array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

احتمالات الربح والخسارة في أية مواجهة خليجية – إيرانية

الجمعة، 01 تموز/يوليو 2011

ثمة تناقض واضح في نوعية الخيارات الاستراتيجية المطروحة حالياً بين إيران وحلفائها من جهة، ودول مجلس التعاون الخليجي من جهة أخرى. وهذا ليس بجديد أبداً، لكنه يعود ليحتل واجهة الطرح العلني متأثراً بما تشهده منطقة الشرق الأوسط من حراك تاريخي حقيقي قد يغيّر معالمها، أو قد يُدخل، في الحد الأدنى، عناصر جديدة إلى معادلات الصراع القائمة على الصعد كافة.

لا شك في أن السعي الدؤوب لإبراز ذلك التباين بين المعسكرين يجب أن يهدف بالدرجة الأساسية للإشارة إلى خلل معيّن ضمن سياق العلاقات الجوارية التي من المفترض أن تكون سلمية وسليمة، حيث إن ذلك الخلل أخذ يتفاقم منذ حقبة زمنية معيّنة ليبلغ في الوقت الحاضر مدى خطيراً من التنافس، الذي قد يتكامل ربما على شكل مواجهة أكثر حدة مما نتوقع. وهذا يدعو إلى دق ناقوس الخطر حتماً، لأن أي صدام مقبل، أيديولوجي الطابع أم مذهبي الهوى، سيعود بنتائج كارثية على الجميع من دون استثناء. فلا يظنّن أحد بأنه سيكون بمنأى عن تداعياته وآثاره الوخيمة.

لقد برز التناقض بين المعسكرين في أكثر من ملف، كلها مرتبطة بخيارات إقليمية أو ربما محلية مختلفة، لكنها أثّرت، ولا تزال، في استقرار الوضع الجيوسياسي لدول مجلس التعاون الخليجي، واستهدفت تالياً العلاقات الاستراتيجية الدولية التي تطمح دول المجلس للحفاظ عليها، لأنها تشكّل ضمانة رئيسية لأمنها واستقرارها.

وقد تجلّى ذلك التناقض بشكل واضح بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، حيث إن الأهداف التي رسمتها إيران (الجديدة) ومن ضمنها احتمالات تصدير الثورة إلى الدول المجاورة، وأساليبها المختلفة في التعاطي مع مشكلات المنطقة المستعصية وطريقة اقتراح الحلول لها، أسهمت كلها في بناء جدار صعب من عدم الثقة لا يمكن تخطيه بهذه السهولة.

وينبع ذلك حتماً من المنطلقات الأيديولوجية التي يتبناها كل معسكر، والتي ترسخت في الوجدان الفكري لكليهما بشكل بات من الصعب معه إيجاد القواسم المشتركة، لدرجة أن كثيراً من المراقبين والمحللين باتوا يؤمنون بأن المواجهة المباشرة بين المعسكرين ليست سوى مسألة وقت، لأن المواجهة غير المباشرة هي قائمة أصلاً بأشكال مختلفة وفي أكثر من مكان. وإن دلّ ذلك على شيء فإنما يدل على التباعد الواضح في طريقة ملامسة الأمور الإقليمية، والعجز عن إيجاد الحلول الناجعة للمشكلات الثنائية العالقة منذ زمن بعيد، والجزم مجدداً بأن الاختلافات الفكرية (المغلّفة بغطاء مذهبي) بينهما تعمّقت بدلاً من أن يتم جسرها، وأن كليهما بالتالي يستعدّان للمواجهة بدلاً من الاتفاق على قواعد مشتركة تُشيع الطمأنينة وتؤسس لتسوية منطقية ينشدها الجميع.

