array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

الولايات المتحدة والعلاقات الإيرانية – الخليجية

الجمعة، 01 تموز/يوليو 2011

قال وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس في خطابه الذي ألقاه في الأكاديمية العسكرية الأمريكية (WEST POINT) في الخامس والعشرين من فبراير (2011)، إن أي وزير دفاع في المستقبل ينصح بإرسال قوات عسكرية أمريكية برية إلى آسيا أو الشرق الأوسط أو إفريقيا يجب أن يتم فحص رأسه، بمعنى أنه قد يكون أصابه مس في عقله.

هذه العبارة التي قالها غيتس هي عبارة القائد العسكري للقوات الأمريكية في الحرب الكورية (1950-1953)، عندما تورطت واشنطن في كوريا أمام الصين الشعبية، وما قاله غيتس تردد أيضاً بعد هزيمة فيتنام وإعلان نيكسون التدخل العسكري بالوكالة وهو ما عرف بمبدأ نيكسون، وكان الشاه في إيران يقوم بالمهمة العسكرية لصالح الولايات المتحدة عندما جعله هنري كيسنجر شرطي الخليج العربي، وما نريده في هذه المقدمة أن الولايات المتحدة رغم التهديد والحرب الإعلامية بشأن إيران، فإن واشنطن لن تتدخل عسكرياً في قضية المفاعل النووي الإيراني، بل إن وزير الدفاع غيتس نفسه برر سعي إيران للحصول على السلاح النووي بأنها دولة محاطة بقوى نووية، الهند وباكستان وروسيا الاتحادية وإسرائيل، وبمعنى آخر أنها لا تهدد الأمن القومي الأمريكي، وقد شاهدنا بالدليل القاطع والاعتراف من الجانبين بأنهما تعاونا معاً لإسقاط نظام طالبان في أفغانستان والنظام العراقي السابق، حتى إن غاري سيك مسؤول مكتب إيران السابق في مجلس الأمن القومي الأمريكي في عهد كارتر، قال في محاضرة له في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، إن إدارة بوش الابن قدمت كلاً من أفغانستان والعراق لإيران على طبق من ذهب، حيث أسقطت واشنطن ألد أعداء إيران: النظام البعثي في العراق وحركة طالبان. ازدواجية وتخبط في السياسة الأمريكية تريد توريط غيرها وتتفرج لخدمة مصالحها.

كارتر وتوريط العراق

لعل ما يبين سياسة التوريط الأمريكية لغيرها من الدول من أجل خدمة أهداف الولايات المتحدة، فقد كشفت وثيقة كان قد كتبها أول وزير خارجية أمريكي في عهد رونالد ريغان، وهو ألكسندر هيغ، قال في هذه الوثيقة التي هي تقرير عن زيارته إلى الشرق الأوسط بعد تسلم إدارة ريغان للحكم، إنه استشف من خلال اتصالاته في الشرق الأوسط، أن إدارة كارتر أعطت الضوء الأخضر للنظام العراقي بالتورط في إيران وضللته بمعلومات استخباراتية على أن نظام الخميني الجديد ضعيف، وأنه يسهل إسقاطه، وهذا ما تم بالفعل، كان كارتر متورطاً في أزمة الرهائن الأمريكية في إيران، وكان عام 1980 عام الانتخابات الرئاسية وجدد كارتر ترشيحه للمرة الثانية، وأمام تعثر المفاوضات والوساطة لحل أزمة الرهائن، فقد أشعل الحرب في سبتمبر 1980 وبالفعل حدث انفراج في أزمة الرهائن لأن أولوية إيران أصبحت للحرب والحصول على أسلحة وقطع غيار الجيش الإيراني المسلح بالأسلحة الأمريكية، ونعرف أن الحرب استمرت ثماني سنوات وكلفت الجانبين مئات المليارات من الدولارات وحوالي مليون نسمة من الضحايا، حتى إن هنري كيسنجر علق على هذه الحرب قائلاً ضربنا القومية العربية بالثورة الإسلامية لخدمة المصالح الأمريكية، وحتى بعد نهاية الحرب انقلبت واشنطن على النظام العراقي ونعرف كيف كانت نهاية النظام الذي كانت تدعمه في الحرب مع إيران وزودته بالمعلومات الاستخباراتية وزودت إيران بالسلاح فيما عرفت عام 1986 (إيران-غيت).

