array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

مرحلة جديدة من العلاقات الخليجية-الإيرانية

الجمعة، 01 تموز/يوليو 2011

على مر التاريخ كان الصراع المذهبي وقوداً للصراعات السياسية، فالمعارك الكبرى التي حدثت بين علي ومعاوية رضي الله عنهما هي معارك سياسية تنبأ بها الرسول صلى الله عليه وسلم بأن طائفتين عظيمتين من أمتي ستتقاتلان، وحتى اليوم تثور وتهدأ هاتان الطائفتان تبعاً لميزان القوى بين المذهبين السني والشيعي على مر التاريخ باعتبارهما أكبر مذهبين في العالم الإسلامي.

إن السنة يمثلون 90 في المائة من العالم الإسلامي، والشيعة يمثلون 9 في المائة وبقية المذاهب الأخرى تمثل بقية النسبة واحداً في المائة، لذلك تحاول إيران تقوية المذهب الشيعي على حساب المذهب السني، ومن أكبر الأمثلة في تاريخ الإسلام الملحمة الكبرى التي حدثت بين العثمانيين والدولة الصفوية، التي حاول فيها مؤسس الدولة الصفوية الشاه إسماعيل الصفوي توسع نفوذ دولته تحت شعار الطائفية الشيعية، الذي صاحبه قمع للسنة، واستطاع الشاه إسماعيل الصفوي نشر المذهب الشيعي في إيران وطمع في العراق بحجة السيطرة على العتبات الدينية (وهو شبيه بما يحدث اليوم من استغلال إيران احتلال أمريكا للعراق من التدخل بشكل سريع وقوي وهي فرصة لم تتح لها من قبل تحت سمع ونظر أمريكا كأنه انتقام من المذهب السني خصوصاً من السعودية راعية هذا المذهب).

وحاول السلطان بايزيد والد السلطان سليم الأول إقناع الشاه إسماعيل الصفوي بالتوقف عن التمدد وقمع السنة، ونصحه بالرفق وعدم الاعتداء على السنة، لكن ابنه سليم الأول حينما وجد أن الإمبراطورية الصفوية تتمدد وتشكل خطراً حقيقياً على الدولة العثمانية من خلال نشر الصيغة المتشددة من التشيع وتوفير أرضية ثقافية ملائمة لتمدد الدولة الصفوية اشتبك الطرفان في معركة (جالديران) سنة 1514 م التي أوقفت المد الشيعي في حدوده الحالية في إيران.

وبعد أربعة قرون استغل شاه إيران بعد الحرب العالمية الأولى انشغال العالم بهذه الأحداث وهزيمة الدولة العثمانية في هذه الحرب التي دخلتها بعدما انسحبت إيطاليا مع دول الوسط ألمانيا والإمبراطورية النمساوية والمجر، وأقدم شاه إيران على احتلال منطقة الأحواز العربية الممتدة على الجانب الشرقي من الخليج العربي عام 1925م.

وعندما دخل الملك عبدالعزيز الحجاز من دون سفك دماء، وعزم على عقد مؤتمر إسلامي في مكة عام 1926م (أي بعد عام من احتلال شاه إيران منطقة الأحواز) لمناقشة أمور تتعلق بإدارة الحج، حضرت الوفود الإسلامية ما عدا الوفد الإيراني الذي تغيب عن الحضور باعتباره معارضاً للدعوة السلفية التي أصبحت مسيطرة على الحرمين الشريفين، ومنذ ذلك الوقت وإيران تضمر العداء للدولة السعودية.

ثم استغلت إيران أحداث 11 سبتمبر واتهام الغرب للسعودية باعتبارها موطن الإرهاب الذي خرج منه، وعلى أثر هذه الأحداث احتلت الولايات المتحدة أفغانستان والعراق، وقدمت إيران خدمات لوجيستية لأمريكا في كلا البلدين في حين رفضت تركيا والعرب تقديم مثل هذه الخدمات، بل كانت تعارض تقديم مثل هذه الخدمات للولايات المتحدة أثناء الغزو خصوصاً للعراق فاستغلت إيران هذه الظروف المؤاتية وأسهمت في دعم الشيعة في العراق لتكون تابعة لولاية الفقيه في إيران تحت نظر وسمع الولايات المتحدة كأنه كان مكافأة لها على الخدمات اللوجيستية التي قدمتها إيران لأمريكا أثناء الغزو، وكان في المقابل هذا السكوت عقوبة للسعودية على مواقفها الممانعة للهيمنة الأمريكية في المنطقة.