قضية التسوية السلمية في منطقة الشرق الأوسط تأتي في مقدّمة الملفات المثيرة للخلاف بين المعسكرين الخليجي والإيراني

مكامن الخلل ونقاط الصراع

إذا نظرنا بشكل تحليلي إلى خريطة العلاقات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط، سنرى مكامن الخلل القائمة في العلاقات الثنائية، المنعكسة في التناقضات الكثيرة التي تختزنها ملفات النزاع المستعرة في المنطقة، والتي أصبحت صورها تتبلور بشكل تدريجي في الوقت الحاضر:

* تأتي قضية التسوية السلمية في منطقة الشرق الأوسط في مقدّمة الملفات المثيرة للخلاف بين المعسكرين. ففي حين يتباهى مجلس التعاون الخليجي ومعه الغالبية العظمى من الدول العربية بالتوجه السلمي التوافقي، المتمثل أصلاً في المبادرة السعودية المطروحة في قمة بيروت، باعتبارها بوصلة التحرك الاستراتيجي المرحلي، تصر إيران على رفض تلك المبادرة انطلاقاً من إيمانها بعقم جهود التسوية بكافة أشكالها، ورغبتها في مواصلة دفع مبادئ الثورة الإيرانية، وعمادها الكفاح المسلّح، حتى تحقيق الهدف المنشود. وما هو مشترك بين الجانبين هنا هو اقتناعهما بضرورة تحقيق الشعب الفلسطيني لتطلعاته، لكن ذلك يبقى ضمن المسلّمات العامة المتداولة في سياق العلاقات الثنائية على الصعيد الدولي ككل، ولا يؤشر بالتالي لأي تقارب أيديولوجي من أي نوع.

* التنافس يبقى محتدماً على الساحة اللبنانية المطلّة بدورها على ساحتي فلسطين وسوريا. والتقسيمات والتجاذبات الثنائية القائمة هنا بين المعسكرين ليست خافية على أحد، وكذا الأهداف والتطلعات التي ينشدها الأطراف المعنيون. ولا شك في أن المواجهة غير المباشرة بين المعسكرين في هذه الساحة واضحة وقائمة بأشكال مختلفة، حتى في تلك الأمنية منها.

* المواجهة الأكثر خطورة تجلّت على الأرجح في كل من اليمن والبحرين، حيث تطلبت في كلتاهما تحركات عسكرية مساندة وإن بأشكال متفاوتة، وهو ما شكّل تجربة فريدة من نوعها قد تؤشر إلى تطور نوعي في طريقة المواجهة المتوقعة بين المعسكرين من اليوم فصاعداً. وجاءت المواجهة التجسسية في الكويت لتبيّن أن تطور الخلاف وصل إلى مستوى جدي وخطير، بات معه من المفترض الاستعداد لكافة التداعيات المحتملة.

كل هذه التطورات تفرض مجموعة من الأسئلة والاستفسارات حول موازين القوى واستعدادات كل طرف على جبهات المواجهة كلّها، لا سيما العسكرية والاستخباراتية والأمنية والدبلوماسية، لكن أيضاً الاقتصادية والتنموية والفكرية. وهذه كلها مقاييس يفترض توفرها لدى أي طرف من أطراف المعركة، التي يتجرأ البعض على وصفها بمعركة البقاء ربما، انطلاقاً من حقيقة أن مصير الفاشل فيها سيكون التقوقع في كواليس السياسة الدولية، هذا إذا لم ينسحب ربما إلى ما وراء عناوين التاريخ أيضاً.

فأين هي مكامن القوة والضعف في المعسكرين، وهل إن الاعتماد على العلاقات الدولية الوثيقة سيكون كافياً، وفق ما تؤمن به بعض دول مجلس التعاون لتأمين الحصانة والحماية المطلوبتين في هذا الظرف الدقيق؟

التطور العلمي حاجة ملحّة

إن الحرص على مستقبل هذه الدول والمنطق الموضوعي المتحرّر من أي انتماءات تحيّزية يدعونا إلى توجيه مجموعة من الملاحظات التي قد تكون مفيدة في رفد المسؤولية المفترض توفرها لدى قادة دول مجلس التعاون في هذا الظرف الحساس الذي نعيش فيه.