أزمة المفاعل النووي الإيراني أصبحت الآن ضمن الملفات التي تم حفظها رغم العقوبات التي فرضت على إيران

ونلاحظ أن أزمات التوتر والتهديد في العلاقات الخليجية –الإيرانية تقف خلفها جهات ودوائر في الإدارات الأمريكية المتعاقبة التي تريد أن تبقي المنطقة متوترة من أجل بيع السلاح، وأن تبرر وجودها وقائمة على قاعدة (فرق تسد)، ونلاحظ أيضاً أن سياستها كانت دعم شاه إيران وجعله شرطي المنطقة، وبعد سقوطه جعلت من إيران محور الشرق إعلامياً وفي الأبواب الخلفية تتعامل مع إيران كما أسلفنا ضمن (إيران غيت) وحتى تقرير الاستخبارات الأمريكية (NIE) عام 2007، أكد أن إيران منذ عام 2000 جمدت نشاطها النووي، ونجد أنه رغم العقوبات التي فرضت على إيران، أن أزمة المفاعل النووي الإيراني أصبحت الآن ضمن الملفات التي تم حفظها، ويتم فتحها عندما تحتاج إليها واشنطن حسب أولوياتها في ظل الثورات الشعبية التي أصبحت ضمن أولويات واشنطن ومصالحها في المنطقة العربية والشرق الأوسط عامة.

إسرائيل تهدد إيران لكن العلاقات التجارية قائمة

إن الاستراتيجية الإسرائيلية منذ عهد رئيس الوزراء الإسرائيلي مؤسس (إسرائيل)، ديفيد بن غوريون كانت تقوم -ولا تزال- على استراتيجية الأطراف الإسرائيلية بالتحالف مع إيران ضد الدول العربية، وبعد سقوط الشاه وإغلاق السفارة الإسرائيلية في طهران وجعلها سفارة فلسطين تبنت إسرائيل استراتيجية قائمة على جعل إيران خطراً على المنطقة وتهددها، وكانت إسرائيل وراء فضيحة (إيران غيت) في عهد ريغان من أجل استمرار الحرب العراقية –الإيرانية، بل كانت فضيحة (إيران غيت) قد تبلورت وتم تخطيطها في مكتب وزير الخارجية الإسرائيلي، شمعون بيريز آنذاك، وكان مدير مكتبه نور ضمن الوفد الأمريكي الذي زار إيران سراً في (إيران غيت) والذي توفي فيما بعد في المكسيك في حادث غامض.

لقد نجحت إسرائيل في إيجاد ما أطلق عليه (الجبهة الشرقية)، مما أشغل الجيش العراقي والجهود الدبلوماسية العربية وطاقاتها العربية ضد إيران على حساب الجبهة الغربية، جبهة إسرائيل. ونشهد اليوم التهديد الإسرائيلي لإيران وحشد المجتمع الدولي ضد النشاط النووي الإيراني لأن إسرائيل تريد أن تبقى الدولة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط، ضمن ما يعرف بمبدأ بيغن، وكانت الغارة الإسرائيلية في يونيو 1981 على المفاعل النووي العراقي، واغتيال العلماء العراقيين، وهي تكرر سياسة الاغتيالات مع العلماء الإيرانيين، ورغم الضجيج الإعلامي الإسرائيلي وتحريض واشنطن ضد إيران ودفعها للقيام بحملة عسكرية تنهي أزمة المفاعل الإيراني، فإن إسرائيل تعرف تماماً أنها لا تستطيع القيام بالمهمة وتريد توريط غيرها وخاصة الولايات المتحدة التي تعي هدف إسرائيل بل تضغط على حكومة نتنياهو بعدم المغامرة، رغم استبعاد قيام إسرائيل بذلك. ويكرر زعماء إسرائيل أن إيران خطر على المنطقة العربية وتحت مسميات الاعتدال والتطرف والإرهاب تريد توريط الدول العربية مع إيران وهو ما يعيه كثير من ساسة المنطقة في الخليج.