وبحكم موقع المملكة العربية السعودية الديني فإنها ترفض النهج الأمريكي للدخول في صراع عسكري مع إيران باعتبارها دولة إسلامية على غرار ما فعله صدام حسين في حربه مع إيران لمدة ثمانية أعوام أضعفت قوة العراق التي هي جزء من قوة العرب، لكن حسابات إيران تختلف عن حسابات السعودية، وأصبحت إيران لا تقبل بأقل من الصفاقة في التعاطي مع كل يد تمد إليها من دول الخليج وخصوصاً من قبل السعودية.

وتعاني إيران الآن ارتباكاً بعد تصدع الحزام الهلالي الشيعي وكذلك اختفاء الجيوب التي جعلتها تحيط بالسعودية، وكلفها ذلك جهوداً مضنية وعلى حساب اقتصادها المحلي خصوصاً بعدما تعاملت السعودية بحزم مع جيبين يحيطان بها، وذلك بضربها للحوثيين في جنوب السعودية (في اليمن)، حيث أرادت إيران أن تحرج السعودية أمام العالم الإسلامي باعتبار الحوثيين إماميين. والموقف الآخر في البحرين الذي تعاملت معه السعودية بمعالجة استباقية عندما أرسلت قوات (درع الجزيرة) إلى البحرين للدفاع عنها في حالة اعتداء إيران عليها مستغلة ظروف الانتفاضات في البحرين التي دعمتها، وإمكانية احتلالها، مثلما احتلت منطقة الأحواز في ظل ظروف مشابهة عام 1925 وأصبحت أمراً واقعاً اليوم.

وتحاول إيران اليوم الخروج من عنق الزجاجة بعدما نجحت السعودية في لجم إيران ووضعها في زاوية ضيقة حرجة أدخلت أجنحة الحكم داخل إيران في صراع شديد نتيجة للتراخي والفشل في التعامل مع مثل هذه الجيوب والقضايا، في حين نجحت السعودية في وضع حد لمثل هذه التدخلات بشكل استباقي لم يفاجئ إيران بل فاجأ حتى الولايات المتحدة.

نجحت السعودية في لجم إيران ووضعها في زاوية ضيقة حرجة في أحداث اليمن والبحرين

إن الدبلوماسية السعودية الخليجية لن تلدغ من جحر مرتين، فزيارة علي أكبر صالحي إلى كل من قطر وعمان والكويت والإمارات، ومقتدى الصدر إلى قطر جاءت لتهدئة الغضب الخليجي ونزع فتيل اشتعال المواجهة المستقبلية، لأن إيران تتخوف من مضاعفة أزمات طهران داخلياً، وكذلك في بغداد نظراً لحالة عدم التوازن في السلطة الناجمة عن الدعم الإيراني لطائفة على حساب الطوائف الأخرى، ناهيك عن السياسات التداخلية في الشؤون الخليجية التي بدأت علامة مميزة لسياسات نوري المالكي الإيرانية.

فبعدما تجرعت إيران السم من ثورة البحرين بعدما أرسلت السعودية ودول الخليج قوات (درع الجزيرة) وقضت على التدخل الإيراني في مهده، وإيران تمني نفسها وتسابق الزمن في إقامة علاقات مع مصر، لكن كانت السعودية السباقة إلى دعم الحكومة المصرية الجديدة التي راجعت مواقفها وعادت وأعلنت أن أمن الخليج وأمن البحرين خط أحمر، فأصبحت إيران بعد هذا الموقف لا تمني نفسها كثيراً في نسج علاقات استراتيجية مع مصر.