وأولى تلك الملاحظات مرتبطة بالفوارق الواضحة بين المجتمعين المتنافسين، لا سيما تلك التي تؤشر إلى مدى استقلالية كل منهما في قطاعات الحياة والتطور، باعتبار أن هذه الاستقلالية باتت تشكّل منذ زمن بعيد مظهراً من مظاهر القوة، لا بل أصبحت من المقاييس التي يُعتمد عليها لتبيان نسبة التقدّم والقدرة على المواجهة.

أي صدام إيراني-خليجي مقبل سيعود بنتائج كارثية على الجميع دون استثناء

وفي هذا السياق لا بد أن نلاحظ نسبة الاكتفاء الذاتي في التطور العلمي المنسحب أيضاً على التقدم في الصناعات المختلفة، ومنها العسكرية طبعاً، لنسجّل تفوقاً إيرانياً واضحاً بات يثير الشكوك على أكثر من صعيد. ونقول شكوكاً لأن حالة عدم الثقة لا تزال هي السائدة في سياق العلاقات الدبلوماسية والسياسية بين الجانبين، في حين أنه كان من الممكن أن يكون ذلك التقدم الصناعي مبعث فخر واعتزاز لجميع أبناء المنطقة لو كانت صورة المصالح والتجاذبات الإقليمية مغايرة تماماً لما هي عليه حالياً.

إن الاحتكام بموضوعية إلى القرائن والأدلة الكثيرة المتوفرة يدعونا للجزم بضرورة إيلاء مسألة التطور العلمي في دول مجلس التعاون أهمية قصوى لكي تكون قادرة على مجاراة تحديات المرحلة، وتقليل اعتمادها حصرياً على اتفاقيات الدفاع المشترك التي تربطها مع دول صديقة كثيرة. ومع الاعتراف بأن تلك الاتفاقيات، أو على الأرجح دائرة الأصدقاء تلك، تشكّل جانباً من جوانب القوة التي يتمتع بها مجلس التعاون في الوقت الحاضر، إلا أنها تبقى عنصراً موضوعياً قد يتغير في أي لحظة، في حين أن المطلوب هو تعزيز الاعتماد على العناصر الذاتية التي تضمن تطوراً حقيقياً وقوة دفع ثابتة. ولا شك في أن رفد الطاقة العلمية للدول العربية الحليفة يبقى أيضاً من الأمور الجوهرية التي يجب عدم التقليل من شأنها، خصوصاً إذا أخذنا موضوع المواجهة مع إيران من منظار ديموغرافي بحت.

وقد يكون مفيداً الإشارة في هذا السياق إلى أن التطور العلمي المشار إليه يجب بالضرورة ألا ينحصر في الشق العسكري، بل أن يشمل كافة القطاعات الرئيسية التي تكون ضرورية لبناء مجتمع المؤسسات العصري، القادر على التجدد والنمو بشكل خلاّق، ومكافحة كافة أوجه التخلف والانغلاق الفكري.

ثغرات دبلوماسية وأمنية كثيرة

لا شك في أن أبرز عناصر المواجهة في أي مكان من العالم تتمثل عادة في الحقلين الأمني والدبلوماسي، المكمّلين لبعضهما بعضاً على أكثر من صعيد. وفي خضم المواجهة القائمة حالياً بين دول مجلس التعاون الخليجي وإيران لا بد من الإشارة إلى هذين الحقلين أيضاً باعتبارهما يعكسان واقع التطور أو التخلف لكل منهما.

إن المراقبة الموضوعية للأداء الدبلوماسي الخليجي تكشف سلسلة من الثغرات التي لا تميل لصالح دول المجلس بأي شكل من الأشكال، لا سيما في ما يخص النشاطات التي تقوم بها السفارات الكثيرة المنتشرة حول العالم. وكما هو معروف فإن كل دولة في المجلس تتمتع بسيادتها الخاصة وتملك طريقة تفكير وأداء مختلفين على الساحة الدولية، كما لكل منها أسلوبها في تعيين الدبلوماسيين المبتعثين إلى الخارج.