هناك حاجة ماسة لصفقة إيرانية - خليجية استباقاً لصفقة إيرانية – أمريكية محتملة

ويؤكد (مائير داغان) مدير الموساد الذي ترك منصبه مؤخراً بعد ثماني سنوات، أن شن هجوم عسكري على إيران سيؤدي إلى حرب إقليمية، لكن إسرائيل مثل واشنطن تريد توريط غيرها في صراع في المنطقة وتتبنى سياسة خلف الأبواب، وهو ما ظهر مؤخراً من أن حوالي 200 شركة إسرائيلية تقيم علاقات تجارية مع إيران، حيث كشف عن علاقة شركة مجموعة عوفر إخوان الإسرائيلية في التعامل مع إيران عن طريق فرعها في سنغافورة (Tanker Pacific)، حيث إن سفناً تابعة للشركة رست في موانئ إيرانية 13 مرة، على الأقل في العقد الماضي. وتبرر إسرائيل هذا التعامل بأنه ساعدها على التجسس لصالحها، وحسب ما ذكرته صحيفة (هآرتس) عن سنّ الكنيست الإسرائيلي في عام 2008 قانوناً يحظر على الشركات الإسرائيلية التعامل مع إيران، إلا أن الحكومة الإسرائيلية لم تنفذ أي خطوة من ذلك.

إن الحكومة الأمريكية كانت قد وضعت شركة مجموعة عوفر على القائمة السوداء، إلا أن ذلك لا يتعدى ذر الرماد في العيون. وحسب ما قال يهوشع مائيري رئيس ما يسمى جمعية الصداقة –الإسرائيلية-العربية في إسرائيل فإنه (على الرغم مما يظهر على السطح إلا أن العلاقات السرية مع إيران مستمرة بحجم عشرات ملايين الدولارات كل عام، وحتى عندما يتم إطلاق تصريحات قاسية في الهواء من كلا الجانبين، لكن الأعمال التجارية تزدهر والعلاقات مع النظراء الإيرانيين رائعة في المجال التجاري، يتجاهلون التصريحات السياسية). إن الميكافيلية السياسية الإسرائيلية وحتى الأمريكية تريدان توريط غيرهما لأسباب سياسية واستراتيجية وعدم تورطهما المباشر.

إيران والعمق الاستراتيجي العربي

إن جيوبوليتيكا إيران تدفعها للقيام بعلاقات قوية ومتينة مع العالم العربي وخاصة الخليج العربي، لأن المنطقة العربية والشعوب العربية عمق استراتيجي لإيران، وأن الخلاف وحتى توتر علاقاتها مع الدول العربية يضعف موقفها دولياً ويفقدها الرأي العام العربي الذي يعتبر مهماً لها، ولذلك من مصلحة كل من إيران ودول الخليج التعاون لتحقيق الاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي في المنطقة، لأن للولايات المتحدة وإسرائيل أهدافاً واضحة في بقاء توتر العلاقات العربية –الإيرانية لأنه يجعل ميزان القوى لصالح إسرائيل.

الأهداف الأمريكية

إن أهداف الولايات المتحدة في الشرق الأوسط هي النفط وبيع السلاح والقواعد العسكرية الأمريكية وأمن إسرائيل وتفوقها، وحتى تضمن المحافظة على مصالحها النفطية تريد توتر العلاقات العربية –الإيرانية حتى تبرر وجود القواعد العسكرية في الخليج العربي للكونغرس الأمريكي لأن لهذا الوجود تكاليف مادية، قد لا تتحملها موافقة الكونغرس، ويدفع إلى سباق تسلح تستفيد منه شركات السلاح الأمريكية. والمعروف أن السياسة الدولية قائمة على المصالح، ومن مصلحة كل من دول مجلس التعاون الخليجي وإيران التعاون في المجالات الاقتصادية والسياسية لتحقيق الأمن والاستقرار بعيداً عن الأهداف الأمريكية التي لا تتحقق إلا بالتوتر في المنطقة.

