النتائج والتداعيات لهذه التطورات.

مجلة آراء حول الخليج