جاءت المواجهة التجسسية في الكويت لتبيّن أن تطور الخلاف وصل إلى مستوى جدي وخطير

وذلك تحديداً يشكّل واحدة من الثغرات الخطيرة المفترض تداركها على المستوى الدبلوماسي، حيث إن ما يظهر للعلن هو سياسة دبلوماسية غير موحدة وبالتالي غير متناسقة مع توجهات قيادة مجلس التعاون، باستثناء ما يصدر من مواقف إزاء الأحداث الدولية أو الإقليمية المختلفة. وقد نرى ذلك التنسيق حصرياً على الأرجح في نشاطات رؤساء البعثات الدبلوماسية خلال لقاءاتهم الرسمية في الدول المعتمدين فيها، لكننا لا نرى تواصلاً حقيقياً بين تلك السفارات والجهات الشعبية والإعلامية العامة، بعكس ما تحرص عليه إيران على سبيل المثال، والتي يبقى حضور سفاراتها واضحاً من خلال الجهد الذي يبذله دبلوماسيوها على أكثر من صعيد.

ولا شك في أن طريقة تعيين بعض الدبلوماسيين في الخارج تبقى من المشكلات الآنية التي تعاني منها الدول العربية كافة، ومنها بالطبع معظم دول مجلس التعاون الخليجي. فمسألة الواسطات والتنفيعات المختلفة لا تزال قائمة، وهو ما يخلق ثغرات كثيرة على صعيد العملين الدبلوماسي والأمني على حد سواء، باعتبار أن الشخص المعين في هذا المنصب أو ذاك يجب بالضرورة ألا يتمتع بالكفاءة المفترض توفرها، على الأقل في هذا الظرف الدقيق.

وهذا يؤدي بالطبع إلى سلسلة من الأمور الخطيرة التي يمكن اختصارها على الشكل التالي:

* عدم القدرة على ممارسة العمل الدبلوماسي بشكل منطقي ومقبول وبالتالي عكس صورة سيئة عن الدولة المبتعثة.

* عدم تمتع الدبلوماسي المذكور بأية قدرة تحليلية لكي يكون قادراً على نقل وجهة نظر بلاده، ولا حتى وجهة نظر مجلس التعاون عن قضايا الصراع الآنية.

* عدم تمتعه بأي حس أمني، وهذا يجعله وسفارته عرضة للاختراقات الأمنية الكثيرة بشتى أشكالها، لا الإيرانية فقط.

* عدم تمتّعه بحس المسؤولية، باعتبار أن ولاءه المطلق يبقى للشخص الذي أمّن له الواسطة والقادر أيضاً على حمايته والدفاع عن عجزه إلى ما لا نهاية. وهنا تفتقد السفارات مبدأ المحاسبة الصارمة المفترض توفره لإبعاد أي دبلوماسي مقصّر في عمله، فتتراكم الشوائب والنواقص لتولّد في نهاية الأمر مؤسسة عاجزة، لا تقوم إلا بالعمل الروتيني المتمثّل في ترجمة الصحف المحلية واستقصاء التقارير السياسية منها.

إن الظرف هو ظرف المواجهة الحقيقية التي تشمل كافة القطاعات، والتي يجب عدم الاستهانة بها بأي شكل من الأشكال. وكما يبدو من التطورات الكثيرة التي نشهدها في منطقتنا، فإن ساعة القرارات والمواقف الحاسمة قد دقّت، وأن زمن التغييرات التاريخية الحقيقية قد حلّ.

ما هو مطلوب بالطبع يبقى العمل بكل جهد وإخلاص لتأمين العيش المشترك وحسن الجوار بين دول مجلس التعاون والجمهورية الإسلامية الإيرانية استناداً إلى القواسم الإنسانية الكثيرة المشتركة والتي لا بد أنها موجودة. أما إذا لم يكن ذلك ممكناً لأي سبب، فلا بديل أمام دول مجلس التعاون سوى السعي للتكافؤ بشكل حقيقي مع غريمها القوي حتماً، لكن ضمن مشروع علمي شامل يعتمد الحجة والمنطق أساساً له، ويستبعد تماماً، وهذا هو الأهم، الشحن والتجييش المذهبي الذي لن يحقق سوى تقهقر فكري جذري نحو غياهب المجهول.

مجلة آراء حول الخليج