وقد تلقت إيران ضربة قاضية بعدما انتشرت الانتفاضة في أعماق العلاقات الاستراتيجية لإيران في المنطقة، وتتخوف إيران من حدوث تغير جوهري ونوعي في سوريا ما يعني انتهاء الورقة اللبنانية المتمثلة في المقاومة اللبنانية والمقاومة في فلسطين المتمثلة في حماس، وهذا سينعكس سلباً على الحضور الإيراني في المنطقة العربية باعتبار أن سوريا نقطة ارتكاز لها في المنطقة العربية تنطلق منها شرقاً وغرباً.

فتارة يتهم أحمدي نجاد أمريكا وإسرائيل وأتباعهما بإثارة الفتنة بين الشيعة والسنة وبين العرب وإيران، وتارة أخرى يصرح علي صالحي وزير الخارجية الإيراني بأن السعودية تستحق إقامة علاقات سياسية مميزة مع إيران، وحسب قوله إن إيران والسعودية يمكنهما كدولتين فاعلتين في العالم الإسلامي حل الكثير من المشكلات معاً، وهذا التصريح حسب وكالة الأنباء الإيرانية (مهر).

لكن الواقع أن إيران وسياساتها كانت عاملاً رئيسياً في الوصول بالعلاقات مع العرب والسنة إلى هذا المستوى المتردي، وهي التي تعبث بالأمن الخليجي في البحرين واليمن والكويت وفي لبنان والعراق وفي مناطق أخرى عديدة من العالم العربي، وهل بعدما أصبحت هي في وضع حرج ومتأزم تحاول الآن أن تبدو كأنها دولة مسالمة تريد أن تبني علاقات قائمة على حسن الجوار وأن تتحلى بقيم إسلامية؟

إن السعودية ودول الخليج اتخذت قرارها، ويبدو أن الأمر يتجه الآن نحو مرحلة جديدة من العلاقات ليس مع إيران وإنما لتشكيل منظومة أمن إقليمي لضبط إيران وتطلعاتها، حيث لا يزال الاقتصاد الإيراني أقل من ثلث الاقتصاد الخليجي وأقل أيضاً من الاقتصاد السعودي، في حين تزايد الاقتصاد التركي أربعة أضعاف منذ عام 2002، وبدأ يقترب من 800 مليار دولار وهو يقترب من ثلاثة أضعاف الاقتصاد الإيراني.

إن إيران لن تعود إلى رشدها إلا بالتصدي للفراغ الاستراتيجي الذي ملأته إيران في ظل ظروف هشة مرت بها المنطقة وغاب عنها العرب قسراً، فالسعودية معنية الآن بإجراء تحصينات تقف في وجه التدخلات بالمواقف الواضحة في الخليج والعراق وسوريا وفلسطين، ويكون على العرب الذين لم يبق منهم متماسك غير مجلس التعاون الخليجي القادر على تغيير خريطة المنطقة والدفاع عن الحق العربي وبعد انجلاء الأفق عن المتغيرات العربية الالتفاف إلى بداية جديدة خصوصاً بعد إعلان دول المجلس عن تأسيس منظومة جديدة بضم دولتين هما الأردن والمغرب، حيث يمكن من خلال ضم الأردن أن تصبح لدول الخليج حدود مباشرة مع إسرائيل تساهم في المشاركة المباشرة في إقامة دولتين فلسطينية وإسرائيلية، ومن خلال ضم المغرب يمكن توسيع العمق الاستراتيجي لدول مجلس التعاون الخليجي لمحاصرة النفوذ الإيراني في كافة مناطق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وبعد أن تتحقق الندية يمكن عندها إقامة حوار استراتيجي مع إيران، ويمكن لدول الخليج أيضاً أي أن تجعل من تركيا وباكستان ومصر حلفاء استراتيجيين لدول مجلس التعاون الخليجي كأطراف لضمان هذه الاتفاقيات واستبدالها بالتعاون الطبيعي بين الدول من دون تدخل في شؤون العرب بدلاً من التوجه نحو سباق تسلح مع إيران يصب في مصلحة الغرب على حساب التنمية المستدامة والشاملة في المنطقة لتصبح قوة اقتصادية فاعلة.

 

 

 

مجلة آراء حول الخليج