توتر علاقة إيران مع الدول العربية يضعف موقفها دولياً ويفقدها الرأي العام العربي

الاحتواء وليس المواجهة

إن القيادات الخليجية تعي تماماً خطورة التصعيد مع إيران، ويظهر أن سياسة الاحتواء هي السياسة الرشيدة في ظل التداخل السكاني والمذهبي بين إيران ودول الخليج والعلاقات الاقتصادية المتميزة، وأن قوى دولية لها مصالح في إيران لن توافق على مغامرة عسكرية أمريكية أو حتى إسرائيلية في مغامرتهما بذلك رغم أنه احتمال بعيد المنال يمليه منطق الجيوبوليتيكا الإيرانية لأنها الدولة الثانية عالمياً في الغاز الطبيعي ودولة نفطية ويتزايد الاستهلاك النفطي والغاز في الصين التي تسعى إلى مد خط إكسبرس حديدي من الصين حتى إيران، ثم إن هناك علاقات تصدير من خلال الأنابيب لكل من باكستان والهند، وعلاقات متميزة بين إيران وتركيا تمليها الجغرافيا وحاجة تركيا للطاقة وتغيرات سياسية على السياسة العربية بعد الثورات الشعبية مما يجعل إيران في موقف المطمئن من مغامرات عسكرية رغم الحرب النفسية. لذا تبقى سياسة الاحتواء في العلاقات الخليجية –الإيرانية هي الأقرب لمصالح الطرفين بعيداً عن الضغوط الأمريكية التي تريد أن تجعل من (البعبع) الإيراني فزاعة في منطقة الخليج لتحقيق أهدافها في المنطقة وتخفيف الضغط عن إسرائيل أو حتى تشكيل جبهة عربية ضدها لحل الصراع العربي-الإسرائيلي.

ونجد أن تركيا لم ترضخ للضغوط الأمريكية لمقاطعة إيران، بل عززت علاقاتها التجارية واستيراد الطاقة منها وفرضت نفسها وسيطاً بين واشنطن وطهران مع المبادرة البرازيلية –التركية رغم عدم نجاحها.

ولعل من المفيد أن نشير إلى ما ذكره المحلل الاستراتيجي الأمريكي جورج فريدمان في الأول من مارس 2010، من أن المؤشرات الجيوبوليتيكية تشير إلى احتمال صفقة أمريكية-إيرانية في المنطقة خاصة لتشابك المصالح بين الطرفين في كل من العراق وأفغانستان، ونشهد حالياً غموضاً في سياسة إدارة أوباما تجاه الشرق الأوسط عامة ومنطقة الخليج خاصة، ويظهر ذلك من موقفها من أحداث البحرين، لأن واشنطن عازمة على الانسحاب من كل من أفغانستان والعراق، وتحتاج إلى ترتيبات أوضاع جديدة مع إيران من خلال الدبلوماسية وليس الخيار العسكري، ومما يزيد التعقيد أمام واشنطن ودفعها لصفقة مع إيران، تطورات الأحداث في الدول العربية وثوراتها المفاجئة التي تحتاج إلى استراتيجية أمريكية جديدة لمواجهتها بعد سقوط أصدقائها والكنز الاستراتيجي لإسرائيل ولها في مصر. ولذلك بالتأكيد أن هناك حاجة ماسة لصفقة إيرانية –خليجية استباقاً لصفقة إيرانية –أمريكية، لأن الجوار الجغرافي والتاريخ والدين والمصالح المشتركة تتطلب ذلك بعيداً عن التصريحات الإعلامية في إيران التي تكون غالباً للاستهلاك المحلي أو التنافس بين أقطاب النظام في إيران، فإيران بحاجة للعالم العربي والإسلامي والخليج يحتاج إلى الاستقرار السياسي والتفاهم الإقليمي بعيداً عن صراع وتنافس الدول الكبرى عليه.

مجلة آراء حول الخليج